تقارير ووثائق

الصراع اليمني.. إمكانية الحل في ظل التصعيد

بعد أكثر من عامين على اندلاع الحرب اليمنية، إثر سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء في أيلول/ سبتمبر 2014، ثم انقلابهم على الرئيس عبد ربه منصور هادي، وتوجههم إلى احتلال الجنوب مطلع عام 2015، تمكّنت حكومة الرئيس هادي، للمرة الأولى، منذ رد هجوم المتمردين على عدن، من أخذ زمام المبادرة والانتقال من الدفاع إلى الهجوم؛ فقد تمكّنت قوات الجيش الموالي للحكومة من تحقيق تقدّم على ثلاثة محاور رئيسة، بصورة متزامنة تقريبًا؛ الأول في اتجاه محافظة صعدة، معقل جماعة الحوثي، المحاذية للحدود السعودية، والثاني في مديرية نهم، شمال شرق العاصمة صنعاء، حيث حققت قوات الحكومة اختراقاتٍ مهمةً، غير أنّ الإنجاز الأهم كان في المحور الثالث، حيث تمّت السيطرة على ميناء المخا، في إطار ما أطلق عليه اسم عملية "الرمح الذهبي" التي تستهدف فرض سيطرة الحكومة على كامل الشريط الساحلي، الممتد على طول البحر الأحمر غربي البلاد.

 

عملية الرمح الذهبي
في مطلع كانون الثاني/ يناير 2017، أطلقت الحكومة اليمنية، بمساندة من قوات التحالف العربي، عمليةً واسعةً استهدفت مواقع مسلحي جماعة الحوثي والرئيس السابق علي عبد الله صالح في منطقتي باب المندب و"ذو باب"، تمكّنت خلالها من السيطرة على نحو 75 كيلومترًا من الشريط الساحلي على البحر الأحمر الذي يضم ميناءيْن من أهم الموانئ اليمنية، هما المخا وذو باب، إضافةً إلى معسكر العمر الإستراتيجي. وقد شاركت في عملية "الرمح الذهبي" خمسة ألوية تابعة للجيش اليمني، تم تجهيزها في عدن، بعد صد هجوم الحوثيين عليها منتصف عام 2015. وأهم هذه الألوية اللواء الثالث حزم الذي فقد قائده العميد عمر سعيد الصبيحي، خلال معارك استعادة ميناء المخا، قبل أن يفقد أيضًا اللواء أحمد سيف اليافعي، نائب رئيس الأركان اليمني الذي قتل بصاروخ حراري في أثناء المواجهات التي دارت شمال الميناء يوم 22 شباط/ فبراير 2017.

