عرّافة الكهف
قصائد الشاعر الكبير عبدالله البردوني - نشوان نيوز - عرّافة الكهف
يا آخرَ الليل، يا بَدْء الذي ياتي
هل سوف تصحو التي، أم تهجع اللاتي؟
أسْحَرتَ في منكبَي سهلٍ يُساكنني
عظمي، أتُصغي إلى أسمار جدّاتي؟
رفقاً بلمس حصاُه، إنها حُرَقي
وتلك أعشابه الكحلى بُنَياتي
أما بخديكَ من أنفاسه قُبَلٌ
كنبْسِ أمّي، تحاكي بدءَ لثغاتي؟
في غور عينيك بدءٌ لا ابتداء لهُ
خذني أمُتْ فيه، بحثاً عن براءاتي
عن ريشِ أولِ عصفورٍ هناك زقا
وشمَّ منقارُه مولاةَ مولاتي
عليكَ عِمّةُ قنّاتٍ تهشُّ بها
وفي ردائك ضاحٍ غيرُ قنّاتِ
***
هذا الهشيم الذي قيل اسمهُ شبحي
تدري ل ماذا يمنِّيني بإنباتي؟
وبامبلاج شروقي خالعاً زمني
وتحت إبطي كتاب عن بداياتي
ناديت صبحاً هنا وهنا....
ظلتْ تُلبّى نداءاتي، نداءاتي
يا آخرَ الليل لو ناديتُ مقبرةً
قالت: هناكَ انتبذْ أقلقتَ أمواتي
لأنَّ أحبائي يُقوِّلُني
القحط يمتد مِن قوتي إلى قاتي
هذي يدي أوشكتْ تنسى طريق فمي
أصيحُ يصخبُ شيءٌ غيرُ أصواتي
***
ألستَ يا الشفق الثاني تحسُّ معي
طفولةَ ابن الندى، إحدى حبيباتي
تلوح غير الذي بالأمس مرَّ وما
قال السَّنى: مَرَّ صبحٌ أو دُجىً شاتي
***
كان المكان زمانياً بلا زمن
قال الفراغُ: هنا أهلي وأبياتي
مَن ذا هنا يا (سهيلُ)؟ قال: أين أنا
مَن يا ضحى؟ قال: من ذا احتاز مرآتي؟
أما تلمَّحت حيناً ما لمستُ أنا؟
بل ضعتُ بين التفاتاتي ولفّاتي
***
هل أنتَ منك ستأتي؟ لو ملكتُ يدي
لكي أصوغَ قُبَيلَ البدء ميقاتي
أحلى الثواني التي تحدوك حمرتُها
لها احمراري، وللأخرى صباباتي
***
تَرى أيعييك مثلي حَمْلُ جمجمتي؟
هل في طواياك نيّاتٌ كنيّاتي؟
يقال: بيتاك في إبطي دجىً وضحىً
بيتي الذي سوف أبني هادمٌ ذاتي
وأين تبني؟ وهل في الأرض زاويةٌ
إلاّ وأصبى خباياها صديقاتي
***
ماذا تُغمغم كالنهر الجريح؟ متى
ستنفث الكبتَ؟ كي أجتاز كٌباتي
قلْ أيَّ شيءٍ، ولكن لا تقلْ كأبي:
دعني فلا ناقتي فيها ولاشاتي:
هل في لسانك أم في مسمعي حجرٌ
أم تَرْجَمَ الصمتُ إنصاتي لإنصاتي؟
كم قيل أفْصَحَ صبح وانجلتْ شُبَهٌ
يكفيكَ عصيان قلبي أمْرَ إسكاتي
***
عرّافةُ الكهف قالت: لي مفاجأةٌ
قلتُ: اهبطي، وخذيني الآن أو هاتي
على اسمها بتُّ أطهو نجمةً لغدي
ماذا سأفعلُ لو أنهيتُ مأساتي؟
***
اليوم يا ابْني تُوافي كلُّ ثانيةٍ
بعكس ما بشَّرت قلبي نبوءاتي
قبل التوقُّع ينصبُّ الوقوع، ولا
تحسُّ أَهْوَ رذاذٌ أم لظًى عاتي؟
يا أولَ الصبح، لي عند الضحى خبرٌ
وأخرياتُ الدجى برهانُ إثباتي
عرَّافةُ الكهف قالت: كلُّ آتيةُ
تمضي، وتأتي ولا تمضي خرافاتي
كالبحر يأتي إليه منه مُرتحلاً
فيه،كذا تحمل السبّاح موجاتي
والآنَ ماذا؟ تزوَّجْ أمَّ والدتي
جدَّاتُ جدّاتِها الخمسون زوجاتي
والآن يا يومُ، هأنت انتصفتَ فهلْ
خَّمْنتَ مما مضى،مامطلعُ الآتي؟
1991م