ورقة إلى القارئ
الشاعر الكبير عبدالعزيز المقالح - نشوان نيوز - ورقة إلى القارئ
عزيزي..
منذُ عشرِ سنواتٍ - حينَ كتبتُ أقدمَ قصائدِ هذه المجموعةِ - كنتُ قد هجرتُ الشِّعْرَ.. الشعرَ كما قرأتُهُ، وحاولتُهُ، والشعرَ كما حلمتُ - يوماً - بأنْ أكونَ واحداً منْ عمالقتِهِ، الذينَ) ملأوا الدُّنيا وشغلوا الناسَ (.
ومنذُ ذلكَ التاريخِ تواضعَتْ أحلامي، وأصبحتْ مجرَّدَ حنينٍ إلى الظَّفَرِ بقدرةِ وشهرةِ شاعرٍ شعبيٍّ في قريةٍ منْ قُرَى العالَمِ الواسعِ لأتمكَّنَ منْ تصويرِ الحزنِ الذي يحتلُّ عيونَ أبناءِ قريتي الصغيرةِ التي يأكلُها الجوعُ والخوفُ. ولكي أستطيعَ رسمَ سحبِ الرَّمادِ وهيَ تغطّي وجوهَ إخوتي هناكَ - حيثُ لا حنينَ ولا أشواقَ - منْ ساعةِ الميلادِ إلى ساعةِ الوفاةِ.
ومنذُ عشرِ سنواتٍ أيضاً أدركْتُ - عزيزي القارئَ - أنَّ الشعرَ كالتصويرِ، كالموسيقى ليسَ تَرَفاً ذهنيّاً، ولا ثياباً بلاغيّةً يرتديها الحُكّامُ والممدوحونَ، بمناسبةٍ وبلا مناسبةٍ، وإنما هوَ صوتُ ضميرِ الشعبِ والشاعرِ، والصورةُ الدّاخليّةُ لأعماقِ الإنسانِ والفنّانِ معاً.
وعندَما رأتِ (الدّارُ الحديثةُ للطباعةِ والنَّشْرِ) أنْ أسمعَكَ صوتَ ضميري مسجَّلاً في ديوانٍ لم أتردَّدْ، ولم أذهبْ إلى صديقٍ أو ناقدٍ منَ النقّادِ الكبارِ - ومعظمُهم لحسْنِ الحظِّ أصدقائي وأساتذتي - ليقدِّمَني إليكَ، وآثرتُ أنْ أرحلَ إلى قلبِكَ دونَ دليلٍ وبلا (مكبِّرِ صوتْ).
الإسكندرية 9/ 8/1971م