arpo28

محاولات لنقل رفات الشاعر "الشبزي" إلى إسرائيل ويهود اليمن يعترضون

على الرغم من أنه يعتبر أشهر من نار على علم ، إلا أنه لازال يكتنفه الكثير من الغموض والسرية ،إنه الشاعر والحبر اليهودي سالم الشبزي أو " موري شالوم شابازي" كما تدل عليه بعض المراجع ،حيث تُجمع كثير من الروايات والمصادر التاريخية بأن الكشف عن جوانب حياة الشاعر اليهودي ،مهمة ليست بالسهلة ،وذلك سواءً أكان كرجل دين يهودي تُحاك حوله الكثير من الأساطير ،أو كشاعر وعلم هام ، الفته شوارع وأزقة مدينة تعز اليمنية قبل أكثر من مائتي عام. وهو ما جعل ضريحه يمثل قِبلة يؤمها المئات من أتباع الديانة اليهودية في اليمن وخارجها ،حيث تراهم يزحفون عليه ويحجون إليه ،حاملين معهم دموع خطاياهم وذبائحهم ونذورهم بحثاً عن الكرامات والشفاء .

ويعرف الشبزي بالحاخام موري شالوم شابازي ، وهو حبر، وشاعر، ومؤرخ وخياط ولد في منطقة نجد الوليد بالقرب من مدينة تعز -250كم من صنعاء- وقد قضى معظم حياته في صنعاء قبل أن يُنفى اليهود منها في أواخر القرن السابع عشر.وقد عُرف الشبزي كواحد من أبرز رجال الدين اليهود ويعد واحداً من مؤسسي مدرسة الشعر الحميني في اليمن.فقد كتب الشعر باللغتين العربية والعبرية ،ووضع كتاب الديوان الذي احتوى على 550 قصيدة فصل فيها عادات وتقاليد وأعراف وسلوكيات المجتمع اليمني.حيث نشر الديوان الفريد لأول مرة في عام 1977 من قبل معهد بنزفي الإسرائيلي.

وقد استوطن مدينة تعز وعاش في حي المغربة ، وتعددت مهامه فهو حاخام وقاضي ومعلم والمشرف على عمليات الزواج في الطائفة اليهودية في اليمن ، وإجراءات الختان للأطفال إلى جانب قيامه بمهام جامع الجزية من أعضاء الطائفة اليهودية ليقدمها إلى الحكام في ذلك الوقت . وهو ما جعل الشبزي يحتل مساحة هامة في معتقدات يهود اليمن الذين اعتبروه قديساً بل ذهب البعض إلى وصفه ب"النبي" !

ويذكر احد المؤرخين الغربيين ويدعى (سنجر) إن الشبزي هو الذي تولى مهمة إقناع حاكم اليمن الإمام المهدي احمد بن الحسين بالعفو عن يهود صنعاء والسماح لهم بالعودة إليها عام 1681 م بعد أن كان قد أجلاهم عنها إلى منطقة (المخا) المطلة على البحر الأحمر بمدينة تعز، حيث أثمرت وساطة الشبزي بالفعل عن العفو عنهم وضمان عودة آمنة لهم إلى صنعاء حيث عاشوا في حيهم الجديد (القاع) الذي تم إنشاؤه لهم حتى مغادرتهم ارض اليمن إلى فلسطين ، وذلك في عملية سُميت حينها ب"البساط السحري"

قبة الشبزي

يطلقون عليها "القبة البيضاء" أو قبة الشبزي ،وهي تقع بالقرب من حصن القاهرة بمحافظة تعز ،أصبحت هي الأخرى أحد أبرز المعالم الأثرية المُثيرة للجدل بعد رحيل الشاعر اليهودي الشبزي ،حيث يقصدها الحجيج من أبناء الطائفة اليهودية ،الذي يرون فيها وفي بقايا قبره، الواقع إلى الشرق من حصن القاهرة ما يريح خيالاتهم ويشفي قلوبهم وأمراضهم.

وفي الوقت الذي يراهن فيه البعض بأن هذه القبة ومحيطها ،لا تمثل سوى بقايا أطلال لمنتزه أمر ببنائه الملك المؤيد وهو أحد حكام اليمن القدامى ،إلا أنه في مقابل ذلك هناك الكثيرون ممن يؤكدون بأن القبة والبركة المجاورة كانت مكان استجمام الشاعر الشبزى بل ويتساءلون عن سبب ومغزى نجمة داؤود المنحوتة على هذه القبة ،والتي يحاول البعض جاهداً طمسها وتخريبها من على هذا المعلم الأثري الهام ، الذي حول المكان هنا إلى واحد من أهم المزارات الدينية اليهودية في اليمن ، حيث يفد اليه الكثير من أبناء الطائفة اليهودية في اليمن ، ومن خارج البلاد وإن كان بنسب قليلة ، نظراً لتشدد السلطات اليمنية في السماح لليهود من دخول اليمن.

الشبزي والاستشفاء!

الحديث عن الشبزي لا يخلو من الخرافة ، فعندما تُفقد كل مصادر الحقيقة ، تُصبح الشعوذة سلعة رابحة،لذا فإذا كان قد ذهب الشاعر والحبر اليهودي شالوم الشبزي ،إلا أنه نظراً للأساطير والغموض الذي يكتنف حياته ، ارتبطت به بعد موته الكثير من الخرافات والخزعبلات ،حيث يحرص الزائرون من اليهود ومن بعض المسلمين على اصطحاب أطفالهم المرضى والمصابون بالهزال الذين يتأخر نمو أطفالهم إلى مايسمى بساقية الشبزي وهي ساقية تجري فيها المياه ،حيث يتم سقيهم من هذا الماء والطواف بهم على قبر الشبزي.

إحتجاج !

ونظراً للمكانة الكبيرة التي تبوأها الشاعر اليهودي ،فقد جرت العديد من المحاولات الإسرائيلية التي لاتزال تهدف إلى نقل رفات الشاعر اليهودي اليمني ٍ إلى إسرائيل ،فقد كشفت صحيفة "يديعوت احرونوت" أن جهودا كبيرة قد بذلت ولا تزال لجلب رفات الشبزي إلى إسرائيل ،وذلك بالتعاون مع منظمات يهودية وأمريكية.

وهي محاولات دفعت أعضاء الطائفة اليهودية في اليمن إلى الخروج عن صمتهم ،ورفضهم الكامل لأي إجراءات من شأنها أن تعمل على نقل رفات الشبزي إلى إسرائيل ،حيث حذر حاخام الطائفة اليهودية في اليمن فائز الجرادي من ذلك،مشيراً بأنه لا يحق للصهاينة نقل الشاعر اليمني سالم يوسف الشبزي من وطنه اليمن، يأتي ذلك في الوقت الذي يتهم فيه العديد من أفراد الطائفة اليهودية في اليمن الإسرائيليين ،بالسطو على معظم مؤلفات الشبزي الشعرية والأدبية ونقلها إلى إسرائيل.

مدير آثار محافظة تعز العزي مصلح: الشبزي مواطن يمني لايمكن التفريط به!

وفي محاولة لوضع النقاط على الحروف وطرح وجهة النظر الأخرى،كان يجب علينا طرح الموضوع على مدير عام مكتب الآثار بمحافظة تعز الأستاذ العزي مصلح ،الذي قال في اتصال مع الوكالة معلقاً على موضوع التحقيق" أولا أحب أن أوضح نقطة مهمة قبل الدخول في الموضوع الأساس ، وهو أن الشبزي هو اسمه سالم بن أبي الجاد ،وهو من مواليد منطقة نجد الجبل غرب محافظة تعز ،وقد كان شاعراً وأديباً ويعمل في نسج الأقمشة ،وهو عالم ،وحبر من كبار أحبار اليهود ،حيث تشير بعض المراجع إلى أن أسرته قدمت إلى اليمن من المغرب.أما بالنسبة" لقبة الشبزي" فهي استراحة الملك المؤيد وكان قبره يقع على الجانب الجنوبي من منطقة"السواني" شرق قلعة القاهرة.

وقد أرتبط بالشبزي بعد موته الشعوذة من خلال قيام العديد من الناس بزيارة القبر بصحبة أطفالهم المصابين "بمرض الهزال" بهدف الاستشفاء، حيث كان هناك على بعد أمتار من القبر ساقية مياه لا تزال موجودة إلى اليوم، يغتسل الأطفال المرضى منها للاستشفاء.

وحول المحاولات الإسرائيلية الهادفة إلى نقل رفاة الشاعر سالم الشبزي إلى إسرائيل ، يقول الأستاذ العزي مصلح مدير عام مكتب الآثار بمحافظة تعز"هذه المعلومات لاتزال معلومات غير مؤكدة لدينا، ونحن نرفض رفضاً تاماً أي محاولات أو إجراءات من شأنها أن تعمل على نقل رفاة الشاعر الشبزي إلى إسرائيل ، كون الشاعر الشبزي هو مواطن يمني واليمن أحق به من اليهود والإسرائيليين ، فشخصية وعلم بارز مثل الشبزي ،لا يمكن التفريط بها ،فهو كان في عصرهٍ شاعراً وأديباً كبيراً، بل عالماً ومؤرخاً تفتخر به اليمن.

ونحن في مكتب الآثار بمحافظة تعز ، لم يصلنا أي خطاب رسمي بخصوص عملية نقل رفاة الشبزي إلى إسرائيل،ونحن على استعداد لعمل مزار ومعلم للشبزي وهذا من شأنه أن يساهم في زيادة الحركة السياحية إلى المحافظة، أكثر منه جانبا دينيا ، وهذا هو رأيي الشخصي طبعاً. علماً بأن مثل هذه الخطوة تحتاج إلى قرار سياسي وهذا أمر ليس بيدنا .

مدير الإدارة الثقافية بصحيفة الثورة: لليهود الحق في نقل الشاعر إلى إسرائيل!

وفي الوقت الذي يرفض فيه عشرات الأدباء والشعراء والمثقفين اليمنيين ،أي خطوة لنقل رفاة الشاعر اليمني إلى إسرائيل ،منتقدين بشدة حالة الإهمال التي تعرض لها الضريح والتي تحاول الكثير من الجهات طمس معالمه ،إلا أننا نجد في مقابل ذلك من يرى أحقية إسرائيل بنقل رفاة الشبزي من اليمن،فهاهو الكاتب فؤاد عبد القادر مدير الإدارة الثقافية بصحيفة الثورة الحكومية ،يرى أنه من حق الإسرائيليين نقل الشاعر الشبزي إلى إسرائيل مبرراً رأيه ذلك ، بحالة التجاهل والإهمال المتعمد الذي تمارسه الجهات الرسمية تجاه ضريح الشبزي الذي يمثل شخصية يمنية كانت تمثل في وقت من الأوقات علماً من أعلام الشعر والأدب والتاريخ ، مُتسائلاً عن الأهداف والجهات التي تقف وراء هذا التجاهل ، حيث تعرض القبر للتخريب والطمس ، دون أن تحرك الجهات المعنية في اليمن ساكناً إزاء ذلك !!

يهود اليمن يرفضون الهجرة إلى إسرائيل!

ويرجع الأكاديمي الدكتور خالد الفهد، أستاذ الدراسات اليهودية والصهيونية بجامعة صنعاء،أسباب رفض ما تبقى من اليهود اليمنيين للهجرة إلى إسرائيل ،إلى التمييز الذي يعاني منه اليهود الشرقيون في إسرائيل ومنهم اليمنيون، مشيراً إلى أن الذين هاجروا من اليمن وغيرها من الدول الأخرى ،تمارس ضدهم في إسرائيل التفرقة والتمييز العنصري ،حيث أصبح ذلك معروفا لدى يهود اليمن، إضافة إلى رفضهم للممارسات وللجرائم الصهيونية . ويؤكد الفهد بأن يهود اليمن يتمتعون بكافة حقوقهم، كما يتمتعون بوضع ديني واجتماعي واقتصادي في اليمن، وقد أخذ هذا بعين الاعتبار من قبل المشرع السياسي اليمني عند النص على أن يهود اليمن من حقهم التمسك بديانتهم وممارستها وتعليمها لأجيالهم.

