يعود اسم العم سام إلى القرن التاسع عشر إلى حرب سنة 1812 تحديدا. الاسم مأخوذ من اسم جزار محلي أميركي يدعى صموئيل ويلسون Samuel Wilson. كان هذا الجزار يزود القوات الأميركية المتواجدة بقاعدة عسكرية بمدينة تروي الواقعة
بولاية نيويورك، بلحم البقر، وكان يطبع براميل هذا اللحم بحرفي U.S. (أي الولايات المتحدة) إشارة إلى أنها ملك الدولة. فأطلقوا لقب العم سام على التاجر. فحرف U للرمز إلى Uncle اي العم و S إلى Sam أي سام..
تم عمل أول صورة لعم سام سنة 1852. يأخذ العم سام شكل رجل ذو شعر طويل
أصابه الشيب، وسترة زرقاء، وبنطال مخطط، وقبعة عالية ذات نجوم مخططة
عموديا بالأبيض والأحمر.
مقدمة :
ربما غفلنا أو تغافلنا عن مسلمات وحقائق قررها الله عز وجل عن علاقات المسلمين بغيرهم ممن يخالفونهم في العقيدة والدين ، ومن فإن ثمن تلك الغفلة يكون فادحاً، حيث يصيرون باستمرار ألعوبة في أيدي الأعداء بل وهم وقود تلك اللعبة القذرة التي لا يتورع الأعداء بارتكاب أي شيء فيها متجاوزين كل القيم والأخلاق والأعراف الدينية وحتى الإنسانية من أجل تحقيق مآربهم ولندفع نحن الثمن من دمائنا وأعراضنا ومعتقداتنا بل وربما خسرنا كل شيء واسمع قوله تع إلى وهو يقرر هذه الحقيقة : {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء: 89] وقال: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة: 217>وقال: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ} [البقرة: 105] وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إن تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ} [آل عمران: 149] وقال: {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّنْ بَعْدِ إيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} [البقرة: 109] وقال: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: 120].
وعليه في ضوء هذه الآيات يتبين أنهم لا ولن يرضيهم أن يكون حال المسلمين على هدى أو غنى أو أمن أو استقرار أو صلاح أو فلاح وإن تظاهروا بذلك ؛ ولهذا تكاثرت الآيات أيضاً في الوصية بقطع الولاية عنهم، وعدم إحسان الظن بهم، فضلاً عن اتخاذهم بطانة أو مستشارين أو مؤتمَنين على مصالح المسلمين؛ لأنّهم كما قال الله تع إلى : {كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا} [النساء: 101].
لقد فسَّرَت أحداث وتفاعلات العقود الأخيرة لأجيالنا، الكثير من تلك الآيات عملياً، وأسفرت عن حقائق تلك المواقف تطبيقياً؛ ففي كل مرة يُحسن قطاعٌ من الأمة أو من المحسوبين عليها الظنَّ بغير المسلمين، فإنهم يُطعَنون منهم في الخلف، ثم يُساؤون في الوجه، بعد أن يُستخدموا أداة في إضعاف وإتلاف وحدة الأمة وقوتها. حدث ذلك مراراً خلال التاريخ الإسلامي. وفي العصور الأخيرة برز من ذلك ما حدث لأشهر حكام مصر في العصر الحديث : (محمد علي باشا) عندما أحسن الظنَّ بالأوروبيين، وسار في ركابهم، فركِبوه لضرب قوة المسلمين الأولى في ذلك الوقت ممثلة في الدولة العثمانية، فلما استنفدوا منه أغراضهم ونفّذوا أهدافهم، انقلبوا عليه، حتى لا يبرز قوةً بديلة ناهضة تسعى للقوة والتحديث، فاجتمعت عليه قوى أوروبا الاستعمارية، فمزقت قوته، وشتتت دولته، ودمّرت أسطوله في عُرْض البحر في معركة نفارين عام (1243ه / 1827م).
لقد استُخدمت فيما بعدُ الكثير من الأنظمة في العالم الإسلامي، لضرب عوامل القوة في الأمة من الداخل، وقد كان أغلب ذلك لا يحتاج إلى كثير خداع أو قناع، بل كان هؤلاء يقودون المعركة ضد الإسلام ذاته تحت مسمَّيات مختلفة: التصدي للرجعية، مواجهة التطرف، مكافحة الأصولية...، وأخيراً الحرب ضد الإرهاب!!
وكان المثال الأوضح في القرن الماضي استعمال زعماء الثورة المصرية عام 1952م في محاربة محاولات النهضة الإسلامية، لا في مصر وحدها، بل في البلدان حولها، حتى عُدّت تلك التجربة أنموذجاً مفضلاً ومرشحاً للتصدير إلى كل بلد يحاول الإسلاميون فيه النهوض بالدعوة الإسلامية، ولكن اللافت أن معظم الزعماء الذين استُعمِلوا في ضرب الإسلام في مصر أو غيرها، تخلى عنهم أولياؤهم، ولم يسمحوا لهم حتى بأن يموتوا أبطالاً في نظر شعوبهم؛ بل منهم من مات مهزوماً على يد أعدائه، ومنهم من اغتيل مُهْدَرَ الدم على يد شعبه، ومنهم من مات كمداً بسبب تآمر أصدقائه الذين ظهر له أنهم ألدُّ أعدائه!
وفي العقود والسنوات الأخيرة تكررت تجارب أكبر وأخطر، انتقلت من المستويات المحلية والإقليمية إلى المستويات المؤثرة على المعادلات الدولية.
- باكستان وأفغانستان وكسر القطب الثاني:
لمّا عزمت الولايات المتحدة أو (العم سام)(1) على إخضاع نِدِّها الأخطر، ومنافسها الأكبر في الاستقطاب الدولي؛ وهو الاتحاد السوفييتي الشيوعي، كانت أرض أفغانستان المسلمة ساحةً للحرب بالنيابة بينها وبين ذلك الاتحاد؛ لضربه هناك بأيدي المسلمين وأرواحهم وأموالهم. وقد استطاعت أمريكا أن تجيِّش غالبية العالم الإسلامي بحكوماته وشعوبه وجماعاته الإسلامية وعلمائه ومفكريه وحتى مجاهديه ضد الاتحاد السوفييتي؛ لأنه (احتل) أفغانستان، مع أن هذا الاتحاد ظل قائماً على أنقاض العديد من الجمهوريات الإسلامية (المحتلة) في آسيا الوسطى.
