عدم وجود أدلة مادية تثبت تورط إيران بدعم الحوثي يحول دون إدانة الولايات المتحدة لحركة تمرد الحوثي، كما أن الرصد الأمريكي لمسارات العلاقة بين اليمن وإيران يؤكد وجود انفتاح نوعي بين البلدين..
والحوثية في شمال اليمن مع جند الله «السنية» في سيستان الإيرانية، طرفا مقايضة محتملة بين السعودية وإيران، فاليمن ليست ميدان الصراع الوحيد بينهما، لذا لن تكون اليمن هي المحدد الوحيد لسياسة السعودية تجاه إيران.. وثمة تحول ديمغرافي قد ينتج على المنطقة الحدودية جراء حرب السعودية والحوثيين.. تفاصيل يطرحها في هذا الحوار المحلل السياسي/ عبده محمد سالم.
الصحيفة:موقف الأمريكان من الحرب السعودية ضد الحوثيين ما زال متحفظاً بما في ذلك عدم إدانة أمريكا لإيران بسبب دعمها للحوثيين وعدم إدراج الحوثيين في قائمة الإرهاب..
عبده سالم: الموقف الأمريكي المتحفظ من هذه الحرب يعود في أساسه من وجهة نظري وكما تؤكد بعض المصادر والأوساط المتابعة لمسارات التعاطي الأمريكي مع هذه الحرب أنه قائم على عدم وجود أدلة مادية مقنعة للأمريكيين لا من اليمن ولا من السعودية تكشف حقيقة وجود دعم إرهابي إيراني للحوثيين، أو وجود ارتباط بين الحوثيين والقاعدة، إضافة إلى اعتقاد الأمريكيين بأن العلاقة بين اليمن وإيران ليست متوترة ولا مقلقة كما يظهرها الإعلام اليمني، بل على العكس من ذلك فإن واقع الحال الذي رصده الأمريكيون لمسارات العلاقة الإيرانية اليمنية يؤكد على وجود انفتاح نوعي بين البلدين أو -على الأقل- بين بعض المؤسسات والشركات والأشخاص في البلدين، وهذا ينعكس بطبيعة الحال على الوضع بين الحوثيين والسلطات اليمنية، ويمكن استخدام هذا الوضع لحل مشكلة الحرب.
الأهم من ذلك أن الأمريكيين في حقيقة أمرهم يدركون بأن الغضب الإيراني المبالغ فيه جراء الهجوم السعودي على مواقع الحوثيين، واتهامهم لأمريكا بدعم السعودية لم يكن بسبب غيرة الإيرانيين على سيادة اليمن، ولا هو كرها في السعودية وتحريضا عليها، ولا هو أيضا حبا في الحوثيين، وكل ما في الأمر هو أن الإيرانيين يريدون من ثورة الغضب هذه استدراج الأمريكيين ودفعهم لسرعة التأييد الواضح لقصف الطيران السعودي لمواقع الحوثيين في صعدة في لحظة يكون فيه الإيرانيون قد استنفروا طيرانهم لضرب وقصف منطقة «بلوشستان» في العمق الباكستاني التي انطلقت منها جماعة «جند الله» للهجوم على قيادة الحرس الثوري في منطقة «سيستان» الإيرانية المتاخمة ل»بلوشستان».
الصحيفة:هل يعني هذا أن الإيرانيين كانوا يفضلون حصول موقف أمريكي واضح في تأييد السعودية؟
عبده سالم: نعم، لأن الإيرانيين يريدون من خلال هذا التأييد الأمريكي الواضح للسعودية -فيما لو كان قد حصل- انتزاع قرار أمريكي لضرب «بلوشستان» خاصة بعد أن اتهمت إيران جارتها باكستان بالتورط في دعم جماعة «جند الله»، فضلا عن اتهامهم لأمريكا وبريطانيا في دعم جماعة «جند الله» استخباراتيا لمواجهة إيران لكن أمريكا وبريطانيا نفتا هذا الاتهام الإيراني، وحذرتا إيران من الإقدام على ضرب «بلوشستان» في الحدود الباكستانية، فضلا عن أن أمريكا لم تدرج جماعة «جند الله» في قائمة الإرهاب، ولا يزال الأمريكيون -كما هو موقفهم من الحوثيين- يعتقدون بأن هذه الجماعة السنية الإيرانية بقيادة «عبدالملك تيجي» تعاني من قمع مذهبي من قبل الحكومة الإيرانية، وهي لا تطالب سوى بحكم فيدرالي وحرية مذهبية.
