[esi views ttl="1"]
arpo27

الباحث السعودي خالد الدخيل: دول الخليج لن تقبل بانضمام دولة تعاني عدم الاستقرار

أكد الكاتب والباحث السعودي الدكتور/ خالد الدخيل أنه ليس هناك ما يضمن أن الحرب السادسة في صعدة ستكون الأخيرة، وقال الدخيل في حوار مع صحيفة "الناس" إن الشكوك التي تنتاب العلاقات اليمنية السعودية لا تختلف كثيرا عن تلك التي تهيمن على العلاقات العربية العربية عموما..

وأوضح الدخيل في حوار مع صحيفة "الناس" الأسبوعية اليمنية أن هذه الشكوك تعود في الغالب إلى طبيعة الأنظمة السياسية الحاكمة، وهي –بحسب تعبيره- أنظمة في أغلبها تسيطر عليها طبقة هدفها البقاء في الحكم مدى الحياة، أو أطول مدة ممكنة. وأوضح أنه لا يمكن لدول الخليج أن تقبل بانضمام دولة تعاني من حالة مزمنة من الاستقرار حتى لا تنتقل عدوى هذه الحالة إلى دول الخليج نفسها.. إلى الحوار.

- في مؤتمر عقد في شهر يناير الماضي في صنعاء حول العلاقات اليمنية الخليجية وشاركت فيه، قلت إن هناك شكوك حول علاقة السلطة بالحوثيين.. كيف بنيت هذه الشكوك؟
* أولا استمعت إلى هذه الشكوك في صنعاء من عدد كبير من المثقفين والسياسيين اليمنيين، وهم يضعون هذه الشكوك ضمن ما يسمونه ب"لعبة الكروت" التي يجيدها الرئيس علي صالح، وكان أول من أفصح عنها. والذي يبدو أنه اعتمد عليها طوال فترة حكمه التي ينافس بها أطول فترات حكم الأئمة قبل الثورة. وقد ذكر لي مسئول يمني كبير بأن لعبة "الكروت هذه" سمحت للرئيس بالاحتفاظ بمنصبه لأكثر من ثلاثين سنة، مضيفا بأن هذا يعني أن هذه اللعبة مفيدة. ثانيا ليس من المفهوم تماما لماذا طال أمد الحرب في صعدة لأكثر من خمس سنوات، إما أن في الأمر شيئا يحتاج إلى تفكيك مثل لعبة الكروت المذكورة، أو أن جيش الدولة الذي هزم جيش الجنوب عام 1994م، لم يعد كما كان عليه، أو أن سياسة الدولة الداخلية لا تحظى بدعم كامل داخل المؤسسة العسكرية، أو ربما أن الأمر يشمل كل ذلك، وماهو أكثر من ذلك. الحرب السادسة انتهت طبعا، لكن ليس هناك ما يضمن أنها ستكون الأخيرة. ومن ثم فإن الإجابة على السؤال السابق تعتمد على الأخوة اليمنيين، وجهودهم في تفسير المشهد على النحو الذي هو عليه الآن.

- استدللت في ذلك على الحروب الستة منذ 2004م، لكن السعودية دخلت على خط المواجهة ولم تحقق شيئا؟
* لا شك أن حرب العصابات هي من أصعب الحروب التي يمكن أن يواجهها جيش نظامي، لكن أن تستمر الحرب لأكثر من خمس سنوات فهذا أمر مختلف. ربما أن الحوثيين يتمتعون بدعم شعبي كبير في منطقة صعدة. في كل الأحوال لعلك تتذكر بأن الحوثيين هم الذين طلبوا في الأخير وقف النار مع السعوديين أولا، ثم تلا ذلك وقف إطلاق النار مع جيش الحكومة أيضا. لا شك في أن الحوثيين بتسللهم للأراضي السعودية أرادوا توسيع نطاق الصراع ليكسبوا من ورائه سياسيا. لكنهم في الوقت ذاته وضعوا أنفسهم في كماشة بين القوات السعودية والقوات اليمنية. ولا أظن أن في ذلك شيء من الحكمة. هل كانت صنعاء تنظر إلى الموضوع من الزاوية ذاتها؟ وكما ذكرت، هل انتهت الحرب تماما؟ هل كان في الأمر مصادفة أن نهاية الحرب تزامنت تقريبا مع مؤتمري لندن والرياض للمانحين؟ هذا لا يزال سؤال قائم، والأيام ستكشف إجابته عاجلا أو آجلا.

