[esi views ttl="1"]
arpo28

الطفلة ملاك.. خلف أسوار الجحيم

ملاك.. طفلة بريئة لم تتجاوز الثانية من العمر تشاطر والدتها زنزانة السجن المركزي بالحديدة منذ تسعه شهور، وتعجز طفولتها البريئة عن فهم وإدراك الكثير مما يدور حولها خلف أسوار حرمتها من ممارسة طقوس طفولتها وقيدت أحلامها بأربعة جدران صماء فعجزت عن التحليق كفراشة صغيرة.

في السجن قد لا تتوفر للسجينات جميع المتطلبات الأساسية للعيش، فكيف يكون الأمر حين يتعلق بالأطفال المرافقين لهن؟ وملاك كغيرها من الأطفال ضحايا السجن تعاني من اسهال متكرر وسوء تغذية أثر على صحتها كثيراً فالحمى ما إن تفارقها حتى تعود إليها من جديد.

كما تنتشر الحبوب والدمامل في انحاء جسدها وبين طيات شعرها، وأم ملاك مثل كثير من السجينات ليس لديها عائل يسأل عنها أو يزورها ولا تملك من المال ما يمكنها من شراء ما ينقص طفلتها من مستلزمات ضرورية كالحليب أو الاغذية المكملة الخاصة بالأطفال فتضطر ملاك إلى أن تأكل من الأكل المخصص للسجينات والذي قد لا يلائم معدتها الصغيرة ويفتقر غالباً إلى كثير من مقومات الأكل الصحي.. وكشفت منظمة اليونيسيف في أواخر مايو 2012 أن اليمن يعد ثاني أسوأ بلد في العالم من حيث سوء التغذية حيث بلغ معدل سوء التغذية الحاد العالمي فيها 30 % وبلغ معدل التقزم العالمي 58 % وهناك ما يقرب من مليون طفل يمني ضحايا سوء التغذية الحاد والذي يعتبر من أبرز مسببات الوفاة بين الأطفال.

وتحتل محافظة الحديدة المرتبة الأولى على مستوى محافظات الجمهورية بنسبة تبلغ 32 % بحسب مسح سمارت للتغذية والذي أجرته منظمة اليونيسيف في محافظة الحديدة 2011م, ويرجع ذلك لارتفاع معدل الفقر وشحة المياه وغياب النظافة الشخصية وهذه الأسباب كلها توافرت لنا بوضوح في بيئة السجن، حيث شكت لنا أم ملاك من انقطاع المياه عن عنابر السجن لفترات طويلة الأمر الذي ينتج عنه غياباً تاماً للنظافة الشخصية للسجينات ولأطفالهن ولكل زوايا وأركان السجن نفسه فتجد الأمراض فرصتها السانحة لتتكاثر وخصوصا مع انعدام مستلزمات النظافة كالصابون والمطهرات الصحية ويكون الاطفال هم أول الضحايا.

وفي تقرير سابق أعده وكيل نيابة السجون القاضي فؤاد المقطري عن أوضاع السجن المركزي بالحديدة أواخر عام 2012 وكشف فيه بوضوح عن الحالة المزرية التي يعيشها نزلاء ونزيلات السجن المركزي ونورد هنا أهم ما جاء فيه والمتعلق بأمراض سوء التغذية والتي تؤثر بمجملها على النزلاء عموماً وعلى الأطفال خصوصاً ومنها عدم وجود خزانات مياه كافية تكفل توفير المياه بشكل مستمر، إذ إن انقطاع المياه بشكل مستمر في السجن المركزي يمثل معاناة لنزلاء السجن ويؤدي إلى تراكم الأوساخ والمخلفات وانتشار الأمراض والأوبئة، كما أن شبكة مياه الصرف الصحي شبه تالفة وبحاجة إلى صيانة وسباكة دورات المياه والحمامات تالفة وبحاجة ماسة إلى أبواب وحنفيات وبلاط، لكونها في وضعها الحالي غير صالحة للاستخدام اضافة إلى عدم النظافة وتراكم القمامة والأوساخ وطفح المجاري .وعدم توفر الكادر وأدوات النظافة.

إذن تلك هي بيئة السجن والتي تضم «ملاك» وغيرها من الاطفال الذين يتحملون وزر أمهاتهم.. ويعيشون طفولة مجردة من أبسط حقوقهم المكفولة شرعاً وقانوناً. تطلعت نحوي ملاك عند مغادرتي للسجن بعينين يسكنهما الأمل وما إن فُتح لي باب الزنزانة لكي أخرج حتى حاولت استراق نظرات خاطفة تختزل فيها تفاصيل لصور جديدة غير تلك التي ألفتها بين ثنايا جدران الزنزانة الأربعة.

يتحدث مدير السجن المركزي بالحديدة العقيد عبد الخالق السقاف عن وضع الأطفال المسجونين مع أمهاتهم بأنهم فعلاً يفتقرون لكثير مما يحتاجه الأطفال في مثل سنهم كالحليب وأغذية الاطفال والحفاظات ولكن الميزانية المقررة للسجن لا تفي بأي منها، وكانت جمعيات خيرية سابقاً هي من تتكفل بتوفير الحليب للأطفال، ولكن الآن لا يوجد أي دعم وكل ما لديه مجرد وعود من بعض المنظمات والمؤسسات الخيرية لم تر النور بعد ويأمل السقاف أن تبادر جميع المنظمات الحقوقية والمهتمة بقضايا الطفولة إلى تبني قضايا هذه الفئة المنسية, وكي لا يدفع الأطفال الثمن من صحتهم وحياتهم.

زر الذهاب إلى الأعلى