[esi views ttl="1"]
رئيسية

ثقافة الثورة (1-2)

مكونات الهوية الثقافية الوطنية للشعب اليمني وعوامل الوحدة الوطنية.. إن اليمن أرضاً وإنساناً وماضياً وحاضراً ومستقبلاً هي جزء أصيل من الأمة العربية التي تجمعها مقومات الهوية العربية الواحدة المتمثلة في:-

1- اللغة 2- الدين 3- الأرض 4- التاريخ والتراث المشترك 5- العادات والتقاليد.

وهذه هي مقومات الأمة العربية الواحدة التي مزقها الاستعمار والاستبداد، وعلاقة اليمن بالأمة العربية هي نفس علاقة أية دولة عربية بالأمة العربية وتجلى هذا من خلال الهدف الخامس من أهداف الثورة اليمنية التي قامت ضد الاستعمار والاستبداد (وهو العمل على تحقيق الوحدة الوطنية في نطاق الوحدة العربية الشاملة).

والهوية الثقافية والوطنية للشعب اليمني تتكون من المكونات التالية:-

اللغة:- يتحدث الشعب اليمني لغةً واحدة هي اللغة العربية مما يسر لأفراده أن يتبادلوا الفكر والمشاعر بانطلاق يخلو من كافة الآثار الناجمة عن تعدد اللغات، واللغة العربية التي يتكلم بها الشعب اليمني هي لغة القرآن آخر كتاب سماوي أنزل للبشرية جمعاء، وهذا شرف عظيم حظيت به اللغة العربية..

وقد حاول الاستعمار البريطاني في المناطق التي كان يحتلها من اليمن طيلة (138) عاماً طمس اللغة العربية وإحلال لغة المستعمرين محلها ولكنه فشل، بل زادت لغة القرآن رسوخاً والإيمان بالله عمقاً، ويعتز الشعب اليمني باللغة العربية ويهتم بها فقد كانت وما تزال لغة العلوم والآداب القادرة على مواكبة التطور العلمي والتكنولوجي دائماً واللغة العربية تدعم إحساس الشعب اليمني بذاته باعتبارها لغة القرآن والعقيدة والعلوم، فقد حصل تماه نادر بينها وبين العقيدة كان من ثماره ترسيخ الوحدة الوطنية للشعب اليمني كضرورة من ضرورات الوطن والأمة على السواء.

وحدة العقيدة :- يدين أبناء الشعب اليمني بدين الإسلام الحنيف، وقد وصفهم النبي عليه الصلاة والسلام، (الله أكبر جاء نصر الله والفتح وجاء أهل اليمن هم أرق قلوباً وألين أفئدة، الإيمان يمان والحكمة يمانية) أو كما قال صلى الله عليه وسلم. ومن مميزات الدين الإسلامي أنه دين عقيدة وشريعة، كما أنه وضح - في الكتاب والسنة - صلة الإنسان بربه، ووضع أساس الحياة الكريمة والعادلة للإنسان، وأوضح أن نظام الحكم شوروي وأن السلطة قائمة على الشراكة بين الحاكم والمحكوم. والشعب اليمني العريق آمن بالرسالة المحمدية منذ فجر الإسلام وشارك في حمل رسالة التحرير والدعوة عبر القرون ولم يعرف التعصب الديني عبر تاريخه الطويل، وإذا وجد التعصب المذهبي في بعض الفترات فإن هذا التعصب دخيل على ثقافة وهوية الشعب اليمني.

