حذر المستشار السياسي للرئيس اليمني علي عبدالله صالح الدكتور عبدالكريم الإرياني، من مغبة استمرار التجاذبات السياسية والاضطرابات في المناطق الشرقية والجنوبية من البلاد، واتساع تمرد الحوثيين بصعدة على أمن واستقرار اليمن، معتبرا أن خروج اليمن من الضائقة الاقتصادية التي يعاني منها سينهي حراك الجنوب وتمرد الحوثيين .
وحمل الدكتور الإرياني في حوار شامل أجرته معه “الخليج” في منزله في العاصمة صنعاء أحزاب المعارضة الرئيسية في اليمن المنضوية في إطار تكتل أحزاب اللقاء المشترك مسؤولية تعثر الحوار مع الحزب الحاكم، واصفاً مطالب التكتل لاستئناف الحوار بأنها أوامر لا يقبلها إلا مغفل .
وهاجم الإرياني الداعين لتطبيق الفيدرالية للحفاظ على وحدة اليمن، وقال إن الفيدرالية هي طريق للانفصال، كما هاجم نائب الرئيس السابق علي سالم البيض، ودعوته إلى فك الارتباط، محذراً من تدخل دولي إذا ما استمرت الدعوة للانفصال، وقال إن هذه النار ستحرق الطرفين في الداخل والخارج، وأشار إلى أن الذهاب إلى مشاريع أخرى لا تحافظ على وحدة اليمن سيأتي عندما نرتمي في أحضان أعداء اليمن.
وأوضح الدكتور الإرياني أن اليمن بحاجة إلى الخروج من الضائقة الاقتصادية لحل مشاكلها المستمرة، مشيراً إلى أنه لو خرجت من هذه الضائقة فإنها ستقضي على الدعوات الانفصالية في الجنوب والمشاكل في الشمال مع الحوثيين .
إلى الحوار:
*بداية، هل يمكن أن تلخص لنا المشهد السياسي القائم حالياً في اليمن في ظل التجاذبات المتصاعدة بين الحزب الحاكم والمعارضة بشأن الانتخابات وإصلاح النظام السياسي؟
لاشك في أن المشهد السياسي في اليمن يشهد تجاذبات وآراء مختلفة، ربما لم تكن بهذا الاتساع إلا قبل أحداث ،1994 ولكن كالعادة فإن التاريخ لا يعيد نفسه وإنما يعود بطرق مختلفة، والبعض يقول إنه يعود بطريقة هزلية .
ولا شك في أن المشهد السياسي في اليمن هو مشهد ديناميكي، والديناميكية ليست في رأيي مصدر سوء، لكن التعامل مع هذه الديناميكية هو المقياس، ففي صعدة مثلا هناك أزمة مع الحوثيين، ويبدو أنهم يحاولون يوماً بعد يوم توسيع رقعة وجودهم، ولاشك في أنهم يتلقون دعما غير محدود، وهناك أحاديث عن دعم خارجي، لكن الذين يقولون إنهم في طريقهم إلى حكم اليمن حكما إمامياً فأنا لست معهم ليس دفاعا عنهم ولا حبا بهم، ولكن لأنهم أعجز من ان يعيدوا التاريخ إلى الوراء .
مع ذلك فإنه كانت للحوثيين في البداية مطالب أعتقد لو بحثت كنا يمكن أن نجد لها حلولاً، أما الآن، فقد أصبحت لهم، مع الأسف، طموحات أوسع بكثير من مطالبهم عندما بدأت الحركة الحوثية قبل عدة سنوات .
ما يجري في الجنوب بدأ بسقف ليس له سقف أساساً وقطع الطريق على فرص الحوار والنقاش في الأخطاء التي ارتكبت هنا وهناك، والأخ رئيس الجمهورية في خطابه في 22 مايو/أيار قال إنه حصلت أخطاء ولابد من تصحيحها، ولم تلتقط هذه الإشارة من قبل الإخوة في ما يسمى “الحراك”، بل شطحوا أكثر وقطعوا الطريق على أي حوار أو نقاش حول من الذي سيجلس للحوار سواء في الدولة أو أي مواطن، فهل هناك يمني مخلص لوطنه مستعد أن يجلس مع شخص يقول إنه يريد الانفصال؟ وكما قال الأخ رئيس مجلس الوزراء الدكتور علي مجور إن هذه الدعوة هي نفس دعوة ،94 تلك بدأوها بالحرب وهذه بدأوها بالاحتجاجات والمظاهرات .