الصحيفة:هل تعتقد أن هذا هو السبب الرئيسي في عدم تعامل أمريكا مع الحوثيين كحركة إرهابية؟
عبده سالم: قد لا يكون هذا هو السبب الرئيسي لكن من الناحية العملية من المحال على أمريكا -في هذا الوضع القائم- إدراج الحوثي في قائمة الإرهاب، ومن المحال عليها أيضا إعطاء المشروعية الكاملة للسعودية في استخدام طيرانها ومدفعيتها بصورة مستمرة لضرب الحوثيين في عمق الأراضي اليمنية، وهدفها في ذلك -أي أمريكا- عدم إتاحة الفرصة لإيران استخدام هذه المشروعية الأمريكية لمواجهة «جند الله» في «بلوشستان»، طالما والولايات المتحدة لا زالت بحاجة إلى دور هذه الجماعة لتلعب دورا مساندا وضاغطا لصالح المعارضة الإصلاحية داخل إيران.
الصحيفة:هل قضية «جند الله» في إيران مقلقة للإيرانيين إلى هذا الحد؟ وهل لا يزال هناك إمكانية حتى الآن لاستخدام هذه القضية لمقايضة السعودية بقضية الحوثي؟ وإلى أي مدى ستسمح أمريكا بذلك؟
عبده سالم: لا شك أن هناك قلق إيراني متعاظم من التمدد السني المسلح لجماعة «جند الله» في تلك المنطقة الاستراتيجية الواسعة في جنوب شرق إيران، وربما فاق هذا القلق قلق السعوديين واليمنيين معا من التمدد الشيعي المسلح لجماعة الحوثي في صعدة والمنطقة السعودية المتاخمة.
ووفق هذا المنظور فلا يستبعد من إيران -بمعزل عن التعاطي الأمريكي- أن تظل متمسكة وحريصة على إبرام اتفاق مع السعودية تقدم إيران بموجبه للسعودية مساعدة معينة تؤدي إلى إزاحة شبح التهديد الحوثي في مناطقها الحدودية، أو إيقاف الدعم الإيراني عن الحوثيين بما يؤدي إلى تمكين المملكة من استخدام طيرانها وجيشها لضرب المواقع الحوثية في العمق اليمني مقابل قيام السعودية بإقناع الأمريكان والبريطانيين السماح لإيران باستخدام الأسلوب نفسه لمواجهة جماعة «جند الله» في منطقة «بلوشستان» الباكستانية ومنطقة «سيستان» الإيرانية المتجاورتين، أو على الأقل قيام السعودية بإقناع حليفتها باكستان بضرورة تقديم الدعم اللوجستي لإيران في حربها ضد جماعة «جند الله»، وطبقا لمعلومات تداولتها مصادر دبلوماسية غربية فإن إيران كانت ترغب في إبرام هذه الصفقة منذ السيطرة الأولى للحوثيين على بعض المواقع السعودية،
ثم انسحابهم منها قبل أن يشن الطيران السعودي حربه على مواقع الحوثيين مؤخرا، وطبقا لهذه المعلومات فإن إيران كانت في وقتها ترغب في حسم الوضع عسكريا مع هذه الجماعة في «سيستان» الإيرانية، وتدمير قواعدهم في «بلوشستان» الباكستانية قبل نزول استراتيجية أوباما العسكرية بشأن أفغانستان التي تنطلق في الأساس من «بلوشستان» الباكستانية، أما بالنسبة للموقف الأمريكي فأعتقد أن الأمريكان هم الذين أجهضوا هذه الصفقة لأنهم في حقيقة أمرهم يريدون إبرام هذه الصفقة لأنفسهم مع إيران في وقت لاحق بمقابل قيام إيران بدعم استراتيجية أوباما العسكرية في أفغانستان.
الصحيفة:هل تعتقد فعلا بأن الأمريكيين لا يقلقون من تواجد الحوثيين بهذه القوة باعتباره خطراً إرهابياً موجهاً ضدهم؟
عبده سالم: التعاطي الأمريكي مع الوجود الحوثي على هذا النحو لا يعني في كل الأحوال بأن الأمريكيين يتجاهلون خطر الحوثيين من حيث المبدأ، بل على العكس من ذلك فالأمريكيون يقلقون كثيرا من الحوثيين بحكم ارتباطهم الوثيق بحزب الله في لبنان، وقربهم من المنطقة البحرية التي تمر فيها الأسلحة المهربة في طريقها إلى حماس وحزب الله، وبالتالي فإن هذه المنطقة البحرية مرشحة -وفق المنظور الأمريكي- لأن تكون منطقة صراع مزدوجة تشترك فيها إيران وإسرائيل والقاعدة وحزب الله أيضا، وعلى هذا الأساس فإن الأمريكيين قد يؤخرون اتهامهم للحوثيين بالإرهاب إلى اللحظة التي يلتقون فيها مع حزب الله والقاعدة في منطقة تقاطع بحرية لصراعات مختلفة.
