تثير رؤاه كثيراً من الجدل في اليمن بسبب وضوحه وشجاعته على قول الحق الذي يعتقده غير آبه بوزن ونوع من يختلف معه، ويشهد له من يقترب منه أكثر بغزارة علمه وسعة ثقافته ومقدرته على الحوار العلمي والمنهجي..
بسبب أنه جمع بين التعليم النظامي فهو يحضر للدكتوراه وبين العلم الشرعي الذي أخذه على يد أكثر من عشرة علماء في تعز، وهو إضافة إلى كونه خطيباً ومحاضراً هو أيضاً مدرب وطني وإقليمي محترف وناشط حقوقي وعضو في المنظمة الدولية لمناهضة العنف ضد النساء..
إنه النائب شوقي القاضي .. كنا معه في الحوار التالي الذي خصصناه عن مشروع قانون تحديد سن الزواج .. بعد أن انتقل نقاش الموضوع إلى منابر المساجد وأثير الناس ضده من قبل مخالفيه .. فكانت هذه هي المحصلة:
-- تغردون خارج السرب عندما تنادون بتحديد سن الزواج؟
** بل نغرد ونترنم ونردد مع مقاصد الشريعة ومصالح المجتمع مهتدين بكتاب الله وصحيح سنة رسول الكريم عليه الصلاة والسلام، وقولنا بضرورة تحديد سن آمن للزواج، ومنع تزويج القاصرات والصغيرات هو الدين الذي نعتقده والشريعة التي نعرفها ونلتزم بها، والمصلحة التي نرجوها، ولسنا بدعاً من القول فجل علماء الأمة في العصر الحديث ومفكروها ومثقفوها ودعاتها يذهبون إلى تأييد منع تزويج الصغيرات والقاصرات وتحديد سن آمن للزواج، وهو مطلب الشعوب والمجتمعات والبنات والأمهات.
-- مثل مَنْ مِن العلماء الذين يؤيدون تحديد سن آمن للزواج؟
** لو استفتي علماء الأمة المجتهدون اليوم وبموجب مقتضيات الزمان والمكان والأحوال لقالوا بمنع تزويج الصغيرات، ولقد أفتى بمنع تزويج الصغيرات كبار علماء الأمة اليوم مثل الشيخ / ابن عثيمين رحمة الله عليه عندما قال بالنص: (المسألة عندي أن منعها أحسن، ومن الناحية الانضباطية في الوقت الحاضر، أن يُمنع الأبُ من تزويج ابنته مطلقا، حتى تبلغ وتُستأذن)، وقال:(منع هذا عندي في الوقت الحاضر مُتَعَيَّن، ولكل وقت حكمه، ولا مانع من أن نمنع الناس من تزويج النساء اللاتي دون البلوغ مطلقا)، وقال:(القول بتزويج الصغيرة في وقتنا الحاضر يؤدي إلى مفسدة، لأن بعض الناس يبيع بناته بيعا، فالقول الذي اختاره ابن شبرمة ولا سيما في وقتنا هذا، هو القول الراجح عندي، وأنها تُُنتظر حتى تبلغ ثم تُستأذن). كما أفتى بذلك علامة العصر الدكتور / يوسف القرضاوي حين أشاد بقانون تحديد سن الزواج ووصفه بأنه (حيوي وضروري ومهم للمجتمع، ويرى فضيلته أن سن 16 عاما هي الأنسب لزواج الفتاة و18 عاما أنسب لزواج الفتى)، وكذلك علامة سوريا الكبير الشيخ الزرقا بقوله: (أن تحديد سن معين للزواج من صلاحيات ولي الأمر، وعلى الرعية أن تلتزم بذلك). والعلامة السعودي عبد المحسن العبيكان وغيرهم كثير، والدليل على ذلك أن أغلب علماء الأمة أيدوا قوانين بلدانهم التي حددت سناً آمناً للزواج في جميع الدول العربية والإسلامية عدا السعودية والسودان اللتان يناقش موضوع تحديد السن في مجالسها المتخصصة.