وفي تقديري أن الاستمرار في هذا الأمر ليس في صالحهم ولا صالح اليمن، ولن يكون اليمن يمناً كما نعرفه لو استمروا، ولن يكون الجنوب جنوباً كما كنا نعرفه أو الشمال شمالاً، فالذي يدور اليوم في الجنوب لا يقل خطورة عما جرى في عام ،94 بل في رأيي ربما يكون أخطر من حرب صيف 94 .
مع ذلك، هناك من يقول دعوهم يخربوا ودعوهم يقتلوا فهذا حراك سلمي، وأنا أقول إن هذا الكلام لن ينطلي على أحد، فلابد للعقلاء، وهناك عقلاء لا شك في البلد، أن يفتحوا أبواباً ليست للخضوع والإذعان بل أبوابا لتصحيح أي خطأ قد يكون مورس هنا أو هناك .
المشهد الثالث في اليمن هو العلاقة بين الحزب الحاكم والمعارضة، وهو مشهد لا يسر أبداً، كأحداث صعدة والحراك في الجنوب لأن اللقاء المشترك يتذرع بقضايا مختلفة، قلت لهم يوما ولا أريد أن أكون قاسياً إذا أردتم ألا نبدأ بالحوار إلا بعد ان نكون أنهينا مشكلة صعدة والحراك في الجنوب والمشاكل الاقتصادية والسياسية فأنا أؤكد لكم أنني سأموت قبل أن نبدأ الحوار .
وفي اعتقادي أن ربط الحوار بقضايا هي حية وموجودة ولا تنكر أمر غير مقبول، خاصة بعد أن وقعنا على وثيقة فبراير ،2009 ومددنا لمجلس النواب، وأجلنا الانتخابات النيابية لمدة عامين وفتحنا آمالاً لتحقيق الأمن والاستقرار والتصالح والوصول لحلول مرضية للجميع، وأصبح للمعارضة دور بعد التوقيع على الوثيقة هو محل تقدير وإعجاب حتى في المجتمع الدولي، ومصدر هذا الإعجاب أن المعارضة والحزب الحاكم توصلا إلى اتفاق يؤدي إلى إصلاح النظام السياسي والانتخابي وحل مشكلة اللجنة العليا للانتخابات وإجراء انتخابات نزيهة وآمنة في العام 2011 .
اليوم الوضع لم يعد كذلك، وضع لم يعد له علاقة مطلقاً بالاتفاق الذي وقع عليه الطرفان، السلطة والمعارضة، نحن اليوم في وضع لا يمت لاتفاق فبراير بصلة لا من قريب ولا من بعيد .
ولو قرأت بعضاً مما جاء في رسائل “المشترك” الموجهة إلينا، فإنك لن تجدها إلا كونها مطالبة بإنهاء كافة المشاكل التي تواجه البلد . أنقل لك حرفياً ما تضمنته إحدى الرسائل من خلال قولها : “قياماً بالواجب وتوضيحاً للرأي العام الذي دأب إعلام السلطة على تضليله قررنا تعليق اللقاءات حتى نلمس جدية منكم في اتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ ما جاء في رسالتنا والتوقف عن التصعيد” . لقد قرروا إيقاف الحوار حتى يلمسوا أن هناك خضوعاً لما يرونه هم، وهذا ليس حواراً بين طرفين متكافئين، فماذا تقول عندما يقول لك أحدهم نفذ لي ما أريد وإلا فلن أحاورك؟
لا قطيعة مع المعارضة
*كيف تقرأون موقف المعارضة إذاً، هل هو قطيعة؟
لا، أنا لا أؤمن بالقطيعة، فعلى العكس أنا على تواصل معهم منذ الأسبوع الأول من شهر يونيو/حزيران المنصرم، لكن دعني أقل لك إنه منذ ما بعد توقيع اتفاقية فبراير لم نجلس ولا مرة جلسة حقيقية للأخذ والعطاء، كيف نتعامل أولا مع الحوار وكيف ننظمه وكيف نتعامل مع التعديلات الدستورية وقانون الانتخابات واللجنة العليا للانتخابات، وحول نظام القائمة النسبية الذي يمكن أن نتفق عليه وحجمه ومكانه .