تكمن أهمية عملية "الرمح الذهبي" في قيمة المنطقة التي استعيدت من المتمردين، والتي يمكن أن تنعكس إيجابيًا على وضع الحكومة العسكري، وعلى صعيد العملية التفاوضية في حال استئنافها. ووفقًا للناطق الرسمي باسم القوات المسلحة اليمنية، العميد عبده مجلي، تهدف عملية "الرمح الذهبي" إلى تأمين السواحل اليمنية كافة على البحر الأحمر، البالغ طولها نحو 442 كيلومترًا، والسيطرة على خطوط الإمداد الأساسية فيها، من أجل منع وصول أسلحة جديدة إلى تحالف قوات الحوثي وعلي عبدالله صالح، وإضعاف الطرفين، تمهيدًا لإطلاق عملية استعادة العاصمة صنعاء، إذا لم يرضخ المتمردون لشروط الحل السياسي، وفقًا للمرجعيات الثلاث (المبادرة الخليجية لعام 2011، ووثيقة مخرجات الحوار الوطني الشامل لعام 2014، والقرار الأممي رقم 2216 الصادر عام 2015). وتتضمن الخطة أيضًا استعادة ميناء ميدي القريب من الحدود السعودية، ثم الانطلاق، في حال نجاحها، إلى المرحلة الأهم، المتمثلة باستعادة ميناء الصليف، وميناء الحديدة، المنفذ البحري الأهم الذي تسيطر عليه قوات الحوثي وصالح على البحر الأحمر. ونظرًا للأهمية الإستراتيجية لهذه الموانئ، فقد أبدى المتمرّدون مقاومةً شرسةً في المناطق الجبلية المحاذية للشريط الساحلي، حرصًا على الحفاظ على منافذ مائية قريبة من القرن الأفريقي لأغراض التهريب والحصول على الإمدادات من الخارج.
متغيرات لمصلحة الحكومة
جاءت هذه المتغيرات العسكرية في سياق تطوراتٍ محليةٍ وإقليمية ودولية متباينة من حيث تأثيرها في مسار الصراع في اليمن؛ فمن جهةٍ تعزّز وضع الحكومة الشرعية بعد عودة الرئيس هادي إلى عدن، واستقراره فيها، بوصفها عاصمةً مؤقتةً، ونقل البنك المركزي إليها، وتفرّغ نائب الرئيس، اللواء علي محسن الأحمر، للإشراف المباشر على العمليات العسكرية في عدد من المحافظات والمناطق العسكرية، كما تمكّنت الحكومة الشرعية من كسب معركة "معاشات موظفي الدولة"، واستعادة ثقة الشارع بها، بعد فشل الحوثيين وصالح في تسليم هذه المرتبات ما يقارب الأربعة أشهر، بما في ذلك في أماكن سيطرتهم.
فوق ذلك، حصل تغير في البيئة الدولية، تمثّل بصورة رئيسة في قدوم إدارة أميركية جديدة، تبدو أقل استعدادًا من الإدارة السابقة لغض الطرف عن السياسات الإيرانية في المنطقة، ما سيؤثر، على الأرجح، في طريقة التعامل الأميركية مع الصراع في اليمن، ومقاربات تسويته، وكذلك في الموقف من الحوثيين. وقد بدأت انعكاسات اختلاف النظرة الأميركية للموضوع اليمني تظهر في اجتماعات اللجنة الرباعية الخاصة باليمن، وهي اللجنة التي تشكّلت في أيار/ مايو 2016، وتضم في عضويتها الولايات المتحدة، وبريطانيا، والسعودية ودولة الإمارات، وحلّت محل "مجموعة الثماني عشرة" الراعية للمبادرة الخليجية في اليمن التي كانت تضم مروحةً أكبر من الدول المهتمة بالشأن اليمني، بما فيها قطر وتركيا من بين دول أخرى. وتُحاول اللجنة الرباعية وضع تصور للحل السلمي المنشود في اليمن. وقد قام وزير الخارجية الأميركي الأسبق جون كيري بدور فاعل فيها، وطرح، في آخر أيام إدارته، مبادرةً تضمنت تنحية نائب الرئيس علي محسن الأحمر، وأن يصبح للرئيس هادي دور شرفي، بعد أن ينقل صلاحياتٍ لنائبٍ يعيّنه ويتم الاتفاق عليه، وذلك بعد انسحاب الحوثيين من العاصمة صنعاء، وتسليم الأسلحة الثقيلة والمتوسطة للدولة. وقد رفضت الحكومة اليمنية هذه الخطة حينها، وعدّتها مكافأةً للانقلابيين، فهي تنزع الشرعية عن حكومة الرئيس هادي، من دون أن تقدّم ضماناتٍ كافيةً بأن يلتزم المتمردون تعهداتهم الانسحاب من صنعاء وتسليم أسلحتهم الثقيلة.
وفي 17 شباط/ فبراير، استضافت مدينة بون الألمانية أول اجتماع للجنة الرباعية، بعد تسلم إدارة ترامب السلطة، بحضور وزير الخارجية الأميركي الجديد، ريكس تيلرسون الذي عمل في اليمن من عام 1995 وحتى 1998 رئيسَ فرع لشركة "أكسون" النفطية، وكان أطلق، خلال جلسة استماع في الكونغرس مخصصة للتصديق على تعيينه في منصبه، تصريحاتٍ تساند دورًا أميركيًا أكبر في دعم حكومة الرئيس هادي.
وأخذ هذا التغيير ينعكس أيضًا على نظرة الإدارة الأميركية الجديدة لجماعة الحوثي، وهو أمر استثمرته الحكومة اليمنية الشرعية؛ بحيث انتهزت فرصة تغير الموقف الأميركي تجاه جماعة الحوثي، وطلبت من الأمم المتحدة تصنيفها جماعةً إرهابية. وهو ما كانت تعارضه إدارة الرئيس السابق، باراك أوباما، التي كانت تنظر إلى الحوثيين، بصفتهم طرفًا سياسيًا في الصراع اليمني، وشريكًا محتملًا في الحرب على تنظيمَي القاعدة والدولة الإسلامية (داعش) في اليمن. وفي حال ذهبت إدارة ترامب في اتجاه تبنّي مواقف مستشار الأمن القومي المستقيل، مايكل فلين، الذي عدّ جماعة الحوثيين منظمةً إرهابيةً مرتبطةً بإيران، فربما يكون لذلك انعكاسات كبيرة على تطور الصراع، وعلى فرص تسويته.

