البيان الذي أطلقه 150 عالم دين في اليمن قبل نحو أسبوعين لتحريم التدخل الأجنبي في البلاد بذريعة محاربة "القاعدة"، أشعل فتيل حرب كلامية جديدة قديمة، كما يبدو، بين طائفتين من اليمنيين،
تبدوان متفقتين على أن ثمة اختلافاً بينهما، الأولى يقودها كتاب صحفيون محسوبون على السلطة في مقدمتهم الكاتب الصحفي أحمد الحبيشي رئيس تحرير صحيفة (14 اكتوبر) الصادرة من عدن والكاتب المؤتمري فيصل الصوفي، وتتهم بالعلمانية ومعاداة العلماء والتحريض عليهم، فيما الطائفة الثانية يتزعمها الشيخ السلفي محمد المهدي رئيس فرع جمعية الحكمة الخيرية اليمانية بمحافظة إب، ويتهم بالدفاع عن تنظيم "القاعدة" من خلال فتواه التي نشرتها أسبوعية "إيلاف"، ما يتهم معه الشيخ السلفي عبدالمجيد الريمي والمراكز السلفية والشيخ عبدالمجيد الزنداني بالتماهي بين خطابهم الديني وبين الخطاب "القاعدي".
"الغد" في محاولة منها لاستكشاف حقيقة هذه الحرب الكلامية وأبعادها، أجرت هذه المواجهة الحوارية، مع كل من: الشيخ محمد بن محمد المهدي، والكاتب الصحفي أحمد الحبيشي..
قال أن الحبيشي مشغول بالغائبين عن مهرجان أصالة وحمّله مسؤولية أي استهداف له
المهدي: الرئيس اتسع صدره لخصومه وهؤلاء صدورهم أضيق من سَمّ الخياط
- أنتم متهمون بأنكم تدافعون عن "الإرهاب" وتنظيم "القاعدة"، وأنه تملككم الغضب جراء الضربات المتلاحقة التي وجهتها الدولة لتنظيم "القاعدة"، لماذا تدافعون عن تنظيم "القاعدة"؟
بسم الله والحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وسلم تسليماً. وبعد أشكر القائمين على صحيفة (الغد) كما أشكرك أخي محمد. أما الجواب: أخشى أنها انتقلت إليكم العدوى من بعض الصحف التي يعتبرون كل من عاداهم شخصيا بأنه عدو للدولة وأنه متعاون مع "القاعدة". والحقيقة أنهم ليسوا صادقين لا مع الدولة ولا مع الشعب في هذا الطرح.. والصحيح أن يكونوا منتقدين للخطأ بعلم ومعرفة. فالغرب له توجه محدد وهو القاعدة بينما هؤلاء الكتاب شغلوا أنفسهم بكل عالم وشاب ملتزم..ونحن إنما ننكر هذه المشكلة، وقد كتبنا عن القاعدة وأفتينا ووقعنا على بيانات من قبل، ولا يضر أن يجهلها هؤلاء فكأنهم يريدون أن نعرض عليهم كل ما نكتبه؟!..والذي نخطؤكم أنتم الصحفيين بأننا ضُربنا بضرب القاعدة.. والصحيح أننا ننتقد نظرة بعض الصحفيين بأن تدريس العلم الشرعي والجمعيات الخيرية ومدارس القرآن وتعليم الناس الإسلام.. بأنه الخطر فيطالبون بضربه.
أما الخروج فقد رفضناه ممن كان سواء القاعدة أو الحوثيين أو السلفيين.. فكل من خرج بالسلاح فنحن ننكره.
- كيف تنكرون على الدولة حربها ضد تنظيم "القاعدة" وأنتم (أعني السلفيين) تستميتون في الدفاع عن طاعة "ولي الأمر"، هل تخليتم عن هذا المبدأ أم تناقضتم مع أنفسكم؟
الآن ذكرتنا بماضي أصحابكم الذين أمطرونا بمقالاتهم بعد الملتقى السلفي منذ تسعة أشهر بأننا ذيل بغلة السلطان.. والآن جاءت الصحوة من بعض الكتاب بأننا لسنا مع الدولة على طول الخط. لأننا مع الحكومة في الصواب، ومع من أنكر الظلم بالحكمة. لكن بعض الكتاب لا يريدون أن يفهموا الفقه الإسلامي لأنه يمنع دخول الغزاة بلاد المسلمين، وهم يرون العراقيين الذين يدافعون عن أنفسهم بأنهم إرهابيون.. وأرى أن أمريكا عندها تدقيق أكثر منهم.
وأما البيان فهو واضح ففيه إنكار على "القاعدة"، ودعوة إلى مواجهتهم في نطاق المشروع والقانون. والنهي عن التدخل الخارجي.. وهذا قول وسط والعلماء أدرى بالوسطية وطبيعة الشريعة الإسلامية.. ولا نرى أن يملي البيانات علينا أحد ممن ليسوا من العلماء، ولا يرى العلماء أن الوسطية هي ما يتكلم عنها من لا يعرفها..
وأما أننا نستميت في الدفاع عن ولاة الأمر فمبدؤنا واضح لم يتغير وما علينا إذا لم يفهم موقفنا هؤلاء، فنحن مع الدولة في الخير، ونختلف معها في ما فيه معصية. ولا نجيز الخروج عليها، ولا نرى التدخل الخارجي في بلادنا. ولعل هؤلاء هم المتناقضون فهم تارة مع الدولة ومرة أخرى ضد الدولة.. وهم يعرفون أنفسهم.. وإذا كان الرئيس قد اتسع صدره لكل المذاهب وحتى خصومه، فهم يتكلمون باسم الدولة وصدورهم أضيق من سَمّ الخياط.
- أنت تقول بما معنى كلامك إن العلمانيين في اليمن، وذكرت أسماء ثلاثة منهم، أحمد الحبيشي وفيصل الصوفي وعبد الباري طاهر، يقفون مع الغرب لمحاربة أهل السنة والقاعدة، لماذا لم تذكر صراحة الرئيس والحكومة والأمن القومي وقوات مكافحة الإرهاب، كما يتساءل هؤلاء؟
أولاً: أسال الله أن يعافي الأستاذ عبد الباري طاهر.. وأتمنى أن تتيسر لي زيارته.
ثانياً: ذكرتُ هؤلاء وهذا ليس للحصر فهناك آخرون ممن يواجه أهل السنة وهم مستعدون أن يكونوا مع الغرب، أو الاثنى عشرية.. لأنهم يرون عدوهم الوحيد هم السلفيون.. لهذا لم يحاربوا الهندوس ولا المناهج الإيرانية التكفيرية، ولا خرافات الشيعة في العراق، ولا الصهاينة.. وكأننا أشد أعدائهم. وعليهم أن يفهموا أننا لن نفتح جبهة عشوائية ضد أحد. وإن كانوا متفاوتين في عداوتهم، لكن الحبيشي هذا هو منهجه من زمان فهو مشغول عن الغائبين في مهرجان الفنانة أصالة في عدن، وقد انتقد الحكام والوزراء بأنهم لم يحضروا المهرجان، ويطالب الواحد والعشرين مليون يمني بالحضور إلى عدن حتى وإن لم تسعهم عدن!!!، وله إلى الآن 26 حلقة كلها تحريض للحكومة بفتح جبهات أكثر مما هو حاصل، وتحريضه على الشيخ الزنداني وعلينا، وأنا الآن مهدد بأن أكون عُرضة لأي استهداف لهذا فهو المسؤول عن ذلك.. فهو لم يكن مشغولاً بالحوثية ولا الانفصال وإنما أعداؤه هم حزب الإصلاح والسلفيون.. وهذا حرب على جُلّ الشعب اليمني باسم السلفيين والإصلاح وغيرهم.. ولو كانت الحكومة تسير على سياسة الحبيشي والصوفي منذ زمان لفتحت على نفسها مشاكل هي في غنىً عنها، ولن يحلوا لها مشكلة. وأنا الآن ذكرتهم بكلمة فقط. ولم أنتقل إلى القضاء لأطلبهم، وهذا من حقي. وأما الحكومة فثقتي وبمعرفتي أنها لا تصدقهم ولا تثق بآرائهم. وإلا كنا في السجون..
