دائما ما يكون أعضاء مجلس النواب اليمني حاضرين عندما يطلبون للتصويت، ولكن مجلس النواب كمؤسسة تشريعية ورقابية دائم الغياب عند الأزمات الوطنية، وبين هذا الحضور والغياب انعزل البرلمان، وظل غائبا عن الاضطلاع بدوره أو بأي دور إيجابي إزاء الكثير من القضايا الوطنية الكبرى التي يشهدها الواقع السياسي في اليمن.
هذه المرة يبدو غياب مجلس النواب حاضرا بقوة، في ظل الظروف والأزمة الوطنية الراهنة، ففي الوقت الذي كانت تتصاعد فيه وتيرة الأزمة في المحافظات الجنوبية والشرقية، رفع المجلس في الحادي عشر من مايو الماضي جلساته، وكأن الأمر لا يعنيه من قريب ولا من بعيد، وذهب نواب الشعب لقضاء إجازاتهم، وهم مرتاحو البال، في ذروة الأزمة التي أثارت قلقا محليا وإقليميا ودوليا.
أسف وإحباط
وعن هذا غياب مجلس النواب كمؤسسة رقابية وتشريعية في ظل الظروف الراهنة تحدث النائب المؤتمري عبد العزيز جباري بكل أسف وإحباط، وقال بأنه "يراد لمجلس النواب أن يظل هكذا، على الهامش، لا يتفاعل مع القضايا سواء الوطنية أو الرقابية".
وبإحباط واضح أضاف جباري: "يا أخي بحت أصواتنا، يا أخي دورنا دور هامشي، يراد لمجلس النواب كمؤسسة، أن يبقى مغيبا، وهذا ليس في صالح أحد، ومن يعتقد بأن في هذا مصلحة، فهو خاطئ، لأنه ليس في هذا مصلحة وطنية ولا مصلحة حزبية، فلو قام مجلس النواب بدوره فسيتم الحوار داخل المجلس، وسيخضع الجميع لمجلس النواب، بصفته يمثل الناس جميعا، ولكن الحاصل هو أنه لا يراد لمجلس النواب إلا أن يكون مجرد مصوت، وبالتالي فإن دوره شبه مشلول".
وتساءل جباري: "إذا لم يقم مجلس النواب حاليا بدوره في ظل الوضع الحالي، فمتى سيقوم بدوره، وإذا لم يتفاعل في مثل هذه القضايا الوطنية الهامة، والتي تهدد مستقبل البلد، ففي أي قضية سيتفاعل، وإذا لم يقم بدوره في محاسبة الفاسدين وناهبي ثروات البلاد وناهبي المال العام فما هو الدور الذي سيقوم به هذا المجلس"، مؤكدا بأنه يجب أن يحاسب كل من يخرج على النظام والقانون أو يستخدم سلطاته الرسمية في تحقيق مصالحه الشخصية، وكل من يعتدي على أملاك الدولة وأملاك المواطنين، ومجلس النواب هو المعني بهذا الأمر، وهو من يجب أن يحاسب الحكومة على تقصيرها وذلك وفقا للدستور والصلاحيات المخولة له في القانون.
وعن عدم تشكيل المجلس للجان خاصة للتحقيق في القضايا التي تهدد الوحدة اليمنية، تساءل جباري: "من الذي سيشكل، نحن كأغلبية في المؤتمر لا نستطيع عمل شيء، فهيئة الرئاسة تحول دون أي دور إيجابي لمجلس النواب، فهم يعتقدون بأنهم يقومون بهذا الدور على اعتبار أنه مصلحة تنظيمية، وأنا أجزم بأنه عندما يكون دور مجلس النواب سليبا فليس في هذا لا مصلحة حزبية ولا مصلحة وطنية، ولا يمكن أن يخدم المجلس بدوره هذا أحدا، بل على العكس لو كان للمجلس حضور فاعل في مثل هذه القضايا، ولو قام بدوره عندما كان هناك احتجاجات من قبل المتقاعدين، ولو قام بدوره في محاسبة الفاسدين ومحاسبة من يستخدم سلطته الرسمية لتحقيق مصالح شخصية ومحاسبة من نهب المال العام، أعتقد أنه على الأقل لم تكن المشكلة لتصل إلى ما وصلت إليه اليوم".
