رئيسية

17 يوليو.. عيد جلوس الحاكم وقيام المحكومين

بحلول الجمعة الماضية أطفئ الرئيس صالح الشمعة الـ31 من تاريخ (توليه الرئاسة) 17/7/78م- 17 من يوليو 2009م، تمكن خلالها من تحقيق عدد من المنجزات التي لا تخطئها العين، وتحقيق عدد أكبر من الوعود التي لا تخطئها الأذن، إلى جانب تحقيقه عشرات الألقاب ومئات الأوصاف وآلاف الصور التذكارية المعبرة عن أكثر من حالة يمنية، والتي لا يألو التوجيه المعنوي جهداً في توثيقها وأرشفتها وطباعتها بشكل أنيق ودائم..

منجزات معنوية عملاقة
حظي صالح خلال فترة حكمه بالعديد من المسميات والألقاب على اختلاف تخصصاتها وتنوعها، فهو رئيس الجمهورية اليمنية، ورئيس اليمن، والقائد الأعلى للقوات المسلحة (بحكم نص المادة 111 من الدستور). بمعنى أنه رئيس السلطة التنفيذية، والسلطة القضائية، والسلطة العسكرية، ورئيس الجمهورية. وهو رئيس المؤتمر الشعبي العام الحاكم فوق ذلك كله. كما أنه الوحيد من يحق له المصادقة أو إلغاء الأحكام القضائية، والقوانين والتشريعات، وتعيين القادة العسكريين والسفراء والدبلوماسيين، ورئيس الوزراء، والوزراء، ورئيس وأعضاء مجلس الشورى، ووحده له الحق في تعيين نائب الرئيس (مع اعتبار أن نائبه الحالي لم يصدر به قرار تعيين)، وهو رئيس مجلس الدفاع الوطني، ومن حقه حل مجلس النواب والشورى. والرئيس هو باني اليمن الحديث ومحقق الوحدة الوطنية، وفارس العرب، وابن اليمن البار، وباني النهضة، ومؤسس الديمقراطية، وهو وحده رافع علم الوحدة اليمنية (إلى ما قبل ارتفاع وتيرة الحراك الجنوبي).

وصالح هو رأس النخبة الحاكمة، وهو أب وعم وخال وصهر لعدد من القادة العسكريين والمدنيين وكبار التجار والزراع.

كما تنسب إليه جمعية الصالح، ( تم تغييرها إلى مؤسسة الصالح)، وجامع وأوقاف الصالح ومركز الصالح لرعاية الأيتام، ومشروع الصالح للحد من البطالة، وأستاد الصالح الرياضي (يجري العمل فيه استعداداً لخليجي 20)، وينسب إليه مجمع الصالح السكني (في أكثر من محافظة ليستهدف الشباب)،ومنتدى الصالح الثقافي، ومنتدى الصالح الاقتصادي، وإليه تنسب جامعة الصالح (يجري إعداد مشروعها) ومدينة الصالح وجسر الصالح في محافظة أبين، (تظهر التسميات بقوة في المحافظات الجنوبية).

وبالمقابل هناك آلاف الصور الرئاسية إن لم تكن عشرات الآلاف المنشورة على صفحات الصحف والمجلات والمؤلفات والمواقع الإخبارية وروابط البحث على الانترنت، والقنوات الفضائية.. ومثلها الصور المعلقة على جدران المكاتب الحكومية والعامة والخاصة وزجاج المركبات وشاشات الهاتف ومقرات الشركات وسائر المركبات البرية والبحرية والجوية، وحتى جدران المنازل من الداخل والخارج.. ومثلها تلك المكدسة في مقرات المؤتمر الحاكم ومخازن الألوية العسكرية، وتلك المعلقة على الكنبات والمطروحة بمكاتب البلدية والأشغال العامة، وتلك المعروضة والمطمورة، وتلك المؤرشفة في اللجنة العليا للانتخابات.. ومثلها المحفوظة والمبروزة لدى الآلاف وربما الملايين ممن حالفهم الحظ بالتصوير مع الرئيس.

من بين تلك الصور الحسية، المرئية، (وليس المحفورة في ذاكرة 22 مليون نسمة) المعروضة والمعلقة في الريف والحضر، في السهل والجبل، البر والبحر، الأرض والجو، الصحراء والمرتفعات، وحتى تلك المنقوشة على القبعات وأقمشة البدلات.

ثمة الصور المرسومة والرقمية، والفعلية والمعالجة ببرنامج الفيتشوب، الجامدة منها والمتحركة، الملونة منها والعادية.

