الكتابة للموت

الشاعر الكبير عبدالعزيز المقالح - نشوان نيوز - الكتابة للموت

يا ليلَ الحزنِ الممتدِّ على وجهِ النِّيْلْ
لو تسألُني ماذا يبكيكْ؟
قلتُ: الفَجْرُ يموتُ قُبَيْلَ الفَجْرِ!
الشمسُ تموتُ قُبَيْلَ طلوعِ الشمسِ!
الوردةُ يقطفُها،
- قبلَ أوانِ القَطْفِ - شتاءٌ مجنونْ!

* * *
كيفَ أُزاوجُ بينَ الحزنِ وبينَ الغُرْبَةِ،
بينَ الموتِ منَ الموتِ
وبينَ الموتِ منَ الأشجانْ؟
وجهي حقلٌ للدَّمْعِ
وصدري تابوتٌ للموتِ
ورأسي بيتٌ للأحزانْ..
منْ يسمعُ جُرْحَ صلاةِ الشِّعْرْ؟
جسدي يتوارى في صحراءِ الخوفِ
وأصحابي يتوارونَ
بعيداً في صدرِ الأرضْ،
لا تحملُهم عينايَ!
ولا يرحلُ خلفَ النَّعْشِ القلبْ.
إنْ عُدْتُ إلى الدّارِ
وأفلَتَ وجهي منْ أظفارِ الغربةِ،
كيفَ أراهم؟
منْ سَيَدُلُّ القلبَ المشتاقَ
على أبوابِ مدينتِهم؟
ويلي منْ زمنٍ
أبقى فيهِ وحيدَ الظِّلِّ
وحيدَ الصَّوْتْ.
أقرأُ نفسي!
أستنجدُ بالدمعِ وجوهَ الأحجارْ،
أقرعُ أبواباً موصدةً
وصدوراً لا تُفْتَحْ!

* * *
في عينِ الحزنِ تساوتْ لغةُ الألوانْ،
رحلَ اللَّيلُ
ولكنَّ عصافيرَ الشجرِ الباكي،
لم تدركْ أنَّ نهاراً آخرَ قد جاءْ.
آهٍ لو أنَّ الرِّيحَ اسْتَلَفَتْ وجهي
نثرتْهُ فوقَ القبرِ بكاءً مغترباً،
وطوتْهُ في الكفنِ الرّاحلِ
لحنَ جَنازٍ،
لو أنَّ الغربةَ أعطَتْني ساقي
فَكَّتْ منْ سجنِ اللَّيلِ وثاقي
كنتُ أتيتُ معَ الدَّمْعِ
وشاركتُ الجَمْعْ.
لكنّي منبوذٌ في صحراءِ الغربةِ،
منقوعٌ في عينِ الحُزْنِ
منذُ خرجْتُ كعصفورِ الغابةِ
منْ أزهارِ البُنِّ.
وتجوَّلْتُ بعينَيْ قلبي
أدركَني الجوعُ إلى الأرضِ
الجوعُ إلى الشمسِ،
فكانَ الشَّوْقُ
وكانَ الرُّعْبُ
وكانَ الموتْ،
يا آلهةَ الرُّعْبِ الموتْ
لنْ تتراجعَ فوقَ النارِ الخطواتْ،
ستظلُّ خيولُ النَّهْرِ تسيرْ
وقطارُ الحبِّ يسيرْ،
وإذا ما احترقَتْ بَلُّوراتُ الشمسِ
وأدركَها وسطَ نهارِ الأحزانِ اللَّيْلْ
سنظلُّ نُغَنّي: نحنُ الحزنُ
وظِلُّ الحزنِ
وماءُ الحزنْ
منْ يملكُ قلباً يَتَمَرْجَحُ
في كَفِّ النارِ - الحزنْ،
لا يَتَمَرَّغُ في خارطةِ الموتى،
ليسَ له في ملكوتِ الشمسِ
ولا في ملكوتِ الحبِّ مكانْ.

* * *
يا منْ كانَ الحبَّ،
وكانَ الصِّدْقْ
يا وَجْهاً أطعمَ عينيهِ للأحزانِ
وأوقدَ في نارِ الدَّمْعِ القلبْ..
هل حقّاً
رَغِبَتْ قدماكَ الدّاميتانِ عنِ الرِّحْلَةْ؟
وتوقَّفَ نبضُ الشوقِ إلى المجهولْ؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى