رئيسية

إلى متى سينفي حزب الله تورطه في حرب اليمن؟

إستفحلت الأوضاع الإنسانية في اليمن منذ 11 من تموز المنصرم حين إندلع القتال بين المتمردين الذين يقودهم عبد الملك بدر الدين الحوثي (المعروفين بالحوثيين) وبين الجيش اليمني. وقد أشارت العديد من التقارير أن الأمور تنزلق أكثر فأكثر نحو أزمة إنسانية مستفحلة في ضوء نزوح ما يزيد عن 150 ألف شخص ينامون في الوقت الحالي في مخيمات.

وفي هذا الصدد أطلقت منظمة أوكسفام الدولية المتخصصة بتقديم المساعدات تحذيراً مفاده أن اليمن يتجه نحو أكبر الكوارث الإنسانية التي تنتظره في تاريخه. كما حذر تقرير صادر عن مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي أن هذه الأحداث ستقود نحو تداعي السلطة المركزية للحكومة وتزعزع الاستقرار في المنطقة كلها.

وهنا بدأت الأسئلة تطرح نفسها عن طبيعة المتمردين الحوثيين ودوافعهم والأهم من ذلك عمن يقدم لهم الإمداد العسكري والمالي.

الإجابات أجمعت على أنّ المصدر الأساسي للدعم يأتي من طهران. وأولى الأصابع التي أشارت إلى مسؤولية النظام الإيراني في هذا الشأن من خلال وكيله الشرعي في المنطقة أي حزب الله قد جاءت من طرف الرئيس اليمني علي عبدالله صالح، وهو المعروف أصلاً بتأييده الشديد لحزب الله خلال حرب تموز. هذا الدعم ينفيه الإيرانيون ولكنهم في الوقت عينه لا ينكرون دعمهم السياسي ومساندتهم المعنوية للحوثيين باعتبارهم إخوة في المذهب الجعفري الاثني عشري يتعرضون لاضطهاد السلطة اليمنية الحاكمة‏. فمن يصدق يا ترى أن إيران تدعم أخوانها الحوثيين معنوياً فقط؟

‏ويبدو أن نفي الحكومة الإيرانية أصبح واهياً مع تطور القتال وظهور دلائل مادية ملموسة على تدخل إيراني مباشر في اليمن‏ من خلال حزب الله على الرغم من أنّ الإيرانيين لا زالوا يرون أنّ الجهات الإيرانية الداعمة لتمرد الحوثيين، في حال وجدت، فهي ليست جهات رسمية‏،‏ أي ليست جزءا من مؤسسات الدولة الإيرانية‏،‏ وانما هي مؤسسات رسمية تعني بنشر المذهب الشيعي الجعفري في الإقليم ككل‏ أي الحوزات بالدرجة الأولى.‏ ونعود لنسأل من يصدق ذلك؟

إسقاط الطائرتين بصاروخ الكاظمي و"شهداء" ومجالس عزاء وجثث مشوهة

في تقرير أصدرته مؤسسة ستراتفورد للأبحاث والدراسات الأمنية، أن عناصر من حزب الله أسقطوا الطائرتين اليمنيتين في محافظة صعدة. وفي التفاصيل، أنّ الطائرتين المقاتلتين التابعتين للقوات الجوية اليمنية من طراز سوخوي 22 وميج، قد تحطمتا خلال مهاجمتهما مواقع المتمردين الحوثيين في محافظة صعدة بفعل صواريخ مضادة للطائرات أطلقت عن الكتف من قبل عناصر تابعة لحزب الله اللبناني يشاركون في الحرب مع المتمردين الشيعة ضد الجيش اليمني.

كما ذكر التقرير، وأنّ هذه الصواريخ التي تطلق عن الكتف قد أنتجت في مجمع الكاظمي العسكري الإيراني.
وقد تأكد أمر تورط حزب الله في القتال مع إقامة أربعة مجالس عزاء على الأقل وجنازتين في البقاع والجنوب منذ بداية هذا الشهر لعناصر تابعة للحزب، بحسب مركز ستراتفورد. ومن دون ذكر الأسباب ووسط تكتم شديد حول سبب مقتل عناصره، أعلن مسؤولون في حزب الله أن هؤلاء قد لقوا حتفهم خلال قيامهم "بواجبهم الجهادي" و "دفاعاً عن الخط الحسيني المقاوم" الذي ربما أصبح يمتد إلى جبال صعدة في اليمن السعيد. وقد تسربت معلومات مفادها أنّ احد مسؤولي حزب الله تحدث عن أن 12 مقاتلاً من الحزب قد لقوا حتفهم على الأقل خلال قتالهم في اليمن.

وكانت مصادر عسكرية يمنية قد اعلنت مطلع هذا الشهر، عن العثور في مناطق القتال على جثث للبنانيين من حزب الله تزيد على العشرة قد قطعت رؤوسهم وشوهت معالم أجسادهم بهدف التمويه على هويتهم ولكن بعض من قبض عليهم وشارك في قطع الرؤوس اعترفوا بانهم تلقوا تعليمات من قيادة الحوثيين بقطع راس كل لبناني لون بشرته ابيض لمنع الكشف عن هويته .

فضيحة القائد المنشق

بالإضافة إلى ما تقدم من دلائل، جاءت شهادة القائد الميداني للحوثيين الشيخ عبدالله المحدون لتقدم الدليل القاطع على مدى التغلل الإيراني في اليمن متمثلاً في حزب الله. فالمحدون-وهو شيخ مشايخ آل معاذ وقائد ميداني- قاتل مع الحوثيين خلال أربعة حروب منذ العام 2004، عاد مؤخراً وأعلن إنشقاقه عنهم. وقد أشار المحدون في الحديث الذي أدلى به للصحافة وتناقلته جميع وسائل الإعلام انّ الحوثيين يتلقون تدريبات على مستوى عال على إستعمال مختلف الأسلحة الثقيلة رغم أن الحوثي قبل تلك الفترة لم يكن يمتلك سوى الأسلحة الخفيفة والمتوسطة. وتحدث عن دقة عالية في التدريب يشرف عليها عناصر من حزب الله اللبناني ومن فيلق القدس الإيراني وبينهم علماء في الكيمياء والفيزياء وصناعة الأسلحة.

ولدى سؤاله عن مجالس العزاء التي يقيمها حزب الله في لبنان لأجل من قتلوا في صعدة قال المحدون "لا أستبعد أن يقيم السيد حسن نصرالله عزاء علنياً لأن الأمور أصبحت مكشوفة خصوصاً في هذه الحرب الأخيرة" فالحوثيين وإيران وحزب الله اللبناني لم يعودوا يتحرجون من العلاقة فيما بينهم، كما أن إيران تدعمهم تارة بالسلاح وتارة بالمال ليشتروا السلاح من السوق العالمية.

وفي مطلع هذا الشهر، كشفت مصادر تابعة للجيش اليمني لعدد من وكالات الأنباء النقاب عن وجود كهوف حفرت في جبال منطقة صعدة واستخدمت لتخزين الاسلحة والعتاد والطعام والماء بكميات كبيرة تكفي لتحمل حصار لمدة شهور. وقالت تلك المصادر بأن هذه الكهوف قد حفرت بمساعدة وبخبرة هندسية متطورة تجعل منها مخازن امينة وملاجئ حماية من الغارات الجوية والقصف المدفعي. واشارت المصادر إلى ان اعترافات من قبض عليهم من الحوثيين اكدت ان من أشرف على حفر هذه الكهوف ووضع خطتها الهندسية هم عناصر من حزب الله تسللت إلى جبال صعدة ونفذت هذا المشروع.

وختمت المصادر اليمنية بالقول بان طريقة حفر الكهوف تشبه تلك التي حفرها حزب الله في جنوب لبنان، وأن الاسلحة التي عثر عليها في الكهوف بعضها متطور مضاد للدروع والطائرات من صنع صيني وبعضها الاخر من صنع إيراني وقسم اخر ازيلت الكتابة عنه .

من هو الحوثي وماذا تقضي تعاليمه؟

يعتبر بدرالدين الحوثي هو مؤسس الحركة الحوثية في اليمن وقد خلفه في ذلك إبنه حسين. ولم تكن الحرب الأولى عام 2004 والتي قتل فيها قائد التمرد حسين بدر الدين الحوثي هي البداية الفعلية للأحداث، ولكنها عائدة بجذورها إلى عام 1979 عندما قبض على الحوثي على خلفية تأييده لقيام ثورة الخميني فعام 1994، وعلى إثر فشل الانقلابية على الوحدة اليمنية، اضطر بدر الدين الحوثي وابنه حسين إلى الهرب بعد انكشاف دورهما المؤيد للانفصاليين الاشتراكيين وتوجها إلى إيران حيث بقيا أشهر في مدينة (قم) قبل أن يغادرا بإتجاه لبنان ويتخذا من الضاحية الجنوبية مقراً لهما وبقيا هناك حتى عودتهما إلى اليمن وانخراطهما مرة أخرى في العمل السياسي كنواب في البرلمان، ولاشك أن هذه المرحلة كانت الأهم والأخطر في الحياة السياسية لحركة التمرد الحوثي.