من خلالها فقط ترتسم الصورة وبها ومنها وفيها قد تتجسد صورة اليمن بين 31 صورة.. ما يعادل صورة واحدة لكل 360 يوماً منذ 17/7/78م إلى اليوم.

للرئيس صور متعددة " قائماً، قاعداً، راكباً، ماشياً، ضاحكاً، مبتسماً، حزيناً، مسترخياً، منتبهاً وغافلاً، بالبدلة العسكرية، وبالمعوز الحضرمي، وبالثوب والجنبية، وبالبدلة الفرنسية وبالزي الحاشدي، والبكيلي، الشمالي والجنوبي، التهامي والمشرقي.

مرة بالنظارة السوداء وأخرى بالبيضاء، ومرة يلعب كرة السلة والطاولة وحجر النرد، ومرة يسبح وأخرى يصلي، ومرة للرقصة الشعبية وثانية في المقيل، وفي شرب القهوة، وثالثة يمارس هواية ركوب الخيل.. وأخرى وهو يسبح في البحر الأحمر وفي مسبح القصر، وأخرى وهو يستمع إلى فنان وأخرى يصلي إماماً في المسجد بالسبعين أو في جامع الجند أو الجامع الكبير.

فهل تكون تلك الأوصاف والأسماء والصور أهم وأبرز حصيلة معنوية لما يسمى ب"العقد الاجتماعي" يقدمها حاكم طموح بين يدي محكومين بقناعة الرضا ب"الحاصل"!!

الانتقام من قتلة الغشمي، ومد اليد النظيفة للجميع، وأمن وسعادة الشعب.. وعودٌ مرحلة!

في كلمته الأولى كرئيس أمام مجلس الشعب التأسيسي في 18/7/78 شكرهم صالح على الثقة التي منحوه في "تحمل المسؤولية الجسيمة والأعباء الشاقة لقيادة البلد الغالي". وفي ذات المكان الذي وقف فيه الرئيس الراحل أحمد الغشمي عاهد صالح الشعب على " النهوض بالمسؤولية الجسيمة التي كلفتموني بها بكل إخلاص وأمانة، وأن أبذل كل جهدي وطاقاتي في سبيل الحفاظ على أهداف ومبادئ ثورة 26 سبتمبر المجيدة" وقال بأنه سيعمل ذلك للوصول إلى بناء الدولة المركزية الحديثة، دولة النظام والقانون.

وكان مما قاله يومها: سأمد يدي نظيفة إلى الجميع من أجل بناء اليمن، ومن أجل سعادة الشعب وأمنه وسيادته.

وإضافة إلى تلك الوعود التي تعهد بها زاد عليها (لن أفرق بين مواطن ومواطن إلا من حيث السلوك والممارسة (...) ولن أفرط في حق من حقوق الشعب".

كما وعد بالحفاظ على أهداف ثورة 26 سبتمبر 62م وحركة 13 يونيو74م، وعلى كل مكاسب الشعب، ومواصلة مسيرة التنمية الشاملة في إطار من الحرية والديمقراطية التي وضعها الرئيس كأهداف استراتيجية يعمل من أجل تحقيقها، والتي لا زالت حتى اليوم تنتظر ولا زال اليمنيون ينتظرون "سعادة الشعب وأمنه وسيادته" مقابل ذلك انتقل الرئيس في كلمته إلى الجانب المهم والأهم –في اعتقاده- في الاعتماد عليه للحفاظ على الكرسي، انتقل في الفقرة الثالثة من كلمته "منشورة في موقع الرئيس" (إلى القوات المسلحة والأمن) والتهديد باسمها بالضرب "بقوة وقسوة" كل من يريد المساس من "سيادتنا واستقلالنا، أو الإخلال بأمننا واستقرارنا" وهذه الفقرة التصقت بعقلية الحاكم ولا تكاد تخلو منها ورقة خطابية، وحتى اليوم لا تزال صالحة للاستخدام في كل وقت وحين!!

وحين قال في كلمته أن "الشعب هو الخالد أبداً، وفوق كل الأفراد" وفي إطار حديثه عن الوحدة قال الرئيس متمنياً أنها ستتحقق "مهما كان إرهاب ودناءة السلطات المتحكمة على شعبنا في الشطر الجنوبي"، والملاحظ كذلك أن الحديث عن الوحدة اليمنية لم يعد خطاً أحمراً، ولم يعد ليعترف بشركاء تحقيقها، وهي النغمة التي التصقت بلسان الحاكم إلى اليوم، ولا تزال الاتهامات والتهديدات التي لا يعلم من المقصود بها هي هي، بل تطورت إلى الضرب (بيد من حديد) وغيرها.