وحدة الأصل والجنس :

وحدة الأصل :
ينحدر أبناء اليمن جميعاً من أمة عربية واحدة - واليمن هي أصل العروبة ومهدها - على الرغم من محاولة بعض المستشرقين وبعض من تأثروا بهم من المؤرخين، إثارة وحدة الأصل العربي وتقسيم المجتمع العربي إلى عرب عاربة ومستعربة ... الخ،

وذلك خدمة للأهداف الاستعمارية التمزيقية لكيان الأمة الواحد، إلا أن الشعب اليمني يدرك بفطرته نوايا أعداء الأمة وأهدافهم التي تسعى إلى تفتيت كيان الأمة حيناً بتغذية الصراع المذهبي والطائفي وحيناً آخر بإثارة الخلافات الحدودية المصطنعة وإثارة الكراهية بين الشعوب العربية، وخير دليل قيام الاستعمار - وفق اتفاقية سايكس بيكو المشئومة - إلى تقسيم الوطن العربي الواحد إلى عشرين دولة، ومع هذا فإن الشعب اليمني يدرك دائماً قول الله تع إلى ((يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوااأن أكرمكم عند الله أتقاكم)) .

ب- وحدة الجنس:-

لا تعاني اليمن من مشكلة تعدد الأجناس، وذلك بسبب واضح هو أن اليمن كانت وما تزال قادرة على صد الغزاة وتدمير المعتدين وكانت أرضها وما تزال مقبرة الغزاة والمعتدين عبر التاريخ وقد نجحت في التخلص منهم،وهضم من تبقى منهم بين جنباتها وذاب في الشعب اليمني بقايا الأحباش والفرس التي لم تتميز فئة منهم بذاتية مغايرة.

وحدة الأرض والتاريخ المشترك والتراث:- لقد أسهمت وحدة الأرض والتاريخ والتراث لأبناء الشعب اليمني الواحد في صناعة وحدته السياسية ونسيجه الاجتماعي الواحد وأهدافه القومية الداخلية والخارجية قديماً وحديثاً وهي من أهم دعامات الوحدة الوطنية، وقد حاول الاستعمار جاهداً طمس الهوية اليمنية حين أطلق اسم (الجنوب العربي) وكذا (عدن والمحميات) غير أن أبناء الشعب اليمني الأصيل كافة أفشلوا هذه المؤامرة، عبر تمسكهم بالعقيدة الإسلامية عن حب واقتناع وبالانتماء للوطن بكل اعتزاز وافتخار وبالولاء بعد الله تع إلى لليمن الواحد عن رغبةٍ صادقة ووعي عميق لظروف العصر وموجبات التطور، فضلاً عن الكفاح الموحد ضد الاستعمار والاستبداد والتشطير والانفصال بكل بسالة وإخلاص.

وحدة الفكر والعقيدة الوطنية:- لقد كانت اللغة العربية والعقيدة الإسلامية والهوية الثقافية الوطنية من أهم دعامات وحدة الفكر للشعب اليمني، ومنها تكونت الوحدة الفكرية والعقيدة الوطنية التي تضمنت مختلف المفاهيم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والثقافية والدينية ...الخ. وهذه المفاهيم ترسخت بعمق في ذهنية الشعب اليمني، وسنسلط الضوء على المفهوم السياسي والاقتصادي والاجتماعي والديني على سبيل المثال لا الحصر:-

المفهوم السياسي :- وهو الذي يحدد طبيعة نظام الحكم، بأنه نظام شوروي ديمقراطي قائم على الشراكة السياسية في السلطة بين الحاكم والمحكوم، قال تع إلى ((وأمرهم شورى بينهم)) وقال تع إلى ((وشاورهم في الأمر)) .

المفهوم الاقتصادي:- القائم على الإنتاج والتعاون واحترام العمل المهني المنتج .

المفهوم الاجتماعي:- القائم على المساواة وندية الحقوق والواجبات ورفض التكوين الطبقي وما يتبعه من امتيازات.

المفهوم الديني :- القائم على رفض الشعب اليمني للغلو واقتناعه بعقلانية التفكير والسلوك.