هناك قضايا يجب ان نخوض فيها وألا تربط بحادثة في صعدة أو مظاهرة في لحج أو مشكلة في زنجبار . في الحقيقة لا أجد أن هذا دليل على جدية، وسبق أن ذكرت للإخوة في المعارضة ودائماً ما نذكرهم أن انتخابات 2011 لها مواعيد زمنية محددة يجب عدم تجاوزها، فالتعديلات يجب أن تعرض على البرلمان، وعلى البرلمان أن يتركها ستين يوما يستطيع خلالها أن يبدأ باستطلاع آراء الناس حولها ثم يبدأ بمناقشتها، وأثناء مناقشتها يستطيع أن يأخذ آراء الأحزاب التي ليس لها تمثيل في مجلس النواب، بالإضافة إلى منظمات المجتمع المدني التي لها اهتمام بالقضايا السياسية والحقوق المدنية .
على البرلمان مسؤولية كبيرة في هذا المجال، وليس كما فعلنا في تعديل المادة “5” عندما مددنا للبرلمان عامين، وخلال 72 ساعة كان البرلمان قد صوت عليها .
نحن التزمنا التزامات تتطلب إجراءات من أجل تنفيذها، لكن هذه المماطلة تجعل البعض يقول ان الغرض منها ألا نصل إلى انتخابات نزيهة وعادلة والعياذ بالله، لكن دعني أكن صريحاً أكثر وأقول إنه إذا استمرت المماطلة من قبل المعارضة بالشكل الذي نراه اليوم فإن الهيئات الدستورية عليها واجبات تنفيذية وتشريعية أمام الشعب، ولا يمكنها ان تفوت لحظة انتخابات عامة والذي يراهن على انه يستطيع ان يعطلها مرة أخرى فهو مخطئ غاية الخطأ .
*لماذا لا تسيرون في اتجاهين متوازيين للحوار الأول لتنفيذ اتفاق فبراير والثاني لبحث المشاكل القائمة اليوم والتي ستقوم غداً؟
ليس لدينا أي اعتراض، لكن ليس عليهم أن يقولوا لنا نحن أوقفنا الحوار حتى تنجزوا وتنفذوا ما طلبناه، هذا ليس حواراً، بل هو أوامر، لا يمكن أن نقبلها ولا يقبلها إلا مغفل .
مسألة التوازي في الحوار لا نرفضها، ليس لدينا مانع في هذه المسألة، فلنتحاور، وكما قلت للإخوة في المعارضة لنتحاور حتى أموت، لكن قضايا لها علاقة بتحديد يوم معين وسقف زمني لإجراء انتخابات عامة هذه قضايا لا تقبل هذا الأسلوب من الحوار، ولكن كل شيء يمكن طرحه من دون أن يعطل تنفيذ فبراير .
*أين تكمن العقدة في رأيكم، هل في انعدام الثقة بين الحزب الحاكم والمعارضة أم ماذا؟
أعتقد أن لذلك دوراً، لكن ليست هي العقدة الرئيسية، لأن كل طرف من أطراف تكتل اللقاء المشترك عنده مشكلة، وأنا لا أريد أن أخوض في شؤونهم الخاصة وأكتفي بهذا .
*ما هو مستقبل الأزمة القائمة مع المعارضة و إلى أين يمكن ان تقودكم، وهل لديكم مبادرة لإحداث انفراج؟
لقد أوقف الإخوة في المعارضة الحوار، ونحن نحضر الرد عليهم ونناشدهم بالعودة إلى الحوار، من جانبنا لم نغلق ولن نغلق باب الحوار حتى 27 ابريل/نيسان 2011 ( موعد إجراء الانتخابات التشريعية المقبلة )، لكن أن نظل نتحاور حتى نفوت انتخابات يوم 27 إبريل يجب أن يكون واضحا للجميع أن هذا أمر غير ممكن .
