تتلاحق الأنباء المتضاربة حول كيفية اعتقال عبد الملك ريغي زعيم تنظيم "جند الله" المعارض للنظام الإيراني. فبينما تصرح الرواية الرسمية الإيرانية بأن سلاح الجو الإيراني اعترض الطائرة
التي كانت تقل ريغي بعد إقلاعها من دبي، وأنها أجبرتها على الهبوط في أحد المطارات جنوب إيران، نقلت "الشرق الأوسط" اللندنية، في عددها الصادر اليوم 24-2-2010 بأن حقيقة الاعتقال "خيانة" تعرض لها زعيم التنظيم دون أن تكشف مزيدا من التفاصيل.
في الوقت الذي تشكك فيه مصادر اعلامية متعددة الزعم بإرغام الطائرة على الهبوط، كشف مراقبون بأن مفتاح السر في عملية القاء القبض على ريغي، هي مدينة دبي، التي لم تنته بعد من أزمة اغتيال المبحوح وملابساتها. ففي الوقت الذي تشير الأنباء إلى أن أطرافا في دمشق، فلسطينية وسواها، متورطة بعملية اغتيال المبحوح، وأن الجهة التي قدمت للإسرائيليين معلومات مؤكدة عن تحركات المبحوح، هي من دمشق ومن داخل الفصائل الفلسطينية، تأتي عملية اعتقال ريغي ومن الإطار الجغرافي نفسه: دبي. مما دفع بالمراقبين إلى التساؤل عن حقيقة الرسائل المتعرجة مابين دبي ودمشق وطهران وحجم الثمن؟!
نقاط تقاطع أخرى كانت دمشق انطلاقا لها، منها أن المبحوح مجهول وغير معروف اعلاميا الا على نطاق ضيق، إلا أن المنفذين كانوا يعلمون كل شيء عنه وبتفاصيله الدقيقة: الاسم غير الصريح والشكل الظاهري غير المعروف. مثلها كمثل قصة اغتيال عماد مغنية التي حيرت المراقبين حول كيفية معرفة أوصافه التي لايعرفها إلا دائرة ضيقة للغاية يقل عددها عن اصابع اليد الواحدة!
كل المؤشرات تدل وتعكس ملامح صفقة سرية مابين اربع عواصم هي: طهران ودمشق ودبي وتل أبيب في قضية التبادل المعلوماتي والخدمات المتبادلة ذات الطابع الأمني. فمن جهة اغتيال عماد مغنية كان هناك اختراق حقيقي من داخل مؤسسة الأمن السورية، تم على إثرها تقديم معلومات مؤكدة عن شكل مغنية ومكان إقامته ولحظة تحركاته، وتزامنت هذه الخدمة مع تخفيف الضغط بشأن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. أما في قضية اغتيال المبحوح فإن الاختراق مشترك: سوري - فلسطيني، وفي حد أقل من داخل الامارات العربية المتحدة. ويأتي اعتقال ريغي ليجمع هذه العواصم في مابينها، مع حذف دمشق هنا، لأنه لايبدو أن لها ضلعا في مسألة كهذه كون ريغي أصلا لايعتبر الطرف السوري طرفا حليفا بل على العكس هو حليف أعدائه، اي طهران. لذلك فإن اعتقال ريغي تم بتنسيق مابين طهران ودبي وتل أبيب، أولا للتغطية على اغتيال المبحوح، وثانيا لتكون ثمناً باهظا سترضى به إيران. وماحرص السلطات الإيرانية على القول إنها أرغمت الطائرة على الهبوط إلا من قبيل ذر الرماد في العيون، فكيف عرفت أصلا بأن ريغي موجود في الطائرة؟! كما أن هناك تشكيكا بالرواية من اساسها.
اعتقال ريغي سيغطي على ملابسات اغتيال المبحوح. والطرف المستفيد طهران، في المقام الأول، والطرف المستفيد الآخر إسرائيل في المقام الثاني. وهنا يتساءل المراقبون عن طبيعة التوتر وحقيقته مابين طهران وتل أبيب وهل سيحل على حساب القضايا العربية؟ لذلك يتخوف البعض من أن تتقاسم طهران وتل أبيب لعبة الخدمات المتبادلة بينما يشغلان الأجواء العربية بتوتر زائف ليس المقصود منه إلا تصوير طهران على أنها مستهدفة، وكذلك تصوير تل أبيب على أنها تحت التهديد الإيراني.
في الحالين تبدو إيران واسرائيل في أقصى درجات التفاهم، فيما لاتظهر وسائل الإعلام إلا توترا مزيفا بين البلدين ليس القصد منه سوى جني المزيد من النتائج على حساب العرب عامة والفلسطينيين خاصة!