وذكري لهم لأنهم يتدخلون فيما لا يعنيهم، ويشغلون أنفسهم في شؤون غيرهم، ولأنهم يحرضون علينا كذباً وزوراً.
ذكرتهم بأنهم علمانيون ولا يوجد في اليمن علمانية؟.
ماذا نقول فيهم؟ وهم الذين يركبون موجتهم في التشويه بالعلماء ومحاربتهم، ووضعوا أنفسهم بموقع الدفاع عنهم، ويطالبوننا بالاقتداء بهم، ويحاربون تدخل الدين بسياسة البلاد، وأن العلماء لا دخل لهم بشؤون الدولة!! فليبينوا لنا مَنْ هم؟! وهم يصفوننا بألقاب وأوصاف لا وجود لها إلا في مخيلتهم ورؤوسهم.. فتارة يقولون بأننا (وهابية) وتارة (تكفيريون) و(أصولية) (وإرهابيون) وهذه هي نغمة العلمانيين والحداثيين.
أنت اتهمتهم بأنهم وسعوا الحرب على كل فضيلة؟
أي موقف يقوم به العلماء هم الذين يتولون مواجهته.. ومنها حربهم على هيئة الفضيلة، وموقفهم اليوم من بيان العلماء.. ولم يسلم منهم حتى العلماء الأموات كالشيخ مقبل رحمه الله، ولا علماء السنة خارج اليمن..
- هم يقولون في كتاباتهم أنك محق في الربط بين السلفيين والقاعدة، "فالسلفيون ينظرون ويحشون أدمغة تلاميذهم بالأفكار المفخخة وتنظيم القاعدة ينقل الإرهاب من منطقة الفكر إلى منطقة الحركة بوصفه الجناح العسكري للسلفية الوهابية، ويستقبل انتحاريين تم تجهيزهم عقائدياً في المدارس السلفية"، كيف ترد؟
أرد بأن هؤلاء الذين يطرحون هذا الطرح لم يتكلموا عن الواقع ولأنهم يعتمدون على الطرح الغربي، ولم يعرفوا التاريخ الإسلامي جيداً ولو رجعوا إلى التاريخ لعرفوا ما هي مناهج التكفير والقتل بداية من الاثنى عشرية والباطنية، وتاريخهم واضح، وكيف ينسون الشيوعية التي اشتهرت مقولتهم: (اقتلوا ثلثي من في الأرض لتحكموا الثلث الآخر)، ومبدؤهم الثوري؟!! بل هم بكتاباتهم التحريضية هم من يريدون أن يحول العلماء من مسالمين إلى أعداء للحكومة..لكن هيهات!!.
وأما من أسماهم "الوهابية" فمنهجهم معروف، وعلماؤهم قائمون بتعليم الناس العلم النافع، ويدعونهم على التوحيد.. وهم محل ثقة حكوماتهم. فالعبرة بالمناهج لا بالأخطاء الفردية الشاذة.. وكأنهم يظنون أن السلفيين هم الذين يطالبون بالانفصال، وهم الذين خرجوا بالسلاح على الحكومة في صعدة!!!، فعلماء السنة هم الذين يدعون الناس إلى الألفة ويعلمونهم الخير..وماذا عليهم إذا كانوا متهمين عند الصحفيين؟.
وليعلم هؤلاء أننا نرى أن التربية تبدأ بالعلم والتربية الصحيحة ثم نعلمهم في كل موقف بما يناسبه من حكم شرعي كالنهي عن الخروج بالسلاح، والدعوة إلى التهدئة وعدم الاستعجال.. وأما من لم يثق بالعلماء وذهب بعيداً وتأثر بالآخرين فهذه مشكلته لنفسه، ولسنا مسؤولون عن كل شخص. بل يمكن أن تكون كتابات هؤلاء الصحفيين هي التي تثيرهم كونها تحرض عليهم فيخافون على أنفسهم.. لأنهم لا يرون لهم حقاً إلا القتل والموت، ولو رجع أحدهم وتاب فتوبته عندهم محل شك وغير مقبولة...فهذا هو الخطأ بعينه.
وإن كانوا يرون أننا على خطأ فليأتوا لنا بمثالية صحيحة نتعلم ونفهم الإسلام منهم. وما هي الطريقة التي نعرف بها الدين الصحيح؟ فقد قرأت للصوفي الدعوة إلى فتح المراكز للاثنى عشرية والباطنية بينما يمنع السلفيين من ذلك لأنهم بنظره يمثلون خطراً على البلد، بل هو يريد أن يستورد لنا مناهج يرضاها على هواه كبعض الدول العربية!!، فكيف آخذ ديني على مثل هؤلاء الذين يتناقضون ولا يعدلون؟!، وهم متعصبون للغرب.. فلماذا أمريكا وبريطانيا لم يحاسبوا الناس على الجزئيات لكن الصوفي والحبيشي يحاسبوننا على الجزئيات؟!!.
- أنتم يا شيخ تتهمون أحمد الحبيشي وفيصل الصوفي بالعلمانية، وهل تعني اللادين، هل يعني أنكم ترون تكفيرهما؟
يا أخي الكريم الحكم بالكفر له وصفه الشرعي المعروف، لكن رغبة بعض الصحفيين بالإثارة هي التي تجعلهم يحرفون الكلام. فأنا لم أكفر أحداً، ولكن انتقدهم بأنهم يشغلون أنفسهم ويسخرون صحفهم في الدفاع عن الغرب، وحرب أهل السنة والسلفيين. أما التكفير عندنا فنرى أنه ليس كل من وقع في الكفر صار كافراً على الإطلاق، ولا نكفر أحداً بعينه مطلقاً. لأننا ننظر هل هو عالم أم جاهل، وهل هو مختار أم مكره، ومتأوّل أم لا؟ وهكذا. والتكفير باللازم ليس مذهب أهل السنة. والذي أطلب منهم أن يكتبوا فيما يحسنون.. فكيف يجوز لهم أن ينتقدوا العلماء، وينتقدوا الجماعات داخل اليمن وخارجها وكأنهم مطلعون على كل شيء، وكأن الإسلام والفقه هو الذي يرونه هم، والعلماء يجب أن يتابعوهم.
والخلاصة أننا لا نكفر الحبيشي وأحمد الصوفي وغيرهما.. وإن كانوا يعتبرون كل نقدٍ يُوجّه إليهم تكفيراً فهذه مشكلتهم!!.
- أنت ترى أن "الحرب ضد الإرهاب أو تنظيم القاعدة هي حرب بين الأمة ويجب إطفاؤها وإخمادها"، بينما هؤلاء الذين يختلفون معك يرون بأن "الحرب هي بين العالم كله والأمة بأسرها وبين تنظيم القاعدة الذي بدأ الحرب على الجميع"، كما يقولون، كيف ترد؟
يكفي أننا نرفض أسلوب "القاعدة" في نقل المعركة إلى بلاد المسلمين. والمرجع فيها العلماء أهل الاختصاص وليس غيرهم. والحكومة اليمنية مسلمة و"القاعدة" مسلمون. وأنكرنا التدخل الأجنبي. وهذا واضح.
- العلماء الذين أصدروا مؤخراً بياناً يحرم التدخل الأجنبي في اليمن، وأنت منهم، أين كنتم طيلة الفترة الماضية من العمليات "الإرهابية" التي يتبناها تنظيم "القاعدة" في اليمن، ولماذا لم تصدروا بياناً يستنكرها، هكذا تساءلت حتى افتتاحيات الصحف الرسمية، كيف تجيبون على هذه التساؤلات ؟
لا نحتاج في كل حدث إلى بيان وقد بينا موقفنا من خروج الحوثيين و"القاعدة"، ولا نحتاج في كل حدث إلى بيان مستقل. لكن هل حصلت موافقة من العلماء لهم؟ هذا ما ينبغي أن يتساءلوا حوله, لكن هذا أسلوبهم لأنهم لا يريدون أن يفهموا، والعلماء هم الذين يعرفون المصالح والمفاسد أكثر ممن هو مشغول بحركاتهم وسكناتهم. وقد حضر الرئيس مع العلماء عدة ملتقيات ومؤتمرات، وآخر بيان لنا في الملتقى السلفي، وهذا هو البيان الأخير.
وأما التدخل الأجنبي فالدولة ترفضه، وما ضرنا ما يكتبه من يخالف منهج الرئيس.. فهم يكتبون عن كل من عفا عنه الرئيس، وقد شمل العفو أحد هؤلاء الكتاب وقد كان ممن يسبّه، وهو الآن لا يكتب عن الرئيس وسياسته وعفوه وإنما يحرض الرئيس ضد خصومه.
- لماذا لا تحرمون الانتماء إلى تنظيم "القاعدة" مثلما حرمه الشيخ السعودي العبيكان، وهو شيخ سلفي أيضاً، حتى يعرف الناس أن هناك فرقاً بينكم وبين "القاعدة"؟
ما تعبدنا الله تع إلى بتحريم الانتماءات للبلدان والأحزاب والجماعات.. لكن الواجب علينا أن نقول كل من يريد أن ينقل المعركة إلى بلاد المسلمين فهو مخطئ سواء كان في "القاعدة" أو الحوثية أو الشافعية أو السلفية أو أي حزب. والإرهاب لا نصنفه في أي بلد أو بأي دين أو جماعة.. وهل نقول يحرم على أهل اليمن أن يدافعوا عن أنفسهم؟، لأن هناك من يرى دفاع العراقيين عن أنفسهم إرهاباً كالاثنى عشرية وغيرهم. ويكفي أن نقول بأنه لا يجوز لأحد في أي مذهب أو شعب كان من كان أن يثير المشاكل ويؤذي المسلمين.
والعلامة ناصر الشيباني يقول الإرهاب هو نوعان مفروض ومرفوض. فالدفاع عن البلد مفروض، والفتنة في البلد مرفوضة. فكيف نقول في قوله تع إلى (لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله)، فإذا كان اليهود يخافون منا فماذا نصنع لهم؟!، ونحن نرى أن الحرب الصليبية لا تفرق بين طالبان وغيرهم. والحرب ضررها يلحق الأبرياء كما في الأفغان وباكستان.
- إذن ما تفسيرك لهذه الاتهامات التي وجهت لكم شخصياً وتضمنتها بعض المقالات المنشورة في الصحف الرسمية، هل تعتبرها توظيفاً سياسياً لورقة "الإرهاب" للقضاء على الفكر السلفي في اليمن مثلاً، أم ماذا؟
أصدقك القول أن قناعتي في منهجية بعض الكتاب انه منهج عدائي، ويرددون ما يردد الرافضة عن مسألة الوهابية والتكفيرية.. وأنا أجزم أن الرافضة التي يدافع عنهم هؤلاء لن يحكموا لهم بالإسلام حتى يؤمنوا بالاثنى عشر، وإذا كانت المسألة علمية فأهل السنة هم الذين يُعلّمون الناس الخير، وينشرون الفضيلة. فهل نرجع بالمسألة إلى البحث العلمي حتى نستفيد. أم نتبادل الاتهامات؟. أم نريد أن نحكم في كل من يخالفهم بأنه إرهابي. وقناعتي أن هناك كُتاباً إذا أصبح مسؤولاً على صحيفة كتب ما في رأسه وعقله.. ولا يتكلم بمنهج الحكومة. بدليل أن بعض المسؤولين استاؤوا من ما كتبه هؤلاء حول العلماء وقد اتصل بي الكثير. فهي قضية شخصية بمحاربة خصومهم هم فقط. دون أن ينظروا إلى مصالح الحكومة.. وأغلب الصحف تعبر عن آراء إدارتها فقط.
- هناك دعوات تطالب العلماء بالحوار مع عناصر "القاعدة"، هل لديكم استعداد للحوار معهم؟
هذا الذي أراه مع "القاعدة" ومع "الحراك" ومع "الحوثيين".. وهو حوار مشروع مع اليهود والنصارى بالرفق واللين وهم من باب أولى. ومن هنا أدعو هؤلاء الصحفيين أن تكون كتاباتهم دعوة إلى الحوار حتى نكسب قطاعاً كثيرا من الناس والمعارضين. وقد رجع كثير من الشباب في "القاعدة" بسبب الحوار معهم لأنها هي الحكمة اليمانية. ولو أن الدولة تصدق هؤلاء المحرضين وتستعجل لتقتل كل من خرج عنها فستخسر الكثير.
ونحن إذ ندعو إلى الحوار كذلك نحذر من الخروج والتكفير للحكام والمسلمين، فالتثبت في التكفير أفضل من العجلة.. وقد قال بعض السلف (لأن أخطئ في الحكم بالإسلام على كافر، أهون من الحكم على مسلم بالكفر) وأنا مع الحوار، ولست مع الدمويين الذين يستبيحون دماء خصومهم.
قال أن المهدي يتلاعب بالألفاظ في فتواه وأدعوه لخلع العمامة لنعمل معاً في السياسة
الحبيشي: السياسة المناهضة للإرهاب هي التي تخرج من دار الرئاسة وليس العكس
*أنت والصحفيان فيصل الصوفي وعبدالباري طاهر، ما الذي أثار حفيظتكم من بيان علماء اليمن بشأن التدخل الأجنبي في اليمن؟
** أولاً أنا أرجو أن لا تربط اسمي بفيصل الصوفي أو بالزميل عبد الباري طاهر وآخرين، أنا أعتقد بأن هناك موقفاً وطنياً عاماً ضد هذا البيان لجهة السعي لفرض وصاية من قبل مجموعة من رجال الدين، ولا أقول كلهم.. وقبل ذلك أنا أتحفظ على كلمة علماء، لأن أهل العلم ليسوا فقط المشتغلين في مجال الفقه وعلوم الدين، وإنما أهل العلم الذين تحتاجهم الدولة ويعملون بصمت وشرف، تتعدد مجالاتهم، لدينا علماء في مجال الطب والهندسة والكيمياء الحيوية والفيزياء والطيران والهندسة المدنية والاتصالات والزراعة والطاقة وعلوم البحار، هؤلاء كلهم علماء ويسهمون معنا في بناء الحياة الجديدة وبناء الدولة الوطنية الحديثة، ولا يجوز لمجموعة من خطباء المساجد والدعاة وأنصاف المتعلمين ممن لا تصل مؤهلاتهم حفظ بعض أجزاء من القرآن الكريم وبعض الأحاديث النبوية صحيحها وضعيفها يأتي ليفرض نفسه عالماً، نحن مع مجموعة من رجال الدين تريد أن تفرض وصاية كهنوتية على الدولة وعلى المجتمع باسم الدين ولا يمثلون الدين قطعاً، لسبب واحد.. من الذي أعطاهم شرعية تمثيل الدين ومن الذي أعطاهم شرعية التحدث باسم المسلمين في اليمن..
*مقاطعاً.. هؤلاء هم المشهورون في اليمن، ولأنهم يختلفون معكم فلا تعترفون بهم؟
** مقاطعاً.. هذا لا يعنيني، هذا شأنهم، أنا مسلم، وهناك ملايين المسلمين في اليمن، من الذي أعطاهم شرعية التحدث باسم ملايين المسلمين في اليمن..
*الجماهير الذين يحتشدون في خطبهم ومحاضراتهم ويستمعون إليهم؟
** لا يوجد جماهير تحتشد، هناك ملايين جماهير تعترض وهناك ملايين اكتوت بنار الإرهاب والتطرف، البلد يدفع فاتورة ضخمة جداً بسبب التطرف والإرهاب، والذي يتكبد هذه الفاتورة هم الملايين الذين تقول أنت أنهم يؤيدون رجال الدين، أنا لدي تحفظ على هذه الفرضية، وهي فرضية غير صحيحة ولم تخضع لقياس دقيق، ولا أعرف كيف توصلت وكيف يتوصل آخرون إلى هذا الاستنتاج، هل جرت انتخابات بموجبها وصلت هذه المجموعة إلى مستوى من الشرعية يحق لها أن تتحدث باسم ملايين من المسلمين في اليمن.. هذه قضية خلافية، المسلون يختلفون في مصالحهم وآرائهم وأفكارهم في إطار التعدد والاختلافات، ولا يمكن أن ندعي بأن هناك مجموعة تمثل مجموع المسلمين، يا عزيزي لا تذهب بعيداً، عندما احتل العراق الكويت وجاءت القوات الأميركية والغربية وتدخلت في حرب الكويت، حينها التقى مجموعة من رجال الدين في جدة وأصدروا فتوى تبيح الاستعانة بالأجانب، ومجموعة أخرى التقوا في بغداد وأصدروا فتوى تحرم الاستعانة بالأجانب، فكان أولئك رجال دين وأولئك رجال دين، في قضية الجدار الفولاذي الذي يقال أن مصر تبنيه على حدودها مع غزة، هناك مجموعة من رجال الدين أفتوا بتحريم هذا الجدار، ومجموعة أخرى وعلى رأسهم مؤسسة الأزهر وشيخ الأزهر ومفتي الديار المصرية قالوا بجواز بناء الجدار.