-- ولماذا وقف علماء اليمن ضد تحديد سن آمن للزواج؟
** من قال هذا؟ ومن قال إن علماء اليمن وقفوا ضد التحديد؟ علماء اليمن عبر هيئتهم لم تفتح باب نقاش الموضوع ولم تطرح البحث فيه على المتخصصين، وكل ما في الأمر هو أن مجموعة من النواب تبنوا الرفض بطريقة عاطفية ومستعجلة وغير علمية وغير منطقية فلبسوا على الناس ودلسوا على بعض المشايخ وخطباء المساجد وطلاب العلم وأظهروا لهم الأمر على أنه مؤامرة على الدين والأخلاق والأعراض. علماً بأن هناك الكثير من العلماء والدعاة والخطباء وطلاب العلم الشرعي من جامعة الإيمان ومن بعض الجمعيات الخيرية مثل جمعية الإحسان والحكمة وغيرهم من تواصل معنا وأيد ما نطالب به من تحديد سن آمن للزواج، ولكنهم وخوفاً من قطع الكفالات المالية ومن المضايقات في أعمالهم ومصادر رزقهم لا يجرؤن على تبني ذلك والإعلان عن موقفهم. خاصة أن بعض مسئولي تلك الجهات جعل الموضوع مسألة حياة أو موت وقضية إثبات وجود وقدرة على السيطرة والهيمنة ولم يناقشوا الموضوع في حدوده وحجمه.
-- هل يعقل أن عالماً يكتم علمه خوفاً وطمعاً؟ وأين أمانة الكلمة والفتوى؟ والجراءة في قول الحق؟
** نعم معقول وألف معقول، وهل كل من يصفق لخطاب الرئيس والملك والأمير يتفق معه، وهل كل من يفتي للسلطان موضوعي، وهل كل من يسكت للمتحدث يتفق معه، هذا هو الإجماع (السكوتي) الذي نحذر منه، لأنه للأسف ما عادت صدور بعضنا تتحمل الاختلاف، كما إن المنهج الأحادي الذي تتبناه بعض هذه الجماعات والجمعيات والجامعات منع منتسبيها من الإبداع وقول الحق إن هم أرادوا بقاء وظائفهم فيها وكفالاتهم، وعليهم أن يبلعوا العلقم والصَبِر، ولهم في من فُصِلَ وضُويِقَ من عمله وفي من قُطِعَت كفالته المالية من الجمعية عبرة وعظة، والدليل على ذلك أن أغلب هؤلاء يفكرون أفضل إن هم تحرروا من رق هؤلاء وعبودية الكفالات الخيرية وصارت أيديهم عليا، وقديماً قالوا:(من مدَّ يده انحنت رقبته). إلا من رحم الله وقليل ما هم.
-- لماذا وقف هؤلاء النواب ضد تحديد سن الزواج؟
** لأسباب تخصهم وبإمكانك أن تسألهم .. والذي أعرفه أن بعضهم وبحسن نية نظر إليها من زاوية القيم المجتمعية والعادات والتقاليد، ومنهم من أخذ بمذهب فكري وفتوى فقهية اقتنع بها وبأدلتها حتى أن بعضهم (يجيز تزويج الرضيعة في حضانتها ويجيز مفاخذتها والنوم معها ولو بشهوة كزوجة دون أن يطأها)!! تصور الرضيعة، ومنهم المسكونون بوسواس قهري اسمه (المؤامرة) فيعتقدون أن كل ما لا يخرج من تحت عباءاتهم مؤامرة. ومع أننا لا نتفق معهم لكننا ربما نعذرهم بسبب الظروف الدولية والسياسات والأوضاع العالمية، ومنهم الذين لُبِسَ عليهم بمبررات اقتنعوا بها. وبعضهم من لم يتخلص من كل قيم الجاهلية وتصوراتها التي لا زالت تطاردنا في حياتنا؟
-- (مقاطعاً) الجاهلية؟!