لقد كان احتلال أفغانستان بالفعل جريمة، أراد بها الروس أن يسبقوا الأمريكيين إلى الاستيلاء على منابع النفط حول المياه الدافئة في إيران والعراق ومنطقة الخليج؛ لكن العرب والمسلمين الذين استجابوا لدعوة التصدي لاحتلال أفغانستان، لم يستطيعوا أو لم يرغبوا أن يقفوا الموقف نفسه ضد احتلال فلسطين الذي سبق احتلال أفغانستان بنحو ثلاثين عاماً، ولم يستطيعوا أن يتكتلوا في مواجهة احتلال لبنان، الذي اجتيحت عاصمته بيروت في ذروة الانغماس في حرب أفغانستان!
لا شكَّ أنَّ العالم الإسلامي كان محقاً في الوقوف إلى جانب الشعب الأفغاني في ذلك الوقت، ولكن البُعد الغائب في تلك القضية آنذاك هو التفريق الحاصل بين الاحتلال المتوافق مع مصالح (الصديق) الأمريكي والاحتلال المتعارض مع مصالح ذلك الصديق، تماماً كما حدث عند احتلال الشيشان من قِبَل الروس أنفسهم، وكما حدث من قبل حين اعتُبِر احتلال العراق للكويت أمراً يحتاج إلى تجييش العالم الإسلامي ضده، بينما أصبح احتلال أمريكا للعراق ذاته أمراً يحتاج إلى حشد العالم الإسلامي معها!
المقصود من إيراد مَثَل الحرب في أفغانستان هو: أن الولايات المتحدة استخدمتنا نحن المسلمين في ضرب عدوها اللدود في ذلك الوقت الاتحاد السوفييتي وأوهمت العرب والمسلمين بأن القضية هي قضيتهم فقط وليست قضيتها، وذهب الأمريكيون في استخدامنا إلى حد دعم الفصائل المجاهدة في أفغانستان بالسلاح، وطَلبِ دعمها بالمال من الحكومات ومن ثمَّ الشعوب التي لها علاقات جيدة معها!
ثمَّ ماذا كان الأمر؟ لقد انقلب الأمريكيون على المجاهدين بعد أن استنفدوا أغراضهم منهم، وقلبوا عليهم حكوماتهم، حتى عُدّ (العائدون من أفغانستان) أشبه بمجرمي الحرب، وحتى أُضرمت الفتنة بين زعماء الفصائل الأفغانية إلى حدّ الاقتتال فيما بينهم على دخول العاصمة؛ لأنَّ الولاءات كانت قد تباعدت بسبب تحركات الاستخبارات العالمية بالفتن فيما بينهم.
وبالجملة: فقد كانت أفغانستان ومعها باكستان، ومن ورائهما بقية العالم الإسلامي، وسيلة أمريكية لضرب الاتحاد السوفييتي في مقتل. وهذا، وإن كان شرفاً قدرياً لأمة الإسلام في جعلها سبباً لكسر اتحاد الإلحاد؛ إلا أن اللافت أن ذلك كان ضمن أجندة أمريكية أكثر منها إسلامية؛ بدليل أن البديل المراد أمريكياً في أفغانستان لم يكن هو الإسلام.
مرة أخرى يتكرر اللعب بالإسلاميين، في صورة لا تظهر فيها مطلقاً أدوات اللعب؛ حيث أعطت أمريكا الضوء الأخضر لحكام باكستان أن يدعموا حركة طالبان، التي كانت محقة من طرفها في الخروج لإصلاح ما أفسدته الفصائل الجهادية المتنازعة، لكن الذي أُريد بطالبان هو أن تكون أداة لكسر ما تبقى من شوكة المجاهدين السابقين بعد أن انتصروا على الروس، ليبدوَ مشهد الإجهاز عليهم شأناً داخلياً وطبيعياً؛ لكن طالبان فهمت اللعبة مبكراً.
ثمَّ لمَّا جاء الدور عليها كانت الخطط قد أُعدّت بعد خمسة أعوام فقط من بدء نشاطها، وقبل هجمات سبتمبر 2001م بنحو عام؛ للإجهاز على أصحاب هذا الإنجاز؛ فبعد أن استُخدمت طالبان كعصا للتكسير، كُسِّرت بعد ذلك وقُلِبت عليها باكستان.
- ضرب القوميتين العربية والفارسية ببعضهما:
هذا مثال صارخ آخر ويعتبر من أخطر الأوراق التي يلعب فيها العم سام كونه يؤسس إلى صراع قومي وديني بنفس الوقت عربي سني وفارسي شيعي وقابل للاشتعال في أي لحظة؛ فقد تخلّت أمريكا عن نظام الشاه في إيران لمصلحة حركةٍ ناهضة على دعامتين من شأنهما أن يشيعا التوتر في بلاد العرب والمسلمين، وهما: النزعة الطائفية الشيعية، والنعرة القومية الفارسية، لتكون تلك العصبية المذهبية العنصرية مصادِمةً للنعرة الجاهلية الأخرى التي ارتفعت في بلاد العرب باسم (القومية العربية) والتي أثيرت من قبلُ لتقف في وجه القومية التركية (الطورانية).
وقد تغاضى الغرب عن استفحال شأن الحركة الشيعية الإيرانية، التي تحوّلت إلى ثورة بقيادة (الخميني) حتى تحولت الثورة إلى دولة، ولمّا تطلعت إلى التوسّع والانتشار على حساب مصالح أمريكا والغرب، بحث هؤلاء عن عصا لتأديب هذه الثورة التي بدأت تشب عن الطوق، وإيقافها عند حدها المرسوم، فلم يجد الأمريكان أنسب من النفخ في بوق القومية العربية لحماية البوابة الشرقية للعالم العربي من الخطر الإيراني الفارسي، وهُيئت الساحة في العراق لأنْ يكون الجيش العراقي أداة الكسر وعصا التحطيم لثورة الفرس في (قادسية) جديدة لم يكن الهدف منها إطفاء نار المجوس، بقدر ما كان لإشعال نار الفتنة بين الشيعة والسُّنّة، بعد أن خمدت تلك النار عقوداً طويلة.