ومن الخرطوم، عاد حسين الحوثي حاصلاُ على ماجستير علوم القرآن. ولكنه في عام 2000 مزق شهادة الماجستير لقناعته بأن الشهادات الدراسية هي تعطيل للعقول. ويشهد له زملاؤه وأساتذته وأصدقاؤه بالذكاء والتفوق العلمي والتوسع في الدراسات الإسلامية والمذهبية، ويأخذون عليه تشدده لآرائه وأفكاره وتعصبه المذهبي.

وبحسب ما يذكر كتاب "عصر الإمامة الزيدية في اليمن" لمحمد البتول الصادر عام 2007، أنه خلال عدة سنوات تمكن الحوثي من تكوين تنظيم مسلح قادر على المواجهة العسكرية، واتخذ من حزب الله اللبناني مثالاً في الاستعداد العسكري، ونقل عنه شعار الموت لإسرائيل والموت لأمريكا، حيث أخذ شباب التنظيم ترديد هذا الشعار كواجب ديني عقب صلاة الجمعة في المساجد التي يسيطرون عليها ومنها جامع الإمام الهادي بصعدة، والجامع الكبير بصنعاء.

ويذكر الشيخ عبدالله المحدون، إن جزء من التعاليم التي تلقاها خلال خدمته تحت أمرة حسين الحوثي هي واجب قيام إمبراطورية فارسية بدل التي دمرها العرب تمهيداً لظهور الإمام المهدي. ففي جميع الخطب التي يلقيها الحوثي على مسامع أتباعه يستشهد بالإمام الخميني كونه آخر من إجتهد ولا يذكر أحاديث الرسول (ص) إلا نادراً. إذ إنّهم في الأصل من فِرقة الجارودية وقد انتقل الحوثي من الزيدية الجارودية إلى الجعفرية الاثني عشرية عام 1997. كما قام بدر الدين الحوثي بإعلان وجوب قبض الخُمس وإعطائه له، ومعلومٌ أن هذه الشعيرة هي إحدى شعائرالمذهب الشيعي الاثني عشري.

يمكن تلخيص معتقدات الحوثي وأتباعه في أنه "على الأمة أن تكتفي بإمام يعلمها كل ما تحتاج إليه، فهي لا تحتاج إلى دراسة الكتاب والسنة ويكفى أن يكون للأمة إمام أو زعيم أو قائد أو "قدوة"، وقد كان يركز في أدبياته على مسألة "القدوة" وقد لقّب نفسه "بقدوة اليمن" ووجوب إتباعها والأخذ برأيها. وقد أطلق حملة شديدة على صحابة النبي محمد (ص)، لدرجة أنه حمل بعضهم فشل الأمة الإسلامية لذا فإن السنة، تبعا للحوثيين، لا يعتمد عليها لأنها جاءت من طرف صحابة (ص).

ويجمع "بدر الدين الحوثي" بعضاً من المسائل التي اتفق، أو تقارب، فيها الزيدية والإمامية الإثني عشرية في كتاب صغير الحجم سماه "الزيدية في اليمن" الذي تمّ نشره بكثرة على الإنترنت، ويرفض فيه الرأي السائد لدى الزيدية بصحة خلافة أبى بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان، ويرى "قدوة اليمن" عدم الإجماع حول جواز "إمامة المفضول مع وجود الأفضل". ولذا وسبق أن دخل "الحوثي" الأب في خلاف شديد مع علماء الزيدية المناهضين لخط الإمامة الأثنى عشرية بدعم من مل إلى إيران. ولذلك قام علماء الزيدية في اليمن بالبراءة من الحوثي وحركته، في بيانٍ أسموه: بيان من علماء الزيدية، و"ردّوا عليه دعاويه، وحذّروا من ضلالاته التي لا تمتّ لأهل البيت والمذهب الزيدي بصلة".

علاقة الحوثيين بإيران...وواجب العرب

كان اليمن مثالاً للتعايش المذهبي، فلم يعرف الصراع على خلفية التوجهات المذهبية مع تنوعها، فبالإضافة إلى أتباع مذهب أهل السنة والجماعة هناك الشيعة الإسماعيلية وأتباع الطائفة الزيدية. لكن اليمن الذي يعدّ بوابة جزيرة العرب من ناحية الجنوب، يقع على الأجندة الأقليمية للنظام الإيراني كهدف ممكن إقتناصه يسمح بزيادة الثقل الإستراتيجي لجمهورية أحمدي نجاد ويرفع من سقف شروطه في المفاوضات النووية القادمة الآن وبعد حين. فعلى الرغم من فشل الخميني في تصدير ثورته أبان الثمانينات إلى اليمن وغيرها من الدول العربية فيما عدا لبنان، فإن السعي الحثيث لإستعادة أمجاد الأمبراطورية الفارسية لم تتبخر من ذهن قادة النظام في طهران ولو عبر أشكال مختلفة وأبرزها حزب الله والتشيّع الإثني عشري.

