arpo48

الكشف قريبا عن نتائج دراسة لزواج «الصغيرات» في السعودية

تتجه السعودية، خلال الفترة القليلة المقبلة، للكشف عن نتائج دراسة أجرتها جهات عدلية، تسعى للبحث عن إيجاد حلول جذرية، لما يعرف في السعودية ب«زواج القاصرات أو الصغيرات».

ووفق معلومات حصلت عليها جريدة «الشرق الأوسط» فإن مشروع الدراسة التي فرغ منها عدد من المختصين في هذا الجانب، تم رفعها للجهات العليا، لبحثها ودراستها وبالتالي إجازتها والعمل وفق بنودها واشتراطاتها.

ويتوقع أن يطرأ على قوانين وضوابط الزواج في السعودية، تجديد ربما يحاكي عمر الزوجة، أو المراد تزويجها تحت أي ظرف من الظروف.

وتقطع السعودية بتلك القوانين، دابر تكرار ما عرف في البلاد أخيرا ب«زواج القاصرات أو الصغيرات»، الذي قادت إلى ظهوره على السطح أحداث عدة، كان بطلها في الغالب رجلا يكبر الزوجة بعشرات السنين.

ويأتي تبني جهات رسمية سعودية لدراسة تلك القضية، عقب الكشف عن قرابة 11 حالة زواج، كان الضحية فيها زوجة لم تتجاوز ربما في بعض الحالات، سن البلوغ، أو الرشد.

ورأى بحث سعودي خاص بزواج الصغيرات، أن تنظيم الناس بنظام يسوسهم في مسألة زواج من هن دون سن الثامنة عشرة وما في حكمها من الزيجات، التي يصاحبها مفسدة راجحة أو ظاهرة، هو في الحقيقة مما تحكمه السياسة الشرعية، والمصالح المرعية. واستدل الباحث العدلي بما هو قائم في السعودية من حيث تزويج الأجنبيات من ناحية المنع والإذن فيه لفئة من الناس، واعتبره «عين تحقيق السياسة الشرعية والمصالح المرعية».

وأوحى البحث إلى تبني ذات القانون المطبق في زواج الأجنبيات في البلاد، لكنه لم يكتنز مطالبات واضحة، تقضي بتطبيق ذات القانون على السعوديات.

وحصلت «الشرق الأوسط» على بحث مستفيض، أجراه مستشار عدلي لوزير العدل السعودي، أكد فيه أن مسألة تزويج الصغيرات يعد أمرا جائزا لدى الفقهاء بلا خلاف، وأنه لا يمكن منها حتى تصلح لـ«الوطء»، إلا أنه بالنظر والتأمل في كلامهم، يعلم أنه مبني على أصل الجواز لا على مقتضى فقه المقاصد والمآلات وقاعدة المصالح والمفاسد، ومن ثم فإن الفتوى هنا، قائمة على الفقه المجرد من الأحوال المصاحبة لها، أو الناشئة معها.

وتوقع مسؤول عدلي سعودي في تصريحات خص بها «الشرق الأوسط» أن تفرز تلك الدراسة نتائج وصفها ب«الإيجابية» من شأنها عدم تكرار تلك الحالات، عبر ما سماه «تقنين سن الزواج» فيما يختص بالصغيرات في البلاد.

ورأى الباحث العدلي السعودي أن تناول هذه المسألة، لا يكون إلا من خلال فقه المصالح والمفاسد، ومن المعلوم أن الشريعة الإسلامية وفق قواعدها الكلية والجزئية، قامت على اعتبار المصالح والمفاسد في أمورها كلها؛ العبادات والمعاملات والأنكحة.

وطبقا لمسؤول سعودي رفيع المستوى يعمل في وزارة العدل - وهي الجهة الحكومية المسؤولة عن قوانين الزواج والعقود في السعودية - فإن جوانب إجرائية عدة ستصدر عن الدراسة، ستكون معالجة لهذه الظاهرة التي طفت على السطح أخيرا، ولو لفترة بسيطة من الزمن، وفق تأكيدات المسؤول.

وأكد المسؤول الذي فضل عدم الإفصاح عن هويته، على تركيز الدراسة تلك على فئات عمرية معينة، (من 18 عاما وما دون – ومن 15 سنة وما دون ذلك).

وقال «الفئات العمرية التي تركزت عليها الدراسة هي ما بين الثامنة عشرة والخامسة عشرة، هي التي ستكون محلا لتطبيق النتائج التي ستصدر عن الدراسة، بالإضافة إلى قوانين ربما تطرأ على عمليات تقييد عقود الأنكحة بشكل عام، وعقود الأنكحة الخاصة بالصغيرات بشكل خاص».

