بدأت قصة تنظيم القاعدة حين تقاطرت الأساطيل الغربية والأمريكية على الجزيرة العربية أواخر سبعينيات القرن الماضي، حينما وقف الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر راعي المفاوضات غير المباشرة مع حركة حماس اليوم في فلسطين أمام الكونجرس ليعلن ، أن أمن الخليج العربي جزء من الأمن القومي الأمريكي.
كان الاتحاد السوفيتي قد احتل بجيشه أفغانستان بمساعدة حكومة موالية له في كابل، وكان قد استقر به المقام في جنوب اليمن؛ عدن عبر قواعد عسكرية وحكومة موالية له عقائديا واستراتيجيا، طمعا في الوصول إلى المياة الدافئة بحرائق النفط والغاز الذي تشم رائحته الإمبراطوريات فتمنحها القوة والنفوذ والسيطرة.
بينما كان الناس مشغولون في صد الاتحاد السوفيتي وهزيمته، لتنتهي بذلك سقف معركتهم، كان هناك شاب ينشئ المعسكرات لإدارة حرب كونية تهدف إلى استعادة سيادة المسلمين على العالم، وبدأ الشيخ أسامة بن لادن مع الشيخ عبد الله عزام بتأسيس مكتب خدمات المجاهدين وتمويله بقيادة وإدارة الشيخ عبد الله عزام الذي قتلته المخابرات العالمية في نوفمبر 1989، وكان المكتب حتى عام 1986 بتمويل كامل من بن لادن
التاريخ الفكري للقاعدة
فتح الشيخ بن لادن معسكر المأسدة مطلع ثمانيات القرن الماضي، وأسس قاعدة بيانات منظمة لمعرفة كل شاب ينفر للجهاد وجمع معلومات عنه وعن أسرته وطرق التواصل مع أهله في حالة استشهاده أو إصابته بجروح ونقله، وأخذت تلك قاعدة البيانات التسمية التي عليها التنظيم اليوم ، تنظيم القاعدة.
وجاء الشيخ أسامة بن لادن إلى القبائل اليمنية محرضا لها على دفع أبناءها وفلذات كبدها للمعركة في سبيل الله الدائرة على جبال تورا بورا والهندكوش في بلاد خراسان، التي يعتقد بن لادن أن رايات ستخرج منها في المعركة الكبرى، الملاحم.
بعد أن انفض الجمع من أفغانستان، وعاد الكثير من الأفغان العرب إلى بلدانهم، كان الميدان التالي للقاعدة هي الصومال التي نزلت فيها القوات الأمريكية لإعادة الأمل فأفقدتها عمليات شباب بن لادن الأمل في البقاء فانسحبت عام 1992.
شكل دخول نصف مليون جندي أمريكي إلى السعودية مطلع تسعينيات القرن الماضي وإفتاء علماء رسميون بشرعية تلك القوات وتواجدها في منطقة يعتقد بن لادن أنها منطقة خالصة للمسلمين فقط ولا يسمح بأي ديانة أخرى دخول بلاد الحرمين وما حولها ؛ شكل ذلك الحدث مفصلا هاما في تفكير الجماعات الجهادية والحركات الإسلامية المسلحة ومسار عملياتها، واستنتجت القاعدة بعد حرب الخليج الثانية 1991، أن مقدسات المسلمين أصبحت في قبضة الغرب، عبر الاحتلال المباشر في فلسطين أو غير المباشر في منطقة الجزيرة العربية المتمثل في القواعد العسكرية الأمريكية ومكاتب المخابرات الأمريكية في صنعاء وجده وغيرها من مدن المنطقة.
استنتاج القاعدة قادها إلى توسيع دائرة المعركة لتكون عالمية، وإطلاق ما أسمته صيحة تحريض لتحرير المقدسات الإسلامية وبدأت سياسة ضرب رأس الأفعى أمريكا لإخراجها من جحرها واستنزافها في حروب، وتعريتها باعتبارها هي الدولة الأكبر في هذا الاحتلال في فلسطين أو بلاد الحرمين أو في صورة دعم الأنظمة المستبدة في المنطقة.
فكانت الحادي عشر من سبتمبر التي كانت بمثابة تدمير لحضارة عمرها أكثر من أربعمائة عام ولم تكن فقط لهدم الأبراج أو رأس التخطيط العسكري وزارة الدفاع البنتاغون ، لأن الحضار الغربية ارتكزت على قيم الحرية والديمقراطية والقوة العسكرية والأمنية والقوة الاقتصادية.
وأثبتت العمليات تلك بعد مرور أكثر من سبع سنوات عليها أنها تؤتي أكلها بعد هزيمة للقوات الأمريكية في العراق وانهيار مالي واقتصادي يضرب مفاصل العالم الاقتصادي الغربي والأمريكي، وهزيمة تلوح في الأفق لقوات حلف الناتو التي قوامها ستين دوله في أفغانستان بعد سبع سنين من إسقاط نظام طالبان.