فحين قتل بدر الدين الحوثي، مؤسس حركة الحوثيين، إتخذت إيران قراراً بتغيير اسم الشارع الذي تقع فيه سفارة اليمن بطهران إلى اسم الحوثي، وحين بدأت الحرب السادسة بين القوات الحكومية والمتمردين في صعدة أعلنت طهران استيائها من الوضع وقالت إن الدماء ليست حلا لمشكلة الحوثيين، وهو تدخل صريح في الشأن اليمني، لم تجرؤ مثلا على إعلانه في قضية دارفور، ما يشير إلى أن الأمر يتعلق "باتباعها" من الشيعة.

وقد ذكر أنور قاسم الخضري في العام 2006 ضمن تقريره الإستراتيجي الصادر عن مجلة البيان المعنوّن "تمرد الحوثي في اليمن" ، أن الحوثي بدأ يُظهر ولاءه لحزب الله اللبناني، وذلك بالثناء عليه، واعتباره المثل الأسنى، ووصل الأمر به إلى أن يرفع أعلام حزب الله اللبناني على بعض المراكز التابعة له، ورفعها أيضاً في المظاهرات.

كما قامت الحوزة العلمية في النجف والحوزة العلمية في قم، بإصدار بيانين يتضمّنان الوقوف في صف حركة الحوثي والدفاع عنه، ويعترضون على أعمال الحكومة اليمنية التي تقوم بوقف هذا التمرد والتصدّي له، ويُطالبون بوجوب حرية حركة الشيعة الاثني عشرية في اليمن، وهذا يدل على التعاون الوثيق بين الحوزة العلمية والحركة الحوثية.

وبحسب عادل الأحمدي، فأنّ الدعم الإيراني وصل عن طريق السفارة الإيرانية في صنعاء لحركة الحوثي وتنظيم الشباب المؤمن - في إحدى التقارير - إلى 42 مليون ريال يمني، مفرَّقةً بين دعم مباشر لتنظيم الحوثي، ودعم غير مباشر للمراكز التابعة للحوثي في صعدة. وهذا الدعم غير الدعم الآخر الذي يأتيه من مؤسّسات شيعية، مثل مؤسسة أنصارين في قم الإيرانية، ومؤسسة الخوئي في لندن، ومؤسسة الثقلين في الكويت، ومؤسسات تابعة لحزب الله في لبنان، وغيرها من المؤسسات والجمعيات الشيعية(راجع كتاب الزهر والحجر «التمرد الشيعي في اليمن» لعادل الأحمدي).

وقد يشكل الرابط المذهبي أحد الخيوط القوية التي تشد الحوثيين إلى إيران، حيث يرى الشيعة الإثنا عشرية أن للمهدي ثورات تمهيدية تكون سابقة لخروج المهدي المنتظر عندهم، ويؤكّد الباحث الشيعي الإيراني علي الكوراني (في كتابه عصر الظهور) أن قائد هذه الثورة من ذرّية زيد بن علي، وأنّ الروايات تذكر أن اسمه (حسن أو حسين)، ويخرج من اليمن من قرية يُقال لها: كرعة، وهي كما يقول الكوراني قرب صعدة. وفي هذا تلميح لثورة الحوثي ونصرتها بزعم تمهيدها لثورة إمامهم المهدي.

وعلى عكس الموقف المدافع عن الحوثيين الذي تبناه حسن نصرالله حين دعا الرئيس اليمني علانية في يوم القدس لوقف القتال، كان لمصر موقف واضح تجاه ما يحصل في اليمن حين أعلن وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط، من صنعاء، وقوف مصر إلى جانب اليمن ضد التمرد والتدخل الخارجي. إذ لمصر مصلحة إستراتيجية بإستقرار اليمن بحيث أشارت الصحف اليمنية إلى أنّ تحركات تجري على مستوى عال بين اليمن ومصر، وأن الأخيرة أبدت استعدادها للوقوف مع الحكومة اليمنية في حربها مع الحوثيين في صعدة لتقديم الدعم والمساعدة على كافة المستويات.

في ظلّ هذه الهجمة الممنهجة، تبدو الأهداف الإستراتيجية لإيران أكثر وضوحاً من قبل. ومن الواجب على دول الخليج والدول العربية التنبه أكثر من أي وقت للخطر الإيراني الذي يحاول الإلتفاف على السعودية وتطويقها المنطقة العربية من ناحية الجنوب. وهذه السيطرة تسمح لإيران، التي تتحكم أصلاً بمضيق هرمز عبر صواريخها، بالإمساك بأحد أهم الممرات المائية أي مضيق باب المندب، بوابة البحر الأحمر الجنوبية خصوصاً بعد فشل مشروع خلية حزب الله في القيام بعمل أمني على بوابته الشمالية أي قناة السويس.

زر الذهاب إلى الأعلى