رئيسية

علي عبد الله صالح وذكرى اطفاء 31 شمعة في حكم اليمن

تخطى الرئيس علي عبد الله صالح يوم الجمعة الماضية عامه الـ31 في حكم اليمن والذي تولاه في 17 يوليو من عام 1978م فيما كان يعرف بالشطر الشمالي من الوطن. وهذه الاشارة للعمر المديد في الحكم لا تعني شيئا قدر لفت الانتباه إلى ان الرجل مطالب اليوم قبل غيره بحماية انجازاته التي تحققت على مدى تلك السنوات الماضية، وتكاد تتعرض في الاونة الاخيرة لتآكل فضيع ومنذر بالعواقب الوخيمة.

وتأتي ذكرى 17 يوليو لهذا العام وسط تعقيدات وتحديات هي الاسوأ نظرا لما تمر به البلاد من مخاطر حقيقية لم تعد خافية على احد أو مجالا للانكار والمناكفة بين الاطراف السياسية. تولى الرئيس الحكم في ظل ظروف صعبة وقاسية وكان فيها طلب الامن والاستقرار مجرد حلم بعيد المنال، وخلال سنوات خمس تحقق للشطر الشمالي انذاك فترة استقرار لم يشهده منذ قيام ثورة سبتمبر 19962م، ولم يتأتى ذلك الا نتيجة اعتماد الرئيس على سياسة متوازنة نالت اعجاب كثير من الكتاب والباحثين.

بعد تلك السنوات، بدأت عجلة التنمية في الدوران ولو ببطء، ولاشك ان الحظ ابتسم للرئيس يوم 13 يناير 1986م وهو يناشد الفرقاء في الجنوب بحقن الدماء في اثناء الحادثة الدموية المعروفة، خصوصا بعد انشعال البدايات الاولى لحكمه بفكرة المد اليساري القادم بقوة من الجنوب.

و إلى جانب اسباب اخرى ذات علاقة بتراجع الدعم عن الانظمة الاشتراكية في مختلف دول العالم، مكنت حادثة 13 يناير 86م الرئيس من امتلاك ورقة ضغط اساسية في سياق التفاوض على اجراءات تحقيق الوحدة، ما دفع رفيقه في تحقيق الوحدة علي سالم البيض إلى قبول منصب النائب وباقي اجراءات الاتفاقية الوحدوية دون التشاور مع رفقائه في الحزب الاشتراكي.

وايا تكن الملابسات والاسباب التي ادت إلى حرب صيف 94م، فان النتيجة التي خرج بها الرئيس علي عبد الله صالح بعد الحرب جعلته يرتقي إلى مرتبة الزعماء في نظر الكثيرين، خصوصا بعد فشل المحاولة الانفصالية المعلنة للنائب البيض، والسيناريوهات التي كانت قد وضعت لليمن في حال نجاح مشروع الانفصال.

وكأمر واقع ايضا، وبغض النظر عن النوايا المبيتة لدى الطرفين، نظر للرئيس صالح كواحد من الزعماء القلائل الذين اسقطوا مراهنات وتوقعات محلية واقليمية ودولية في ظرف قياسي لا يتجاوز السبعين يوما.
والحال ان الرئيس دخل حرب 94م محصنا من الداخل بتحالف من الشمال والجنوب الذي لم تسعف سنوات الوحدة القليلة ذاكرة كثير من ابنائه سوى استدعاء ماض اشتراكي سيء، وذلك مارجح كفة صالح في الحرب، رغم المحاولات الاقليمية والدولية التي سعت إلى تأديبه نتيجة موقفه الداعم للرئيس العراقي صدام حسين في حرب الخليج.

وبينما كانت الانظار تتجه عقب انتهاء الحرب إلى التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المنشودة في الداخل، انشغل الرئيس بتفكيك تحالفات وبناء تحالفات اخرى موازية، دون ان يكون هناك خطر حقيقي يتهدد حكمه، وكأنه يقدم دليل اثبات على ان نظامه ضل طريقه نحو دولة النظام والقانون والتنمية الاقتصادية الحقيقية، واستمرأ العيش في ظل الازمات.

اتقن الرئيس ببراعة تثبيت نظام حكمه وتحقق له ما اراد وزيادة في صيف 94م ، لكنه سلك بعد ذلك طرق خاطئة، وانشغل باجراءات بعيدة عن متطلبات التنمية الحقيقية، ليس لأنه عمل على اخراج الاصلاحيين من السلطة كما قد يفهم، ولكن لان ظروف اليمن في السنوات السابقة كانت توفر له الارضية المناسبة لتفريخ مبررات أي اخفاق، وهو ما يصعب ان تجد مثيله خلال السنوات اللاحقة.

وبالنسبة إلى أي نظام طموح للاستفراد بالحكم، وقد تحقق له ما أراد، فان من البديهيات ان يتجه مباشرة إلى أي وسيلة تحقق رفاهية شعبه كي يظل وفيا له وراض عن مدة بقائه في السلطة مهما تطاولت السنوات، فنحن في الاخير نعيش في بلد نام والسواد الاعظم يقدر ماذا تعنيه السلطة هنا.

اليوم، يبدو من العسير، ان لم يكن من سابع المستحيلات، اغفال اخطاء النظام الفادحة والبحث عن شماعات جديدة له تجاه ما تعيشه البلد من ازمات اقتصادية واجتماعية مركبة تطحن الجميع، فضلا عما يجري في المحافظات الجنوبية والشرقية وفي صعدة.

هناك انفصاليون ومأزومون وحاقدون وعنصريون وطائفيون بلا شك، ولكن ما قيمة أي نظام اذا لم يعمل على اطفاء هذه الحرائق؟ خصوصا بعد بقائه هذه المدة الطويلة في الحكم، وفي ظل ما يتمتع به رئيس الجمهورية من صلاحيات دستورية وواقعية واسعة.

ان اطفاء 31 شمعة في حكم اليمن لا تترك مجالا واسعا للحديث عن ميراث الامامة في الشمال والاستعمار في الجنوب، وتدعو الرئيس وكل من تهمه مصلحة هذه البلاد، إلى الاتجاه صوب طريق لم نسلكه بعد في ظل دولة النظام والقانون المفترى عليها.

زر الذهاب إلى الأعلى