*هل لدى الرئيس قناعة بأن يقود بنفسه الحوار أم أن يبقى الراعي للحوار؟
هذا رئيس دولة ولن يتفرغ كل يوم لجلسة مع المتحاورين، وأنت تعرف كيف نتحاور، يمكن نجلس ساعتين وثلاث ساعات ولا نصل إلى شيء، الرئيس يرعى الحوار طالما دعا إليه، لكن الحوار يجب أن يبنى على الوثيقة التي وقعنا عليها جميعاً في فبراير/شباط الماضي، والتي جاء في ديباجتها أنه بعد حوارات رعاها رئيس الجمهورية توصلنا إلى كذا وكذا وكذا .
إشراك “الحراك” و”الحوثيين”
*بماذا تعلق على طلب المعارضة ضرورة إشراك جميع فرقاء الحياة السياسية في الحوار بمن فيهم الحوثيون وقادة “الحراك الجنوبي”؟
لسنا معترضين على وجود أي شخص، نحن لدينا سقف للحوار مع الجميع، وهذا السقف أو الثوابت تندرج في إطار التمسك بالجمهورية والوحدة والنظام الديمقراطي، وبعد ذلك ليأت من يأتي للجلوس معنا .
*بمن فيهم الحوثيون وقوى الحراك الجنوبي؟
بمن فيهم “الحراك” والحوثيون، لكن تحت الثوابت التي ذكرتها . إذا أردت أن تحاورني على ألا يكون هناك نظام ديمقراطي فهل من المعقول أن اجلس معك؟ وإذا قلت لي إنك لا تعترف بالدستور أو تريدني أن أتفاوض على الانفصال، فهل من المعقول أن أفاوضك؟
عدا ذلك لا تردد لدينا في إجراء أي نوع من الحوار، ومع أي كان، شرط أن لا يستغل هذا لعرقلة الانتخابات التشريعية المقبلة في 2011 .
المعارضة تكرر أن حزب المؤتمر الشعبي العام هو الرافض للحوار، وأنا رئيس لجنة الحوار وأتابعهم منذ الأسبوع الأول من شهر يونيو المنصرم، لا أريد أن اشرح كم مرة جلست معهم فرادى لأنهم سيعتبرون أن صوتاً واحداً .
القضية أنني متابع لهم من أول أسبوع من شهر يونيو، وهذه حقيقة لا ينكرونها، وإلا لماذا تبادلنا الرسائل؟ تبادلناها لأننا نجري وراءهم، ولم يكن يخطر ببالنا إطلاقا أن الحوار سيتم عبر الرسائل وجاريناهم لأننا لا نريد أن نعقد الموقف .
وأنا لا أريد ان أقول من هو ذو نية حسنة ومن هو غير ذي نية حسنة، لكن عندما يقول زيد الشامي (من كتلة حزب التجمع اليمني للإصلاح في البرلمان) إن المؤتمر الشعبي هو من يعرقل الحوار، وعندما يقول الدكتور عيدروس نصر (رئيس كتلة الحزب الاشتراكي في البرلمان) إن ما ابذله أنا إنما هو جهود شخصية فهذا أمر بحاجة إلى وقفة .
ولي هنا أن أتساءل: هل يعقل أن أذهب لأفاوض المعارضة بجهود شخصية ومن دون معرفة الرئيس ونائب الرئيس وزملائي في المؤتمر؟ لقد قلت لهم إذا كنت مجرد “شارعية” بلغة الأعراس هذه الأيام فالسلام عليكم، وذلك ما أبلغت به الرئيس، وأرسلت رسالة قلت فيها صراحة انه اتضح لي أن النوايا الحسنة لا محل لها من الإعراب في قاموس أحزاب اللقاء المشترك، وهم نشروها وقالوا عنها ما قالوا .
لا خوف على الوحدة
*بعد هذه السنوات الطويلة من التجارب في الحكم، هل يشعر الدكتور الإرياني بخوف على الوحدة اليمنية؟
ليس عندي أي خوف على الوحدة لأن الشعب اليمني لن يفرط بوحدته، الله يعلم ما ذا سيحصل في المستقبل، لكن في النهاية ستكون هناك وحدة، وسيعرف الناس ويعقل الجميع ويقدرون أنهم سيلعبون لعبة ترمي بهم في أحضان أعداء اليمن .
وأنا لا أتصور أن الشعب اليمني على تلك الدرجة من عدم الوعي، وأي بديل آخر للوحدة سيرمي بالجميع في أحضان أعداء اليمن، ولن يكون اليمن كما نعرفه اليوم ولا كما يحلم به الداعون إلى الانفصال أو إلى فك الارتباط، سامحهم الله .