الصحيفة:وما علاقة الحوثيين بهذا الصراع المقلق للأمريكان؟
عبده سالم: مصدر قلق الأمريكان من الحوثيين في هذا الوضع هو اعتقاد الأمريكيين بأن الحوثيين -وبحكم ارتباطهم بحزب الله- قد يسعون للوصول إلى منطقة «ميدي» على البحر، ومن ثم القيام بمهاجمة بعض القطع البحرية الأمريكية والإسرائيلية التي تجوب مياه البحر الأحمر، وبذلك يصبح شعارهم النظري قابلاً للتنفيذ عمليا.
وعلى هذا الأساس فإن القلق الأمريكي من الحوثيين على هذا النحو هو الذي دفع بأحد المتحدثين باسم الخارجية الأمريكية للتصريح لبعض الوسائل الإعلامية بأن «الحوثيين قد تجاوزوا مطالبهم في الحكم الذاتي إلى ما هو أبعد وذلك بالنظر إلى فحوى وطبيعة الشعار الذي يرفعونه وينادون به».
الصحيفة:وهل تعتقد أن إيران عازمة على الدخول في مواجهة مع إسرائيل في البحر الأحمر؟
عبده سالم: لن تدخل مع إسرائيل، وإنما ترغب في الدخول في شكل من أشكال الصراع والاحتكاك مع إسرائيل لحاجة إيرانية، وإسرائيل لديها الرغبة في المقابل وخاصة بعد انضمامها لحلف النيتو وحصولها على امتياز من النيتو في مراقبة مرور السلاح في باب المندب.
الصحيفة:ما هي هذه الحاجة الإيرانية؟
عبده سالم: أنت تعلم بأن الصراع الإيراني مع إسرائيل أصبح أهم الروافع لحمل الرداء الإمبراطوري الإيراني لكل بقاع العالم الإسلامي.
الصحيفة:هل تعتقد أن الحوثيين سيهاجمون قوارب إسرائيلية في البحر؟
عبده سالم: إسرائيل تتمنى ذلك.
الصحيفة:لماذا؟
عبده سالم: كون الحوثيين يمنيين ستجدها إسرائيل فرصة لوضع يدها على منطقة باب المندب.
الصحيفة:إلى أي مدى تعتقد بأن عدم إدانة أمريكا للتورط الإيراني في الصراع، وعدم توصيف جماعة الحوثي كمنظمة إرهابية تمثل رسالة أمريكية غير مباشرة للتعبير عن عدم رضا أمريكا على حلفائهم في المملكة؟
عبده سالم: في الحقيقة، الذي كان يحرص على انتزاع قرار إدانة أمريكية لإيران وقرار آخر باتهام أمريكي لجماعة الحوثي كمنظمة إرهابية هو اليمن، أما السعودية فلا أعتقد أنها كانت تريد هذا الموقف الأمريكي ضد إيران، ولا تحرض عليه بالتزامن مع الحرص اليمني، أو على أقل تقدير لا تريد حصوله بمناسبة الحرب السعودية مع الحوثيين، أو أنها -في أحسن الحالات- لا ترغب بتحقيقه وربطه بهذه المناسبة على وجه التحديد، وربما كانت أمريكا على علم بهذه الرغبة السعودية.
الصحيفة:لماذا هذه الرغبة السعودية على هذا النحو؟
عبده سالم: القضية ليست قضية رغبة ولكنها حسابات سياسية سعودية خالصة، لأن المملكة في واقع الأمر تخوض صراعها مع إيران من خلال عدة ميادين صراع في المناطق الإقليمية وفق محددات أمنية سعودية أمريكية مشتركة، سواء على مستوى التفاعل الشيعي داخل المملكة، أو التمدد الشيعي المقلق في دول مجلس التعاون وتحديدا البحرين والكويت، أو الترتيبات الأمنية في مياه الخليج بين إيران ودول مجلس التعاون، أو القضايا الأمنية العالقة كما هو الحال بين إيران والإمارات، أو على صعيد الوضع في العراق والأوضاع على الساحة اللبنانية الداخلية، واللبنانية السورية، والسورية الفلسطينية، والفلسطينية الإسرائيلية، إضافة إلى ميادين الصراع الأخرى التي تفرضها المحددات الأمنية المشتركة (السعودية -الأمريكية) في كل من باكستان وأفغانستان، أو التي تفرضها مجموعة الاتصال الدولية في البحر الأحمر ومنطقة شرق أفريقيا.