وأُهِّل العراق عسكرياً، ودُعم مالياً ولوجستياً من غالبية الدول العربية السُّنّية، في تحالف يبدو في الظاهر (سنّياً أمريكياً) حتى استطاع ذلك التحالف أن يكسر كبرياء الفرس، ويُخضع أعناق الراغبين في تصدير الثورة بعد حرب الخليج الأولى التي استمرت زهاء ثماني سنوات.
ولمَّا بدا أن القومية العربية قد تلقّفت رايات النهوض من القومية الفارسية، دُبّرت المكيدة الأكيدة لقهر العراق الصاعد، وقبرِ تلك القومية العربية التي كان (صدام) قد تسلّم قيادتها، فكان غزو الكويت الذي تغاضت أمريكا عن خطته؛ تمهيداً لقضاء مبرم على القومية العربية وعلى قائدها المنتصر، وعلى ثمرة الانتصار على إيران الذي كلّف العرب مئات الآلاف من الأرواح، ومئات المليارات من الدولارات التي ذهبت إلى جيوب تجار السلاح في الغرب، والذين كانوا يمدّون الطرفين أثناء الحرب الطويلة بالسلاح والخبرة والمعلومات الاستخباراتية.
ثم أتى الدور على قوة (صدام) بعد أن استُخدمت عصا لكسر إيران، وحشدت أمريكا ضده جمهوراً غفيراً من العرب شعوباً وحكومات بعد أن كانوا معه ضد إيران، وأثمر هذا التجييش هزيمة مذهلة للعراقيين، بتدبير الأمريكيين وبأموال وأرواح المسلمين، وذلك في حرب الخليج الثانية عام 1991م، وكان واضحاً وقتها أن تلك الحرب لا تزال لها فصول باقية؛ لأن حكومة إيران هُزمت ولم تسقط، ولأن قوة (صدام) ضعفت ولم تمت، ولهذا جاءت حرب الخليج الثالثة في أحد مراميها لتعيد الصراع مرة أخرى بين السُّنّة والشيعة، أو بين العرب والفرس، وقد دُبّر ذلك بذكاء شيطاني مذهل من أبالسة الأمريكان؛ حيث أُغري المغفلون من شيعة العراق علمانيين ودينيين بركوب دبابة الغزو الأمريكي، لكي يشتعل الصراع داخلياً هذه المرة بين سُّنّة العراق وشيعته، ولكي تُفتح شهية الشيعة الإيرانيين للانتقام من صدام ومن كل من وقفوا معه في حرب الخليج الأولى، وجرى ما جرى من تسهيل الشيعة الإيرانيين والعراقيين للغزو الأمريكي المدعوم بتحالف غربي وعربي، لتستعر من جديد أجواء المواجهة الدامية بين السُّنّة والشيعة، وبين العرب والفرس، لا في العراق فحسب؛ بل في دول الجوار وما بعد الجوار.
- إعادة الكرَّات، وتكرار اللدغات والعم سام احترف اللعبة باتقان :
تتهيأ الآن فيما أرى أجواء أجزاءٍ من المنطقة للدخول في مواجهة جديدة بإغراء وتغرير أمريكي وغربي، لا يقل وضوحاً عن ذلك الذي حدث مع الأطراف المختلفة في حرب أفغانستان، أو في حروب الخليج الثلاثة السابقة، وقد بدأت السُّحب الداكنة للمواجهة القادمة تتلبد في سماء المنطقة، بعد الإعلان الغامض عن تكوين ما أسمته (كوندوليزا رايس) وزيرة الخارجية الأمريكية ب (تحالف الاعتدال) ودول الممانعة فيما يمكن أن يكون مقدمة لتجييش العالم الإسلامي مرة أخرى للحرب بالوكالة لمصلحة أمريكا، في مواجهة قد تبدو للشعوب حرباً ضرورية لقضايا مصيرية يقوم بها المعتدلون ضد المتطرفين الخارجين عن الشرعية الدولية ، وقد بدا هذا الانقسام والتصنيف جليا في مواقف العدوان على غزة العام الماضي بين دولة الإعتدال ودول الممانعة .
إنَّ أمريكا فيما تُظهر الشواهد ستلجأ إلى تسعير الخلاف الديني بين فِرق المسلمين، وسوف تجد من مسوِّغات الاختلاف بينهم دينياً ودنيوياً ما يمكن أن يُنسي المختلفين اختلافهم معها.
إنه لا أحد من العقلاء فضلاً عن أصحاب الدِّين يمكن أن يدافع عن الجرائم التي تُرتكب باسم التشيع المزعوم لآل البيت، ولا يمكن لأحد أن يسوِّغ الخيانات العظمى التي ارتُكبت، ولا تزال ترتكب ضد أمة الإسلام، بزعم محاربة الوهابية السُّنّية! ولكن: أيكون هذا هو علة الحرب التي تدبّر لها أمريكا الآن وهل هذه المواجهة لنصرة السُّنّة على البدعة حتى ينشأ تحالف (سُّنّي أمريكي)؟!
إن المطلوب هذه المرة فيما يبدو أن تُضرَب إيران لصالح الأمريكان بأرواح ومقدرات وأموال العرب السُّنّة، لتذهب تلك الأموال وتخلُص مرة أخرى إلى الخزائن الأمريكية ثمناً للسلاح المستخدم فيها، والذي ستتو إلى صفقاته بمئات المليارات لتعويض الاقتصاد الأمريكي عن تعثراته، ولتكونَ هذه الحرب وقوداً لثأر جنوني شيعي ضد دول الجوار السُّنّي، حتى يُنهِك الطرفان بعضهما بعضاً مثلما حدث في حرب الخليج الأولى (بين العراق وإيران ) ريثما تتهيأ الأجواء لانفراد أمريكا ربما في جولة لاحقة بإيران المنهكة والمعزولة بعد استعمالها في إضعاف العرب السُّنّة، واستعمال العرب السُّنّة في إضعافها! ولكي لا تقوم قائمة بعد ذلك لإيران الطامعة في منافسة الغرب في خيرات بلاد العرب، والطامحة إلى مزاحمة دولة اليهود (إسرائيل) في الزعامة الإقليمية في المنطقة ، ولعل بداية خيوط هذا السيناريو بدى يتكشف جليا في دخول السعودية على خط المواجهة مع الحوثيين المدعومين إيرانيا .