** نعم الجاهلية من باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لأحد أصحابه (إنك امرؤ فيك جاهلية) وإخواننا هؤلاء لا زالت نظرتهم للمرأة وحقوقها ودورها قاصرة ومتأثرة بتصورات الجاهلية، ولهذا يقفون ضد كل ما يحقق مصالح النساء حتى الطفلة الصغيرة ويمانعون تمكينها سياسياً واقتصادياً وحقوقياً وباسم الدين والدين من ذلك بريء، مشكلتهم أنهم يرون المرأة جريمة وعاراً يجب أن يوأد، وكل ذلك من الجاهلية، أما الإسلام فهو محرر الإنسان ومعلي شأن المرأة وحامي حقوق الطفولة.
-- مثل ماذا يقفون ضد قضايا المرأة؟
** مثل تمكينها سياسياً ومشاركتها في البرلمان والمحليات ولقد طرحتُ شخصياً في البرلمان قضية إنصاف الزوجة المطلقة بعد أن تقضي مع زوجها سنين وتعيش معه على الحالي والمر وتتعب معه وتناضل معه ثم بعد أن تكبر وتشيخ يرمي بها هذا الزوج اللئيم بلا حقوق كافية، العجيب أن هؤلاء هم من وقف ضد هذا الموضوع وأجهضوه بدعوى أنه (مؤامرة) على الإسلام، وسنعاود طرحه بمشيئة الله لاحقاً. ومع أن مخالفات المجتمع تجاه النساء كثيرة مثل حرمانهن من الميراث أو التحايل عليهن فيه، وحرمانهن من التعليم، وحرمانهن من الحقوق الشرعية في اختيار الزوج وكفالة المطلقة وغيرها كثير إلا أنهم لا ينتصرون لهن ولو من باب أنها قضايا شرعية يجب أن يستنفر لها، لكنهم غالباً ما يصمون آذانهم وقلوبهم عنها غلفاً، فإذا ضاق الحال وبلغ سيل الانتهاكات الزبى، وتعالت أصوات استغاثة النساء في موضوع ما رأيتهم يرفعون عقيرتهم ضد مطالب النساء بحجج أوهى من بيت العنكبوت، لا أقصد الجميع فعلى الضفة الأخرى يقف آخرون رائعون من العلماء والخطباء والدعاة وطلاب العلم الشرعي والحقوقيين بهم تنصر الحقوق وبعلمهم واعتدالهم تهتدي المجتمعات.
-- كتلة الإصلاح في البرلمان يتهمها البعض بأنها وراء منع صدور قانون تحديد سن الزواج؟
** يا عزيزي لا علاقة للكتل السياسية البرلمانية ككتل في هذا الأمر، لأن الذين طلبوا إعادة المداولة للمادة التي كان البرلمان قد صوَّت عليها في تحديد سن سبعة عشر عاماً للزواج عبروا عن رؤيتهم الشخصية وقناعاتهم الذاتية وهم خليط من الإصلاح والمؤتمر وهم عدد لا يتجاوز العشرين عضواً، أما بقية أعضاء البرلمان بمختلف انتماءاتهم فقد صوتوا مع تحديد السن بسبعة عشر عاماً، لكن الكرة الآن بعد المداولة في مرمى الأحزاب وموقفها من قضايا المرأة، ولا ننسى أن الإخوة في المؤتمر الشعبي العام ككتلة غالبة يتجاوز عددها المائتين والأربعين نائباً هم المعنيون الآن بحسم الموضوع، وعلى الناشطات من النساء أن يعرفن ويتذكرن ذلك.
-- عودة إلى موضوع تزويج الصغيرة، أليس في تحديد سن الزواج مخالفة لإجماع المسلمين؟
** (مبتسماً) ألسنا من المسلمين والعلماء الذين يؤيدون منع تزويج القاصرات أليس القرضاوي وابن عثيمين والعبيكان والزرقا والترابي وقبلهم ابن شبرمة من علماء المسلمين، إذاً أين الإجماع؟!، ثم إن الشيخ / ابن عثيمين ينكر الإجماع في هذه المسألة، أما الإمام أحمد ابن حنبل فيذهب إلى كذب من ادعى الإجماع، أين الإجماع وأغلب علماء الأمة الإسلامية يؤيدون منع تزويج الصغيرات، وما صدور القوانين في الدول العربية والإسلامية إلا دليل على صحة ما ذهبنا إليه.