العادات والتقاليد :- إن وحدة الشعب اليمني في العادات والتقاليد والغايات وفي أساليب الحياة وفي الآمال والأماني المشتركة، يجعلهم مجتمعاً متناسقاً منسجماً، ويجعل وحدتهم الوطنية بالغة القوة وهو ما ثبت عبر مراحل التاريخ، وقد حاول الاستعمار البريطاني البغيض والحكم الإمامي الكهنوتي، وفي العهد القريب حاول الانفصاليون في عام 1994م وحالياً التمرد في صعدة، كلهم سعوا من أجل بث الفرقة والكراهية بين أبناء اليمن تحت لافتات مناطقية ومذهبية، ولكن أبناء اليمن كانوا وما زالوا مدركين دوماً لهذه الوقيعة النتنة، فازدادوا وحدة ومحبة لجميع أبناء الوطن الواحد، وأفشلوا كل المخططات والدسائس التمزيقية، والملاحظ أن كل من يروجون ويتزعمون المشاريع التمزيقية في اليمن قد يكونوا من أحفاد الغزاة الأوائل، إذ لا يوجد يمني أصيل يقبل بتمزيق اليمن مهما كانت المبررات بل بالاستبداد أياً كان الثوب الذي يلبسه الاستبداد .

الشراكة السياسية في السلطة بين الحاكم والمحكوم

إن هذه الصفة الحضارية الثقافية - الشراكة في السلطة بين الحاكم والمحكوم - هي من أبرز مكونات وثوابت الهوية الثقافية الوطنية للشعب اليمني(2) في الماضي البعيد والحاضر والمستقبل وأكثرها شيوعاً في الفهم العام والخاص، وهي إحدى السمات الأبرز المقترن ذكرها دائماً بذكر اليمن حضارة وتاريخاً ويكفي دليلاً على حقيقة هذه الشراكة السياسية في السلطة بين الحاكم والمحكوم، ما أكدته الوقائع التاريخية والدينية..

إذ أن مئات بل آلاف النقوش المسندية والقرائن المختلفة قد سجلت وأكدت هذه الحقيقة المتعلقة بالشراكة السياسية في السلطة بين الحاكم والمحكوم في اليمن، فنظام المزاود - المزود من حيث المساحة وعدد السكان يوازي الناحية أو المديرية في الوقت الحاضر - المحلية المنتخبة والثابته في تاريخ وثقافة المجتمع اليمني القديم كنظام سياسي واقتصادي واجتماعي شامل ومتكامل قد عكست إلى حد كبير ليس مجرد الحق السياسي في شراكة القاعدة الشعبية في صنع القرار مع القمة الحاكمة..

بل وتقرير وإدارة الكثير من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والإدارية المتعلقة بالمزاود أوالمحليات، حيث كانت هذا المزاود المحلية المنتخبة هي المفوضة من القاعدة الشعبية التي انتخبتها في كل مزود بإدارة الشأن المحلي اقتصاديا واجتماعياً إلى حد كبير، بدأً بتنظيم الحقوق والواجبات المتعلقة بأفراد المزود تجاه بعضهم من جهة وتجاه الدولة المركزية من جهة أخرى، وتنظيم المهن والحرف الصناعية والتجارية وتنظيم وتحديد الإيرادات التي تبقى محلياً والتي تورد مركزياً، وكذا تنظيم أدق تفاصيل الحياة الاجتماعية والسياسية والعسكرية المتعلقة بنظام الخدمة العسكرية الإلزامية في الجيش الوطني للدولة.

وإذا كان ذلك وما يتعلق بهذه الشراكة السياسية في القاعدة المحلية مع نفسها ومع القمة المتعلقة بإدارة الدولة المركزية فإن هذه القمة أو البنية الفوقية للدولة لم تكن أقل حرصاً وتجسيداً لمبدأ الشراكة السياسية مع نفسها ومع المحليات، حيث كانت بنية الدولة المركزية العليا تتكون من مجلس أعلى يسمى بمجلس (المسود) وهو مجلس منتخب من ممثلي المزاود المحلية والمخاليف - المخاليف توازي المحافظات حديثاً - يرأسه الحاكم المنتخب أيضاً من بين أعضائه..