أقول: لو كان لنا نحن العرب والمسلمين السُّنّة قوة كافية وإرادة مستقلة لكان علينا، وفق حساباتنا المرسومة بحسب السياسة الشرعية، أن نتكتل ضد أي كيان ذي شوكة يقوم على البدع المغلظة التي تشوِّه دعوة الإسلام وتصد عن سبيل الله، في إيران أو غير إيران،
وإيران اليوم لا يجوز أن تكون لها هيمنة إقليمية تضر بدعوة الإسلام في أكثر أراضيه أهميةً وحساسيةً، ولو تمكنا نحن أهل السُّنّة من كف شرّها وإيقاف مدّها، دون أن يكون ذلك لحساب العدو الآخر الذي لا يقل خطورة عن الأمريكيين واليهود، ودون أن يكون ثمن إضعافها هو مزيداً من قوتهم ومزيداً من ضعفنا؛ فإن ذلك يكون من الواجبات التي لا يجوز تأخيرها.
لكن المقطوع به في ضوء حقائق الدين والواقع هو أن كفار أهل الكتاب يودّون لنا العَنَتَ، ولن يزيدونا إلا خبالاً إذا أطعناهم واتخذناهم خبراء أمناء، وأصدقاء أولياء في أيٍ من قضايانا المصيرية.
- السيناريو المتوقع:
من غير استبعاد نهائي لسيناريو (الصفقة) مع إيران ضد العرب، في حال عجز أمريكا عن خوض مواجهة نهائية وفاصلة معها في المرحلة الراهنة فإن أقرب السيناريوهات المتوقعة في ظني وبحسب سوابق أمريكا ونواياها الخبيثة بكل العرب والمسلمين، هو أن تقوم الولايات المتحدة بتوجيه ضربات لإيران في هجوم جزئي أو شامل، على مواقع استراتيجية في العمق الإيراني، بحيث يكون هذا الهجوم منطلِقاً من بعض دول الخليج، وربما بتأييد منها، لا لتأديب إيران الآن، بقدر ما هو لتأليب شيعتها وشيعة العالم كله ضد السُّنّة العرب، وبخاصة في منطقة الخليج، وعندها والله أعلم ستكون ساحة الحرب الإقليمية الطائفية في أوْج استعدادها للانفجار والانتشار، ليحقق الأمريكيون لا أكسبهم الله العديد من المكاسب التي من أبرزها:
- كسر العصا الإيرانية، بعد أن استُخدمت في كسر العصا العراقية.
- إشغال العرب جميعاً في صراع بديل لما كان يسمى ب (الصراع العربي الإسرائيلي) ليحل محله صراع جديد هو (الصراع العربي الفارسي). وهذا ما سيُنسي هؤلاء العرب، أنه كانت هناك يوماً قضية اسمها القضية الفلسطينية؛ ظلت تُعدّ القضية المركزية الأولى للأمة العربية والإسلامية.
- إعادة الاعتبار (للعدو) الأمريكي في نظر شعوب المنطقة، بعد جرائمه وفظائعه ليعود صديقاً؛ بل منقذاً للعرب من نظام طهران، كما سبق أن (أنقذهم) من نظام صدام! وهو ما يمكن أن يسمح باستمرار الارتهان له والامتثال لأمره.
- دفع حركة تجارة السلاح إلى الرواج، عندما يصطف العرب لشراء الصفقات التسليحية التي ستوقد نار المعركة ضد الأطماع الفارسية؛ حيث سيُرفع كالعادة شعار (لا صوت يعلو فوق صوت المعركة) ولو كان هذا الصوت هو صوت مصلحة الشعوب وحقوقها في الاستقرار والتنمية والتحديث.
- إعادة ترتيب أوراق المنطقة وسط دخان تلك الحرب، بما يسمح بقفز أولياء أمريكا إلى مقدمة كراسي المسؤولية، سُّنّية كانت أو شيعيّة.
- إجبار المقاومة السُّنية في العراق وربما في غيرها على تغيير وجهتها عن الأمريكيين إلى غيرهم، بعد أن أذاقت تلك المقاومة جيش أمريكا طعم الهزيمة، ولتتوجه كل جهود المجاهدين لقتال شيعة إيران والكف عن الأمريكيين وحلفائهم، وهو ما يمكن أن يوفر لهؤلاء الأمريكيين فرصة لالتقاط الأنفاس والعودة من جديد للتفرغ للمجاهدين.
- إلهاء إيران عن مواصلة برنامجها النووي، وتطويرِ التقنيات العسكرية والاقتصادية لبناء نفسها كقوة إقليمية، وتخويف غيرها من السلوك نفسه؛ حتى تبقى دولة اليهود هي القوة الإقليمية (الوحيدة) في المنطقة.
- توفير غطاء مقبول يحفظ ماء وجه أمريكا إذا أرادت أن تخرج من العراق أو أفغانستان مدّعيةً أنها لم تُهْزم؛ وإنما فشلت مهمتها في بلد (لا يريد) الحرية والديمقراطية!
