بعد معاناة مريرة مع المرض توفي مساء الجمعة الماضية رمز النزاهة والتغيير المناضل المهندس فيصل بن شملان بمقر إقامته بمديرية البريقة محافظة عدن، عن 75 عاماً بعد أن عاد إلى أرض الوطن الثلاثاء قبل الماضي 22 ديسمبر المنصرم
بعد آخر رحلاته العلاجية في بريطانيا من معاناته من ورمٍ في الدماغ.
وأكدت مصادر مقربة من بن شملان يرحمه الله أنه أوصى قبل وفاته بساعات بأن يتم دفنه عقب أول صلاةٍ تلي الموت، وأن يدفن في مقبرة أبو حربة بمنطقة الحسوة بالبريقة، قريباً من مقر إقامته، وأكد رحمه الله بألا تتخذ أية إجراءات ولا طقوس رسمية لجنازته، وأن تجري مراسم دفنه بشكلٍ طبيعي كأي واحدٍ من المواطنين.
وخلت جنازة الفقيد بن شملان المتواضعة التي حضرها عدد من قيادات الإصلاح والمعارضة وحشدٌ من المواطنين من أية مشاركةٍ رسميةٍ عدا حضور نائب رئيس مجلس النواب الشيخ حمير بن عبدالله الأحمر الذي شاءت الأقدار أن يكون متواجداً في عدن لمهامٍ أخرى، وعدد من مسؤولي محافظة عدن من بينهم وحيد رشيد وكيل محافظة عدن، وأعضاء من مجلسي النواب والشورى.
وقد انطلقت جنازة الفقيد من منزله إلى حيث الصلاة عليه بجامع الخير في البريقة وصولاً إلى مقبرة أبو حربة، وأقيمت عليه صلاة الغائب عقب صلاة ظهر يوم الدفن في مختلف مديريات ومناطق الجمهورية.
اللافت في هذا أن الراحل ليس عادياً بل رمزٌ من رموز الحرية والنضال والديمقراطية، وخدم طوال عمره هذا الوطن متنقلاً في كثيرٍ من المواقع وعدد من المناصب الحكومية المهمّة، لكن ذلك لم يجعله وفقاً لمعايير الوطنية الخاصة بالنظام القائم مستحقاً كغيره من الوزراء والرموز الوطنية لمجرد بيان نعي، لم يكن بحاجة له، ولن يكون إضافةً في الشهادة بعظمته.
فلم يصدر عن رئاسة الجمهورية ولا عن رئاسة الوزراء التي خدم الوطن من خلالها بيانا ولا تعزية، بل لم يصدر عن المؤتمر الشعبي العام الحاكم نعي كذلك، وبالمقابل أصدر الإصلاح نعياً مختصراً كما اكتفى حزبا الناصري والاشتراكي بتصريحات أمينهما العامين للصحافة، وكان أفضل وأجزل بيانات النعي بيان لجنة الحوار الوطني.
محطات مضيئة في مسيرةٍ خالدة
* عرف عن المهندس فيصل بن شملان حنكته السياسية وشجاعته النادرة التي تمثلت في موافقته على كسر حاجز الخوف من الوقوف أمام الحاكم، منافساً ومتحدياً وليس متحدثاً فقط، وخاض بتجربة ترشحه لانتخابات 2006م الرئاسية تجربة هي الأقوى منذ قيام الثورة اليمنية، ومنذ استحداث مبدأ التنافس الانتخابي على الموقع الأول في قيادة الوطن.
وهي خطوة وصفها البعض بأنها "خطوة جبارة وسباقة رفعت رؤوس اليمنيين أمام العالم وكسرت حاجز الخوف وجعل من هذا المنصب موقعا لخدمة اليمن؛ فاستحق أن يكون في نظر العالم مؤسسا ومرسيا لمبدأ المنافسة الحقيقية على هذا المنصب لأول مرة في تاريخ اليمن، بعد أن كان مجرد شكل مثير للسخرية أمام العالم، وبذلك وغيره ابتنى له في قلب كل يمني عرشا عظيما ومكانة لا ينازعه أحد فيها.