متغيرات ضد الحكومة
في مقابل هذه التغيرات التي ربما تؤثّر في وضع الحكومة الشرعية ميدانيًا وسياسيًا، لجهة زيادة الضغوط على تحالف الحوثي - صالح للقبول بحل سياسي، استنادًا إلى المرجعيات الثلاث، تعمل تحولات أخرى في الاتجاه المعاكس، منها ضعف قدرة الحكومة على فرض سيطرتها على المناطق المحرّرة، وعدم فاعليتها في إدارة شؤون هذه المناطق، وتلبية احتياجات السكان الأساسية من ماء وغذاء وصحة وتعليم، وغيرها. وتزداد الأمور تعقيدًا مع تنامي التجاذبات وتضارب المصالح والمشاريع بين الأطراف الداعمة للشرعية، ولعل التمرّد الذي حصل في مطار عدن يومَي 11 و12 شباط/ فبراير 2017 يؤكد ضعف الحكومة، وتأثير التنافس بين الأطراف الداعمة لها في وضعها، بوصفها سلطةً قادرةً على فرض إرادتها، إذ رُفض قرار الرئيس هادي نقل السلطة على مطار عدن من أحد فصائل المقاومة "الجنوبية" المدعومة من دولة الإمارات إلى ألوية الحماية الرئاسية التي تتبع الرئيس هادي. وتكمن خطورة تضارب الأجندات هذه في أنّها تعوق عملية استعادة الدولة سلطتها، وفي إطالة أمد الصراع. لذلك، من المتوقع أن تطول عملية تحرير الساحل الغربي للبحر الأحمر، خصوصًا من الجهة الجنوبية، لأسباب كثيرة تتعلق بطبيعة بعض فصائل المقاومة الجنوبية، وقناعاتها وعلاقاتها الخارجية، وخصوصا بالدول الإقليمية الداعمة. إضافةً إلى أنّ التوجهات الأميركية ما زالت غير واضحة في العموم، ولا تزال في إطار التصعيد اللفظي. كما أنّ إستراتيجية الدعم المترتبة عن إعلان السعودية تقديمها ثمانية مليارات دولار لمشاريع إعادة الإعمار في اليمن ما زالت غير واضحة. فهل تستهدف هذه العملية تخفيف الضغوط الدولية الناجمة عن تفاقم الوضع الإنساني، الناشئ عن استمرار الحرب نحو عامين؟ أم تعزيز شرعية الحكومة وقدرتها على إدارة المناطق المحرّرة من خلال تحسين الخدمات المعيشية في مناطق سيطرتها. وفي المقابل، زيادة التململ الشعبي في مناطق سيطرة الحوثي وصالح؟ أم هي إشارة إلى قرب التوصل إلى تسويةٍ تنهي الحرب؟

 

خاتمة
مع أهمية ما تم إنجازه خلال الشهور الثلاثة الماضية في إطار عملية الرمح الذهبي، والاختراقات الكبيرة التي يحققها الجيش الوطني في منطقة باقم في محافظة صعدة، تُطرح التساؤلات التالية: هل تمثّل التطورات الميدانية الأخيرة جزءًا من خطةٍ شاملةٍ لهزيمة تحالف الحوثي - صالح واستعادة العاصمة صنعاء؟ أم هي عملية عسكرية محدودة فرضتها التهديدات المتكرّرة التي تمثّلها جماعة الحوثي لحركة الملاحة الدولية في البحر الأحمر، لا سيما بعد مهاجمة المدمرة الأميركية "يو إس إس ماسون" USS Mason في تشرين الثاني/ أكتوبر 2016، وتدمير السفينة الإماراتية "سويفت" HSV Swift"؟ وهل ستمثل عملية الرمح الذهبي بدايةً لانفراج يمني خلال عام 2017 سواء على الصعيد السياسي أم الميداني؟

زر الذهاب إلى الأعلى