إن لهذا (السيناريو الكابوس) دلائل وعلامات، تدل على أنه أحد الاحتمالات الجادة، التي لا ينبغي الاستهانة بها وبفداحة خطرها على الجميع؛ حيث برزت، ولا تزال تبرز، في الآونة الأخيرة مؤشرات تدلُّ على أن أمريكا تتعمد تسعير أجواء الحرب بين السُّنّة والشيعة إقليمياً، بعد أن سخّنتها محلياً في العراق، بتفويض الشيعة في إدارة الشأن العراقي بشكل انتهازي واستفزازي للسُّنّة داخل بلاد الرافدين وخارجها ثم هاهي بدأت تشعل نفس الفتيل في شبه الجزيرة العربية وخاصة اليمن الذي عرف تعايشا متسامحا بين المذهب الشافعي والزيدي على مدى قرون وما فتنة الحوثي إلا إحدى سينا ريوهات وأوراق العم سام .
ومن المؤشرات والعلامات الدالة على الدفع الأمريكي باتجاه مواجهة إقليمية سُّنّية شيعية، من خلال التحرش بإيران وتهييجها على دول الجوار، ما يلي:
1 توجُّه أمريكا نحو إضعاف القوى الشيعية الموالية لإيران داخل العراق، بعد استهلاكهم في إقصاء السُّنّة وإضعافهم، وبعد الفراغ من استعمالهم في الحرب ضد صدام، حتى لا يصيروا ظهيراً لإيران في حال مواجهة أمريكا لها، ومن ذلك دفع الحكومة الشيعية العميلة لمواجهة (عصابات مقتدى الصدر) الأداة الأكثر إجراماً في يد إيران، وكذلك حرق أوراق عصابة الغدر بزعامة (عبد العزيز الحكيم) وتهييجها ضد الصدريين وضد الشيعة العلمانيين، ويدخل في ذلك أيضاً ضرب الشيعة العرب بالشيعة الفرس عن طريق استغلال اختلاف المرجعيات.
2 إصرار أمريكا في المحافل الدولية وفي أوساط التجمعات العربية على عزل إيران، وتضييق الخناق عليها اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً، وهو ما تُرجِم مؤخراً باستصدار قرارات للعقوبات الدولية عليها، وهو السلوك الذي اعتادته الإدارة الأمريكية مع كل من تنوي له شراً؛ حيث تسير إلى خط الصِّدام عبر خطوات التصعيد الدبلوماسي، ثم العزل السياسي، ثم الحصار الاقتصادي، ثم جمع الحلفاء للحسم العسكري.
3 محاولات استدعاء رموز قديمة من حزب البعث، ربما لاستخدامها كجزء من (قادسية جديدة) ضد إيران، باسم القومية العربية (البائدة) ضد القومية الفارسية الصاعدة.
4 كانت عملية إعدام (صدام حسين) مليئة برموز الشحن الطائفي؛ حيث سمحت أمريكا للشيعة (وكانت قادرة على عدم السماح) بأن يختاروا التوقيت الأسوأ والكيفية الأسوأ في تنفيذ الإعدام؛ ليوصِِّل ذلك إلى أشد العواقب سوءاً على مشاعر السُّنّة ضد الشيعة في إيران والعراق. وكان لهذه الخطوة الأمريكية الماكرة آثار ظاهرة في إفقاد الشيعة كل أسهم الإعجاب والتعاطف الذي كان لدى شريحة كبيرة من المخدوعين بهم، وقد كان هذا فخاً لهم، وقعوا فيه بغباء خارق.
6 هناك فيما يبدو (فوضى خلاّقة) على مذهب (كوندوليزا رايس) يجري الإعداد لها داخل العراق، وخارجه قد تسمح بإحداث وضع جديد من بين ركامها، يمكن أن يُخرج إدارة جديدة للعراق غير موالية لإيران. فأمريكا حتماً ستلعن عملاءها هناك بعد أن انتعلتهم. وقد بدأت إشارات ذلك بتصريح بوش رأس الفتنة بأن حكومة المالكي (غير ناضجة)! وفي هذا الصدد، قد تستعين أمريكا ببعض مغفلي أهل السُّنّة، وتدفع بهم إلى الوجهة الأمامية، ليقولوا أمام المسلمين: إننا الحاجز المنيع ضد الشيعة الإمامية! وليكون هؤلاء في تلك الحال جزءاً لا يتجزّأ من (تحالف الاعتدال)!
وقد ذكر مسؤولون أمريكيون وخبراء مستقلون أن شنَّ هجوم سريع على إيران، سيعرقل برنامجها النووي لمدة لا تقل عن أربع سنوات.
وهنا يرتفع صراخ ونباح الدولة العبرية، مرة بالتهييج وأخرى بالتهديد، خوفاً أو تخويفاً من التلكؤ مع إيران حتى ينفلت الزمام، وقد قال (إفراييم سنيه) نائب وزير الدفاع الإسرائيلي: إنه لا يستبعد هجوماً وقائياً إسرائيلياً على إيران، على خلفية برنامجها النووي، وقال في (10/11/2006م): «إن الهجوم على إيران سيكون الحل الأخير.. وربما يكون الحل الوحيد)»!
- وهنا لا بد من وقفات وتساؤلات:
علماء الأمة وحكماؤها وأهل الرأي مدعوّون اليوم قبل الغد لتداول الرأي حول عدد من المسائل المتعلقة بالتصعيد الطائفي والعسكري الحاصل في المنطقة، والذي يُعدّ الجزء الأكبر منه صناعة أمريكية بصياغة صهيونية، تدبرها العقلية التي لا تزال تحكم أمريكا الآن، وهي عقلية المحافظين اليهود الجدد، ومن هذه الوقفات والتساؤلات:
أولاً: المعركة بين أهل السُّنّة والشيعة في جوهرها اعتقادية وليست عسكرية فليس مجرد أن الشيعة مبتدعة مهما كان الغلو في بِدَعِهم كافياً لأن يكونوا على قائمة الأولوية في الحرب العاجلة من أهل السُّنّة، وإلا كان كل صاحب اعتقاد فاسد محلاً لحرب المسلمين وجهادهم، وهو ما يجمع عليهم أمم الأرض جملة واحدة. ثم إن فساد اعتقاد الشيعة ليس جديداً كي يسوِّغ لنا الآن الدخول معهم في حرب طاحنة إلى جانب الأمريكان. وإذا كانت المعركة معهم عقدية في الأساس، فإن مجالها لا يزال هو البيان والحجة واللسان؛ فهذه وسيلة جهاد مَنْ لهم شَبَه بالمنافقين والزنادقة. ولكن التساؤل هنا هو: ألا توجد وسيلة لتفادي الصدام المدمر معهم الآن، في حرب لا يبدو أن أهل السُّنّة في كامل الجاهزية لها، وليس وارداً العزم على حسمها، وبخاصة أن الشيعة في العالم يُقَدَّرون بعشرات الملايين، ولا يمكن إفناؤهم إلا بأضعاف أعدادهم من أهل السُّنّة؟!