ومن الواجب الإشارة هنا إلى أن تعهد صالح في ختام كلمته للشهداء والأبرار وللرئيس المقدم أحمد الغشمي على المضي على مبادئ الثورة وعلى نهج يونيو سائرون، تزامن مع ما يتداول أن الرئيس تعهد ب"الانتقام من قتلة الغشمي" وطلب إعطاءه الفرصة لذلك لفترة زمنية لا تتجاوز بضعة أيام، ولكن كما يقال يوم الدولة بسنة وقد يكون بعقد من الزمان!!

بعد 67 يوماً من أداء القسم.. وعود ب:

حل أزمة السكن والإيجارات، وعدم بعثرة الثروات أو السيطرة على الأراضي

وبعد 67 يوماً فقط من توليه الرئاسة وفي الذكرى الـ16 لثورة سبتمبر ألقى صالح كلمة 25/9/78م جدد فيها الوعيد ب"المرصاد لكل من يحاول عرقلة مسيرتنا" وأكد أن الثورة سائرة في طريقها "الواضح" وأن "المؤامرات والدسائس وأعمال التخريب وسياسة الاستفزاز، لن تثنيه عن السير في طريق "الثورة".

يومئذ ترك الأعمال والمنجزات خلال 67 يوماً كي "تتحدث عن نفسها" واكتفى ب"هدية إنشاء المجالس البلدية" في المحافظات، تجسيداً لإرساء قواعد الديمقراطية الحقة، وأعلن اعتزام الدولة على "تنفيذ بعض المشاريع التنموية والإنتاجية معتمدة في ذلك وإلى حد كبير، على إمكانياتها، وأن تكون المشاريع السكنية في المقدمة "حتى تحل أزمة السكن ومشكلة ارتفاع الإيجارات"، وأعلن تصميمه المطلق على "دعم ورعاية حركة التعاون الأهلي تجسيداً للتطوير". وزاد وعد بتطوير أجهزة الدولة وإرساء قواعد الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وبناء الدولة الحديثة، دولة العدل والنظام، ومن الوعود "الحفاظ على المكتسبات الوطنية، والتجربة الديمقراطية، والتحلي بالصبر، وضبط النفس، والسعي إلى إعادة التضامن من التلاحم والوفاق العربي"، ووعد صالح "لا نهدد أمن أحد، ولا نطمع في السيطرة على أراض أحد، ولا ننوي احتلال أرض أحد ولا نبعثر ثروات أحد" ووعد بالاهتمام بقضايا المغتربين ودعا الحكومة إلى توزيع التنمية الاقتصادية والاجتماعية "بصورة عادلة".

وزاد قال بأن الثورة "مدرسة ومستشفى ومياه نقية، وطريق التنمية، والبناء بإيجابية خلاقة".

وعود مكررة.. ومشاكل متفاقمة

باعتبار أن وعود الماضي مجرد صفحات ماضوية طويت واندثرت في متحف الوطن ، لتبدأ صفحة جديدة، فقد فضلنا أن نستعرض هنا مقتطفات من البرنامج الانتخابي للرئيس 1999م ومقارنة ما جاء فيها من وعود بما جاء في البرنامج الانتخابي 2006م.

وبالتأمل في كثير من فقرات برنامج 2006 نجد أنها تناولت نفس وعود برنامج 99 يعني أن الأوضاع لا تزال كما كانت عليه. ومن جانب آخر نجد أن وعود 2006 جاءت أكثر تدهوراً.. وللأسف.

ففي جانب زيادة المرتبات والأجور كانت هي هي في كلا البرنامجين ومثلها توسع نطاق شبكة الأمان الاجتماعي والاهتمام بالزراعة وغيرها. لكن الملاحظ أن الفترة 99-2006 لم تكن كافية للوفاء بالوعود المقطوعة بدليل تكرار نفس الوعود.

وفي مشكلة المياه والموارد المائية جاء في برنامج 99 وعد توفير المياه للمناطق النائية فضلاً عن المدن، ووعد ب"المواجهة الجادة لقضية المياه" وللأسف جاء برنامج 2006م على العكس تماماً لينص على "إيجاد حلول عاجلة" لمشكلة مياه العاصمة وتعز، بمعنى أن توفير المياه للمدن والمناطق النائية لم يحدث، والمواجهة الجادة لقضية المياه لم يتم الوفاء بها، وأن الأمور كانت أكثر تعقيداً، وبالتالي فإن ما أنفق خلال فترة 99-2006 قد ذهب هدراً، وإلا لما كانت حدثت مشكلة مياه العاصمة، وثبت يقيناً العجز أو التساهل في الوفاء بالوعود.

