[esi views ttl="1"]
رئيسية

بحر العرب.. بين الدور الإقليمى الغائب وغموض أهداف التحرك الدولي

بحر العرب.. بين الدور الإقليمى الغائب وغموض أهداف التحرك الدولي

زكريا شاهين: اكتسبت ظاهرة القرصنة في بحر العرب، أولوية الاهتمامات الإقليمية والدولية، حيث أدرجت على جدول أعمال مجلس الأمن الدولي، الذى أصدر مؤخرا قرارا فوض فيه مجلس الأمن الدولى الدول التى حركت أساطيلها إلى المنطقة تحت ذريعة محاربة القرصنة على السواحل الصومالية استخدام أراضى الصومال ومجالها الجوى شرط موافقة الحكومة الصومالية.
وقد خول قرار المجلس الأمن الدولى سلطات للدول التى تم

تبليغ الأمين العام للأمم المتحدة من قبل حكومة الصومال بأنها تتعاون معها في مكافحة القرصنة. ونص القرار على أن مثل هذه الدول "بإمكانها اتخاذ الإجراءات اللازمة في الصومال بما فيها مجالها الجوى بغرض اعتراض أولئك الذين يستخدمون الأراضى الصومالية لتخطيط وتسهيل وتنفيذ أعمال القرصنة والسطو المسلح في البحر".

القرار جاء بعد تقديم الولايات المتحدة الأمريكية لمسودته، وحث الدول التى يتشكل منها مجلس الأمن، دائمة العضوية، على الموافقة عليه. قبل هذا القرار، كان كل من الاتحاد الأوروبى وحلف الناتو، قد تحركا لتأسيس تواجد عسكرى لنفس السبب، ثم تبع ذلك، تحريك روسيا لإحدى بوارجها باتجاه المنطقة، ثم دخول الروس في مفاوضات مع اليمن لإعادة التمركز في القاعدة الروسية القديمة في جزيرة سقطرة اليمنية.

الهند انطلقت هى أيضا بذات الاتجاه، لكن الأبرز، هو تحرك الأسطول الصينى إلى بحر العرب، وربما هو تحرك اعتبر الأول من نوعه في تاريخ البحرية الصينية، وذلك بعد اختطاف سفينة هى الرابعة والثلاثون للصين.

التطلعات الدولية لتأسيس هذا الوجود العسكري، تشمل بحر عمان حتى سواحل زنجبار، إضافة إلى خليج عدن والمدخل الجنوبى للبحر الأحمر حيث باب المندب. كل ذلك يجرى في الوقت الذى لم يتحرك فيه العرب إلا من خلال اجتماعات ثنائة أو اجتماعات ضمت الدول العربية التى تحاذى البحر الأحمر، مما سيتيح للأساطيل الدولية، ليس التحكم بالممرات البحرية، وإنما احتلال هذه الممرات بشكل دائم.

فى الأهداف وتبريرها:

يتمسك الذين اتجهوا بأساطيلهم نحو البحر الأحمر، بأن أحد أهم الأسباب التى دفعتهم إلى ذلك، ازدياد تنامى ظاهرة القرصنة التى تنطلق من الأراضى الصومالية، وغياب دور فاعل للحكومة الصومالية شبه المشلولة والغارقة في خلافاتها، إضافة إلى ضعف الإمكانيات العربية التى لا تستطيع حماية أمن الممرات وفقا لاتساع الرقعة المساحية وعدم وجود مخطط جدى للعمل على هذا الأمر.

والواقع، أن إهمال الحالة الصومالية من الطرف العربي، منذ سقوط حكم سياد بري، أدى إلى غياب الاستقرار في المنطقة بأكملها، ومع ذلك فالمبررات التى وضعت للتواجد الدولى العسكري، تحتاج إلى أكثر من القول بأنها وضعت بسبب القرصنة.. وفقط، إذ إنه برغم أعمال الدورية التى تقوم بها السفن الأمريكية والأوروبية والهندية لمنع أعمال القرصنة في المنطقة، فقد اختطف القراصنة قبل أيام دفعة كبيرة من السفن، مكونة من سفينة شحن تركية وقاربين تابعين للصين وإندونيسيا، ويختا خاصا بالقرب من السواحل الصومالية.