*سنأتي إلى هذا الكلام؟
** مقاطعاً.. يا عزيزي لا نستطيع أن نقول بأن هناك إجماعاً وأن هناك من يمثل المسلمين، هذه كذبة كبرى لا يمكن القبول بها.
*لكن لأن هؤلاء لا تتفقون معهم في ما طرحوه في البيان وهم 150 عالماً من أنحاء اليمن فهم غير معترف بهم؟
** أولاً هؤلاء 150 من خطباء المساجد يا عزيزي لا تقل لي علماء، أنا أعطيك أسماءهم، معظمهم من خطباء المساجد، وبعضهم لا يملك حتى المؤهل الابتدائي..
*وهل المؤهلات الدراسية شرط ليصبحوا علماء برأيك؟
** مقاطعاً.. هناك نقطة مهمة، هؤلاء لا يمثلون كل رجال الدين في اليمن، رئيس جمعية علماء اليمن لم يكن ضمن الموقعين ولم يقرا البيان.
*ولكن مفتي اليمن القاضي العمراني وعدد آخر من مشاهير اليمن موقعون على البيان؟
** محمد إسماعيل العمراني هو قائد حزبي، وهو عضو الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح وليس مفتي اليمن، والعمراني رجل دين حزبي، وهو هنا يعبر عن موقف حزبي وهذا شأنه.
*ولكن من الموقعين أعضاء في جمعية علماء اليمن؟
** نعم، ولكن هناك أعضاء آخرون غير موقعين وهناك رجال دين آخرون معروفون لم يوقعوا وهذا شأنهم أيضاً، أنا أرجوك لا تقحموا الدين في هذه القضية.
*مقاطعاً.. أنا أناقش معك هذه القضية؟
** (يواصل).. نحن ندافع الآن عن سيادة الوطن وعن استقلاله، الإرهاب هذا هو إرهاب عابر للحدود وهو يعتدي على سيادة واستقلال الوطن، التمويل خارجي والأجندة خارجية والذين ينفذون العمليات الإرهابية معظمهم ليسوا من أبناء اليمن، هذا تعد على السيادة وعلى الاستقلال.
*لكن ما الذي أثار حفيظتكم إذن، هم أيضاً حرموا التدخل الأجنبي حفاظاً على سيادة البلد واستقلاله؟
** حرموا التدخل الأجنبي، أعطني فتوى واحدة أجازوا فيها الكفاح ضد الاستعمار البريطاني، الذي نال شرف تحرير جنوب الوطن المحتل من القوات الأجنبية المعتدية هم أولئك الذين يتهمهم هؤلاء بأنهم علمانيون، أما هم فقد تعايشوا مع الإنجليز لأكثر من مائة عام.
*قد خرج الإنجليز ونحن نتحدث اليوم....؟
** مقاطعاً.. خرج الإنجليز ولكنهم لم يصدروا فتوى واحدة، هذا موقف انتهازي، بالعكس، كان هناك من يظهر من رجال الدين في إذاعة عدن الاستعمارية ويحرم الكفاح المسلح، وأنا لا أريد أن أذكر اسمه احتراماً لمثواه.
*لكن أنتم متهمون بأن لديكم حساسية مفرطة تجاه أي شيء يأتي من الفقهاء أو رجال الدين الذين لا يعجبونكم؟
** يا عزيزي، عندما يفرض نفسه وصياً على الدولة ويتجاوز الهيئات الدستورية، عندما يقول يجب أن يوافق هو على الاتفاقيات الدولية..
*مقاطعاً.. لا، هم قالوا عن طريق مجلس النواب والشورى وأهل الحل والعقد من المشائخ والوجهاء و...؟
** لا لا، هم قالوا لا بد أن تعرض على رجال الدين، وأيضاً لدينا مواقف تاريخية تثبت خطأ هذا الموقف، مثلاً عندما وقعت الدول العربية على اتفاقية جنيف الأولى واتفاقية جنيف الثانية الخاصة بمنع تعذيب الأسرى والخاصة بمنع استرقاق الأسرى، حينها أوصى رجال الدين الحكومات الإسلامية بعدم التوقيع عليها، لأنها مخالفة للشريعة الإسلامية، وقالوا بأن التوقيع على هذه الاتفاقية باطل شرعاً لأن الإسلام يجيز استرقاق الأسرى، وبالتالي أثبت التاريخ خطأ موقف رجال الدين، لأننا نأتي الآن ونستخدم هذه الاتفاقية لمقاومة العدو الصهيوني ومواجهة التعذيب الذي يتعرض له المقاومون والأسرى الفلسطينيون، رجال الدين أفتوا أيضاً بعدم جواز تعليم المرأة، والأزهر نفسه هذا أفتى بعدم جواز تعليم المرأة عندما فتح الخديوي إسماعيل أول مدرسة ابتدائية للبنات في القاهرة ثار الأزهر كله، وأوصى الخديوي إسماعيل بإيقاف هذه المدرسة وإغلاقها بحجة مخالفتها الشريعة الإسلامية، ونفس الأمر بالنسبة للأمير فيصل لما كان ولياً للعهد العام 1951 عندما كان وزيراً للتربية والتعليم وفتح أول مدرسة للبنات، جاء رجال الدين إلى الملك سعود وأفتوا له بعدم جواز تعليم البنات، والآن تعليم البنات حقيقة واقعة وهم يقبلون ذلك.
*نعم، هذا يجرنا إلى تشعبات أخرى..؟
** مقاطعاً.. لا، أنت عندما سألتني أن عندي حساسية وأنا فعلاً عندي حساسية تاريخية لأن التاريخ أثبت بأن رجال الدين مشدودون إلى مواقف ماضوية، ويريدون إعادة إنتاج الماضي والإقامة الدائمة في الماضي ولم يستوعبوا قيم وحقائق العصر، السلطان العثماني عندما أدخل المطبعة في القرن السابع عشر أفتى كل رجال الدين بعدم جواز استخدام المطبعة بحجة أنها ستؤدي إلى تغيير حروف القرآن وتؤدي إلى طباعة الرسوم والصور، ومع ذلك المطبعة الآن موجودة.. فأين ذهبت فتواهم ومطالبهم؟.. لا أقول في ذمة التاريخ، ولكن في قاع التاريخ.. من حقي أن يكون لدي حساسية تاريخية، لأننا لو كنا صدقنا رجال الدين في كل مطالبهم عبر التاريخ الحديث لكنا نعيش الآن في كهوف.
*ولكن رجال الدين كما تسميهم أيضاً كان لهم مواقف مناهضة للاستعمار؟
** ليس كلهم.. بالعكس، الذين وقفوا ضد الاستعمار تعرضوا للتكفير من قبل بعض رجال الدين، ونحن في الجنوب لدينا تجربة تاريخية، هناك رجال دين عظماء نحترمهم ونجلهم وقفوا إلى جانب الثورة المسلحة 14 أكتوبر و26 سبتمبر، ووقفوا إلى جانب ثورة 23 يوليو بقيادة الرئيس جمال عبد الناصر، في حين وقف آخرون إلى جانب الاستعمار، أنا لا أريد الآن أن أكشف الأوراق، ولكن يكفي أن أذكر خالد الذكر الشيخ عبدالله محمد حاتم الذي وقف إلى جانب الثورة اليمنية والثورات القومية العربية، إنني أنحني إجلالاً لذكرى هذا الشيخ الجليل وهو من كبار رجال الدين في اليمن.
