تقارير ووثائق

دواء الكوليرا باليمن ليس مجانياً

يعجز كثير من المصابين بمرض الكوليرا في اليمن عن توفير ثمن أدويته، فينتهي بهم الحال موتى بعد صراع مع المرض يستمر أياماً. هذا الوضع هو ما يؤكده الطبيب في هيئة مستشفى الثورة العام، الدكتور جمال عبد المغني، الذي يوضح أنّ كثيراً من المصابين بالمرض لا يملكون ثمن الدواء، ولا يُقدَم لهم من قبل المراكز الصحية والمستشفيات.

يشير عبد المغني، إلى أنّ أغلب الأدوية التي تقدمها المنظمات عبارة عن محلول الإرواء وأقراص تعقيم المياه للوقاية، لكنّ بقية الأدوية الضرورية غير متوفرة مثل محلول "رينغر" والمضادات الحيوية ومضادات القيء والحفاضات بمختلف المقاسات، بالإضافة إلى الأدوية التي تعطى للمريض المصاب بمضاعفات حادة. يستغرب عبد المغني ما ينشر في وسائل الإعلام من تقديم مساعدات وأدوية لمواجهة مرض الكوليرا، في حين لا يجد المريض أغلب الأدوية ويضطر من يملك المال إلى شرائها من السوق.

يعلق: "تخيل أنّ أسراً جاءت إلى المستشفى بفرد مصاب بالكوليرا، ولا تملك ثمن قنينة الماء، فما بالك بالدواء؟ من المعيب أن نتابع اللافتات العملاقة التي تملأ شوارع صنعاء تتحدث عن مجانية دواء الكوليرا، لكن عندما يذهب المريض يجد أنّ الأدوية المدعومة قليلة جداً ويجب على المريض شراء بقية الأدوية". يضيف أنّ "المنظمات الدولية تبيع الوهم لليمنيين، ولهذا فإنّ أغلب ضحايا الكوليرا في اليمن هم نتيجة عدم توفر ثمن الدواء، فاليمنيون منذ 10 أشهر من دون رواتب".

وحول الكلفة المرتفعة للأدوية، يقول عبد المغني: "انقطعت بعض الأدوية تماماً مثل الأدوية المغذية التي كان سعرها في الأصل 270 ريالاً وتباع اليوم في السوق السوداء بـ800 (3.20 دولارات أميركية) بعد اختفائها من الصيدليات، علماً أنّ المريض يحتاج عادة إلى ست علب منها". أما المضادات الحيوية فيتراوح سعرها بما بين 1000 و1400 ريال يمني، ويصل سعر الحفاضة الواحدة الخاصة بكبار السن إلى 200 ريال تقريباً، وأحياناً يحتاج كبير السن إلى 10 حفاضات، أي 4000 ريال، وهو ما يعني أنّ متوسط ما يحتاجه المريض يومياً يتراوح ما بين 2500 ريال (10 دولارات) و4500 ريال (18 دولاراً) للعلاج. وهو مبلغ لا يستطيع الفقراء توفيره.

يشير الطبيب إلى أنّه وبعض زملائه عملوا خلال شهر رمضان على توفير الأدوية المطلوبة لبعض الأسر الفقيرة من خلال جمع تبرعات من فاعلي الخير. يقول: "تعامُلنا مع المريض شخصيٌ، ونسلّم الدواء له مباشرة، ولا نضع الأدوية التي نوفرها في مخازن المستشفى، لأنّ المرضى لن يستفيدوا منها". ويطالب عبد المغني منظمتي الصحة العالمية و"يونيسف" والسلطات في صنعاء، بالتعامل بشفافية مع المجتمع اليمني والكشف عن مصير الدعم الذي يعلن عنه بين فترة وأخرى لمواجهة الكوليرا.

يؤكد الطبيب أنّهم ناشدوا الجهات الحكومية توفير المحاليل والأدوية لمواجهة المرض في بداية انتشاره، لكن من دون جدوى: "كانوا يعتقدون أنّه مرض عادي ويقللون من مخاطره". وبحسب عبد المغني، بدأت حكومة صنعاء، في شهر مايو/أيار الماضي، في التحرك بعد انتشار المرض، ووجهت بتخصيص ثلاثة مستشفيات فقط في صنعاء لاستقبال المصابين: "بعد الفشل في احتواء المرض وزيادة الضغط على المستشفيات، قرروا فتح مراكز صحية، لكنها غير مجهزة بأيّ كادر طبي أو أدوية".

من جهته، يؤكد مصدر في وزارة الصحة والسكان في صنعاء ما ذهب إليه عبد المغني، مشيراً إلى أنّ أغلب الأدوية التي توزع على المستشفيات من قبل المنظمات عبارة عن محاليل إرواء وأقراص تعقيم المياه. يضيف المصدر، الذي فضل عدم ذكر اسمه، أنّه كغيره يتابع الأخبار التي تؤكد التبرع بمبالغ كبيرة لمواجهة مرض الكوليرا، لكنّ كثيراً من المصابين لا يجدون الأدوية المجانية في المستشفيات والمراكز الصحية ويضطرون إلى شرائها بأنفسهم. يشير إلى أنّ وزارة الصحة في صنعاء لا تملك في مخازنها أدوية خاصة بمرض الكوليرا وتعتمد اليوم على ما يقدم من المنظمات الدولية.

في المقابل، يوضح وكيل وزارة الصحة العامة والسكان لقطاع الرعاية الصحية الأولية في الحكومة الشرعية بالعاصمة المؤقتة عدن، الدكتور علي الوليدي، أنّ مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية قدم مؤخراً 550 طناً من أدوية الكوليرا، كما قدم الهلال الأحمر الإماراتي 100 طن، وهو ما يعادل 53 في المائة من إجمالي كميات الأدوية التي جرى تسليمها للمناطق الخاضعة لسيطرة أنصار الله (الحوثيين).

يضيف الوليدي لـ"العربي الجديد"، أنّ الوزارة سلمت مبلغ 8.2 ملايين دولار لمنظمة الصحة العالمية لتوزيعها كحوافز للكادر الصحي مقابل القيام بأنشطة توعوية منها دورات تدريبية في مختلف المحافظات. ويشير إلى أنّ "الحكومة ومؤسسة الرئاسة تبذلان جهوداً كبيرة للحد من انتشار الإسهالات المائية الحادة والكوليرا، وقد فتحت الوزارة مراكز لاستقبال الحالات وجرى إرسال الأدوية إلى جميع المناطق في 20 محافظة مستهدفة، كما أنشئت غرفة عمليات مركزية في عدن وأخرى في صنعاء وفرق عمليات فرعية في كلّ محافظة لمتابعة المرض".

زر الذهاب إلى الأعلى