-- والعلماء الذين أباحوا تزويج الصغيرة؟
** يا صديقي .. لم يقل أحد من علماء السلف والخلف بوجوب أو استحباب تزويج الصغيرات، وكل ما في الأمر أنهم جوزوا أو أباحوا ذلك ولكنهم شددوا في شروط تزويج الصغيرة تأكيداً منهم على أن الأصل هو زواج البالغات الراشدات والاستثناء هو تزويج الصغيرات.
-- ما هي هذه الشروط التي اشترطها العلماء لتزويج الصغيرة؟
** لم يترك فقهاؤنا في الشريعة الإسلامية باب تزويج الصغيرات مفتوحاً على مصراعيه يعبث به الآباء وأولياء الأمور كما يحلو لهم لتحقيق مصالحهم، بل اشترطوا شروطاً مشددة لا يجوز التهاون بها، ويجب على الحاكم بسلطة القانون أن يمنع هذا التجاوز، ويعاقب مرتكبيه، التزاماً بالشريعة الإسلامية، ورعاية لحقوق الأطفال من الانتهاك. ومن هذه الشروط المشددة لجواز تزويج الصغيرة في الفقه الشرعي الإسلامي ما يلي: أولاً: وجود مصلحة معتبرة لتزويج الصغيرة .. ويذهب الإمام الشوكاني رحمه الله في كتابه وبل الغمام الجزء 2 ص 208 إلى أن زواج الصغيرة لغير المصلحة (غير منعقد من الأصل فيجوز للحاكم بل يجب عليه التفرقة بين الصغيرة ومن تزوجها). وثانياً: ألا يزوجها إلا أبوها واختلفوا في جدها .. فلا يجوز لغير أب الصغيرة أن يتولى عقد الزواج إلا بموافقة القاضي. وثالثاً: أن لا يكون بين أبيها الذي سيمضي عقد الزواج وبين أم الصغيرة المراد تزويجها أي عداوة، بل عليه أن يأخذ رأي أمها في تزويجها. ورابعاً: أن يؤخذ رأي الصغيرة وقبولها الزواج لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتى تُسْتَأْمَرَ، وَلا تُنْكَحُ البِكْرُ حَتى تُسْتَأْذَنَ، قَالُواْ يَا رَسُولَ اللهِ وَكَيْفَ إِذْنُهَا، قَالَ أَنْ تَسْكُتَ). وخامساً: ألا يكون فارق السن بين الصغيرة وبين من سيتزوجها كبير. وسادس الشروط: ألا تُزَوَّج إلا من رجل كفء ملتزم في دينه وخلقه وغير معسر. وسابعها: ألا يزوّجها بمن تتضرّر بمعاشرته كأعمى وشيخ هرم. وثامنها: ألا تُزَفَّ إلى زوجها إلا بعد بلوغها وصلاحيتها لمعاشرة الزوج. وتاسعها: أن تُزَوَّج بمهر مثلها ولا يجوز لأبيها أن يأكل شيئاً من مهرها. والعاشر من هذه الشروط التي وضعها الفقهاء لتزويج الصغيرة هو: ألا يكون في تزويج الصغيرة أيَّ ضررٍ جسمي أو نفسي يقع عليها من هذا الزواج. وبعد كل ذلك أعطوها الحق عند البلوغ في أن تمضي هذا الزواج أو ترفضه، ماذا يعني ذلك، وهل التزم الآباء بكل هذه الشروط حتى نشجعهم اليوم على تزويج بناتهم .. الله المستعان.