المجلس موظف لدى الحكومة
من جانبه أكد النائب الإصلاحي عبد الكريم شيبان بأن مجلس النواب موجود، وأعضاءه جميعا متحمسون مع القضايا الوطنية، ولكن المشكلة هي في أنه أريد لهذا المجلس أن يغيب، وأريد لهذه القضايا ألا تناقش داخل مجلس النواب، وقال بأن "مجلس النواب كغيره من المؤسسات الرسمية، فليس هناك مؤسسات مستقلة وقادرة على اتخاذ قراراتها باستقلالية وحيادية، فالمؤسسات موجودة ولها صلاحيات في الدستور والقانون، ولكن جميع هذه المؤسسات تابعة لطرف واحد، فمجلس النواب والحكومة ورأس الدولة كلهم من حزب واحد، فكيف يمكن أن نحاسب، وهناك من يقول هذه حكومتي فكيف أحاسبها".
وأضاف شيبان: "عندما يكون هناك 250 عضواً في البرلمان من الحزب الحاكم كيف يمكن أن يحاسب هذا البرلمان الحكومة، وإذا وجد بعض الأعضاء لديهم حماس لمحاسبة الحكومة فإنهم يقمعون، فعندما أصر المجلس على مناقشة قضية صعدة وتشكيل لجنة طلبت الحكومة مهلة لمدة ثلاثة أيام لحل القضية، وكذلك قضية الحراك في المحافظات الجنوبية، عندما أراد المجلس مناقشتها وتشكيل لجان لدراسة القضايا ووضع حلول لها، قالوا هذه قضية بسيطة وهي مجرد شوشرات ونحن سنعالجها".
وأكد شيبان بأن المجلس إذا أعطي دوره، وصلاحياته الموجودة في الدستور والقانون فيمكن أن يقدم أشياء كثيرة جدا ويمكن أن يحاسب وأن يعاقب، وسيكون هو أول من يشارك في حل القضايا الوطنية ، غير أنه حاليا في حكم المغيب، وقال "نحن في المجلس تخضع الأمور لدينا للتصويت وعندما تكون أقلية داخل المجلس يمكن تطرح رأيك وتتكلم لكن في الأخير تحسم القضايا بالأغلبية ولابد ألا تتحمل الأقلية الموجودة في المجلس فوق طاقتها لأنهم أكثر من يتكلمون في هذه القضايا، والأعضاء الذين يتهمون هيئة الرئاسة يتهربون من المسؤولية لأن الأعضاء أنفسهم إذا كانوا متواجدين في المجلس ويشاركون في القضايا ويتفاعلون، فماذا تستطيع هيئة الرئاسة أن تعمل، لأنها ستخضع لرأي القاعة في الأخير بحسب اللائحة".
مشيرا إلى أنه لا يحمل هيئة الرئاسة كامل المسؤولية، لأن المجلس كذلك يتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية، فهيئة الرئاسة لها صوت واحد فيما هناك 300 صوت داخل القاعة بإمكانهم أن يفرضوا رأيهم لو أرادوا ذلك، وقال العضو في الأخير يراد منه أن يقوم بدور معين، وهو التصويت حول أي موضوع تريده الحكومة، بحيث أصبح مجلس النواب وكأنه موظف لدى الحكومة بدلا عن القيام بدوره في الرقابة، ومجلس النواب صحيح انه يعتبر سلطة تشريعية ورقابية ولكنه ليس سلطة تنفيذيه والحكومة هي المفروض أن تبدأ في حل القضايا، والمجلس له صلاحيات موجودة في الدستور ومن حقه أن يطلب الحكومة، غير أن المجلس أضعف من أن يمارس هذه السلطات باستقلالية كاملة، كما أن هناك من الأعضاء من يقول بأن الحكومة حكومتنا ولهذا لا يمكن أن يحاسبوها.
أما النائب محمد السقاف بالغيث فرفض الحديث عن الأزمة الراهنة من قريب أو بعيد، وقال بأنه ليس عضوا في مجلس النواب حاليا لأنه عضو في اللجنة العليا للانتخابات، ورغم أن عضويته ما زالت قائمة في المجلس ألا أنه لا يمارس العمل البرلماني، مفضلا عدم التطاول على مجلس النواب في هذه القضية، أو التحدث علن الأزمة الراهنة في المحافظات الجنوبية والشرقية.