مع الإشارة هنا إلى أن وعد "تنفيذ مشروع استغلال الغاز الطبيعي" المسال ورد في عريضة 99 ولم يرد في 2006م، فضلاً عن أنه لم يتم الانتهاء منه حتى اليوم (99-2009).

ومثل ذلك الطاقة الكهربائية المولودة، تكرار ذات الوعد يعني استمرار المشكلة بل تفاقمها، وتكرارها اعتراف بالتنصل عن الوعود والفشل في الوفاء بها.

واليوم وقد مضى على الثورة اليمنية 47 عاماً و31 عاماً على تولي صالح الحكم لا تزال آمال وتطلعات الشعب معلقة ولا تزال وعود التطوير والتنمية الشاملة والمستدامة لم يؤذن لها بالوجود، ونحن هنا إذ نتناول الحديث عن المتطلبات الضرورية والأساسية للحياة الإنسانية: "الماء، الكهرباء، الطريق، الاتصال" التي لا تستحق الدولة تسميتها دولة دون أن توفر لرعاياها هذه الخدمات. والملاحظ في الوعود الرئاسية والبرامج والخطط الخمسية أنها لم تنفذ بعد ولم يتم الوفاء بها، إن لم تكن تلك وعود قد خلت ليس لها ولا عليها!!!

تأبيد الفقر والبطالة والشمع والجرع...

فيما يتعلق بمشكلة البطالة وارتفاع معدلات الفقر إضافة إلى ما جاء في برنامج 2006 والوعد بالتغلب عليها وإيجاد فرص العمل وتوزيع الأراضي الزراعية وإنشاء وحدات سكنية للشباب كان الرئيس صالح قد قال في مهرجان محافظة صعدة إبان حملته الانتخابية 30/8/2006، "إن عامي 2007، 2008 الموعد للقضاء "تماماً على الفقر والقضاء على البطالة" من خلال إيجاد فرص عمل للعاطلين في كل أنحاء الوطن،. وأكد "وهذا الكلام نقوله بوضوح وعندما نقول لكم شيئاً سنعمله يعني فعلاً سنعمل، يعني لن يكون قد خطبنا خطاباً سياسياً، أو تنموياً لدغدغة عواطف كما يفعلون اليوم من كذب خلال احتفالاتنا بهذه الحملة".

ومثل ذلك حدث مع وعد الرئيس بعدم ارتفاع الأسعار وزوال شيء اسمه "جرعة" قال في 17/9/2006 في مدينة رداع ما نصه "لا صحة لإشاعة ما تروجه أحزاب اللقاء المشترك بأن هناك جرعاً قادمة لا يوجد أي إجراءات، ولا جرع على الإطلاق انتهت الجرع وإلى الأبد".. (وهو ما حدث فعلاً عقب انتهاء الانتخابات الرئاسية!!)

إضافة إلى ذلك كان الرئيس وعد بتوليد الكهرباء بالطاقة النووية ولم يحدث ذلك، وتحول الناس إلى استخدام الشمع لساعات طويلة تنطفئ فيها الكهرباء.

وعلى النقيض من وعد القضاء على الفقر والبطالة خلال 2007-2008 نجد اليوم ونحن في 2009م أن معدلات الفقر والبطالة في تزايد مستمر، ولا يزال جوهر أزمة اليمن يتمثل في الفقر والبطالة، ولا تزال البطالة تمثل اليوم "أم الأزمات" كما يقول الدكتور الإرياني.

ختاماً: إذا كان تقديس الذكرى يرمي إلى ربط التاريخ اليمني بشخص الرئيس وترسيخ ذلك في الذهنية الشعبية وكتابتها ونقلها للأجيال القادمة، فإنه من سوء حظ الذكرى أن تأتي هذا العام متزامنة مع تطورات داخلية وخارجية بالغة التعقيد يستحيل مع ضيق النفس المناوئ توسيع الاحتفاء بها رسمياً، وقد لا يكون من المقبول على الأقل في المحافظات الجنوبية الاستماع إلى خطاب الرئيس بالمناسبة، أو مشاهدة استعراضات عسكرية لاعتبار أن القناعة لدى الوسط الجنوبي تذهب إلى أن ذلك يأتي في إطار الاستفزاز والتشفي وإظهار الانتصار.

زر الذهاب إلى الأعلى