- في ورقتك المقدمة للمؤتمر تحدثت عن سوء فهم وشك وريبة تغلب على العلاقات اليمنية السعودية.. ما هو مستقبل هذه العلاقة في ظل المعطيات القائمة؟
* يبدو لي أن العلاقات السعودية اليمنية دخلت مرحلة جديدة بعد الوحدة، وتحديدا بعد اتفاق جدة عام 2000م الذي أنهى الخلاف الحدودي. الشكوك التي تنتاب العلاقات اليمنية السعودية لا تختلف كثيرا عن تلك التي تهيمن على العلاقات العربية العربية عموما. تعود هذه الشكوك في الغالب إلى طبيعة الأنظمة السياسية الحاكمة، وهي أنظمة في أغلبها تسيطر عليها طبقة هدفها البقاء في الحكم مدى الحياة، أو أطول مدة ممكنة. وبما هي كذلك فإنها توظف ظروفها الداخلية، بما في ذلك التنافسات والصراعات، وتوظف أيضا علاقاتها الخارجية لتحقيق الهدف الإستراتيجي نفسه. بعبارة أخرى، أنت لست هنا أمام دولة بالمعنى القانوني والسياسي لهذا المصطلح، وإنما أمام نظام سياسي أكبر في قوته وسلطاته من الحكومة، وأقل في أهدافه وشرعيته من الدولة بكثير. ومن طبيعة العلاقات بين كيانات مثل هذه أنها تعاني من الشك والريبة، لأن مصالح الطبقات الحاكمة في هذه الأنظمة ليست متطابقة دائما، وإنما كثيرا ما تعتريها التناقضات والخصومات، وهذا هو منشأ الشك والريبة. انظر إلى العلاقات العراقية السورية، والسورية اللبنانية، والجزائرية المغربية، والكويتية العراقية،... الخ. كل هذه العلاقات وغيرها تعاني من حالة الشك والريبة التي تمنعها من أن تكون علاقات طبيعية بين دول طبيعية، وشعوب تشترك في موروثها وفي مصالحها.

- أنت ضد مقولة أن السعودية كجار قوي تعمل للإضرار بالجار الضعيف اليمن، لكن الأحداث تقول غير ذلك ابتداءً من وقوف المملكة ضد الثورة اليمنية ومعارضتها الوحدة ودعمها الانفصال صيف 94م؟
* معلوماتك حول هذه المسألة مغلوطة تماما، وأنا أحيلك هنا إلى مذكرات اثنين من قادة اليمن المعروفين، أحدهما كان صديقا للسعودية، وهو الشيخ عبدالله الأحمر رحمه الله، والآخر خصم للسعودية، وهو محسن العيني. علاقات السعودية مع نظام الإمامة لم تكن بأي شكل من الأشكال أفضل من علاقاتها مع النظام الجمهوري حتى عام 2000م. على العكس، الحضور السعودي داخل الجمهورية كان أقوى بكثير مما كان عليه أيام النظام الإمامي. ثانيا تاريخ الحرب الأهلية اليمنية بعد الثورة يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الهدف الإستراتيجي للسعودية كان حينها إخراج القوات المصرية من اليمن، وليس إعادة نظام الإمامة. لم تطرح السعودية إعادة الإمامة كمطلب أو كشرط في أي مرحلة من مراحل الصراع آنذاك. على العكس، تخلت السعودية عن الأئمة واعترفت بالجمهورية بمجرد خروج المصريين بعد كارثة حزيران عام 1967م. أما بالنسبة للوحدة فلم تكن السعودية ضدها من حيث المبدأ، وإنما من حيث طريقة التعامل معها يمنيا، وتأثير ذلك على مصالحها في المنطقة. والدليل أن السعودية دعمت الوحدة حتى قبل نهاية الحرب في صيف 1994م، ودعمتها بعد ذلك، كما هو واضح من اتفاق جدة، وتدعمها الآن أمام المطالب الانفصالية في الجنوب. هناك خلافات تنشأ بين الحين والآخر، وهناك تناقضات أحيانا، وهناك توازنات مصلحة أيضا. لكن كل ذلك من طبيعة العلاقة بين الدول.