*يقال إن الكثير من الشخصيات الجنوبية ليست لها المكانة اللازمة لصناعة القرار في دولة الوحدة؟
الذي يريد أن يعارض الوحدة ويدعو إلى الانفصال فإن أول ما سيقوله إنه لا ضباط الجيش الجنوبيين لهم دور ولا وزراء الجنوب لهم دور في دولة الوحدة، الذي يعارض الوحدة سيقول إن هؤلاء لا ينفعون، وإذا لم يقل ذلك سيطلع مغفلاً .
*ألا تشعر بأن ما يحدث على الأرض في المناطق الجنوبية يمكن ان يهز ثقة الناس بالوحدة أو ان تذهب بهم إلى مشاريع أخرى؟
الذهاب إلى مشاريع أخرى سيأتي عندما نرتمي في أحضان أعداء اليمن .
*بالمناسبة، كيف تقيم دعوة نائب الرئيس اليمني السابق علي سالم البيض لفك الارتباط بين الشمال والجنوب؟
إذا نطق السفيه فلا تجبه، واكتفي بهذا، مع اعتذاري لعلي سالم .
*ألا تعتقد بأن مد الجسور ومد اليد إلى معارضة الخارج ممن تعتبرونهم وحدويين مثل علي ناصر محمد يمكن ان يساهم في تهدئة الأوضاع في الجنوب؟
إذا كان لأي شخص، ليس فقط علي ناصر محمد، موقف صريح وواضح مما يجري في الجنوب وقال إنه لا يؤدي إلا إلى دمار الجميع، وإن الوحدة هي صمام الأمان، وإن الأخطاء التي ارتكبت باسم الوحدة يجب أن تصحح ولا يجوز أن يصبح الخطأ مبررا لكارثة كما يجري اليوم، فهو موقف مرحب به .
دعنا نقول إن هناك خطأ ارتكب، لكن الخطأ أصبح يستخدم لكارثة الكوارث، إذا سمع هذا الصوت من داخل اليمن أو خارجها أنا متأكد ان القيادة السياسية ستتجاوب معه .
*بمن فيهم علي سالم البيض إذا ما تخلى عن فكرة فك الارتباط مثلا؟
والله، أنا لا أراهن على علي سالم البيض في هذا الموضوع .
الفيدرالية انفصال
*هناك دعوات للفيدرالية في إطار الوحدة هل تتفقون معها؟
أقول إنها تبدأ فيدرالية وتنتهي انفصالية، لهذا أنا ضد الفيدرالية . أنا مع الحكم المحلي، السلطة المحلية، سمها ما شئت، لكن الفيدرالية شيء ثان، فهناك دستوران تقريبا وجيشان، لهذا يبدأ الأمر بالفيدرالية وينتهي بالانفصال، وعلى الذين ينادون بالفيدرالية ألا يتوقعوا أننا مغفلون . . على الأقل أنا .
*هل هذا ينسحب على مواقف كل قيادات المؤتمر والسلطة؟
( ضاحكا ) : أنت تسألني أنا .
*أسأل الدكتور عبدالكريم الإرياني، القيادي في الحزب الحاكم ومستشار الرئيس؟
هذا صحيح، لكنني لا أتكلم باسمهم حول الفيدرالية، أنت تسألني عن رأيي في الفيدرالية وأنا أقول لك رأيي بصراحة لا لبس فيه، إنها تبدأ بالفيدرالية وتنتهي بالانفصالية .
*هل تعتقد ان الفرصة مواتية لإعادة ترتيب البيت اليمني بشكل أفضل مما هو عليه اليوم، هل تشعر فعليا بإمكان ذلك؟
أنا التقي بغير اليمنيين في الداخل والخارج، ويبدون قلقا على ما يدور في اليمن، وأرد عليهم بالقول إنني عدت للعمل في اليمن عام ،1968 ولا اذكر أن سنة من السنوات التي عشتها في اليمن لم تكن فيها مشكلة، أي أن الشعب اليمني قادر على مواجهة كافة العواصف والمشاكل وفي النهاية يجري حلها بحبل الله وحبل الشعب، فهما حبلان متوازيان .
