صديق الريح

قصائد الشاعر الكبير عبدالله البردوني - نشوان نيوز - صديق الريح

على اسم الجنيهات والأسلحة
يتاجر بالموت كي يربحه

ويشتم كفي مرابي الحروب
فيزرع في رمله مطمحه

ذوائبه الحاضنات النجوم
بأيدي المرابين كالممسحه

يمنيه طاغ حساه الفجور
وجلمد في حلقه النحنحه

فيدمي وتغدو جراحاته
مناديل.. في كف من جرحه

وتومي له حربة،(الهرمزان)
بقرآن (عثمان) والمسبحه

فيهوي له جبة من رماد
ومن داميات الحصى أوشحه

على وجهه ترسب الحشرجات
وتطفو قبور بلا أضرحه

ويجتره من وراء السراب
أسى يرتدي صبغة مفرحه

فيجتاح تلاً شواه الحريق
وتلآ دخان اللظى لوحه

ويغتال رابية ممسياً
وتأكله ربوة مضبحه

وكالسل يمتص زيت(الرياض)
ويرضع من دمه المذبحه

ويسقط حيث تلوح النقود
هنا أوهنا لا يعي مطرحه

طيوف الحياة على مقلتيه
عصافير دامية الأجنحه

تعب أساريره الأمسيات
وتنسى الصبيحات أن تلمحه

وغاياته أن يدير الحروب
ويبتز أسواقها المربحه

ومادام فيه بقايا دم
فمن صالح الجيب أن يسفحه

يجود بأشلائه ولتكن
(لإبليس) أو(آدم) المصلحه

* * *
وتلك عوائده الخالدات
يجوع ومن لحمه يأكل

بلا درهم كان يدمي فكيف؟
وكنز (المعز) له يبذل

أينسى عراقته أنه:
أبو الحرب أو طفلها الأول

ومازال تنجبه كل يوم
(بسوس) وأخرى به تحبل

إلى أين يسري؟ وردّ الصدى:
إلى حيث لا يثنى الرحل

وكان هناك سراج حزين
يئن ونافذة تسعل

فأصغى الطريق إلى مسمر
كنعش ينوء بما يحمل

وقال عجوز سها الموت عنه
على من ننوح ومن نشكل؟

رمى أمس (يحيى) أخاه(سعيداً)
وأردى أبن أختي أخي (مقبل)

فرد له جاره: لو رأيت
متاريسنا كيف تستقيل

تمور فتغشى الجبال الجبال
ويبتلع الجندل الجندل

ويهوي الجدار على ظله
ويجتر أسواره المعقل

وقالت عروس صباح الزفاف
سعى قبل أن يبرد ( المحمل)

ويوماً حكوا أنه في (حريب)
ويوماً أتى الخبر المذهل

وصاح فتى: أخبروا عن أبي
وأجهش حتى بكى المنزل

وولى ربيع مرير وعاد
ربيع بمأساته مثقل

وضاع المدى وصديق الرياح
يحوم..وعن وجهه يسأل

ويمضي به عاصف قلّب
ويأتي به عاصف حول

***
أما آن يا ريح أن تهدئي
ويا راكب الريح أن تتعبا

و أين ترى شاطئ الموج يا
(براش) ويا نسمات الصبا

ويا آخر الشوط: أين اللقاء؟
ويا جدب أرجوك أن تخصبا

ويا حلم،هل تجتلي معجزاً
تحيل خطاه الحصى كهربا

يبيد بكف، نيوب الرياح
ويمحو بكف، حلوق الربى

ويغرس في الذئب رفق النعاج
ويمنح بعض القوى الأرنبا

أيأتي؟ ويحتشد الانتظار
يمدُ له المهد والملعبا

ويبحث عن قدميه الشروق
ويحفر عن ثغرة المغربا

وعادت كما بدأت غيمة
توشي بوارقها الخلبا

وتفرغ أثداءها في الرمال
وتهوي تحاول أن تشرباً

و(صنعاء) ترتقب المعجزات
وتحلم بالمعجزات المُجتبى

وكالصيف شع انتظار جديد
على الأفق وامتد واعشوشبا

وحدق من كل بيتٍ هوى
يراقب عملاقه الأغلبا

ويختار أحلى الأسامي له
ويتنخب اللقب الأعجبا

ويخلقه فارساً يمتطي
هلالاً ويتشح الكوكبا

سيدنو فقد آن للسهد أن
ينام وللنوح أن يطربا

فعمر الرصاص كعمر سواه
وإن طال جاء لكي يذهبا

وقد يقمر الجو بعد اعتكار
وقد ينجل الأحمق الأنجبا

مارس 1966م

** ** **

زر الذهاب إلى الأعلى