- ما تعليقك على اللجنة الخاصة في السعودية التي تقدم أموالا طائلة لمشايخ شمال الشمال في اليمن؟
* لم أستبين ماذا تقصد تماما بهذا السؤال. لكن دعني أسألك في المقابل: لماذا القبائل في الدول العربية الأخرى غير قابلة للاختراق، وتلقي الدعم الخارجي؟ لماذا الاختراق يكاد أن يكون محصورا في اليمن؟ لماذا القبيلة في اليمن لا تزال تنافس الدولة على السلطة، وعلى الولاء؟ من المتعارف عليه أن سلطة الدولة حصرية، وأنها يجب أن تمتد إلى كل حدود الدولة. لماذا الدولة اليمنية تبدو أحد الاستثناءات في ذلك. والمثال الحوثي على منافسة القبيلة للدولة ليس إلا آخر الشواهد. ما علاقة هذا بحقيقة أن اليمن لا يزال يعاني من عدم الاستقرار السياسي لأكثر من ستين سنة إلى الآن؟ بدل النظر إلى الخارج، يجب قبل ذلك فحص الوضع الداخلي. لا يستطيع الخارج أن يؤثر في الداخل إلا إذا كان الداخل قابل لذلك. من المفيد حقا أن تطرح الأسئلة، والأسئلة المحرجة أيضا. لكن يجب أن تبدأ بنفسك أولا. مساءلة الخارج فقط، واتهامه ليس إلا شكل من أشكال الهروب من المسئولية.

- أليس هذا نوع من تقوية القبيلة على الدولة خصوصا وسبق أن أكدت أن القبيلة في اليمن أقوى من الدولة؟
* انظر الإجابة السابقة، مع التأكيد على أن قوة القبيلة في اليمن ليست شيئا طارئا، وإنما ظاهرة قديمة حافظت على نفسها حتى الآن، مما يشير إلى أنها متجذرة، وتتعلق بالبنية الاجتماعية والسياسية للمجتمع اليمني. ضمن معادلة الدولة والقبيلة في المنطقة ظلت الدولة في اليمن هي الأضعف أمام القبيلة مقارنة مثلا مع السعودية أو عمان أو سوريا. مما يعني أن قوة القبيلة في اليمن ليس أمرا طارئا، وإنما جزء من البنية الاجتماعية السياسية في هذا البلد، وبالتالي فإن مسئولية معالجة هذا الخلل يعود إلى اليمن قبل غيره.