* وقبل ذلك ضرب أروع الأمثلة في النزاهة والتواضع والإدارة الحكيمة، وذلك إبان تقلده مناصب تنفيذية رسميةٍ، بدأها بإخلائه لمقر سكنه وهي فيلاّ تسلمها من الرئيس الراحل قحطان الشعبي خلال توليه وزارة الأشغال العامة والمواصلات كبقية الوزراء، ووصولاً لتسليمه مفاتيح سيارته الوزارية بعد استقالته المشرّفة من منصبه كوزير التي قدمها احتجاجاً على ممارسات فاسدين مدعومين، وخرج من الوزارة ماشياً، وهو موقفٌ كان قد قام به –عقب تخليه عن إدارة تسويق النفط ، وكذلك تكرر الموقف قبل ذلك مع إدارة مصفاة عدن.
* وكان خلال فترات مسؤولياته الرسمية والعادية نموذجاً للتواضع والنزاهة والشفافية، لدرجة أنه قدّم استقالته لشركة أجنبية كان يعمل فيها خارج الوطن حينما تمّ استدعاؤه للاستفادة من خبرته وكفاءته للعمل في وزارة النفط، إبراءً لذمته وإخلاءً لساحته من أية اتهامات وشكوك.
* وظلّ على الدوام محافظاً على وطنيته، وموازناً بين سلوكه كمعارض وبين التزاماته كمواطن شريف، يحب العدل والمساواة بين الناس ويكره الفساد والمفسدين أينما وحيثما كانوا، وفضّل ذات يوم من أيام ابريل 2001م الاعتكاف في منزله في حضرموت احتجاجاً على قرار التمديد الذي اتخذه مجلس النواب الذي كان عضواً فيه، لأنهم اتخذوا قراراً دون أخذ موافقة الشعب الذي انتخبهم، وكان البرلماني الوحيد المعترض على هذا القرار، ولأن موقفه كان عظيماً ولا يصدر إلا من عظيم فقد زاد احترامه عند العظماء فأرسل إليه الشيخ الراحل عبدالله بن حسين الأحمر رئيس مجلس النواب حينذاك وفداً من كبار الأعضاء إلى منزله بحضرموت ليفاوضوه للعودة عن قراره.
* وبحسب أكبر بيانات النعي وهو الذي صدر عن اللجنة التحضيرية للحوار الوطني فإن الفقيد الكبير امتاز بالنظافة والنزاهة طوال حياته العملية وأدائه الوظيفي واهتمامه بالمشاريع الخيرية.
- أعاد سيارة إدارة تسويق النفط التي كانت بعهدته أثناء عمله وكذلك الحال مع إدارة مصفاة عدن.
- عام 94 عين وزيراً للنفط ولم تصرف له سيارتان كباقي الوزراء وكان بعهدته سيارة من وزارة النفط تركها في حوش الوزارة ومضى..
- صرف له الرئيس سيارة عام 97م واضطر لبيعها لمواجهة تكاليف المعيشة.
- أثناء عمله كوزير يقول عنه مقربون: "أنه صرف ما حوّشه من عمله الخاص لسداد مصاريفه أثناء عمله في الوزارة".
- يتقاضى 38 ألفاً من مجلس الوزراء و20 ألفا فقط لا غير من رئاسة الجمهورية، على خلاف وزراء منصرفين يحظون بامتيازات وسيارة كل سبع سنوات.
قالوا عنه
* "رحيله يعتبر خسارةً وطنيةً كبرى، ورحل في وقتٍ حساس نحن أحوج ما نكون له فيه"
د. ياسين سعيد نعمان -الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني-
* "كان نموذجا للمثقف الموسوعي الثقافة الملتزم بقضايا شعبه وأمته، وقال عنه:"إنه نموذج للشخصية اليمنية التي يبحث عنها كل يمني نزاهةً وتواضعاً، تولى المهندس فيصل بن شملان رحمه الله مواقع عديدة في الحكم يسيل لها لعاب الفاسدين وخرج منها أصفى وأطهر من ماء السحاب، .. لقد فقده الشعب اليمني وفقدنا بفقده الشيء الجميل في أنفسنا الذي نبحث عنه ونتطلع إليه تواضعٌ جمّ مع تاريخٍ نضالي وطني مشرف لا يضاهى".
محمد قحطان –عضو الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح-
* "ترك ابن شملان بصماته على كافة الأرض اليمنية من خلال مواقفه الشجاعة ورفضه للظلم والاستبداد ودعوته للتغيير، … لقد كان - يرحمه الله- فارساً لا يشق له غبار في انتخابات 2006م الرئاسية واستطاع أن يجعل اليمن كلها تتفاعل مع حملته الانتخابية ومع دعواته للتغيير، … واستطاع أن يجسد معنى التنافس الشريف في الانتخابات الرئاسية، … لقد خسرناه وخسره الوطن لكننا نعاهده أننا سنكون أوفياء لتلك القيم والمثل التي أرساها الفقيد في حياته سواء أثناء تقلده المناصب الوزارية أو البرلمانية وكذا تقاليده التي أرساها في الانتخابات الرئاسية".
سلطان العتواني -الأمين العام للتجمع الوحدوي الناصري-
* "كان مثالاً للرجل الوطني النزيه، الذي حمل على عاتقه هموم وقضايا شعبه وأمته، و ظل يدافع عنها حتى الرمق الأخير في حياته، .. لقد كان مثالاً للشخصية الوطنية الزاهدة التي سيسجلها التاريخ في أنصع صفحاته وستظل منارة هادية وقدوة حسنة تأتمّ بها الأجيال القادمة؛ بما قدمت و أعطت للوطن طوال مسيرة حياتها الحافلة بالتضحية و العطاء، وكان خلالها شخصية تهابها المناصب، وتصغر أمامها الشرور والمصائب".
من بيان نعي اللجنة التحضيرية للحوار الوطني
* " نحن كصحفيين يمنيين ننعي هذه القامة الوطنية العظيمة الأستاذ المهندس فيصل بن شملان الذي يعد أعز أصدقاء الصحفيين اليمنيين وكان مثالاً للمناضل الجسور وداعي التغيير الأول ورمز الطهر الوظيفي والنقاء الإداري وكان يمثل آية على الأرض تؤكد أن اليمن قادرة على أن تنجب زعماء يدوسون الفساد بأقدامهم ورغم كل المغريات من حولهم... نعزي أنفسنا برحيل الصديق الوفي والأب الحاني الذي لم يكن يتطلع إلى أن يكتب أحد عنه أو يمدحه بقدر ما كان يشدد أن نقوم بدورنا التنويري ومقارعة الفساد وبناء دولة اليمن الحديثة". ". سعيد ثابت سعيد – وكيل أول نقابة الصحفيين اليمنيين-
بن شملان في سطور
- ولد فيصل عثمان بن شملان بمنطقة (السويري) من ضواحي سيئون بمحافظة حضرموت عام 1356هجرية الموافق لعام 1934م.
- تلقى تعليمه الاولي في المدرسة الوسطى بغيل باوزير التي تأسست في أربعينيات القرن الماضي والتي تخرج منها رموز وقيادات لها بصماتها في تاريخ الوطن.
- ثم درس تعليمه للمرحلة الثانوية بجمهورية السودان.
- نال شهادة البكالوريوس في تخصص الهندسة المدنية من جامعة كينجستون البريطانية.
- شغل منصب وزير الأشغال العامة والمواصلات عام 67م إبان حكم قحطان الشعبي.
- شغل منصب الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للقوى الكهربائية عام 69م.
- شغل منصب المدير التنفيذي لمصفاة عدن عام 77م.
- عضو مجلس الشعب الأعلى حتى تحقيق الوحدة المباركة امتدت بين عامي 71- 90م.
- شارك مع أ. عمر طرموم ود. بافقيه ود. كرامة سليان وآخرين، في تأسيس حزب المنبر وأصدروا جريدة المنبر عام 1990م
- شغل منصب مدير إدارة التسويق النفطي بوزارة النفط عامي 91-92م، ثم عين وزيراً للنفط عام94م واستقال منها في مارس 95م وكان ذلك آخر عهده بالمناصب الحكومية.
- كان عضوا في مجلس النواب بعد الوحدة دورتي 93-97م
- استقال من عضوية مجلس النواب عام 2001م، احتجاجاً على تمديد المجلس لنفسه سنتين إضافيتين، واعتزل بعد ذلك العمل البرلماني.
- قبل بعد مفاوضاتٍ مطولة أن يكون مرشح أحزاب اللقاء المشترك المعارض للانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2006م، وكان المنافس الأقوى والأبرز لمرشح المؤتمر الشعبي الحاكم الرئيس علي عبدالله صالح.
- تمت تزكيته لعضوية اللجنة التحضيرية للحوار الوطني.