فى قرار مجلس الأمن، تأكيد على دور الحكومة الصومالية بالرغم من أن الجميع يعرف أن البلاد تعيش في حالة فوضى فعلية، ولهذا فقد حثت فقرة في القرار على الاتفاق مع الدول الراغبة في احتجاز القراصنة المقبوض عليهم ضرورة اصطحاب مسؤولين قانونيين على متن سفنهم الحربية كى يساعد هؤلاء في إجراءات التحقيق وتوجيه الاتهامات للمعتقلين، لعلم المجلس، أن الحكومة الصومالية، غير قادرة ولن يكون لها أى دور في احتجاز أو محاكمة أى معتقل من القراصنة رغم أنهم صوماليون.

عمليات القرصنة توسعت دائرتها حتى وصلت إلى الحدود الكينية، وهى الحدود التى اختطفت بجانبها ناقلة النفط السعودية، وسفينة الشحن الأوكرانية التى كانت محملة بالعتاد العسكري، مما أضاف هاجسا آخر يتمثل في أمن بحر العرب من منطقته الشرقية، في ظل الاضطرابات في المناطق الباكستانية، باعتبار أن المنطقة الشرقية، هى الطريق الآخر الذى تسلكه ناقلات النفط القادمة من مضيق هرمز وبحر عُمان، حيث سواحل باكستان والهند وسريلانكا، قبل أن تنتقل باتجاه الهند والصين واليابان وكوريا الجنوبية، وعموم منطقة الباسيفيك.

مفارقات وتناقضات:

قرار مجلس الأمن، ليس هو الأول المتعلق بمسألة الأمن في بحر العرب، أو بما سمى مكافحة القرصنة، فقد سبق وأن صادق مجلس الأمن الدولى بالإجماع في الثانى من يونيو/ حزيران الماضي، على القرار رقم 1816، الذى منح الدول حق إرسال سفن حربية إلى مياه الصومال الإقليمية لمكافحة القرصنة، وهو قرار جاء بدفع من فرنسا التى دعت في فبراير/ شباط، إلى تشكيل قوة دولية بتفويض من مجلس الأمن الدولي، للغرض ذاته.

والمفارقة أن حركة الأساطيل البحرية التى اتجهت إلى بحر العرب، بدأت قبل القرار الجديد، وحتى قبل القرار الذى سبقة، حين قرر حلف الناتو بالأساس، إرسال سبع من بوارجه الحربية تحت مبرر ضمان "الأمن الملاحي"، لكن محللين، توقفوا في حينها أمام حجم هذه القوة الذى يثير التساؤلات، مشيرين بأن حجمها لا ينسجم مع ما هو مفترض لها من مهام، إذ إن هذه القطع البحرية، هى قطع ثقيلة تتراوح حمولتها بين أربعة وسبعة أطنان، وهى بالت إلى غير مهيأة لمطاردة الزوارق السريعة، التى يستخدمها القراصنة، مذكرين بأن الولايات المتحدة، رفعت الغبار عن ملف قديم، يتضمن دعوة أمريكية، لدفع حلف الناتو للسيطرة على "ترتيبات الأمن" في هذه المنطقة، وهى دعوة أطلقها وزير الدفاع الأميركى الأسبق كاسبر واينبرغر في مايو/ أيار من عام 1981.

وفى نفس السياق، دخل الأوروبيون على نفس الخط، حين قرروا تشكيل قوة عسكرية دائمة للمرابطة في بحر العرب، تبدأ عملها في ديسمبر/ كانون الأول 2008 الحالي، بمشاركة كل من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإسبانيا، وتم أيضا تعيين الأميرال البريطانى فيليب جونز قائدًا لهذه القوة، التى اتخذت من نورثوود على الساحل البريطانى مقرًّا عامًّا لها.

أما العرب، فاكتفوا بسماع اقتراح مقدم من مكتب مكافحة الجريمة والمخدرات التابع للأمم المتحدة في فيينا، والذى اقترح أنه "من الممكن تكليف ضباط شرطة عرب وأفارقة بالعمل فوق السفن الحربية في مياه القرن الأفريقى لمحاولة القبض على القراصنة الصوماليين وإجبارهم على الخضوع للمحاكمات في المنطقة.