- اليمنيون يفتقرون الريال السعودي في بناء المستشفيات والمدارس وتعبيد الطرق لكنهم يرونه جليا في سيارات المشايخ ومرافقيهم وجوالاتهم السياحية الخارجية.. كيف ترى ذهاب المملكة نحو المشايخ وإهمال البنية التحية هنا؟
* مرة أخرى تصر على النظر للخارج. من الذي يفترض أن يقرر أين تذهب المساعدات: السعودية؟ أم اليمن؟ وما هو ذنب السعودية، أو غيرها، إذا كانت المساعدات تتحول إلى مكتسبات شخصية داخل اليمن؟ أنا لست مطلعا على تفاصيل المعونات السعودية، ومآلاتها في اليمن. لكنني أعرف أن هناك مشاريع تنموية كثيرة في اليمن، صحية، وتعليمية، وطرق، وغيرها بتمويل سعودي. طريقتك في النظر إلى المعونات السعودية، وتحميل السعودية كل تقصير في ذلك يؤكد نظرة راسخة في الهروب من المسؤولية وتحميلها للآخرين فقط، ويؤكد ما قلت لك سابقا عن علاقة الشك والريبة. الأسوأ أن سؤالك يوحي بأن هناك فساد في اليمن، لكنك لا تستطيع أن ترى في هذا الفساد إلا السعودية. للسعودي أن يتساءل في هذه الحالة: ماهي جدوى المعونات السعودية لليمن؟ إذا كنت مذموما عندما تفعل، ومذموما عندما لا تفعل شيئا، وليس هناك مردود للمساعدات لا بالنسبة لليمنيين، ولا بالنسبة للسعوديين. هل من الأفضل في هذه الحالة وقف المساعدات؟ عندما تضع سؤالك في هذا الإطار يبدو وكأنه يحمل في طياته أكثر من الشك، وهو الابتزاز المضمر في صيغة تبدو أنها معنية بالأخلاق أكثر من غيره!!

- ألا يعتبر دخول الحوثيين الأراضي السعودية فشل ذريع للسعودية في تعاملها مع الملف اليمني، وأن المملكة اليوم تدفع ثمن سياستها الخاطئة تجاه اليمن؟
* تسلل الحوثيين إلى السعودية هو إفراز داخلي يمني، ولا علاقة له بنجاح أو فشل السعودية.

- هناك من يقول إن الملف اليمني خرج من أيدي المملكة وان هناك نفوذ جديد كدولة قطر مثلا ربما نكاية أو أخرى.. ما رأيك؟
* أولا يجب أن يبقى الملف اليمني في أيدي اليمنيين قبل غيرهم. وتمشيا مع منطق سؤالك، ربما تجد الإجابة في مؤتمر الرياض الأخير، وفي شروط وقف النار مع الحوثيين، وفي زيارة الحكومة اليمنية للرياض قبيل وأثناء وبعد مؤتمر الرياض المذكور. ولعلك عرفت الآن بأن الحكومة اليمنية صادرت مؤخرا أجهزة البث التابعة لقناة الجزيرة القطرية. لا أظن أن هذا يؤيد فرضية نفوذ قطر أو غيرها. كيف يمكن لدولة بعيدة جغرافيا أن تخترق بنفوذها حدودا تمتد أكثر من ألف كيلو متر بين السعودية واليمن؟ ومن حيث أن السعودية لا تستطيع أن تفعل كل شيء، ما المانع من أن تكون هناك علاقات عربية عربية متكاملة. السعودية واليمن وقطر بلدان عربية في آخر الأمر.

- هل توافق وصف بعض المحللين العلاقات اليمنية السعودية بأنها علاقة التابع للمتبوع وأن السعودية تتعامل مع اليمن على أنها حديقتها الخلفية؟
* العلاقة ليست علاقة تابع ومتبوع، ببساطة لأن تاريخها الطويل لا يؤيد هذا الوصف على الإطلاق. لو كانت العلاقة كما يقول السؤال لكان الوضع مختلفا تماما عما هو عليه الآن. ربما للأحسن أو للأسوأ، هذه مسألة ثانية. نعم اليمن هو بمثابة الحديقة الخلفية للسعودية، أو العمق الإستراتيجي لها. ماهي المشكلة في ذلك؟

- هل تتوقع تغيير استراتيجية المملكة في اليمن بعد الأحداث الأخيرة؟
* لا أتوقع ذلك، لكن أتمنى أن يتغير اليمن، وأن يستعيد استقراره السياسي، وأن ينخرط في عملية إصلاح على كل الأصعدة، بما في ذلك صيغة علاقاته مع الآخرين.