*هل تشعر بخطر إذا ما كان هناك تدخل دولي للوضع في اليمن، كدارفور مثلا؟
نعم، إذا استمر اللعب بالنار فسيؤدي إلى تدخل لا يخدم لا الذي لعب بالنار ولا الذي اكتوى بها، التدخل الدولي لا يخدم الاثنين لأن كليهما سيكون ضحية .
لا أزمة مع قطر
*في ما يتعلق بحركة الحوثي، هل تعتقد أن الوساطات الخارجية هي التي ساعدت على إطالة أمد الحرب، أم أن الحوثيين وامتداداتهم الخارجية هي السبب؟
عندما أتحدث عن الامتداد الخارجي فذلك لاعلاقة له بوساطة قطر، فهو يعني في الامتداد الأيديولوجي أخشى أن يختفي المذهب الزيدي ويصبح اثني عشريا، هذه أكبر مؤامرة على تاريخ اليمن منذ ألف ومائة سنة تقريباً .
فعلى مدى تاريخ اليمن لم تتمكن قوى التدخل الخارجي من تحويل المذهب الزيدي إلى مذهب إمامي اثني عشري يؤمن بولاية الفقيه، هذا لم يحدث في تاريخ اليمن وفقهاء الزيدية وعلماؤها الأفاضل عبر التاريخ كانت لهم خلافات حادة، ولا أريد ان استخدم بعض تعابيرهم حول عصمة الأئمة والإمام الغائب الذي يجب التعجيل بعودته، ومثل هذا الكلام الذي يتنافى مع أيديولوجية وتاريخ اليمن، وأخشى أن في ذلك خطراً غير محدود على اليمن .
لذلك فإن الذي يقاتل في صعدة مع الحوثي هو يقاتل دفاعا عن المذهب الزيدي وليس عن إمام جامع طهران، يعني دماء اليمنيين تسيل من دون قضية . إذا لم يكن الحوثيون واضحين وضوح الشمس، فهذا أمر مؤسف .
إن ما يزعجنا هو محاولات سلفية لإلغاء المذهب الزيدي، وهذه المحاولات قد تؤدي إلى اختفاء المذهب الزيدي وهي مثل قضية الانفصال، الذي لعب بالنار والذي اكتوى بها كلاهما خاسر .
*برأيك يا دكتور، ما ذا كانت أبرز مطالب الحوثيين بالضبط قبل المواجهات معهم؟
أعتقد أن مطالبهم الرئيسة قبل الحرب الأولى كانت السماح لهم بإنشاء مدارس تدرس المذهب الزيدي، ولاشك في أنهم كانوا يظهرون ضيقا بالتيار السلفي الذي يكفرهم ومركزه الرئيسي معهد “دماج” المعروف بصعدة، إضافة إلى مجيء آخرين من خارج محافظة صعدة .
وكان يمكن لتنفيذ هذه المطالب برأيي أن تبعدهم عن الارتباط خارجيا، وألا يتوسعوا في طموحاتهم، لكن هذا ليس وقت لوم وغيره، لأن الحقيقة عندما بدأوا يرددون الشعارات التي تتردد في جامع الإمام الخميني كل جمعة أثاروا شكوكا كبيرة حول توجهاتهم .
وفي اعتقادي أن الحوثيين جنوا على أنفسهم جناية سيصعب عليهم تصحيحها في المستقبل، إذا افترضنا وتم التفاهم معهم، لأنهم أصبحوا بهذه الشعارات التي يرددونها بوقا لدولة أجنبية بكل تأكيد، وبالتالي تصبح أجهزة الأمن أكثر حذرا وحيطة وتصديا .
لو ان الحوثيين تمسكوا بمطالبهم الأولى قبل ان يذهب حسين الحوثي إلى طهران وقم كانوا أفادوا أنفسهم وحموا الناس من الأضرار التي تبعت تصرفاتهم، والضحية في النهاية هو المواطن في صعدة، سواء كان من هنا أو هناك، ولاشك في أن هناك عدداً كبيراً من منتسبي القوات المسلحة الذين قتلوا في المواجهات مع الحوثيين، وهم من جميع أنحاء اليمن .
*ما الذي أخر حسم المعارك عسكريا مع الحوثيين؟
هذا عمل عسكري أنا لا أعرفه ولا علاقة لي به .
*لماذا ساءت العلاقة بين اليمن وقطر، بخاصة أن هناك اتهامات لقطر بتشجيع الحوثيين على التمادي من خلال التفاوض معهم كند للحكومة اليمنية؟
لا يوجد مثل هذا الأمر، ما حصل هو سوء فهم، خاصة عندما غاب الرئيس عن قمة الدوحة التي كرست لمناقشة الأوضاع في قطاع غزة، وأنا أقول إن بلاء السياسة يأتي من الذين لا يفهمونها لأنهم يبدأون بتفسيرات وتحليلات لا علاقة لها بالواقع لا من قريب ولا من بعيد .
لقد حصل سوء فهم حقيقي عندما غاب الرئيس عن مؤتمر غزة وحصل تواصل وليس هناك سوء علاقة، بل على العكس فإن قطر ملتزمة التزاما كاملا بجميع تعهداتها في مؤتمر المانحين بلندن ،2005 وهي أكثر تجاوبا ربما من بعض الدول . فالتفسير أن العلاقة سيئة أمر غير صحيح، الناس يضيقون مما تعمله قناة “الجزيرة” مثلاً، لكن قناة “الجزيرة” بوق إعلامي والدغدغة تنفعها .
*برأيك الشخصي، دكتور عبدالكريم، إلى ماذا تحتاج اليمن كي تتعافى من الوضع المتردي الراهن؟
اليمن تحتاج للخروج من الضائقة الاقتصادية لأنها لو خرجت من هذه الضائقة فإنني أراهنك على أنه لن يكون هناك حراك أو حوثي، لأن المقاتل مع الحوثي يقاتل لأنه لا عمل عنده، والذين يتظاهرون في بعض مديريات المحافظات الجنوبية فإنهم يتظاهرون لأنهم شباب عاطل عن العمل، لو أنهم يعملون لما خرجوا إلى الشارع .
لهذا يمكنني القول إن أساس ما تعاني منه اليمن هو الفقر والضائقة الاقتصادية وغياب الإنتاجية، من العيب أن نقول إن التنمية غائبة، لأن التنمية شيء والإنتاجية شيء آخر، التنمية تعني أن يكون هناك كل يوم طرق ومدارس، وهذا حاصل، لكن المشاريع التي تؤدي إلى استيعاب العمالة والإنتاج ليست كثيرة في اليمن حتى الآن .
كارثة الضائقة الاقتصادية في اليمن هي في النمو السكاني، فالنمو السكاني يضاعف الضائقة الاقتصادية كل عام، لهذا فلدينا في اليمن ضائقتان الأولى اقتصادية بسبب ضعف الموارد، والضائقة الثانية هي النمو السكاني الذي سيأكل في النهاية الأخضر واليابس .
وسأعطيك مثالاً، لو افترضنا أن اليمن نمت بنسبة خمسة في المائة هذا العام فإن النمو الحقيقي لا يتجاوز اثنين في المائة فقط، مجرد الزواج الجماعي مشكلة، أنا لست ضد الزواج الجماعي لأن الزواج سنة من سنن الله، لكن توعية الناس كيف ينظمون أسرهم ويضمنون لهم مستقبلهم ويضمنون لهم تعليمهم، لقد قابلت احد الأشخاص وسألته كم لديك من أطفال فقال أربعة عشر طفلا، فبالله عليك كيف ينجب هذا الفقير هذا العدد من الأطفال؟
*وماذا عن الفساد في ضوء تشخيصكم للاختلالات التي تعاني منها اليمن؟
كل الناس يتحدثون عن الفساد، اليوم هناك هيئة عليا لمكافحة الفساد، وهناك هيئة للرقابة على المناقصات، والفساد لن يلغى بجرة قلم والمؤسسات التي تنشأ لمكافحة الفساد لا تستطيع ان تنفذ كل شيء بين عشية وضحاها .
لكنني أقول إن البناء المؤسسي لهذه المؤسسات يأتي قبل مكافحة الفساد فأنا أخشى أن نشغل أنفسنا بمكافحة الفساد وننسى بناء مؤسسة هي وسيلة للوقاية وليس للعقاب، لجنة الفساد ليست وسيلة عقاب لكن قيل لي إن مجلس النواب أعطاها هذه الصلاحية لكن أساس الفكرة أنها وسيلة وقاية وليس محاسبة وحسب، لكن الله اعلم فلم أعد في العمل التنفيذي .