ملحق للسلطة التنفيذية
من جانبه أكد النائب الاشتراكي عيدروس النقيب بأن مجلس النواب ليس سوى ملحق من ملحقات السلطة التنفيذية، مثله مثل إدارة الهاتف أو وزارة الاتصالات التي تؤدي خدمة للسلطة التنفيذية، ولهذا فإنه من الصعب أن نطلب منه أن يلعب دوره وأن يقوم بواجبه الوطني تجاه التداعيات التي تشهدها البلاد.
وأشار النقيب إلى أن هناك مسؤولية أولى في هذا الغياب الذي يعاني منه مجلس النواب تقع على عاتق هيئة رئاسة المجلس، التي قال بأنها تأبى السماح للمجلس في أن يمارس واجبه القانوني والأخلاقي والدستوري تجاه البلاد، كما أن هناك مسؤولية أخرى تقع على عاتق الأغلبية البرلمانية التي ارتضت أن تكون أداة طيعة في يد الحاكم والسلطة التنفيذية، فعندما يطلب منها موقف من قبل السلطة التنفيذية فهي على استعداد أن تلبي الطلبات التي تقدم لها، كتمرير الاعتماد الإضافي وتمرير الموازنات بأشكال مخالفة، وتسكت بالمقابل عن الانتهاكات التي يتعرض لها المواطنون، كما تسكت عن التشقق وعن التصدع الوطني الذي يشهده المجتمع ولا تقوم بأي دور في هذا الاتجاه.
وأوضح النقيب أن هناك في الأغلبية من يستشعر خطورة الأزمة، ولكن هؤلاء هم أقلية داخل الأغلبية، وقال: "صحيح أن داخل الأغلبية في كتلة الحزب الحاكم مجموعة من الخيرين من الذين يتمتعون بقدر من الشعور بالمسؤولية ولكنهم مقصيون تماما مثلهم مثل البرلمانيين المعارضين، وممنوعون من أداء دورهم وبالتالي فهم حتى وان حسبوا على الأغلبية فهم أقلية وينتمون إلى الأقلية فكرا وسلوكا وممارسة، ويتعرضون للإقصاء من قبل إدارة المجلس ومن قبل رئاسة كتلة الأغلبية كالبرلماني المحترم الأستاذ عبد العزيز جباري والبرلماني الدكتور عبد الباري دغيش والبرلماني عبده بشر، جميع هؤلاء مضطهدون مثل برلمانيي المعارضة، ولا فرق بين أن تنتمي إلى المعارضة أو أن تنتمي إلى الحزب الحاكم، فما دمت صاحب قضية فأنت مقموع".
واستنكر النقيب أن يذهب أعضاء مجلس النواب في ظل الأزمة الراهنة لقضاء إجازاتهم، وقال:"البلاد تتعرض للانزلاق والانهيار نحو الهاوية والإخوة البرلمانيون في إجازة يمارسون الاستجمام والراحة بل ويحضرون الاحتفالات المعبرة عن الفرح والسرور ولا ادري بماذا يسرون وبماذا يحتفلون، والأمر المؤسف هو أن أجهزة السلطة تقمع وتقتل وتعتقل في الشوارع وتعتقل من ليسوا لصوص المال العام والقتلة والمجرمين وقطاع الطرق وإنما تعتقل الناشطين السياسيين والرافضين للظلم والقمع فيما البرلمانيون يعطفون رجلاً على رجل أو يذهبون إلى الاستراحات في البلدان السياحية أو يحضرون المهرجانات الاحتفالية التي يمارسون فيها فرحهم الخاص وليس فرح هذا الشعب وسروره".
وأشار النقيب إلى أنه يجب على مجلس النواب أن يعقد جلسة استثنائية طارئة لمناقشة الأوضاع المقلقة التي تعيشها البلد ولردع السلطات التي تنهج نهج القمع ونهج التسلط تجاه المعارضين الوطنيين، وردع السلطة التنفيذية لتعود عن غيها وأن يتحمل مسؤوليته في الحفاظ على ما تبقى من الوئام الوطني وإلا فإنه سيكون شريكاً في انزلاق البلاد نحو الهاوية.
* ماجد الجرافي
* صحيفة الغد
* نشوان نيوز