وتمكنت سياسة القاعدة من تحويل الدم الأمريكي في العالم إلى دم مباح، حيث أن 86% يؤيدون قتل الأمريكي في العالم الإسلامي، 84% يوافقون على سياسة القاعدة العامة وإستراتيجيتها في العالم في استطلاع شمل أكثر من ستين دولة معظمها من دول العالم العربي والإسلامي.
وجاءت أخوات الحادي عشر من سبتمبر لتضرب في عواصم الحلفاء في حرب الإرهاب في الرياض المجمع الأمريكي في مايو 2003 ، ومدريد 2004، ولندن 2005، والسفارة الأمريكية صنعاء2008، وما بينهما وما بعدهما تتابعت العمليات العسكرية متزامنة مع حملة إعلامية للقاعدة أثرت المكتبة السلفية الجهادية بالتأصيل الفكري والنقاش والردود على الشبهات التي كانت تصاحب كل عملية، شارحين ما يعتبرونها طبيعة المعركة وأنها مصيرية وسيادية لتكون كلمة الله هي العليا.
كما أن حركة الجهاد العالمي التي تقودها القاعدة تمكنت من بناء شبكة لها في العراق على مرمى حجر من المسجد الأقصى وفلسطين، وعلى الحدود المتاخمة لبلاد الحرمين في إطار خطة جغرافية أن تكون بالقرب من المقدسات الإسلامية التي اعتبرتها تحت الاحتلال المباشر أو غير المباشر.
وبدا واضحا أن أهداف القاعدة لن تتوقف عند مقديشو أو صنعاء والرياض، بل يعلنون خطتهم بوضوح أننا من هنا نبدأ وفي الأقصى نلتقي وينصرون فلسطين بضرب المصالح الغربية في المنطقة التي يعتبرونها امتدادا للاحتلال في فلسطين والعراق وأفغانستان وقواعد إمداد لما يطلقون عليه باستمرار الحملة الصهيو صليبية.
فقد كانت الصومال أول جبهة حين نازلت القوات الأمريكية فيها مطلع تسعينيات القرن الماضي، ثم الجزيرة العربية بضرب مقرات للقوات الأمريكية في الظهران والخبر عامي 94، 95، وتلتها العمليات العالمية الكبرى في أفريقيا التي أصابت أكبر تجمع استخباراتي لأمريكا خارج حدودها في نيروبي ودار السلام 98 بعد إعلان الجبهة العالمية لقتال اليهود والصليبيين.
جاءت اليمن متزامنة في العام 98 مع أول محاولة لتأسيس جيش عدن ابين الإسلامي و توسع عمليات القاعدة عالميا، وتشكل الجبهة العالمية التي مثلت وحدة بين عدد م الجماعات الجهادية في العالم وقادتها على رأسهم قيادات من الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد وقاعدة الجهاد بزعامة الشيخ أسامة بن لادن.
وأصبح للقاعدة فرعا في مصر (القاعدة في أرض الكنانة) وفي بلاد الشام يضم لبنان وفلسطين والأردن وسوريه، وفي جزيرة العرب ، وفي بلاد الرافدين قبل أن يعلن قادته حله وانضمامهم إلى دولة العراق الإسلامية ومبايعته، وفي أفغانستان القيادة العامة، ويدعمون حركة الشباب المجاهدين في الصومال والإمارة الإسلامية في ا لقوقاز، والحزب الإسلامي في تركستان الشرقية المحتلة من الصين من ثلاثينيات القرن الماضي.
وفي خطوة مفاجئة تؤكد توسع التنظيم هيكليا أعلنت القاعدة مطلع العام 2008عن فتح مكتب للخدمات وإعادة تشغيله من جديدة بعد ما يقرب من عشرين عاما من استشهاد المؤسس الأول الدكتور عبد الله عزام، ليهتم باستقبال المهاجرين والوافدين إلى أفغانستان، والذاهبين من أفغانستان إلى الجبهات الأخرى.
وجاءت هجمات مومباي التي استمرت ثلاثة أيام لتؤكد لإدارة الدول المتحالفة على الإرهاب أن بنية الجهاد العالمي أكثر قوة من الحادي عشر من سبتمبر لأن دوائر المخابرات العالمية اعتبرت ان هجمات مومباي أواخر نوفمبر 2008 توازي الحادي عشر من سبتمبر من حيث التزامن الدقة في اختيار الأهداف ومدة الاعداد التي استغرقت لها على الأقل عام.
خطاب القاعدة البسيط
سارت القاعدة على عدة مسارات، العسكري والأمني، والإعلامي الدعوي، وحددت مصطلحات خطابها في إدارة المعركة فصنفت العدو أنهم اليهود وكل من يقف في تحالف معهم من الدول الأوروبية على رأسها أمريكا وكل من يقف في خندق الحرب على الإسلام والمسلمين تعتبره القاعدة هدفا شرعيا لها في كل مكان.