وهنا، انقاد المسؤول إلى شرح معنى القاصر، والصغيرة، فالقاصر وفقا لشرحه، تأخذ منحى يفيد بعدم أهليتها ربما عقليا أو جسديا، أما الصغيرة فهي تدخل في الناحية المرحلية، وتعني صغيرة السن، أو من لم تبلغ سن الرشد، وقال «كلام الفقهاء وتعليماتهم واضحة بالنسبة للفئات العمرية، ولولي الأمر أن يقيد في قوانين الزواج إن رأى مصلحة في ذلك، كون ولي الأمر يعمل على تنظيم ما فيه مصالح للناس، بما في ذلك دفع السلبيات التي قد تلحق بالمجتمع».

وتتناول الدراسة، شريحة لفئة عمرية من الأعمار، ومن ثم فإن، طلب الجانب العمري لدى الفتاة المرغب تزويجها، يعد أمرا مباحا من الناحية الشرعية والفقهية، ومن ثم فإن لولي الأمر أن يقيد المباح، إذا ما اقتضت المصلحة ذلك، بخلاف النكاح في عمومه، فمنه ما يكون واجبا، أو مسنونا، أو مندوبا.

وهنا استنتج الباحث الشرعي السعودي أن «طلب الفئة العمرية للمعقود عليها، يعد أمرا مباحا، بخلاف النكاح ذاته، والذي تتفاوت الأحكام فيه، ما بين كونه مسنونا أو مندوبا أو واجبا، فطلب العمر في النكاح هو في الحقيقة قدر زائد عن النكاح، وهو يعد الأمر المباح، والذي ينسحب عليه كلام أهل العلم، بأن ولي الأمر أن يلزم الناس بأحد طرفي المباح».

وأعطى الحق في إتمام عقود الزواج، وإن وجد لبسا فيما يتعلق بسن الزوجة، أو المراد تزويجها، لمأذون الأنكحة، وهنا قال «من حق مأذون الأنكحة الاطلاع على بطاقة الفتاة أن كانت تمتلك بطاقة هوية شخصية خاصة بها، أو الاطلاع على بطاقة العائلة التي تحوي معلومات عن الفتاة، وبالتالي يحق له أن يتحقق من رضا الفتاة المراد تزويجها».

واستندت الدراسة وفقا للمسؤول السعودي، على آراء شرعية، نقلت الوقائع التي شهدتها المملكة في الفترة الماضية، بالإضافة إلى دعم ذلك الرأي الشرعي، برؤية صحية، تحاكي مدى تهيئة الفتاة من الناحية الجسدية، والعاطفية.

ويستدل الباحث بقول ابن القيم الجوزية في «إعلام الموقعين»، فإن الشريعة مبناها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل، كلها رحمة ومصلحة، وكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضده، وعن المصلحة إلى المفسدة، فليست من الشريعة. ولذا فإن أحكام الشريعة مبناها على طلب المصالح ودفع المفاسد، فكل ما أمر به الله لا بد أن تكون المصلحة فيه للبعد، إما خالصة كاملة أو راجحة، وما لم يكن فيه تحقيق للمصلحة أو دفع للمفسدة، فهو عبث تتنزه عنه الشريعة الإسلامية.

وراعت الدراسة تفاوت شرائح المجتمع السعودي، مع التركيز على ثقافة تلك الشرائح، وتعددها الاجتماعي، وهو ما عده المسؤول «مساحة ضخمة للخروج بتوصيات شاملة، تطال فئات المجتمع المحلي، ليتم تفعيلها بشكل مباشر».

وهنا عاد المستشار العدلي بالقول «باب المصالح والمفاسد واسع في الشريعة الإسلامية، ومتقرر لدى فقهاء الإسلام، ومنصوص كلامهم في ذلك يشمل الواجبات في حال التزاحم، وكذا المحظورات، فأجازوا ترك الواجب لفعل ألا واجب أو السكوت على المفسدة لدفع ألا مفسدة، وذلك عند تعذر تحصيل جميع الواجبات أو دفع جميع المفاسد».

واستطرد «صحة الزواج شرعيا هذا شيء، وسلامته أيضا من الناحية الإجرائية شيء آخر، مختلف تماما عن الأول، قد يصح من الجانب الشرعي، لكنه لا يكون صالحا من الجانب النظامي أو الإجرائي، فللمأذون حق في تحقيق الجوانب الإجرائية، والشرعية على حد سواء».

واستند البحث على قول الإمام الشاطبي في الموافقات، والذي يؤكد أن «التكاليف مشروعة لمصالح العباد، ومصالح العباد إما دنيوية أو أخروية، وفي موضع آخر، أن وضع الشرائع إنما هو لمصالح العباد في العاجل والآجل معا».

واستند المستشار العدلي السعودي على قول شيخ الإسلام ابن تيمية في «الجموع»، حيث قال «ليس العاقل الذي يعلم الخير من الشر، إنما العاقل الذي يعلم خير الخيرين، وشر الشرين»، ويقول في موضع آخر من الفتاوى «فإذا ازدحم واجبان لا يمكن جمعهما فقدم أوكدهما، لم يكن الآخر في هذا الحال واجبا، ولم يكن تاركا لأجل فعل الأوكد تارك واجب الحقيقة».

واستدل المسؤول العدلي السعودي، بإجراء ربط لعقود الأنكحة بطريقة إلكترونية مع المحاكم الشرعية، بحيث يتم تقييد معلومات عقود الأنكحة أيا كان موقعها، في حافظات بيانات في المحاكم الشرعية بشكل مباشر، من خلال ربط تقني ما بين محاكم المناطق والمحافظات مع وزارة العدل، وذلك كخطوة مستقبلية.

وطالب البحث الشرعي بضرورة تقدير المصالح والمفاسد من النظر في المآلات، وهو ما يعرف بفقه المقاصد والمآلات، استنادا على قول الشاطبي في الموافقات «النظر في مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعا، كانت الأفعال موافقة أو مخالفة، وذلك أن المجتهد لا يحكم على فعل من الأفعال الصادرة عن المكلفين بالإقدام أو بالإحجام إلا بعد نظرة لما يؤول له ذلك الفعل، فقد يكون مشروعا لمصلحة فيه تستجلب أو لمفسدة فيه تدرأ، ثم أخذ يستدل على صحة ذلك بأمور، منها أن التكاليف مشروعة لمصالح العباد».

وتسير المرحلة الحالية على إدخال بيانات عقود الزواج في الحاسب الآلي الذي تعمل وفقه إدارات متخصصة في المحاكم، وتعنى بأعمال مأذوني الأنكحة، وتشترط المحاكم تسجيل العقود الأخرى التي ينجزها مأذونو الأنكحة خارج المحاكم في برامج الحفظ الخاصة بها، في خطوة اعتبرها «تأسيسا لقاعدة بيانات إلكترونية تعمل على حفظ معلومات تقييد عقود الأنكحة في البلاد».

وتمخض البحث الشرعي الذي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، عن أنه «إذا اجتمع محرمان لا يمكن ترك أعظمهما، إلا بدفع أدناهما، لم يكن الأدنى في هذه الحال محرم، باعتبار الإطلاق لم يضر، ويقال في مثل هذا، ترك الواجب لعذر، وفعل المحرم للمصلحة الراجحة أو الضرورة، أو لدفع ما هو أحرم».

ولم يخف وزير العدل السعودي الشيخ الدكتور محمد العيسى في حوار مطول مع «الشرق الأوسط» في شهر مايو «أيار» الماضي، معاناة وزارته من زواج الصغيرات أو القاصرات، وربط تلك المعاناة بإحصائية الطلاق الكبيرة والمقلقة، والتي أفرزتها مسوحات أولية أجرتها الوزارة، أشارت إلى أن الأسباب تعود في غالبيتها إلى فارق السن عموما، وفي نسب لا بأس بها إلى زواج الصغيرات تحديدا، وإن لم يكن ثمة فارق كبير في السن.

واستند الوزير العيسى آنذاك إلى فتوى للشيخ محمد بن عثيمين - رحمه الله - والتي تمخضت عن ضرورة أن يمنع الأب من تزويج ابنته مطلقا، حتى تبلغ وتستأذن.

وعزا هذا القول إلى أنه في الآونة الأخيرة أصبح البعض يبيع صغيرته بعرض من الدنيا، وأن بعضهن جعلت التخلص من نفسها بالانتحار خيارا للتخلص من الزواج بغير رضاها.

ومن كلام الشيخ بن عثيمين وفقا للوزير العيسى أنه «لا مانع من أن نمنع الناس من تزويج النساء اللاتي دون البلوغ مطلقا، فها هو عمر - رضي الله عنه - منع من رجوع الرجل إلى امرأته إذا طلقها ثلاثا «في مجلس واحد»، مع أن الرجوع لمن طلق ثلاثا «في مجلس واحد» كان جائزا في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وسنتين من خلافته».

وقال الوزير السعودي حينها «المهم أن الحكم التكليفي باق على ما هو عليه، لكن هناك موانع لا بد من أخذها في الاعتبار، ومن الخيارات المتاحة - غير مسألة البلوغ - منع الزواج دون الثامنة عشرة، على أساس التغير الواضح في النضج وفي تقدير العواقب، لا سيما في الآونة الأخيرة، فمن هي دون الثامنة عشرة غالبا ما تكون ليست على قدر من تحمل المسؤولية الأسرية، خاصة بعد الإنجاب السريع.

وحرصت الشريعة الإسلامية طبقا لوزير العدل السعودي على تأسيس بيت الزوجية وقيامه على أسس سليمة وقال «هناك فتاوى أخرى يجب احترامها وتقديرها ترى زواج الصغيرة، وهذه الفتاوى من علماء أعلام لهم رسوخ كبير في العلم الشرعي، لكن مثلما قلنا تعتبر هذه الفتاوى منصبة على الحكم التكليفي ونحن لا ننازع فيه مطلقا، ومعلوم أن كلام الفقهاء في هذا الأمر إنما هو في أصل الجواز ولم يتطرق لموضوع المصالح والمفاسد».

زر الذهاب إلى الأعلى