من الأرشيف

محللون: انضمام الفضلي للحراك الجنوبي رداً على اتفاق السلطة مع الاشتراكي

أثار إعلان انضمام الشيخ اليمني طارق الفضلي إلى الحراك الجنوبي ردود أفعال قوية، وكان انضمامه للحراك مطلع أبريل الجاري بمثابة (الزيت الذي صب على النار)، والعامل الرئيس في عودة الاحتجاجات والمهرجانات والمواجهات بين قادة الحراك المطالبين بالانفصال والسلطات اليمنية.

الفضلي الذي ارتبط اسمه بتنظيم القاعدة وزعيمه أسامة بن لادن منذ مشاركته في الجهاد الأفغاني ضد الاتحاد السوفيتي في ثمانينيات القرن المنصرم هو صهر ثاني شخصية في النظام وقائد الجيش اليمني علي محسن الأحمر المنتمي لقبيلة الرئيس علي عبد الله صالح أصبح الآن القيادي رقم (1) في الحراك الجنوبي الذي يضم في إطاره تكوينات تطالب بانفصال الجنوب عن الشمال بعد 19 عاما على إعلان الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990م.

ومن الغريب أن الفضلي الذي قاتل إلى جانب ما عرف في حرب صيف 1994م تحت مسمى ( قوات الشرعية) بزعامة الرئيس علي عبد الله صالح ضد (مشروع الانفصال) الذي قاده نائب الرئيس علي سالم البيض، جاء ليعلن اليوم فك حلفه بالسلطات اليمنية وانضمامه للحراك الجنوبي، معبرا عن مطالبه بالقول: "مطالبنا هي ما يقرره شعبنا الجنوبي وقيادات الحراك ونحن معهم، والجميع مجمعون في كل قيادات الحراك ومكوناته على العمل للوصول إلى الاستقلال التام حتى يصبح الجنوب للجنوبيين فقط".

بل تعدى ذلك إلى مطالبته "الأمم المتحدة ومجلس الأمن بتطبيق قراره (924-931) لعام 94م وإصدار قرارات جديدة لحماية الجنوب".

ويصف الفضلي شعب الجنوب أنه "أعزل ومحاصر ومجوع ويتعرض لأبشع أنواع الاستعمار والقهر"، في محاولة منه لإثارة عواطف المجتمع الدولي، ويقول إن ذلك من أجل "نجدة وحماية شعب الجنوب والدفاع عنه من هذه السلطة الغاشمة التي تهدده بحرب إبادة جماعية".

الفضلي صاحب الفكر الإسلامي قاتل ضد قادة الحزب الاشتراكي ذي الفكر اليساري من دافع عقائدي أيديولوجي، لكنه ينفي ذلك ويعتبر أنه "لا توجد في العمل السياسي صداقة دائمة ولا عداوة دائمة وإنما مصالح دائمة".

من الجهاد إلى السلطة

الرئيس اليمني على عبد الله صالح
وبالرجوع إلى تاريخ الفضلي فإنه نجل السلطان ناصر بن عبد الله الفضلي آخر سلاطين السلطنة الفضلية، التي ألغيت مع بقية السلطنات في 1967 بعد خروج الاستعمار البريطاني نهائيا من جنوب اليمن. وهو من مواليد مدينة الطائف بالمملكة العربية السعودية في ستينيات القرن المنصرم، قطع دراسته المتوسطة والتحق بالمعسكر الجنوبي في شمال المملكة العربية السعودية فيما يعرف بقوة السلام الخاصة (تبوك) كجندي لمدة حوالي ثلاث سنوات، ثم غادر إلى أفغانستان للالتحاق بمعسكر المجاهدين العرب ضد الاحتلال السوفيتي، بعد ذلك عاد إلى المملكة ومنها إلى اليمن الشمالي سابقا.

سجنته المخابرات اليمنية لمدة ثلاث سنوات وأطلق سراحه بعد الوحدة في 1990 ثم أعيد سجنه بطلب من الحزب الاشتراكي الشريك في الحكم آنذاك بتهمة محاولة اغتيال أحد قياديه، وأطلق سراحه عند نشوب حرب صيف 1994م التي شارك فيها ضد الانفصال. وانتخبه بعد ذلك المؤتمر الشعبي العام الحاكم كعضو في اللجنة العامة وأسقط في المؤتمر السابع للحزب في 2005م. وقد عين عضوا في مجلس الشورى، الغرفة الثانية للبرلمان وهو مجلس رسمي استشاري غير منتخب.