ثانياً: صحيح أن الخطر الشيعي على أمن المنطقة وبخاصة منطقة الخليج هو خطر صاعد إلى التنامي والتمدد، وهو ذاهب إلى اتجاه الصِّدام، لكن الجزء الأكبر منه هو قضية تخص أمريكا وإيران، فلماذا يُقحَم أهل السُّنّة فيه مبكراً؟! فلتحارب أمريكا من تشاء من أعدائها ومنافسيها على الثروة والنفوذ، ولكن أليس من حقنا أن لا يكون ذلك بأرواحنا وأموالنا وسلامة أراضينا؟ وهل من المحتّم على ساسة المنطقة أن يتحالفوا مع أمريكا في أي حرب تقرر خوضها في الزمان والمكان الذي تريده؟!
ثالثاً: الشحن المذهبي، والحقد الطائفي الذي أفرزه شعور الشيعة بنشوة الانتصار الكاذب، يجب ألاّ يجبرنا أو يجرنا إلى سلوك مشابِه؛ لأنَّ مآل ذلك هو إلى الصِدام الحتمي على المستوى الإقليمي، مثلما آلَ الأمر على المستوى المحلي في العراق على غِرَّةٍ من أهل السُّنّة، وإعدادٍ واستعدادٍ من الشيعة. أوَ ليست هناك وسيلة من جانبنا على الأقل إلى العودة إلى تسكين زوابع الاحتراب المذهبي المفضي إلى معركة لا حاجة لها ولا ضروره إليها ولا فائدة منها إلا للحريصين على إضرام نارها من اليهود والنصارى المتربصين بالطرفين؟! ألا يمكن التصبّر عن منازلة الشيعة، ريثما يكون عندنا ما عندهم (مثلما يقال دائماً عن المواجهة مع دولة اليهود)؟! أليس من الأحرى بدول وشعوب أهل السُّنّة، وبخاصة دول الجوار، أن يتفادوا الصدام الآن، حتى يتملّكوا ما يمكن أن يكون سلاح ردع مكافئ، مثلما فعلت باكستان مع الهند، وروسيا وكوريا مع أمريكا؟!
رابعاً: قوة الشيعة وتغوّلهم ليس في صالح السواد الأعظم من الأمة بداهة، والمد الشيعي هو دائماً حسم من المدّ الإسلامي الصحيح، ولكن تَقَوِّي الشيعة وصعودهم بما في ذلك البرنامج النووي لا بد أن يُضارَع بقوة تُبنى على علم واقتدار قبل أن يُضارَع من موضع ضعف وانكسار. ولا يعني هذا الدعوة للتقارب معهم على دَخَنٍ منهم وتَقِيَّة، ولا للتهوين من خطرهم، على حساب سلامة المعتقَد وسلامة الأرض والعرض؛ ولكن الخوف كله من الاستجابة لداعي العجلة، التي كثيراً ما تكون من الشيطان.
خامساً: جزء مهم من المعركة مع التشيع المغالي، هو في الجانب السياسي، وساسة الشيعة الإيرانيون قد أظهروا حنكة وقدرة عالية على التعامل مع الموازنات والتطورات العالمية، وهم في غالبيتهم جماعة من الدينيين خريجي الحوزات والجامعات الدينية، ولم يمنعهم ذلك من تناول الشأن السياسي والتعاطي معه. فلِمَ تُترك قضايانا المصيرية نحن أهل السُّنّة بيد حفنة من الخبراء العلمانيين والساسة اللادينيين، الذين يُصرّون على فصل السياسة عن الدين إلى الأبد، مُضَحّين بالسياسة وبالدين معاً؟! ألم يحن الأوان أن يفرض الإسلاميون نوابُ الأمة الحقيقيون رؤيتهم في قضايا أمتهم، عبر الوسائل التي تفرضها إمكاناتهم وحجمهم الأكبر في الأمة؟ ولماذا يسوس الشيعةَ علماؤهم وحكماؤهم، بينما يساس السُّنّة بعكس ذلك؟!
سادساً: ألا توجد هناك طريقة لإقناع المتنفذين في بلاد العرب والمسلمين، بأن أمريكا لو عزمت على ضرب إيران ِلحِفْظِ مصالحها، فسوف تضربها سواء بهم أو بغيرهم؟ فلماذا تسوقنا نحن سَوْقاً كما فعلت من قبل إلى حرب ستستفيد هي منها في كل شيء، ولن يستفيد المسلمون منها بأي شيء؟! ألا توجد صيغة لتفادي تكرار اللدغ من الجُحر نفسه؟
وأخيراً: إن الولايات المتحدة على شفا سقوطٍ مدوٍّ إلى هاوية التراجع والانعزال، وربما التفكك والانحلال؛ فلماذا نقدم لها نحن طوق النجاة؟ ولماذا يتعامل بعض السياسيين معها وكأنها ستظل في كامل قوتها، مع أنها في أخطر منحنيات ضعفها؟!
وما الأزمة المالية إلا خير دليل على هذا المنطق ولكن يا للأسف إذا كانت الأزمة المالية عندهم والأموال التي راحت أموالنا بالدرجة الأولى وكم مليارات للمسلمين ذهب أدراج الرياح تحت هذا الغطاء وما زلنا لا نعتبر ولا نعقل بأننا صرنا ألعوبة بيد الأمريكان وربيبتها المعلونة إسرائيل تخبط بعضنا ببعض وندفع الثمن كما أسلفت من دمائنا وأرواحنا وأوطاننا وأموالنا وكل شي في حياتنا وبعد ذلك نقدم لهم كل الشكر لأنهم هم الذين حررونا وأنقذونا ويا للعار والغباء والحماقة التي ما زلنا نرتكبها كل مرة ولم نتعلم حتى مرة .