*وهؤلاء العلماء أصدروا بياناً يساند موقف الدولة في رفض الاستعمار والتدخل الأجنبي؟
** لا يوجد أصلاً تدخل أجنبي ولن نقبل نحن أي تدخل أجنبي، ولم يعلن أحد الآن أنه بصدد التدخل الأجنبي، لأننا دولة ذات سيادة ونتساوى مع كافة دول العالم في السيادة والاستقلال التزاماً بميثاق الأمم المتحدة، الذي كفره رجال الدين بالمناسبة عندما تم التوقيع عليه، بحجة أنه يساوي بين الدولة الإسلامية وبين دول الكفر، ولك أن تتصور لو كنا صدقناهم، أين سنكون الآن، طالبان صدقتهم وانعزلت عن المجتمع الدولي ولم يعترف بها أحد حتى أنها سقطعت غير مأسوف عليها ولم يقف أحد إلى جانبها، بل أن أكثر الناس وقوفاً ضد طالبان ومساهمة في إسقاطها كانوا من الدول الإسلامية الكبيرة، أما نحن فلا يوجد أحد بصدد التدخل الأجنبي في اليمن لأننا دولة عضو في الأمم المتحدة وبسبب التزامنا الكامل بميثاق الأمم المتحدة الذي يمنحنا المساواة في السيادة والاستقلال لا تستطيع أي دولة أجنبية أن تحتل بلادنا طالما أننا دولة حرة ومستقلة وذات سيادة، ولم يعلن أحد، من أين جاء هؤلاء، هذه محاولة رخيصة للابتزاز السياسي، هم يمارسون السياسة بامتياز الآن، وذلك من حقهم، ولكن لا يقحموا الدين فيها.
*أنتم ترفضون أي فتوى تأتي من جهة رجال الدين كما تسميهم بسبب ما أسميته حساسية تاريخية وذكرت بعض الأمثلة، ولكن تعلمون أن الفتوى أيضاً تتغير بحسب الزمان والمكان ولا يعقل أيضاً أن تكون أي فتوى هي خطأ محض؟
** هذه فتوى سياسية وليست دينية، الغرض منها إحراج الدولة، ورمي ورقة في إطار اللعبة السياسية الجارية في البلد، الدولة أعلنت رسمياً أنها لا تقبل أي تواجد أجنبي على أراضيها، فهذا موقف الدولة، ومن أين جاء هؤلاء بهذا الخبر، لم يعلن أي طرف عالمي أنه بصدد التدخل في اليمن.
*إذن لماذا أنتم تستقوون بالصحف الرسمية.....؟
** مقاطعاً.. ولماذا هم يثيرون هذه الزوبعة؟ يفجعون الناس بأن البلد ستتعرض لاحتلال أجنبي، لماذا؟ بيت القصيد في الأمر هو دفاعهم عن الإرهاب، أنت لا تستدرجنا وكأن خلافنا معهم حول هذا الموضوع، خلافنا معهم هو لتماهيهم مع الإرهاب، ومحاولتهم الدفاع عن الوجود غير الشرعي للإرهابيين في اليمن، عندما يتكلم على عدم جواز قتل المستأمنين ولا أدري من، من مثلهم؟!
*إن استنكروا قتل المستأمنين قلتم لماذا وإن سكتوا قلتم لماذا؟
** لا لا، هم يقصدون بالمستأمنين تقريباً بعض الأجانب الذين لقوا حتفهم في بعض المواجهات في شبوة وأبين وبعض المناطق من جنسيات غير يمنية، دخل اليمن مثلاً للدارسة أو للعمل ثم بعد ذلك يذهب إلى معسكر ويصنع لي أحزمة ناسفة، فهذا ليس مستأمناً.
*لكن هم يتحدثون عن المستأمنين ويقصدون السياح الأجانب مثلاً وما أشبه..؟
** لا لا، هم يتحدثون عن هؤلاء الذين قلتُ لك، ومع الأسف الشديد أيضاً هم أخرجوهم من دين الإسلام بطريقة غير مباشرة، لأن المستأمنين في الفقه الإسلامي هم غير المسلمين، ومع ذلك هم قالوا قتل الأبرياء والمستأمنين في إشارة إلى العمليات العسكرية الاستباقية أو المواجهات المباشرة التي جرت بين الأجهزة الأمنية وعناصر القاعدة، ما دخل المستأمنين بعناصر القاعدة؟ لماذا تأتي بالمستأمنين مع عناصر القاعدة وأنت تتحدث عن عمليات محددة عن القصف لمعسكرات القاعدة في أبين وشبوة والمواجهات في أرحب والمداهمات في مناطق أخرى، فلماذا تقحم المستأمنين في هذه المواجهات؟
*لنتجاوز مسألة بيان العلماء، ولكن لماذا تستقوون بالصحافة الرسمية ضد مخالفيكم، أنت كتبت سلسلة حلقات في 26 سبتمبر وصلت أكثر من 24 حلقة، لماذا الاستقواء بالصحف الرسمية لمهاجمة هؤلاء الفقهاء مثل الشيخ المهدي والشيخ الريمي واتهام الآخرين بما لا يعتقدون أصلاً؟
** أنا لا أهاجمهم ولكن من حقي أن أعترض على الريمي عندما يقول أن التكفير موقف شرعي، وأنا شخصياً لا أعتبر التكفير موقفاً شرعياً، هذه قناعتي، والذي يعلم ما في الصدور هو الله سبحانه وتعالى، هذا جانب، جانب آخر، بالنسبة للأخ محمد المهدي فقد قال بصريح العبارة ووصف المواجهات التي تدور بين القاعدة وقوات الدولة بأنها حرب يشنها العرب والعجم على أهل السنة والقاعدة، وأنا أحترم المهدي لأنه كان أكثر وضوحاً وصدقاً وشجاعة من 150 الذين وقعوا على ذلك البيان، وقال بصريح العبارة بأن هناك من يحاول القضاء على القاعدة تلبية لرغبة أوروبا وأميركا، وقال أن هذه الحرب تستهدف اجتثاث القاعدة وحزبها حتى ولو كانوا قاعدين في كهوفهم ومنازلهم، إذن كان الرجل واضحاً جداً في إدانته للحملات التي قامت بها قواتنا المسلحة والأمن ضد أوكار القاعدة في بعض المحافظات، وأحترمه لوضوحه، ولكن من حقي أن أختلف معه وأسجل موقفي ضد هذه الآراء التي ستنشر في الصحف ويقرأها الرأي العام، الذي من حقه أن يطلع على رأيي أيضاً، وهذا ليس تبرماً وليس انزعاجاً، ولكن بقدر ما أعطيه الحق في إطار الديمقراطية أن يعبر عن مثل هذه الآراء فإن لي الحق في مخالفته الرأي.
*ولكن هناك تفسير غير صحيح لكلام الشيخ المهدي في محاولة للربط بينه وبين القاعدة؟
** كلام واضح ولا يحتاج إلى جهد في التفسير، وهو تكلم بلغة عربية واضحة وأنا والحمدلله لدي قدر من المعرفة بقواعد اللغة العربية، وساعدني الأخ المهدي على أن أصل إلى فكرته الواضحة والمبسطة، وطرحه أكثر وضوحاً وبساطة من بيان الـ150.
*أنت في حوار أجريته معك قبل أكثر من عام اتهمتم فيه السلفيين أو الإسلاميين بشكل عام بأنهم من يصنعون فقه الاستبداد وفق نظرية طاعة ولي الأمر؟
** أنا لم أتهم الإسلاميين بشكل عام، ولكن السلفيين نعم..
*مقاطعاً.. فكيف تتهمونهم الآن بأنهم ضد الدولة أو تحاولون الربط بينهم وبين القاعدة، هذا تناقض؟
** كيف؟!.. هم قالوا هذا الكلام يا عزيزي، أنا لم أقل هذا الكلام، هو قال أنه لم ير في حياته العرب والعجم أجمعوا على حرب أهل السنة والقاعدة، حتى ولو كانوا في كهوفهم قاعدين، هذا كلامهم وليس كلامي، وهو الذي اختار هذا الموقف ثم هو في مقابلة سابقة مع جريدة الأهالي أشاد بطالبان واعتبر كل من يشوه طالبان يشوه الإسلام، هذا رأيه وأنا أحترم رأيه.