الصحيفة:وأين اليمن من هذه الميادين؟
عبده سالم: هذا ما كنت أريد أن أتوصل إليه في حديثي، ولهذا أواصل حديثي فأقول إن اليمن هي أحد ميادين هذا الصراع، ولكنها ليست الميدان الوحيد التي تخوض فيه السعودية صراعها مع إيران، وبالتالي فإن المملكة لا ترغب في أن تكون اليمن هي المحدد لشكل وطبيعة الصراع السعودي مع إيران، ولا تريد أن تصدر الإدانة الأمريكية لإيران، ولا الاتهام الأمريكي للحوثيين بالإرهاب على خلفية الصراع الإيراني السعودي الذي يدور في ساحة ميدان الصراع اليمني، وفي إطار المحددات الأمنية للحكومة اليمنية والتي لا زالت تبقي خطوط العودة إلى إيران لإيران مفتوحة.
الصحيفة:الإعلام السعودي اتهم إيران صراحة بدعم الحوثيين بغرض استهداف أمن السعودية، كيف توفق بين هذا وبين ما ذهبت إليه بأن السعودية لا ترغب بأن تصدر إدانة أمريكية ضد إيران والحوثيين؟
عبده سالم: لم أقل أن السعودية حريصة على عدم إدانة إيران، ولكني قلت بأن السعودية لا ترغب أن تحصل على هذه الإدانة في الوقت الحالي الذي تدور فيه مواجهة عسكرية بينها وبين الحوثيين، وبالتالي فإن السعودية غير مستعدة لتحمل تبعات مثل هذا القرار الأمريكي الذي يدين إيران بالتورط في الصراع ويتهم الحوثيين بالإرهاب في صراع قائم في نطاق ميدان الصراع اليمني، وفي إطار المحددات الأمنية للحكومة اليمنية وربما السعودية، تكون قد فضلت ميدانا آخرا من ميادين الصراع السعودي الإيراني المتعددة التي تندرج في إطار المحددات الأمنية السعودية -الأمريكية المشتركة طالما والسعودية هي التي ستجني ثمار هذه الإدانة الأمريكية لأن السعودية في حقيقة الأمر تقدم نفسها من خلال هذه الميادين الصراعية المتعددة باعتبارها النقيض الموضوعي لإيران مذهبيا واقتصاديا واستراتيجيا.
الصحيفة:كيف ستواصل السعودية حربها مع الحوثيين في ظل هذا الموقف الأمريكي الذي لا يدين التورط الإيراني في الصراع ولا يتهم الحوثيين بالإرهاب؟
عبده سالم: السعودية وصفت حربها مع الحوثيين توصيفا واضحا من وقت مبكر دون انتظار الإدانة الأمريكية لإيران بالتورط ودون حاجة لتوجيه تهمة الإرهاب للحوثيين، وبالتالي أطلقت على هذه الحرب تسمية «حرب المتسللين» وتحت كلمة «المتسللين» تندرج كل المسميات المتسللة من اليمن سواء كان هؤلاء المتسللون حوثيين مدعومين من إيران أو قاعدة أو مهربين سلاح، أو مهربين مخدرات أو تجار أطفال أو شحاتين أو مقاوتة أو طالبين الله أو هم أفراد أسر محاذية لهم امتداداتهم الأسرية داخل السعودية، أو غير ذلك.
وهذا التوصيف لهذه الحرب هو التوصيف الذي تحبذه السعودية في الوقت الحالي باعتبار هذه الحرب ليست حربا مع الحوثيين وإنما الحوثيون قدموا الخدمة للسعوديين بتقديمهم المبرر للحكومة السعودية لشن حرب أمنية استراتيجية حسم أمرها منذ أمد ليس بقصير باعتبارها حرباً أمنية سعودية مع واقع يمني متداخل مع واقع سعودي بشكل ملتبس وفي منطقة حدودية تتداخل فيها مصالح القربى والجوار مع قضايا التهريب والتخريب والسلاح والمخدرات والإرهاب والحوثية وعلى نحو من التعقيد وظل على الدوام يؤرق السعوديين من بوابة حدودهم الجنوبية منذ زمن طويل، وعلى هذا الأساس حشدت السعودية قواتها وأمنها ورصدت إمكانياتها، ونقلت سكانها تمهيدا لإحداث عملية ديمغرافية داخل المنطقة الحدودية، بمعنى أن هذه الحرب ضد المتسللين قد تستمر سواء بقي الحوثيون أو هلكوا، وسواء توقفت الحرب اليمنية مع الحوثيين أو استمرت، فكل متسلل للأراضي السعودية بطريقة غير قانونية هو «حوثي» بحسب المنظور السعودي لهذه الحرب.