إن الصبر على سقوط أو إسقاط الصنم الأمريكي المتمايل في العراق وغيره، أهون وأقل تكلفة وأعلى فائدة من المسارعة إلى اقتحام الفخ الإيراني الأمريكاني الملغم بالمواجهات والمفاجآت، وإن تمكين الأمريكان من اتخاذنا عصا مرة أخرى لضرب أعدائها سيقويها ويقوِّضنا. ولهذا فإن من واجب المسلمين جميعاً أن يرفضوا أن يكونوا عَصا بيد أولئك العُصاة المردة؛ بل من المفترض عليهم أن ينزعوا كل عصا بيد أمريكا أو غيرها، ليحرموها منها أو يضربوها بها؛ حتى تبتعد عن شؤون المسلمين وتخرج من بلادهم، وهذا ما فعله المجاهدون في العراق بهم، فيما نحسبه دفاعاً عن أنفسهم وأعراضهم ودينهم؛ وهو حق كفله لهم الدين والعقيدة بل والمنطق الإنساني
سياسية الفوضى الخلاقة الجديدة:
في شهر أبريل من عام 2005 قامت كوندوليزا رايس بالتصريح لصحيفة "الواشنطن بوست" الأمريكية بأن مبدأ الفوضى الخلاقة يتم تطبيقه بحذافيره في حرب أمريكا على الإرهاب
والمبدأ يعني إثارة النعرات والأقليات والأثنيات المختلفة في مناطق الصراع وإمدادها بالسلاح على اعتبار أن ذلك سيصل في النهاية للديموقراطية وطبعا لا ينطلي على عاقل أن هذا تخريب مُتعمد وليس فوضى خلاقة غرضه تأجيج الصراعات لإيجاد حُجة للتدخل والسيطرة على زمام الحكم واللعب بمقدرات الشعوب وتحقيق أهداف أقليمية ومحلية واستراتيجية.
ومبدأ الفوضى أو العشوائية anthropic principle هو في الأصل مبدأ إلحادي له تفريعات إلحادية شهيرة وفي الآوتة الأخيرة بدأت تطبيقاته السياسية في الظهور وتم استخدامه الفعلي على يد بوش للتبرير للحروب والدماء والهمجية التي اشعلها في بلاد المسلمين
والمبدأ من منظور إلحادي ينقسم إلى نوعين وهو نفس التقسيم الذي استخدمه بوش في حروبه التي سفكت دماء المسلمين أنهارا فهو بدأ بالفوضى الخلاقة الاستاتيكية ( الثابتة ) وتحول بعدها إلى الفوضى الخلاقة الديناميكية ( المتحركة ) ولعل صاحب هذه النظرية هو ميكافيللي المتوفى عام 1527م ويعرف بأنه عميد المدرسة التي تُعرّف السياسة بأنها : " فن الخداع والغش " أو هي بتعبير آخر فن الخساسة !
ولذا بدأت المذابح تسري في أُمة الإسلام والقتلى يُرصدون بالملايين في سابقة لم تحدث منذ حروب التتار وأي دولة فقط تشجب أو تدين سيتم تطبيق مبدأ الفوضى الخلاقة عليها وسيتم تهييج الأقباط في مصر والأمازيغ في المغرب والشيعة في اليمن والخليج والدارفور في السودان والقراصنة في القرن الأفريقي بالإضافة إلى الحرب الأهلية القائمة فيها أما العراق فقد تم اعتماد هذا المبدأ فيه من قبل وبعد سقوط بغداد ولبنان خير دليل على هذا التوجه أيضا والذي بدأ فيه مبكرا منذ عقد الثمانينات وكذلك القضية الفلسطينية التي كرس فيها الانقسام الداخلي لتضرب غزة على مرأى ومسمع من الكل بمباركة عباس وعجز دول محور الاعتدال التي تتحدث عنهم دول الغرب ، وباكستان وما يجري فيها وأفغانستان وغيرها من البلدان العربية والسنة عموما وأمريكا خصوصا وسيتم إمدادهم بالسلاح حتى تعم الفوضى والهرج ونصل لمرحلة الفوضى الهدامة أقصد الفوضى الخلاقة( والمقصود بالخلاقة أي فوضى مفتعلة منهم تكون تحت سيطرتهم ويستخدمونها لتحقيق أغراضهم ) . وهذا ما نلمسه ونلحظه في كذا قطر إسلامي وما يحصل أيضا في باكستان وأفغانستان يصب في هذا الاتجاه ولعل الأهداف العامة لهذا المبدأ الهيمنة على المنافذ ومنابع النفط والسيادة الدولية وإشغال المسلمين بعضهم ببعض ونسيان القضية الفلسطينية في هذا المتاهات فكل فيه ما يكفيه كما يقال .
بلاد السعيدة(اليمن) وموقعها مما يجري :
وعلى ضوء ماسبق يتضح لنا ما يجري في اليمن حاليا ونستطيع القول بأن أبرز التحديات التي تواجه اليمن اليوم هي :
أولاً : الحركة الحوثية التي تمدها إيران وتباركها إمريكا والهدف هو دخول اليمن ضمن السيناريو الذي تحدثنا عنه وهو مبدأ الفوضى الخلاقة وتقاسم المصالح ، وكما سبق وأن أسلفنا بأن المد الصفوي الإيراني عرف كيف يستغل هذه اللعبة والاستفادة منها قدر الإمكان بالتعاون أحيانا مع الأمريكان كما حصل في إسقاط نظام صدام والتمكين لقوات الاحتلال بدخول العراق وأفغانستان وما يجري اليوم في باكستان خاصة بعد صعود زرداي (رئيس الوزاء الباكستاني وهو شيعي ) للحكم هو جزء من هذا التعاون الشيعي الصليبي والارضية المشتركة لهم تقاسم المصالح ولاتعجب عندما قال أحد مرجعياتهم( يريدون منا إخراج الأمريكان! كيف؟! نخرج هؤلاء الذين أذلوا صدام حسين والوهابية، جورج بوش رضي الله عن آية الله جورج بوش، هذا لو كان شيعياً لبايعته مرجعاً من المراجع) وهكذا فهم بالأساس أحفاد اليهودي المجوسي الحاقد أبو لؤلؤة قاتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه والهدف من هذه الفوضى هو الإمعان في تخويف الخليج لمزيد من التنازلات والابتزاز الإقتصادي والسياسي وإشعال نار الفنتة الطائفية .
