كلنا في انتظار ميلاد فجر

قصائد الشاعر الكبير عبدالله البردوني - نشوان نيوز - كلنا في انتظار ميلاد فجر

شعبان سنة 1378ه

يا رفاق السرى إلى أين نسري
وإلى أين نحن نجري ونجري؟

دربنا غائمٌ يغطيه ليلٌ
فكأنا نسير في جوف قبر

دربنا وحشةٌ وشوكٌ ووحلٌ
وسباعٌ حيرى، وحيات قفر

ومتاهٌ تحير الصمت فيه
حيرة الشك في ظنون "المعري"

والرؤى تنبري كظمآن تهوي
حول أشواقه خيالات نهر

والدجى حولنا كمشنقة العمر
كوادي الشقا: كخيمات شر

راقد في الطريق يتسد الصم
ت، ويومي بألف نابٍ، وظفر

ذابلٌ والنجوم في قبضتيه
ذابلاتٌ كالغيد في كف أسر

* * *

يا رفاق السرى إلى كم نوالي
خطونا في الدجى إلى لا مقر؟

أقلق الليل والسكون خطانا
وخضبنا بجرحنا كل صخر

وغرسنا هذا الطريق جراحاً
واجتنينا الثمار حبات جمر

فإلى كم نسير فوق دمانا؟
أين أين القرار، هل نحن ندري؟

كلنا في السرى حيارى ولكن
كلنا في انتظار ميلاد فجر

كلنا في انتظار فجرٍ حبيبٍ
وانتظار الحبيب يصبي ويغري

يا رفاقي لنا مع الفجر وعدٌ
ليت شعري متى يفي؟ ليت شعري!

* * *

وهنا أدرك الفتور قوانا
وانتهى الزاد وانتهى كل ذخر

ومضينا كالطيف نصغي فهزات
سمعنا نغمةٌ كرنات تبر

فجرحنا السكون حتى بلغنا
بيت حسنا يدعونها أخت عمرو

فقرتنا لحماً وحسناً شهياً
وحديثاً كأنه ذوب سحر

وذهبنا وفي دمانا حنينٌ
جائع ينخر الضلوع ويفري

وطغى حولنا من السفح موجٌ
من ضجيج كأنه هول حشر

فإذا قريةٌ تدير ضراباً
وتريش السهام حيناً وتبرى

فاقتربنا نستكشف الأمر لكن
أي كشفٍ نحسه أي أمر

أعين تقذف اللظى ونفوسٌ
مثخناتٌ تنسل من كل صدر

وجسوم حمر تنوش جسوماً
في ثياب من الجراحات حمر

وتهز الخناجر الحمر... أيدٍ
ترتمي كالنسور في كل نحر

وانطفت حومة الوغى فاندفعنا
في سرانا نلف ذعراً بذعر

ورحلنا والليل في قبضة الأف
ق كتابٌ يروي أساطير دهر

وشددنا جراحنا وانطلقنا
وكأنا نشق تيار... بحر

* * *

هوم الطيف حولنا فالتفتنا
نحوه كالتفات سفرٍ لسفر

وسمعنا همساً من الأمس يروي
قصة الفاتحين من أهل "بدر"

فنصتنا للطيف إنصات صب
لمحبٍ يقص قصة هجر

وسرى في السكون صوت ينادي
يا رفاق السرى وأحباب عمري

يا رفاقي تثاءب الشرق وانسلَت
عذارى الصباح من كل خدر

والعصافير تنفض الريش في الوكر
وتنفي النعاس من كل وكر

وكأن الشعاع أيدٍ من الورد
المندى.. تهز أهداب زهر

وكأن الغصون أيدي الندامى
وشفاه أكواب خمر

ومضى سيرنا وقافلة الفج
ر تصب الهدى على كل شبر
فإذا دربنا رياض تغني
في السنا والهوى زجاجات عطر

نحن في جدولٍ من النور يجري
وخطانا تدري إلى أين تجري.

زر الذهاب إلى الأعلى