ثائر الناشف
دائماً تحاول إيران في كل مناسبة مرتبطة بفلسطين المزايدة على مصر وتاريخها السياسي , هذه المرة لم تكتف وحدها اداء هذا الدور المشبوه , كما وصفه الإعلام المصري , بل وأشركت معها , للأسف الشديد سورية التي حرص المراقبون على رصد أي توتر يشوب العلاقات السورية - المصرية , فهذه العلاقات تكاد تكون الأعمق عربياً , رغم كل المزايدات والمغالطات السياسية ,
فتاريخ البلدين يتشابه إلى حد التطابق في أكثر المحطات التي مرا بها .
ولو سألنا عن سبب التوتر الشديد في العلاقة بين سورية ومصر , سنكتشف أن إيران ومن ورائها "حزب الله" و"حماس" , السبب الرئيس في تدهورها لأدنى المستويات , ولعل تخفيض مصر لمستوى تمثيلها السياسي في مؤتمر القمة العربية في دمشق , كان التعبير الأسمى عن واقع حال هذه العلاقات المتشنجة .
فهل كفرت القاهرة عندما وصفت الحرب الخطأ بين "حزب الله" وإسرائيل في صيف العام 2006 , بأنها مغامرة غير محسوبة العواقب , أم أنها تتعمد فعلاً إغلاق معبر رفح الحدودي مع قطاع غزة ? علماً أن أضرار الحرب على لبنان لا تزال تثقل كاهل الدولة اللبنانية , وحتى الآن تتحمل خسائرها التي تقدر بنحو بليوني دولار , كما أن معبر رفح , خاضع بالأساس لسلطة ورقابة دولية , وفقاً لاتفاق المعابر الموقع عام 2005 بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل بوساطة أوروبية , ولا علاقة لمصر بفتحه أو إغلاقه وحتى مراقبته , ثم أن مئات الفلسطينيين يعبرون يومياً من وإلى غزة باتجاه مصر , فأين الخطأ في سياسة مصر الخارجية ? ومَن الذي دفع بأفواج المتظاهرين في ضاحية بيروت الجنوبية أو أمام السفارة المصرية في دمشق للتنديد بمصر التي كانت في الوقت نفسه ترسل مساعداتها عبر الشاحنات إلى غزة , عدا عن تساهلها حينما اقتحم آلاف الغزيين معبر رفح قبل أشهر عدة ? .
وهل توافق طهران أن يقتحم الأفغان الجياع من جحيم الحرب الأميركية لحدودها , لا سيما وأنها رحلتهم أكثر من مرة من أراضيها من دون سابق إنذار ? إذن لماذا لا يريدون للقاهرة أن تغضب غضباً عارماً تخرج فيه عن حلمها ? فجهودها التي بذلتها لرأب الصدع بين الفلسطينيين , بددتها حركة "حماس" بقرار إقليمي مركزه طهران , كما أن اعتبارها شريكةً لإسرائيل في حصار غزة , فقط لمجرد أنها في حالة سلام مع إسرائيل , اتهامٌ لا معنى له في ظل حديث سورية المستمر عن مفاوضات مباشرة مع إسرائيل , وحوار طهران من تحت الطاولة مع واشنطن بشأن دورها المستقبلي في العراق , كل هذا يدل على ظاهرية السياسة المصرية تجاه مختلف القضايا في مقابل باطنية السياسة الإيرانية ومن لف لفها .
إن استفزاز القاهرة , من حين لآخر , محوره الرئيسي طهران , ولا مانع من اتساع مداه ليشمل ما يسمى قوى "الممانعة" وبالتالي إحراج القاهرة وإرباكها بوصفها قوة إقليمية منافسة , توازي قوة إيران الإقليمية , فبعد سقوط الجدار العراقي , واستقرار دمشق في الحضن الإيراني , لم يبق أمام طهران سوى مصر , فلا غرابة ما إذا غضبت القاهرة وكشفت مواقف المزايدين على حقيقتها .
كاتب عربي - القاهرة
[email protected]