ثانيا : الحراك الجنوبي الداعي لتقسيم اليمن وانفصال الجنوب عن الشمال وهي صناعة غربية بامتياز ترعاها بريطانيا وبتنسيق أمريكي فرنسي والهدف منها هو السيطرة على الملاحة الدولية في خليج عدن وبناء قاعدة عسكرية أمريكية فرنسية كما يتردد اليوم في الأوساط الإعلامية في سقطرى من أجل الاستيلاء على الثروات أيضا في هذه الجزيرة الحالمة والتحكم بالملاحة الدولية.
ثالثا : القاعدة والإرهاب وهي أحدى الورقات التي يستخدمها العم سام ضد كل ماهو إسلامي في شتى أنحاء العالم ولا أشك بأن القاعدة هي صناعة أمريكية استغل فيها حماس شاب مسلم أضروا الامة الإسلامية أكثر مما نفعوها وهي بقية مفرزات لعبة العم سام أثناء الحرب الأفغانية الروسية كما سبق وأن اسلفنا الحديث عنها في بداية المقال في إطار حديثناعن (باكستان وأفغانستان وكسر القطب الثاني ) ليستمر مسلسل استخدامنا كسكين في يد العم سام وعلى رأي المثل اليمني الشهير (الحجر من الارض والدم من راس القبيلي) وفي كلا الحالتين نحن الضحية والخاسر الأول والأخير ، والهدف من ورقة القاعدة وتصعيده حاليا على مستوى العالم في الأوساط الإعلامية والمحافل الدولية هو الضغط على النظام اليمني من أجل تبرير التواجد الغربي في خليج عدن كما اسلفنا .
والأدهى من ذلك هو فساد النظام اليمني الذي دخل في هذه اللعبة الخطيرة وبدأ يتعاطى مع الشعب اليمني على هذا الأساس أو بمعنى آخر عبر عنها الرئيس صالح (الرقص على رؤؤس الثعابين) ولعب هو دور الحاوي الذي أدار لعبة الموازنات وإفتعال الأزمات ابتداء بالتحريش بين القبائل ثم دعم الفكر الحوثي الشيعي لابتزاز دول الجوار ولضرب الحركة الإسلامية الطامحة وإدخالها في فتنة طائفية وهي التي تعد صمام أمان للشعب اليمني وقد حقق مكاسب كبيرة في إذابة الطائفية والمذهبية على مستوى لم يسبق لليمن أن عرفه منذ دخول الإسلام اليمن وقد سبق وأن استخدمها في مواجهة الشيوعية في بداية حكمه وانتهاء بحرب صيف 94ليعلن في انتخابات 2006 بأنها كرت وانتهى .
وكذلك ملف القاعدة واستغلاله داخليا لضرب خصومه الإسلاميين بإلصاق تهمة الإرهاب أحيانا وخارجيا مع التوجه العالمي للحرب على الإرهاب ، يأتي بعد ذلك ملف الجنوب الذي لم يتعاطى معه بمسئولية ولم يكف التعسف والنهب الذي يمارسه محسوبين من الحزب الحاكم مستغلين سلطة الدولة في ذلك حتى أوصل الناس إلى قناعة الإنفصال وفك الارتباط واستغلال هذا الوضع المتأزم بتخويف الناس بالصوملة والحرب من(طاقة إلى طاقة )
وبالإجمال ومن خلال هذه الفوضى الخلاقة وتصدير الأزمات المتلاحقة فقد همش دور المعارضة واللقاء المشترك في الإصلاح السياسي كما أقنع الجوار خاصة والغرب عامة والشارع اليمني برمته بأنه رجل الموقف والخيار الأفضل والوحيد للضغط على رؤوس الثعابين في اليمن بالإضافة إلى المساعدات التي سيتلقاها مقابل ذلك من الخليج وبعض الدول الغربية وديدنه في ذلك (ما لنا إلا علي .. ومن ثم مبشرا برئيس من بعدي ..إسمه أحمد)على غرار ما يقوم به الرئيس المبارك في إسقاط أرض الكنانة اقتصاديا وسياسيا من أجل التوريث الرئاسي ولتذهب الشعوب والملايين إلى الجحيم فداء للقائد الملهم والزعيمالفذ.
وعليه نناشد أمتنا الإسلامية والعربية وشعبنا اليمني العظيم أن لا ينخرط في هذا المسلسل الخبيث الذي يتبناه الجزار الأمريكي (العم سام) وينفذه أصحاب المصالح الشخصية من أبناء أمتنا على حساب شعوبهم وكرامتهم وسيادة أوطانهم كما أناشد النخب السياسية بأن تنهض بدورها الثقافي والريادي الواعي لدحر هذا المخطط وأن لا تنزلق في موجة العنف الذي يدبر لهم من أجل تصفيتهم ومن ثم تصفية القضايا الوطنية والقضاء على مفكري وقادة الأمة الحقيقيين كما حصل في بلاد الرافدين بعد الغزو الأمريكي حيث تم تصفية كل العلماء والمفكرين والمخترعين من أجل أن يظل الشعب العراقي يحور حول رحى العم سام الذي نسمع فيه كل يوم عشرات ومئات القتلى وهو الذي يحصد الثروات كما يحصد معها الأرواح .
مراجع :
حتى لا نظل عصا في يد (العم) سام...! د.عبدالعزيز بن مصطفى كامل بتصرف
الأمراض والعقد النفسية في الشخصية الشيعية بقلم الشيخ الدكتور طه حامد الدليمي
ميكافيللي هو مؤسس نظرية الفوضى الخلاّقة توفيق أبو شومر
العم سام …من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة