زامر الأحجار
قصائد الشاعر الكبير عبدالله البردوني - نشوان نيوز - زامر الأحجار
موطني أدعوك، من تحت الخناجر
وإلى زنديك، من موتي أسافر
هامتي عنوان بيتيك، وفي
قبضتي من سرة الريح، تذاكر
من سعال التبغ أطفو، وإلى
جبهتي أخرج من جوف المحابر
تخبز الكثبات في جمجمتي
وجهها خارطةً حمر الدوائر
* * *
المسافات معي تمشي، إلى
ركبتي، تأتي، ومن ساقي تغادر
من هنا، من نصف وجهي، وإلى
نصف وجهي سائرٌ، والدرب سائر
من هنا آتي، وآتي من هنا
دلني أرجوك: من أي المعابر؟
فيك أفنى، أرتمي سنبلةً
تحفر الأشواك من منقار طائر
عن ندى يغزلني مزرعةً
ومهباً يعزف الريح بشائر
فيك أمتد طريقاً، أنهمي
كرمةً، عصفورة، مشروع شاعر
* * *
هاك، شكلني كتاباً، وردةً
أي شيءٍ، أي تشكيلٍ مغاير
ليس تدري الآن ما اسمي؟ ربما
كنت من "عمران" أو من "بيت عامر"
صرت لا أجدي، أعدني إنني
جئت من أم -كجلد الرمل- عاقر
قمطتني نبتةٌ بريةٌ
رحبت عوسجةٌ بابن الأكابر
* * *
أرضعتني الريح مزماراً، وفي
ذلك المربى دعاني السفح، زامر
علمتني أدخل الكنه، إلى
أسفل الأخفى، ليرقى كل غائر
فتهجيت كتاب المنحنى
قبل أن تحلم بالحبر الدفاتر..
ولذا أعشبت في ساقيك
يا موطني، أقمرت أشواقاًمواطر
فل ماذا عنك هاجرت أنا
وإليك ارتحلت أعتى المهاجر..
موطني: هل أكشف الغور، أما
يوجز البرق المصابيح السواهر
منك أدعوك، وصوتي أنت
يا أقرب القرب، وبعد المغامر
ولعينيك أغني، وأنا
أنطفي وحدي، كأعقاب السجائر
* * *
أحتسي طعم رمادي باحثاً
في أسى الذرات عن شوق المجامر
أشتري من شارع الأمس فماً
معزفاً، أغنية عن "ظبي حاجر"
جرةً، جاريةً كوفيةً
أنجماً، أخيلةً حمر المشافر
أمضغ القات الذي يمضغني
أمتطي جنيةً مثلي تحاذر
أسأل المذياع: ماذا يدعي؟
من صديق الشعب، وفي دور الأوامر؟
يستحيل الصمت نهدي عانسٍ
أحتمي من ساعديها بالضفائر
أغتفي، يتكىء النوم على
نعل شرطي، على أهداب ساحر
* * *
أدخل الأحجار، أنمو، أرتدي
عريها، تلبسني مثلي تخاطر
تبتني هجس الحصى فلسفةً
للتحدي، تنتقي نوع المنابر
تهتك الاسرار، تدوي، يا ربي:
السلام القتل، والقتل المتاجر
آخر الحرب كبدء الحرب، لا
يبتدي النصر، ولا للحرب آخر
* * *
يرتقي العهر على العهر، إلى
آخر المرقى، لأن السوق عاهر
لأن الشارع الشعبي، على
زحمة الأهل، لغير الأهل شاغر
* * *
هذه "الموضات" أعراس بلا
أي عرسٍ، هكذا الموت المعاصر
أيها السواق: من ذا ههنا؟
إنها ملأى، ولكن من أحاور؟
ذلك الدكان يعطي غير ما
عنده، هذا بلا حذقٍ يناور
ذاك ماخورٌ بلا واجهةٍ
ذاك ذو وجهين: ودي ونافر
كل شيءٍ رائجٌ منتعشٌ
هل سوى الإنسان معروضٌ وبائر؟
تلك أصوات أناسٍ، لا أعي
أي حرفٍ، أصبح الإسمنت هادر
يا فتى: يا ذلك الآتي، إلى
غيره يرنو: صباح الخير "صابر"
سنةً تبحث عن بيتٍ؟ سدىً
أتعب التفتيش "مسعود" و"شاكر"
إن هداك البحث عن بيتٍ، إلى
مقعدٍ في أي مقهى، لست خاسر
* * *
أصبح المحتل طين الأرض، عن
طينها، واحتل "مريان" و"ظافر"
صار"رمسيساً" و"عمراً" وارتدت
قامة التلمود "يس" و"فاطر"..
وبنى (بيجن) ب(جيهان) على
لحية (السادات) زفي يا مساخر
لم يعد هذا (أبو الهول)، هنا
(حائط المبكى)، أفق يا قبر ناصر
* * *
تسأل الأحجار: ماذا يختفي
يا درامى، تحت ألوان الستائر؟
ومن السادات منكم؟ كلكم
واحدٌ كاثنين: موحٌ ومباشر
* * *
صلوات النفط سفيانيةٌ
والمصلى، لحم "عمار بن ياسر"..
إنها نفس الضحاياوالمدى
آخر التجديد، في شكل الوتائر
* * *
ههنا الثروة فقرٌ زاهرٌ
وكذا الفقر هنا زاهٍ وزاهر
يا (بهاء الدين) ماذا تنتقي؟
من تغني؟ وكلا البدرين حاضر
* * *
أسمع الأحجار من داخلها:
أينا الملعون؟ من أفشى السرائر؟
أصبحت -ياكشف- حلاجيةً
فتحت للريح أبواب الظواهر..
* * *
ما الذي يدوي؟ صخورٌ سيدي
ذاك أدهى ما جرى، سخفناً نكابر
أسكتوا -كالناس- أحجار الربى
قبل أن تنشق أحجار المقابر
أقتلوها الآن، ماذا ندعي؟
سجلوها ثورةً من غير ثائر
هجماتٍ ضد مجهولين، من
غيركم أدى بقاموس العساكر
* * *
تصرخ الأحجار: يا أبطال في
غير حربٍ، يا مغاوير المسامر
يا رجالاً في الملاهي، يا دمىً
في سواها، من ملفات المخافر
كسرتكم فوضويات المنى
يا (أفندم) لم تعد فيك مكاسر
* * *
اهربوا ناريةً أعينها
ولها كالجن، أيدٍ وحناجر
أهي خيلٌ؟ شبه خيلٍ، إنما
ذات بعدٍ تاسعٍ، في بطن عاشر
تقرأ الأعشاب من أعراقها
كي تعيد الأرض تركيب العناصر
ترسم التصهال جغرافيةً
تبتدي عالمها من كل حافر..
* * *
خبأتني هذه الأحجار، في
صلبها، أضحت بلادي والعشائر
عن فمي تعلن عن إنصاتها
أغتلي هجساً، وعن همسي تجاهر
أنا والأحجار نأتي، نبتدي
موطناً بكراً، ونختار المصائر..
هل لذا الوادي سوى أحجاره
وزمان الصخر أدرى بالضمائر
* * *