يتهم الفضلي قيادات الحزب الحاكم بتعمد إسقاطه "ديدن المؤتمر الشعبي العام في كل الانتخابات رئاسية أو نيابية أو محلية فهم يعرفون كيف يتعاملون بطرقهم الخاصة لإسقاط من لا يروق لهم وترجيح كفة من يريدون"، كما يقول.

ويشير إلى أنه لم ينضم للحزب الحاكم برغبة منه "لم يعبر يوما عن قناعتي الحقيقية أو توجهاتي، لكن تحت إلحاح البعض، وبعد إسقاطي وجدت الفرصة المناسبة للاعتزال عن العمل السياسي".

يحسب الشيخ طارق الفضلي على الجهاديين في "أبين" وتمت مسائلته أكثر من مرة لأن له ماضيا في الجهاد ضد السوفيت، واشتبه في الفضلي وأتباعه ممن يتهمون بالانتماء للجهاديين بالتورط في تفجير فنادق عدن عام 1992، والتي كانت تستخدمها القوات الأمريكية المقاتلة في الصومال.

لم يستهدف الفضلي في حملة يونيو 2003 والتي استهدفت جماعة جهادية تنتمي لجيش "عدن أبين" الإسلامي، والذي يتخذ من منطقة جبل حطاط في مديرية سرار بمحافظة أبين معقلا له. وفي الثامن والعشرين من مارس 2009 كلف الرئيس علي عبد الله صالح وزير دفاعه اللواء الركن محمد ناصر أحمد بقيادة حملة عسكرية لتعقب عدد من الجهاديين في مدينة جعار ثاني كبرى مدن محافظة أبين، وهو ما اعتبره البعض توجها ضد الفضلي وأتباعه من خلال الوقيعة مع قبائل يافع التي ينتمي إليها وزير الدفاع، لكن أحدا لم يتصور ذلك بحكم قرب الفضلي من النظام، بعدها بأيام فقط أعلن انضمامه لحراك الجنوب، وهو ما قطع الشك باليقين، أن هناك خلافات فعلا بين الفضلي والنظام اليمني.

مصدر حكومي استغل ماضي الفضلي وخرج في بلاغ صحفي باتهامات كبيرة من بينها "إن الفضلي النهاب الأول للأرض والثروة عبر ما قام به من استيلاء غير مشروع على مساحات شاسعة من أراضي الدولة في محافظة أبين وغيرها، وأعطى نفسه حق تملكها والتصرف بها بطرق غير مشروعة وبوثائق مزورة وأصبح نتيجة لذلك أحد الأثرياء والملاك الكبار للأراضي".

ويقول المصدر: "الفضلي عاد إلى الوطن بعد إعادة تحقيق الوحدة في الـ22 من مايو 1990م والتي أعادت له كرامته وحافظت على حياته بعد أن كان يعيش في المنافي شريدا مطرودا، يعاني شظف العيش ومهانة التشرد سواء في بعض المدن الخليجية أو في جبال أفغانستان حيث كان يمارس الإرهاب والقتل إلى جانب معلمه وقائده أسامه بن لادن".

الفضلي وبن لادن

يقول المختص في الشئون الأمنية عبد الإله حيدر شائع لـ" الإسلاميون.نت": "الفضلي كان يحظى بدعم مالي ومعنوي مباشر من أسامة بن لادن مطلع تسعينيات القرن المنصرم بهدف القضاء على الحزب الاشتراكي، وكان يتزعم الجهاديين الجنوبيين خصوصا في منطقة أبين، كونه أحد أبناء السلاطين الذي قضى عليهم الاشتراكي، لكنه تخلى عن مشروع بن لادن في 1994م وأثبت أنه شخص براجماتي وليس أيدلوجيا لأنه بعد ذلك أدار ظهره للرئيس علي عبد الله صالح الذي وضعه في منصب أمني وانضم لحراك الجنوب".

ويضيف حيدر: "كان الفضلي على خط تعاون مع النظام في تفجيرات فندق عدن ضد الأمريكيين حين اتخذوا من اليمن مقرا لعمليات إعادة الأمل في الصومال، وقد حشد قبائل جنوبية وشمالية مسلحة في عدن لإرهاب الأمريكيين".

بن لادن
وبعكس ذلك يرى الدكتور سالم اليافعي أحد أبناء يافع في أبين أن "القاعدة وجدت في التحالف مع الحراك الجنوبي عبر زعيمها الروحي في مناطق جنوب اليمن (طارق الفضلي)، مخرجا لها من المأزق الذي باتت تعيشه ووسيلة للحفاظ على ما أمكن من بقايا خلاياها، وأن بيان الفضلي حمل رسالة واضحة للسلطات اليمنية أن تحالف القاعدة مع الحراك الجنوبي ردا على الحملة الأمنية في جعار".

شق الصف الجنوبي

أما الصحفي اليمني المعارض والمقيم في أمريكا منير الماوري فيرى أن الخطر على الحراك هو من ماضي طارق الفضلي.

ويقول: "السجل الحافل الذي يحمله الرجل وأتباعه، في أذهان القوى الخارجية، حيث ارتبطت أسماؤهم بعمليات جرت منذ عام 1992، لم تبرأ ساحتهم منها، ومن بينها تفجيرات فنادق عدن، واستهداف مواطنين يمنيين وأمريكيين في ذلك العام، ثم الاتهامات الموجهة لهم بالاشتراك في حوادث اغتيالات عامي 1993 و1994، بما فيها محاولة اغتيال أمين عام الاشتراكي السابق علي صالح عباد (مقبل)، وغيرها من الحوادث الأخرى التي توجت بحرب 1994م".

ودعا الحراك الجنوبي إلى أن يتريث في قبول الفضلي في صفوفه، بسبب علاقة الصداقة القديمة التي لا ينكرها الفضلي بزعيم القاعدة أسامة بن لادن، وعلاقته الحالية بالقيادي في السلطة علي محسن الأحمر.

وطالب الماوري بأن يعلن الفضلي التخلي رسميا عن تنظيم القاعدة وشجب أعمال الإرهاب التي يقوم أسامة بن لادن، وإعادة جميع الأراضي والمنهوبات التي حصل عليها بغير حق منذ عام 1994، باستثناء ممتلكات سلطنة الفضلي، والاعتذار لأبناء الجنوب عن الأعمال السابقة ومشاركته في حرب 1994، ضد أبناء الجنوب، والامتناع عن تأسيس أي هيئة أو كيان جديد قد يؤدي إلى شق الصف الجنوبي.

الصحفي المتخصص في الجماعات الإسلامية نبيل البكيري وفي تصريحات لموقع "الإسلاميون.نت" من جهته اعتبر انضمام الفضلي للحراك في الجنوب "دفعة قوية للتيار المطالب بالاستقلال، وبعدا شعبيا وسياسيا يكسب الحراك الجنوبي قوة باتت تشكل قلقا كبيرا للنظام اليمني وخطرا على الوحدة اليمنية". ويشير إلى أن الشيخ الفضلي يتمتع بمكانة مشيخية اجتماعية وتأريخية كممثل شرعي للسلطنة الفضلية التي ظلت إلى ما قبل استقلال اليمن من الاستعمار البريطاني في 1967م".

ويقول: "الشيخ الفضلي وبحكم مشاركته في الجهاد الأفغاني ضد السوفيت في ثمانينيات القرن المنصرم لم ينتم تنظيميا للفكر الجهادي بقدر ما كان يأمل أن يستغل الحملة العالمية ضد الشيوعية وقتها؛ انتقاما من حليفها في اليمن الحزب الاشتراكي، وهو ما كان مخططا ومتفقا عليه مع أسامة بن لادن بدافع الثأر من الاشتراكيين أكثر من كونه دافعا عقائديا جهاديا، وهو ما جعله يقوم بدور كبير ضد الحزب في حرب صيف 1994م".

* عبد السلام محمد
* إسلام أون لاين

زر الذهاب إلى الأعلى