-- وكيف تفسرون زواج عائشة برسول الله وعمرها ست وتسع سنين؟
** يا أخي سأجيبك بما قاله العلماء في ذلك، الشيخ ابن عثيمين قال مستنكراً هذا الاستدلال: متى يكون الزوج كالرسول – صلى الله عليه وسلم -، ومتى تكون البنت كعائشة ورد ذلك جملة وتفصيلاً، الشيخ العبيكان أكد أن (هذه المسألة لا يقاس عليها، خاصة إذا عرفنا أن وليها كان أبا بكر، وزوجها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي أن المفسدة هنا كانت مستبعدة تماما، بعكس العصر الراهن المليء بالمفاسد)، علماء آخرون رأوا أن هذه القصة كانت قبل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتى تُسْتَأْمَرَ، وَلا تُنْكَحُ البِكْرُ حَتى تُسْتَأْذَنَ، قَالُواْ يَا رَسُولَ اللهِ وَكَيْفَ إِذْنُهَا، قَالَ أَنْ تَسْكُتَ)، وذهب آخرون أنها خصوصية من خصوصيات الرسول صلى الله عليه وسلم، وهناك من الباحثين في تاريخ الرواية من يشكك فيها ويثبت أن عائشة تزوجت النبي صلى الله عليه وسلم وعمرها أكبر من ستة عشر عاماً. ثمَّ أين منعنا من تحديد سن آمن للزواج.
-- أنتم بذلك ستحرِّمون مباحاً؟
** يا أخي القانون لا يُحَرِّم، القانون يقيد ويحدد ويضبط ويمنع ويسمح، التحريم المطلق حق واجب لله على عباده، أما التقنين فمصلحة تحكمها الضوابط والمصالح، فما يمنعه القانون اليوم قد يسمح به غداً إذا تغيرت مقتضياته وكان في ذلك مصلحة للمجتمع، فالحزبية كانت قبل الوحدة ممنوعة ثم جاءت الوحدة المباركة فجعلت التعددية الحزبية ركناً من أركان النظام القائم، وكذلك قل ما يمنع في البناء والتجارة وغيرها، وهذا مألوف ومعروف في الفقه الإسلامي أن لولي الأمر (ممثلاُ بالبرلمان والسلطات التشريعية) أن يقيد المباح ويغلظ عقوبة التعزير إذا كان في ذلك مصلحة معتبرة للمجتمع والأدلة على ذلك كثيرة.
-- مثلاً؟
** ما استدل به الشيخ ابن عثيمين على جواز منع تزويج الصغيرات بدليل أن عمر – رضي الله عنه – منع من رجوع الرجل إلى امرأته إذا طلّقها ثلاثا في مجلس واحد، مع الرجوع لمن طلّق ثلاثا في مجلس واحد كان جائزا في عهد الرسول – صلى الله عليه وسلم – وأبي بكر وسنتين من خلافته، والراجح أنها واحدة، ومنع من بيع أمهات الأولاد – فالمرأة السُّرِّيَّة عند سيدها إذا جامعها وأتت منه بولد صارت أم ولد – في عهد الرسول – صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر، كانت تباع أم الولد، لكن لما رأى عمر أن الناس صاروا لا يخافون الله، ويفرِّقون بين المرأة وولدها، منع – رضي الله عنه – من بيع أمهات الأولاد، وكذلك أيضا : أسقط الحد عن السارق في عام المجاعة العامة. وغير ذلك كثير لا حصر له.
-- ما هي مبرراتكم التي دفعتكم بحماس لتحديد سن آمن للزواج؟
** مبرراتنا أولاً شرعية وهي كل ما ذكرناه سلفاً من أنه لا دليل على وجوب ولا استحباب تزويج الصغيرات وكل ما في الأمر إباحة من البعض وبشروطها، ولأن الآباء وأولياء الأمور لم يلتزموها مما سبب انتهاكاً صارخاً للطفولة وحقوقها وجب علينا شرعاً كممثلين للأمة وكناشطين حقوقيين أن نطالب بوقف كل هذا العبث والانتهاك، كما أن أدلتنا الشرعية في ذلك أقوى ومنها أن للزواج سن معلوم يتعارف عليه الناس حسب ظواهره وعلاماته وأهمها رشد وصلاحية الفتاة للزواج جسمياً ونفسياً وتعليمياً وغيرها، كما إن الواقع الذي نعيشه والظواهر التي تفشت فيه والضحايا من الطفلات اللائي نتابع حالاتهن وبما نسبته أكثر من 52 % من حالات الزواج تدعونا لعمل حلول ومعالجات تقنينية وتوعوية ومعالجة للأسباب والدوافع .. كما أن الطب وهو صاحب القول الفصل في مثل هذه المسألة يجمع ويجزم قاطعاً على ضرورة منع تزويج الصغيرة لما يترتب على ذلك من أضرار جسيمة قد تصل إلى الوفاة جراء حمل الصغيرة وولادتها. إضافة إلى الأضرار النفسية والاجتماعية والتعليمية وغيرها.