*الشيخ المهدي يقول في أول فقرة من الفتوى "علماء أهل السنة والجماعة لا يوافقون على منهج قتل الأبرياء وتدمير المصالح وخطف المستأمنين حتى من اليهود والصليبيين وغيرهم، والخروج بالسلاح على الأمة، ومن باب أولى تحريم قتل المسلمين".. لماذا تصرون على إلصاق التهمة به بأنه يدافع عن تنظيم القاعدة؟
** قال هذا الكلام ثم قال كلاماً آخر، وأنا أترك هذا الكلام وآخذ ما يعنيني وأنا الآن في مواجهة مع القاعدة وما يهمني هذا.
*إذن هناك خلافات بينكم وبين المهدي، وتريدون الآن أن تلصقوا به تهمة الإرهاب؟
** أنا لا أريد اللعب على أكثر من ورقة ولا أريد أن يتلون الإنسان في فتوى أو في مقال بأكثر من موقف، كن واضحاً يا عزيزي، هو يقول كذا ويقول كذا، وهذا كلام غير مقبول، أنا الآن في هذه اللحظة أخوض مواجهة مع القاعدة وهذا خطر يهدد استقرار اليمن ويهدد سيادة اليمن، ويهدد النظام السياسي في اليمن الديمقراطي التعددي، وهم لا يؤمنون بالديمقراطية.. طيب يا عزيزي أنا أريد منك موقف من هذه القضية.
*الموقف أعلنه الشيخ المهدي، وهو أنه لا يجوز الخروج عن الدولة بالسلاح مهما كان؟
** حكاية أن العرب والعجم أجمعوا على حرب أهل السنة والقاعدة حتى ولو كانوا في كهوفهم وفي منازلهم قاعدين ماذا يعني؟!.. هذا اللعب بالألفاظ وهذا اللعب بالمواقف غير مقبول على الإطلاق، وهو الآن سياسي أكثر مما هو رجل ديني.. وأنا أرجوك أنك تضعه معي كسياسي، لأنه هو الآن سياسي حتى في فتواه، موقف هنا وموقف هنا، رِجل هنا ورِجل هنا.. يعني يمارس السياسة بامتياز حتى في فتواه..
يا عزيزي محمد المهدي، اخلع عمامتك وتعال معي ولنعمل معاً عملاً سياسياً، ونختلف.. أنا أحترم أي واحد يختلف معي ويقول أنا أختلف معك سياسياً، لكن لا يغلف خلافه السياسي معي بغلاف ديني، لأن الدين للجميع، وكلنا مسلمون، والدين لله والوطن للجميع، والإسلام موجود في بيوتنا ولا توجد أصلاً في مجتمعنا مشكلة مع الإسلام، الحمدلله كلنا في اليمن لا توجد لدينا مشكلة مع الإسلام.. فلماذا يقحمون الإسلام في معاركهم السياسية معنا؟، ويقحمون الإسلام في أجندتهم السياسية؟، نحن مسلمون، ولذلك نحن نغار على ديننا ولا نسمح لهم بأن يخطفوا منا هذا الدين ويتاجروا باسم هذا الدين.
*هؤلاء أهل تخصص في علوم الشريعة؟
** هل هي سباكة يا عزيزي أو تجارة، تقول لي أهل تخصص هذا دين.. الله سبحانه وتع إلى أمرنا بأن نقرأ، "إقرأ وربك الأكرم"، وهذا الدين لنا كلنا ويجب أن نعرف أمور ديننا وكل مسلم يجب عليه أن يعرف علوم دينه، ليست سباكة أو تجارة.. وأن تقول لي أهل تخصص هذا ليس كلاماً يا أخي.
*ألا تتفق معي أن هناك تفاوت في العلوم؟
** مقاطعاً.. أنت الآن تقول بأن الدين حرفة مثله مثل التجارة والسباكة، وأنا ليس تخصصي التجارة أو السباكة، لكن هذا الدين ديني ويجب علي أن أعرف ديني.. والله تع إلى ميزني عن الحيوان بأن منحني نعمة العقل، والعقل هو مناط التكليف، وأنا يوجد لدي عقل، ولا أريد لأي شخص آخر أن يفكر فيما يتعلق بالعبادات وموقفي من ديني وموقفي من الله وموقفي من متطلبات الانتماء إلى دين الإسلام بعقل غير عقلي، هذا عقلي أنا وأنا حر، والله سبحانه وتع إلى هو الذي سيحكم بيننا فيما كنا نختلف يوم القيامة.
*ولكن لمزيد من التوضيح هؤلاء يقولون بأنهم فرغوا أنفسهم لتعلم علوم الدين..
** هم فرغوا أنفسهم للسياسة ولتعلم دهاليز السياسة، وهم سياسيون بامتياز.
*لنعد إلى مسألة الإرهاب والتطرف الذي تريد إلصاقه بالمهدي والريمي..
** أنا أرجوك.. أنا لا ألصق الإرهاب.. أنا قلت بأن لديهم مواقف متماهية مع الإرهاب، وهناك فرق بين أن تقول بأنهم إرهابيون وبين أن أقول بأن لديهم مواقف متماهية مع الإرهاب.
*ليس كل السلفيين إرهابيين ولكن كل الإرهابيين سلفيون، كما قلت في إحدى مقالاتك، أليس كذلك؟
** نعم كل الإرهابيين سلفيون هذه قناعتي أنا، وليس كل السلفيين إرهابيين.
*إذن المهدي والريمي ليسوا إرهابيين في نظرك؟
** ولكن في بعض مواقفهم وتصريحاتهم يتماهون مع الإرهاب، ويتماهون مع التكفير وخاصة الريمي، أنا أحترم الشيخ محمد المهدي الذي لا ينزع كثيراً نحو التكفير.
*طيب، هؤلاء هم يرفضون علناً، وينتقدون تنظيم "القاعدة" والجماعات الخارجة على الدولة بالسلاح.. ما الوسيلة لإقناعكم بأن هؤلاء لا يتفقون أصلاً مع "القاعدة"؟
** أنا أريد المهدي أولاً يقنعني كيف أن العرب والعجم ونحن الجمهورية اليمنية جزء من العرب أجمعنا على حرب القاعدة وأهل السنة، ولماذا يربط القاعدة بأهل السنة.. ولماذا يربط ما يقوم به الجيش اليمني وهو جزء من الحكومة اليمنية وهي جزء من الأمة العربية.. لماذا يربطها بأنها مخطط أميركي أوروبي لاستئصال القاعدة وضربها حتى وهم في أوكارهم ومنازلهم.. أريد أن يقنعني هو يمارس سياسة ونحن جزء من العرب وقال "أجمعوا"، وهذا اللعب لا يليق بمقام رجال الدين لأن السياسة أحياناً تفقدك وقار رجل الدين، ومصداقية رجل الدين، وحكمة رجل الدين، فالسياسة فيها دهاليز وأساليب ملتوية.
*هم يعتقدون بأن السياسة جزء من الدين ولا فرق؟
** أنا أعترض على هذا، الدين أنبل من السياسة.
*طيب، هم يقولون سياسة الدنيا بالدين؟
** هذا أختلف معه، لأن في تاريخ المسلمين قتلاً ومؤامرات وغدراً، وأشياء لا تسر بسبب هذا أنا أنزه الدين عن السياسة وعن الصراعات السياسية من أجل السلطة والثروة، وكل صراعات المسلمين عبر التاريخ كانت من أجل السلطة والثروة وكل جناح عمل له مذهباً وعمل له مخرجات فقهية ويتكلم باسم الدين.
*أنت تتكلم عن سياسة أخرى غير التي يقصدونها هم.. هم يقولون السياسة الشرعية؟
** هذا الكلام لا يضحكون علينا فيه، هناك علوم سياسية أما هذه السياسة الشرعية ما هي؟، هذا كلام فضفاض، ما الذي أنتجناه في ميزان السياسة الشرعية، ولو كنا أنتجنا شيئاً ما دخلنا نفق الاستبداد والتخلف وأهملنا الشورى.
*بالعودة إلى الخلاف مع الشيخ المهدي، أنت انتقدته لدفاعه عن حكومة طالبان أفغانستان، لماذا الشيخ المهدي؟
** مقاطعاً.. أنا انتقدته لموقفه من طالبان وموقفه من الحرب المفتوحة التي تقوم بها قواتنا المسلحة مع أوكار القاعدة، وهذا من حقي كمواطن يمني وليس كسياسي.
*لكن لماذا التحامل على الشيخ المهدي بينما هناك كتاب ومثقفون غربيون أشادوا بتجربة طالبان في الحكم أو على الأقل ببعض الجوانب؟
** لم يشد بها إلا مجنون، كيف يشيدون بها؟
*مقاطعاً.. البي بي سي أنتجت فيلماً اسمه "عرين طالبان"؟
** يا عزيزي هذه كذبة كبرى..
*مقاطعاً.. أنا أعطيك أمثلة..
**مقاطعاً.. أنت تتكلم مع شخص سياسي ومتخصص في شؤون طالبان والحركات الإسلامية، وأنا أعرف بالأرقام حصاد نظام طالبان وأعرف رأي الكثير من مراكز البحوث والسياسيين وقادة دول العالم حول طالبان، أرجوك لا تقل لي هذا الكلام.
*هل شاهدت فيلم "عرين طالبان" أو قرأت لروبرت فيسك أي إشادة بجانب من تجربة طالبان مثلاً؟
** يا أخي أرجوك، لا تقل لي جانب إشادة، هل أنت تأتي الآن تضحك علي؟، هذا الكلام قُلْهُ لشخص غيري، أنا لدي كتب باللغتين العربية والإنجليزية، ولم أجد كتاباً واحداً يمتدح حركة طالبان.
*هذا مراسل بي بي سي في أفغانستان يقول أنه كان في عهد طالبان يشعر بالأمان أفضل....؟
** مقاطعاً.. في عهد الطاغية استانلين كان هناك أمان.. ليست القصة قصة أمان، كان هناك رعب وخوف وجوع وجهل وإذلال للنساء ومصادرة للحريات وحقوق الإنسان، وتجاوز لقيم العصر، وعدم اعتراف بالمواثيق الدولية.. حرام عليك تقول لي كان يوجد أمان في عهد طالبان، كان هناك سبعة ملايين نازح.
*والآن ما الذي يحصل في أفغانستان؟
** أنا لا أدافع عن النظام الحالي، أرجوك، أنا لا أمثل النظام القائم بأفغانستان.
*أنت في إحدى مقالاتك في سياق حديثك عن مساوئ حكومة طالبان ذكرت منها التعميم الذي يقول:"إذا ضبط أي مدمن للمخدرات فإنه سوف يودع السجن، وسوف يتم التحري عن الجهة التي حصلوا منها على تلك المخدرات، وسيعاقب البائع ويغلق متجره"، هل هذا يزعلك؟
** هذا الشيء الوحيد الإيجابي، ولكن مع ذلك فإن طالبان اشتغلوا بتجارة المخدرات، هم في البداية منعوا تجارة المخدرات لكن بعد ذلك ازدهرت زراعة المخدرات بعد أن تم محاصرة طالبان، وصدرت فتاوى تبيح زراعة المخدرات للخروج من الأزمة الاقتصادية بعد ذلك اعتمدت على تجارة المخدرات.. لكن أنا عندما أوردت المراسيم السبعة عشر لطالبان أوردت من ضمنها هذا المرسوم لكي أكون صادقاً مع نفسي ومع القارئ، ولم أشطب شيئاً وهذه نقطة في صالحي على أية حال.
*لكن لماذا تنتفضون على طالبان لأنها نفذت حكم القصاص أو جلدت امرأة بالزنا، بينما لا تحركون ساكناً على قتل أبرياء بالعشرات أطفال ونساء يومياً بطائرات أميركية بدون طيار في وزيرستان وأفغانستان؟
**أنا أتكلم عن عهد طالبان، ولا أتكلم عن الاحتلال الأميركي لأفغانستان، هذا موضوع آخر..
*لماذا لا تستنكر انتهاكات الاحتلال الأميركي؟
** أنا أدين الاحتلال الأميركي لأفغانستان والعراق وموقفي واضح، وأرجوك أن لا تخلط بين هذا وذاك.. لدي ألف ملاحظة وملاحظة على الوضع الحالي في العراق أو أفغانستان وهو من صنع الاحتلال الأميركي.
*أنتم في وسائل الإعلام الرسمية أثرتم حتى استغراب المعارضة بانتقادكم لبيان العلماء في الوقت الذي كانت المعارضة تعتقد بأن هذا البيان هو من صناعة السلطة؟
** هذا شأنهم.
*هناك من يتحدث بأن تنظيم القاعدة هو صناعة أميركية بامتياز، ما رأيك بهذا الطرح؟
** في جزء من هذا الطرح صحيح.
*ما هو هذا الجزء؟
** في البداية كان التطرف مشروعاً أميركياً وبتمويل أميركي.
*ولماذا تحول؟
** لأن السحر انقلب على الساحر، وأنا في مقالي الحلقة (26) الخميس الماضي أشرت إلى دور الغرب وأميركا في صناعة وتمويل الإرهاب.
*هناك من يقول أن السلطة وتنظيم القاعدة في اليمن وجهان لعملة، أو يشكك على الأقل في جدية السلطة في الحرب على القاعدة، لا بل البعض يذهب إلى القول بأن القاعدة خرجت من دار الرئاسة.. ما رأيك بهذا الطرح أيضاً؟
** عندما قرأت مقابلة أمير القاعدة بعد توحيد جناحي التنظيم في السعودية واليمن والتي نشرتها جريدة (الناس) كفّر الرئيس علي عبدالله صالح وكفّر النظام، وقال كلاماً يجعل أي إنسان عاقل يتردد في أن يصدق مثل هذا الكلام، ثم إن الحرب المفتوحة بين اليمن وبين القاعدة تنفي هذه الأطروحة، ثم الأكثر من ذلك أن بن لادن قبل ست سنوات وتحديداً في عام 2004 وبصوته ظهر في قناة الجزيرة واعتبر الحكومة اليمنية حكومة كافرة وموالية لفسطاط الكفر، وقالها بعظمة لسانه، وهذا شأنه، ولذلك أعتقد أن مثل هذه الأطروحات تحتاج إلى تمحيص، ولعلها جزء من المكايدة السياسية والحزبية التي تلجأ إليها بعض أحزاب المعارضة في اليمن في صراعها مع الحزب الحاكم.
*من خلال بعض مقالاتك وجدتُ فيها حشداً هائلاً لتصريحات وأقوال الرئيس حول الإرهاب، وكأنك تريد أن تستدل منها على أنه ضد الفكر الذي يعتنقه الشيخ محمد المهدي؟
** لا لا، أنا أريد أن أقول أن الإرهاب لم يخرج من دار الرئاسة، وهذه المواقف التي أوردتها للرئيس علي عبدالله صالح منذ عام 1999 ومن ضمنها تصريحه الصحفي بالقصر الجمهوري بصنعاء انتقد فيه الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا بسبب إيوائها الشيخ عمر عبد الرحمن وأبو حمزة المصري، واتهم هذين الشيخين بأن لهما صلة بأحداث إرهابية حصلت منذ عام 92 في اليمن وطالب أميركا وبريطانيا بضرورة التخلص من هذه الازدواجية في المعايير، فهي تتكلم ضد القاعدة والإرهاب وتطالب دول العالم بمحاربة الإرهاب بينما تؤوي شيوخ الإرهاب، وأعجبني في هذا المؤتمر الصحفي ما قاله الرئيس بأنهم سيكتوون بنار الإرهاب إذا استمروا في هذا الموقف المزدوج، وفعلاً حصل بعدها بسنتين أحداث واشنطن ونيويورك وحدثت تفجيرات أنفاق لندن وتفجيرات لشبونة وبرشلونة وتفجيرات في فرنسا، واكتوت أوروبا بنار الإرهاب لأنها لم تكن واضحة وجادة في محاربته.. الحقيقة أن هذا الحشد الهائل كما وصفته أنت من أقوال الرئيس التي استشهدت بها كان الهدف منها ليس البحث عن أوجه تناقض بينه وبين المهدي أو الريمي أو هذه الجماعة أو تلك، وإنما كنت أريد أن أرد على هؤلاء الذين يقولون أن الإرهاب يخرج من دار الرئاسة، بينما العكس هو الصحيح، السياسة المناهضة للإرهاب هي التي تخرج من دار الرئاسة.
*بالمناسبة أنت تحدثت عن الشيخ الريمي، وانتقدت تصريحات له في حوار مع صحيفة "الغد"، بالمناسبة عناصر القاعدة شنوا هجوماً على الريمي بسبب ذلك الحوار الذي انتقدته أنت، فكيف تربط بينه وبين القاعدة؟
** لأن الريمي يضع إحدى رجليه مع القاعدة والأخرى خارج القاعدة، والقاعدة لا تريد ذلك وإنما تريدك برجليك معها.
*أنت تتحدث دائماً عن التطرف وتربطه بالإرهاب، لا يوجد حتى الآن تعريف واضح للإرهاب، ما هو هذا الإرهاب، ما هو التطرف؟
** الإرهاب معرّف دولياً، أنا ضد من يقول أنه لا يوجد تعريف للإرهاب، الإرهاب معرّف دولياً منذ عام 66، فهناك مجموعة اتفاقيات وقرارات اتخذتها الأمم المتحدة بشكل تراكمي وتسلسلي بدأت بمكافحة القرصنة وخطف البواخر والطائرات.. وأحب أقول لك بالنسبة للذين يقولون أنه يجب التمييز بين الإرهاب ومقاومة الاحتلال، يوجد تمييز من الأمم المتحدة عام 66 تقول بقرار أن تصفية الاستعمار ليست من أعمال الإرهاب، وعلى ضوء هذا القرار شكلت لجنة لتصفية الاستعمار فيما كانت الدوائر الاستعمارية تتهم دائماً حركات التحرر بأنها تقوم بأعمال إرهابية، كانت الجبهة القومية وجبهة التحرير وجيش التحرير الفيتنامي تعتبر منظمات إرهابية بحسب الخطاب السياسي لدوائر الاستعمار، لكن الأمم المتحدة عملت حداً لهذه القضية عندما عرفت النضال ضد الاستعمار بأنه ليس عملاً إرهابياً.
*ولكن هل تتفق مع الطرح الذي يقول أن مصطلح الإرهاب الآن صار مجرد عصا بيد الولايات المتحدة الأميركية تلوح به ضد كل من يقف ضد مطامعها الاستعمارية؟
** ريما يكون هذا صحيحاً.
*تتهمون بأنكم تريدون إسلاماً على الطريقة الطنطاوية، يخلع الحجاب، ويفتي بجواز إقامة جدار فصل ضد الفلسطينيين، و... و... إلخ...؟
** ولماذا لا نريد إسلاماً على طريقة أردوغان..
*ما رأيك بمسألة الجهاد، هل تؤمن بشيء اسمه الجهاد في الإسلام؟
** أنا أعتقد أنه حتى الأب عندما يكافح ضد الفقر لإعالة أسرته وتعليم أولاده فهو يجاهد.
*أنتم تريدونه بهذا المفهوم المحدود فقط؟
** نعم نعم، أما أن أحمل السيف وأعتدي على بلداناً وأغزو بلدان وأتجاوز الحدود فهذا يعيدنا إلى معاهدة (وستفاليا) عام 1648 بعدما ظهرت الرأسمالية وأصبحت هناك حاجة إلى نمط جديد من العلاقات بين الدول أقرت الاعتراف بالحدود القائمة بين الدول بعد أن سقطت الدول الأمبراطورية وأقرت مبدأ السيادة وكان هذا أول نواة للقانون الدولي الحديث، وعندما وقعت جميع دول العالم على هذه المعاهدة تأخرت الدولة العثمانية لأن الفقهاء حينها أصدروا فتوى يقولون أن التوقيع على هذه المعاهدة يبطل فريضة الجهاد والغزو، لكن السلطان العثماني اضطر للتوقيع لأنه خاضع حينها لمعايير وقيم عصرية جديدة.. قبل هذه الاتفاقية كان مفهوم الجهاد أنه بإمكان غزو أي بلاد أخرى، وكانت حينها إمبراطوريات عابرة للحدود.
*إذن وكأنك الآن تلغي الآيات القرآنية التي تتحدث عن الجهاد؟
** لا لا ولكن أؤولها.. هل تريد مني أن أحمل السيف والبنادق وأغزو الدول الأخرى؟
*هناك نوعان من الجهاد، جهاد طلب وجهاد يسمى جهاد الدفع؟
** هذا اسمه دفاع عن النفس أو المقاومة المشروعة ضد الاحتلال.. وإذا كنت تفهم الجهاد على أنه غزو إذن فمن حق الآخر أن يقاومنا أيضاً، ولذلك يجب إعادة تعريف بعض المصطلحات، وليس شطبها.
*إذن نسميه دفاعاً عن النفس وليس جهاداً؟
** تمام سميه جهاداً، ولكن إذا كان الجهاد هو كما قال الشيخ عبدالله صعتر أو أيمن الظواهري لا يجوز أن يبقى شبر على وجه الأرض لا يحكمه الإسلام، ولا يجوز أن يبقى إنسان على وجه الأرض لا يدين بالإسلام، وأن الله قال لرسوله ولأتباعه "وقاتلوهم"، إذا أردت أن تفهمه بهذا المعنى فأنت حر ولكن أنا أقول لك إن هذا انتحار وسيعرض بلداننا وسيادتها للانتهاك والخراب، مع أن الله قد قال لرسوله (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين).. هناك في القرآن الكريم (إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون)، كلنا من مؤمنين ويهود ونصارى وحتى صابئين المقياس عند الله هو العمل الصالح، فلا خوف على من يعمل عملاً صالحاً بشرط أن يؤمن بالله واليوم الآخر، لأنه بذلك سيخاف الله في الدنيا وسيحرص على أن يكون العمل صالحاً.. فكيف ألغي عقلي وألغي هذه الآية وأقول أجاهد الناس حتى يكونوا مؤمنين.. هذه قضايا تحتاج إلى نقاش وحوار.
*نعم للحوار والنقاش، ولكن دعني أسألك سؤالاً أخيراً: عندما يكتب فيصل الصوفي يسأل الشيخ المهدي "من الذي وسع مؤخرة العسيري"، هل تعتقد بأن هذا أسلوب حوار يرتقي إلى مستوى النخبة؟
** لا لا، هو المهدي قال أن "العلمانيين وسعوا الحرب ضد كل فضيلة"، وأنا بالمناسبة أتحفظ على تعبير "علمانيين" لأن العلماني لا يوجد إلا في دولة علمانية، فالعلمانية هي صفة للدولة ومن يقبل بقواعد العيش والعمل في الدولة العلمانية فهو بالضرورة علماني، فحزب العدالة والتنمية في تركيا حزب علماني لأنه يعترف بالعلمانية ويعمل وفق قواعدها، فهو حزب علماني حتى وإن كانت هويته إسلامية، وبالتالي لا يوجد علمانيون في اليمن لسبب بسيط هو أنه لا توجد دولة علمانية، وبالتالي هذا التعبير غير دقيق من الناحية العلمية، فالمهدي قال "إن العلمانيين في اليمن وسعوا الحرب على كل فضيلة" فهو ردّ عليه، وقال "من وسع مؤخرة العسيري" الذي أدخلوا في دبره أكثر من 500 جرام متفجرات، وهو من باب المقاربة، صحيح أن المهدي كان أكثر تأدباً، لكن دلالة ومعاني التعبير الذي أورده تدل على جوانب أخلاقية وعلى أنهم ينشرون الفسوق والانحلال ويبيحون المحرم، وهو رد عليه، وعموماً هذا شأن الصوفي، ولكن أنا أحاول أن أفهم دوافع الصوفي إلى استخدام هذا التعبير.