تتركز مهام هذا المجلس على الشأن الوطني العام بالدرجة الأولى، بدأً بتنظيم العلاقة بين المزاود المحلية والمخاليف مروراً بإقامة وتنظيم المشاريع الاقتصادية والخدمية الوطنية والقومية العامة من السدود والحصون وقنوات الري الكبرى والطرق ومناجم التعدين والصناعات الرئيسية، وانتهاءً بتنظيم التجارة الداخلية والخارجية وتأمين طرقاتها البرية والبحرية إلى جانب مسئولية الأمن والدفاع الوطني بالدرجة الأولى ..

وكل هذا كان يتم في سياق منظومة متكاملة ومتطورة جداً من التشريعات والقوانين التي تضاهي أحدث التشريعات المعاصرة، والتي كانت تبدأ بمداولات مجلس المسود ومجالس المزاود والمخاليف التي كانت تقترح القوانين، وممثلي الأقاليم الذين عرفوا في ما بعد في أواخر الدولة الحميرية بمجلس الثمانية والذين لم تكن لديهم السلطة الجماعية لإقرار القوانين والتشريعات قبل أن تصدر باسم الحاكم فحسب بل وسلطة تقرير وضع الحاكم نفسه فهم إذا أجمعوا على إبقاء الحاكم أبقوه أو عزله عزلوه، وهذه الشراكة السياسية الديمقراطية في صنع القرار بين البناء الفوقي للدولة والبناء التحتي للمجتمع اليمني القديم ويؤكد القرآن الكريم بما جاء على لسان ملكة سبأ قال تعالى

((يا أيها الملأ افتوني في أمري ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون )) وقد كانت ثمرة هذه الشراكة السياسية في السلطة بين الحاكم والمحكوم رقي اليمن حينها وتقدم وعدالة تشريعاتها وقوانينها السياسية والاقتصادية والتجارية الأمر الذي كان بمثابة مقدمة وتمهيد حضاري أسهم إسهاماً إيجابياً في سرعة دخول الشعب اليمني في الإسلام.

وسطية وعقلانية التفكير والسلوك

إن هذه المفردة الحضارية والثقافية تشكل القاسم المشترك في كل تفاصيل الحياة الاجتماعية والمادية والروحية للمجتمع اليمني ويمكن تحديد مضمون هذه الصفة الجوهرية في ثقافتنا الوطنية عبر التاريخ وحتى الآن في اهتمام الإنسان اليمني وتركيزه النظري والعملي على ما هو موضوعي ومرتبط بتلبية احتياجاته الضرورية والدفاع عن نفسه من جهة، وعدم غلوه فيما هو عقائدي وزهده الشديد فيما هو خيالي ميتافيزيقي من جهة أخرى، وميله إلى التبسيط والتجريب العقلاني في التفكير والسلوك، وتمثل ذلك في أن رفض اليمنيون للإمامة إنما هو رفض للغلو الديني المنافي لجوهر الإسلام والثقافة الوطنية.

وإذا كانت ثورة 26سبتمبر قد وضعت نهاية لسلطة الإمامة المستبدة كما وضع قادة الفكر والثقافة الوطنية الإسلامية المستنيرة من قبل حداً لثقافة الإمامة المتخلفة إلا أن البقية العفنة لم تتخل عن أحلامها بالعودة إليها، جاهلة أو متجاهلة على الأصح حقائق التاريخ والواقع المتعلقة بطبيعة التكوين الاجتماعي والتاريخي للشعب اليمني التي تتناقض مع ثقافة الإمامة العنصرية المستبدة ناهيك عن جهلها لمتغيرات التاريخ والعصر التي صار معها العالم لا مكان فيها للطاغوت والكهنوت..

فالثورة اليمنية بأبعادها الشعبية والوطنية والوحدوية والديمقراطية ومبادئها الستة بقدر ما أنها شكلت بذلك تجاوزاً ثقافياً وتاريخياً لواقع ثقافة الإمامة والاستعمار والتجزئة فإنها قد جسدت كذلك روح العقلانية كخاصية حضارية وثقافة أصيلة في ماضي وحاضر المجتمع اليمني وتطلعاته نحو المستقبل.

_____________
باحث وكاتب يمني - الضالع

زر الذهاب إلى الأعلى