-- ولكن معارضيكم يستدلون بكلام للأطباء عكس هذا؟
** أتحداهم يعطونا طبيباً متخصصاً يحترم نفسه يقول بأن تزويج الطفلة وحملها وولادتها ليس فيه ضرر عليها، والمضحك المبكي أن أكثرهم حماساً يورد في مقالته التي يدعونا فيها لتزويج الصغيرات يستدل بمقولة الطبيب (ستانوي): إن على المرأة من الناحية البيولوجية أن تبدأ الحمل خلال سنوات قليلة بعد سن البلوغ، فقد تبين أن إنجاب المرأة لأول طفل من أطفالها في سن مبكرة تحت العشرين هو أحد أهم وسائل الوقاية من سرطان الثدي) ولو كان أخونا هذا يفقه ما ينقل لعرف أن كلام هذا الطبيب هو ما نقصده في منع تزويج القاصرات، وتزويج الفتيات بعد سنوات قليلة من سن البلوغ وتحت سن العشرين، أليس سن 16 أو 17 أو 18 هي ما يعنيه الطبيب المتخصص؟!! وهو ما يكاد يجمع عليه أهل الطب والاجتماع والنفس، ولكن المشكلة في هؤلاء (.....) أنهم لا يعترفون بغيرهم ومن ثَمَّ لا يستفيدون من علومهم فلقد تعودوا على أن من تكلم في حضرتهم فقد لغى.
-- هل تجد مبرراً في نقل الخلاف من قاعات ولجان البرلمان إلى منابر المساجد وأربطة العلم؟
** لا أجد لذلك مبرراً سوى الهروب من النقاش العلمي والتخصصي إلى تهييج الناس والتلبيس عليهم كوسيلة لضعيفي الحجج والبراهين، وهذه وسيلة نعرفها جيداً قد أثبتت فشلها وعواقبها ليست جيدة.
-- في مقالة لك منشورة في بعض المواقع الإلكترونية ذكرت أن هؤلاء النواب المتحمسون جداً لتزويج الصغيرات يقعون في تناقض وانفصام عندما يتعلق الأمر بتزويج بناتهم ما دقة ذلك؟
** أجرينا بعض التجارب مع بعضهم في الموضوع، فوجدنا تناقضاً كبيراً وانفصاماً نكداً فيما يتمنونه لبناتهم، وما يريدون حرمانه لبنات الناس، فإن كانوا هم الأزواج فيريدونها صغيرة طفلة وبعضهم عبر عنها ب(رضيع أو بازي) وكأنهم في مخبازة، وإن تعلق الأمر بتزويج بناتهم فهم يرفضون ذلك، وعلى سبيل المثال أحد النواب (أرجو عدم نشر اسمه حتى لا تخرب بيتَه من زوجته) تقدَّم من أشد النواب تحمساً لتزويج الصغيرات وأكثرهم تطرفاً في منع تحديد السن فطلب منه ابنته الصغيرة، فرفض صاحبنا (المتحمس) ذلك وقال: (لن أزوج ابنتي إلا إذا بلغت ونضجت وكانت صالحة للزواج)!! يا سبحان الله (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم) و(يا أيها الذين آمنوا لِمَ تقولون ما لا تفعلون)! وليت صاحبنا يحس بآلام وآمال أطفال الآخرين، وكدليل قاطع في منع تزويج الصغيرة وأنه ليس فيه فائدة، رفض رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يزوج ابنته فاطمة لأبي بكر ثم لعمر عندما كانت صغيرة فقال لهما: (إنها صغيرة)، وهذا ما جعل البعض يرد حديث عائشة ويستبعده، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاشاه أن يقع في هذا التناقض إلا إذا كان بأمر من الله ولحكمة وخصوصية.