فى الجانب الاقتصادي:

تقول إحصائية مبدئية، إن القراصنة حصلوا على 22 مليون دولار مقابل إطلاق سراح بعض السفن التى اختطفوها حتى الآن، لكنه في نفس الوقت، فإن هجمات القراصنة الصوماليين في العام الح إلى أدت إلى رفع تكلفة التأمين البحري، هذه المسألة، نوقشت في مؤتمر عقد في البحرين، التى تستضيف مقر الأسطول الأمريكى الخامس، بمشاركة ممثلين عن 25 بلدا، حيث كان هذا البند أحد أهم البنود التى نوقشت في المؤتمر، بعد أن أشار أحد كبار المحامين المتخصصين بالقانون البحري، أنه لو تمكنت شركات التأمين من الإثبات أن صداما مسلحا مع القراصنة يرقى إلى أن يكون "استخداما غير قانونى للسلاح في أع إلى البحار" فإن هذه الشركات قد تمتنع عن تعويض مالكى السفينة المعنية عن أى ضرر قد تكون تكبدته نتيجة ذلك الصدام.

وزير الدفاع الأمريكى روبرت جيتس الذى حضر المؤتمر، دعا في كلمتة أمام المؤتمرين شركات الملاحة التجارية إلى بذل جهود أكبر لحماية سفنها في خليج عدن ومنطقة القرن الأفريقي، محاضرا في كيفية التعامل مع الحدث بقوله "بدل التوقف عندما يأمرهم القراصنة بذلك، يجب على أطقم السفن رفع السلالم ومحاولة الهرب"، إلى أن تزود هذه الشركات السفن التابعة لها بحرس مسلحين.

لكن المشاركين في المؤتمر، أقروا بأن مطاردة القراصنة في عرض البحر لن يحل المشكلة من أساسها بل يعالج أعراضها فقط، ولهذا، لا بد من ضرب القواعد التى ينطلق منها القراصنة في البر الصومالي، هذا الإقرار، جاء منسجما مع التطلعات الأمريكية، ومع مخططاتها، حيث إنها كانت تعد لطرح مشروع القرار الذى صدر مؤخرا من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والذى يخول الدول المختلفة شن هجمات على قواعد القراصنة في الصومال.

قرار الأمم المتحدة والواقع الصومالي:

يحمل قرار الأمم المتحدة الأخير، ولمرات متعددة عبارة "بموافقة الحكومة الصومالية"، لكن الواقع الصوم إلى في تجلياته الأخيرة، حتى بالنسبة لما يسمى الحكومة الصومالية، ليس في وارد الرفض أو القبول، باعتبار أن الحكومة نفسها تمر بأزمة تعصف بها، أزمة لا تستثنى حتى رئيس الدولة، بعد أن صوت البرلمان الصوم إلى لصالح قرار بإجراء محاكمة برلمانية للرئيس عبد الله يوسف أحمد بعد يوم واحد من تعيين الرئيس لحكومة جديدة برئاسة محمد محمود جوليد رئيسا للوزراء رغم معارضة البرلمان لإقالة حكومة نور حسين حسين.

وبعد انتهاء إجراءات المحاكمة البرلمانية وفى حال إدانة عبد الله يوسف سيصوت البرلمان على قرار بعزله من منصبه الذى يجب أن ينال غالبية الثلثين على الأقل ليصبح دستوريا.

ولم يتضح بعد ما إذا كان قرار العزل سينال الأغلبية المطلوبة ولكن هذا التحرك يعد في حد ذاته ضربة أخرى للرئيس عبد الله يوسف فيما تغرق البلاد في حالة من الفوضى، خاصة بعد أن اتهم النواب خلال جلسة عقدت بمقر البرلمان في مدينة بيداوة الرئيس بأنه عقبة في طريق السلام وبالتصرف ب"ديكتاتورية" ومحاولة تهميش بعض القبائل والعشائر الصومالية.

الأزمة الجديدة في الصومال، شكلت هاجسا يتوقع ازدياد العنف، وذهاب الصومال بعيدا إلى أكثر مما هو عليه الآن، مع انتقال أزمته وتحولها إلى أزمة تطال تأثيراتها المنطقة الواقعة في القرن الأفريقى وعلى شواطئ البحر الأحمر، خاصة وأن هنالك بوادر جدية لانسحاب أثيوبي، وعجز عن مكافحة ظاهرة القرصنة المتزايدة.

الأزمة بحد ذاتها وبحسب المحللين، تتجاوز قالب المواجهة بين نفوذين غربى ومحلى قبلي- إسلامي، فما يحدث هو نتيجة لتجاهل العالم لما يجرى في الصومال، وفشله بالرغم من انعقاد 14 مؤتمرا دوليا، لإنهاء الأزمة.

العرب أونلاين

زر الذهاب إلى الأعلى