الوجود اليهودي في اليمن

لم يُعثر حتى اليوم في كتابات "المسند" والآثار اليمنية القديمة ما يشير إلى تاريخ وكيفية وصول الديانة اليهودية إلى اليمن. كما لم يعثر في تلك الوثائق النقشية واللقى الأثرية ، التي تم العثور عليها ،على أول حاكم يمني قام بإدخالها إلى اليمن ،بما يتفق والروايات التي قيلت في وصول الديانة اليهودية إلى اليمن في عهد ملكة سبأ.

فقد تعددت الروايات وتضاربت حول هذه المسألة ،بل تغلفت تلك الروايات بنوع من الأساطير التي لا يمكن اعتبارها سنداً علمياً يركن إليه .إلا أنه على الرغم من هذا التضارب ، فقد وجد شبه إجماع لدى المؤرخين والباحثين إلى أن الملك الحميري"أب كرب أسعد " والذي يعرف عند الإخباريين ب"أسعد الكامل" هو أول ملك يمني أعتنق اليهودية ، حيث تشير المصادر الإسلامية والنصرانية إلى أن اعتناق هذا الملك لليهودية تم على يد حبرين من أحبار اليهود التقى بهما في يثرب وأصطحبهما معه إلى اليمن.

كما يشير المؤرخون في كتاباتهم إلى أن الديانة اليهودية لم تحدث أي تغيير كبير في الحياة الدينية لأهل اليمن في عهد هذا الملك الحميري.ومع إطلالة القرن السادس الميلادي وضعف دولة التبابعة في اليمن ، وتهود الملك "يوسف ذو نواس" حوالي عام 517م ، انتشرت الديانة اليهودية بفرض من الملك اليمني ذو نواس الذي عمل على نشرها بالقوة.

ومع مرور الوقت توسعت وانتشرت الديانة اليهودية ،وأزداد عدد السكان اليهود الذين انتشروا في مناطق متفرقة من اليمن "صنعاء، تعز،إب،بيحان، صعدة، ذمار" وازدادت معها المعا بد اليهودية في اليمن فبلغ عدده في صنعاء فقط 39 معبداً ، مقابل 48 مسجداً في صنعاء ، حيث كان يبلغ عدد السكان في صنعاء حينها 500 ألف نسمة ، مقابل ستة الآف يهودي ،الأمر الذي يشير إلى أنه كان لكل 1538 يهودياً معبداً واحداً ،بينما كان لكل 9166 مسلماً مسجداً واحداً.

وقد سعت الوكالات اليهودية وحتى قبل قيام دولة إسرائيل إلى تهجير يهود اليمن إلى فلسطين. وبحسب المراجع التاريخية فإن أولى الهجرات بدأت في ثمانينات القرن التاسع عشر بهجرة عائلتين من مدينة صنعاء. واستمرت تلك المحاولات بتهجير بضعة أفراد واسر، وصولا إلى عملية الهجرة الكبيرة التي تمت بين عامي 1949 و1950 والتي أطلق عليها الإسرائيليون «البساط السحري» وهو اسم كان يقصد به الطائرات الحديثة، وجرى خلال تلك العملية تهجير أكثر من 47 ألف يهودي يمني إلى إسرائيل، ولم يبق في اليمن من اليهود حينها إلا عدد لا يتجاوز الثلاثة آلاف يهودي.

أما اليوم فعدد اليهود المتبقين في اليمن لا يصل إلى أربعمائة شخص من الذكور والإناث بعد هجرة البقية على دفعات صغيرة إلى إسرائيل، خلال العقود القليلة الماضية، ويقيمون في منطقتين رئيسيتين هما «ريدة» في محافظة عمران، وبعض قرى محافظة صعدة، وكلتا المحافظتين تقع في شمال البلاد .

ويمارس من تبقى من يهود اليمن طقوسهم الدينية بحرية تامة، ولديهم العديد من المناسبات الدينية التي يحتفلون بها ومنها عيد الغفران وعيد نيسان، وأعياد أخرى مثل «الخضيراء» و«المظلات أو العودة» و«قراقر».

زر الذهاب إلى الأعلى