ولم يركز فقط خطاب القاعدة على الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين بل إنها كشفت ولأول مرة حقيقة التحالف السعودي مع ما تسميها القاعدة بالحملة الصهيو صليية، وأن المقدسات الإسلامية في بلاد الحرمين أصبحت تحت الاحتلال ورسمت شعارا لذلك وأطلقت حملة تحرير المقدسات.
واعتبرت القاعدة أن معركتها ليست لوحدها بل هي طليعة وجماعة في المسلمين تسعى لإعادة الخلافة الإسلامية والدفاع عن حرمات وأعراض المسلمين واسترداد أراضيهم وثرواتهم المنهوبة من الشركات الأمريكية والغربية المتحالفة مع الأنظمة واتخذت القاعدة خطابا شموليا في السياسات العامة والإستراتيجية، وتفصيليا في سياق تأصيلاتها وتبريراتها لشرعية عملياتها ودورها الذي تقوم به في العالم.
كما أن القاعدة تعمدت أن يبدو خطابها بسيطا ومفهوما ومستخرجا من ثقافة الناس، ورسائلها رغم قلتها إلا أنها تتسم بالوضوح والرؤية الموحدة غير المتناقضة مع بعضها، ففي حالة الجزيرة العربية كانت رسالة "أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ولئن حييت لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب" معتمدة على نصوص دينية تحظى بالاحترام والانتباه من المجتمعات الإسلامية في المنطقة نفسها والعالم لأنها نصوص نبوية صحيحة مقدسة يعرفها المسلمون.
وفي حالة اليمن أنها أرض المدد التي تنصر قضايا الإسلام والمسلمين في كل مكان في العالم، وأنها الأرض التي سيخرج منها اثني عشر ألف مقاتل ينصرون الله ورسوله هم خير من بيني وبينهم.
وبقيت القاعدة تركز على التذكير بالهدف الأسمى لإقامة خلافة إسلامية على منهاج النبوة، وفتحت ميادين وجبهات عدة أخرها جبهة بلاد الشام التي أصدرت باكورة إصداراتها الإعلامية بتوثيق عملية إطلاق الصواريخ على شمال فلسطين المحتلة من جنوب لبنان أثناء العدوان الإسرائيلي على غزة مطلع العام الحالي 2009.
وتعتمد القاعدة على شبكة إعلامية معقدة ومترابطة من الوسائط البشرية والتقنية والفنية، فشكلت مركز الفجر للإعلام ليضم جميع المؤسسات الإعلامية التابعة للقاعدة رسميا، وأنشأت الجبهة الإعلامية الإسلامية العالمية لنشر الفكر والدراسات والبحوث وتبني كل المسارات والخطوط التي تقع في الإطار الفكري للقاعدة كحركة شباب المجاهدين في الصومال وجيش الإسلام في فلسطين سابقا قبل استقلاله بهيئة إعلامية مستقلة.
ونشأت مؤسسات إعلامية داعمة ورديفة كمركز اليقين الإعلامي الذي يقدم مجلة قضايا جهادية وهي عبارة عن دراسات إستراتيجية وترجمات تكشف الحرب العالمية اليوم وحقيقتها، ومركز الصمود الإعلامي المهتم بإصدارات حركة طالبان، وتركستان الإسلامية، ونخبة الإعلام الجهادي ومراكز إعلامية مستقلة منحة القاعدة فرصة أن تتجاوز الفضائيات التي تحاصر خطابها أو تبثه مشوها مجتزئا، أو ترميها بشتى التهم ولا تتيح لها فرصة الدفاع عن نفسها من نفس المنابر التي هوجمت فيها.
وقد وصف الباحث الأمريكي البروفسور ستيفن هوفمان من جامعة هارفارد والمشارك في تحليلات وقراءات للمخابرات الأمريكية أن شباب القاعدة "يفكرون بعقلية القرن السابع الميلادي –قرن بعثة النبي صلي الله عليه وسلم والخلافة الراشدة- ويحترفون تقنيات العصر".
وبحسب دراسة مؤسسة راند للدارسات التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية وراسمة السياسيات العليا في الإستراتيجية الأمريكية أن القاعدة تمثل الخط الأصولي في الإسلام، واقترحت أن تقوم الإدارة الأمريكية بإنشاء تحالف من الإسلام المعتدل الذي يقبل بالقيم الديمقراطية ويتعايش مع الغرب بالإضافة إلى النخبة الحاكمة من العلمانيين والإسلاميين التقليديين من أجل هزيمة الإسلام الأصولي المتمثل في القاعدة.
صحفي متخصص في شؤون الإرهاب
[email protected]