- يُتهم النظام اليمني بتصدير أزماته نحو الخارج بغية ابتزاز الخليج.. هل توافق هذا الطرح؟
* ليس المهم هل أوافق أم لا. الأهم أن هذا الرأي موجود ليس فقط داخل السعودية، ودول مجلس التعاون، بل داخل اليمن، وربما أكثر من غيرها. بل إن هذا الرأي متفش في الإعلام الدولي. هذا تصور، والتصور جزء من الواقع. ربما أن لهذا علاقة بما ذكرته قبلا عن لعبة الكروت. بعض الدول تستخدم الأزمات لتركيز اهتمام مواطنيها على الخارج بدلا من الداخل، وللقول للناس بأنها مصدر حمايتهم وأمنهم. وبعض الأنظمة يستخدم بؤر التوتر الأمني في المنطقة كأوراق ضغط على الآخرين. كل ذلك وغيره من طبيعة الأنظمة السياسية العربية. تحدثنا هذه الأنظمة كثيرا عن أميركا، والاستعمار، والصهيونية. إلا أنها لا تريد الحديث عن الداخل إلا من خلال قنوات إعلامها الدعائي. يجب أن نملك إزاء ذلك عقلا نقديا، تجاه الداخل والخارج معا، وليس تجاه الخارج وحسب. مرة أخرى، الانشغال بالخارج، وغض الطرف عن الداخل هروب من المسؤولية، وهذا موقف أقل ما يوصف به أنه غير مسؤول. إذا كانت الأنظمة السياسية تستفيد من ذلك، فلماذا تنجر الشعوب، وقبله ينجر المثقفون إلى هذه اللعبة السياسية، التي يفترض أنها انكشفت منذ زمن؟

- السعودية بحسب مذكرات الراحل الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر دعمت وبقوة صعود الرئيس علي عبدالله صالح إلى السلطة.. كيف انقلبت الموازين؟
* لم تنقلب الموازين كما أتصور. في المصالح السياسية هناك ثوابت، وهناك متغيرات. ثوابت المصالح السعودية اليمنية لم تتغير. لكن من الواضح أن المتغيرات لم، ولن تستقر. والمهم هنا ليس عدم الثبات هذا، وإنما طريقة التعاطي معها، وطريقة معالجتها حسب الظروف السائدة. الأكيد أن اللعبة السياسية لا تزال كما هي. حاول الرئيس علي صالح، كما تعرف، أن يستخدم الغزو العراقي للكويت عام 1990م لتحقيق مكاسب من الطرفين، وأظنك تعرف النتيجة، وإلى أين انتهى الأمر باليمن، وبالمنطقة. كما ذكرنا من قبل، هناك من يقول بأن الرئيس استخدم ويستخدم التمرد الحوثي لجلب معونات خارجية يتم توظيفها لمصلحة النظام قبل أي شيء آخر. كل ذلك يؤشر إلى أن الرئيس، رغم ما يقال عن السعودية أنها دعمت صعوده للسلطة، يتمتع باستقلال في علاقاته الخارجية. الإشكالية أن الرئيس يتمتع باستقلال في الداخل أكثر مما ينبغي، الأمر الذي ربما أنه المسؤول الأول عن وضعيته في مواجهة الجميع، وبالتالي حاجته إلى لعبة "الكروت".

- انضمام اليمن إلى مجلس التعاون الخليجي كثر فيه الحديث.. ما الأسباب الحقيقية برأيك وراء هذا التعنت الخليجي إن جاز لنا التعبير؟
* ليس هناك تعنت خليجي، هناك تباطؤ يمني، وعدم استعداد لتحمل متطلبات الانضمام. لا يمكن لدول المجلس أن تقبل انضمام دولة تعاني من حالة مزمنة من عدم الاستقرار السياسي. قد تنتقل عدوى هذه الحالة إلى دول أخرى من دول المجلس. مصلحة الجميع في انضمام اليمن. هذا من حيث المبدأ. لكن هناك متطلبات وخطوات لابد من القيام بها. ليس من مصلحة اليمن الحقيقية النظر إلى مسألة الانضمام على أنها مجرد طريقة لتحقيق مكاسب اقتصادية سريعة. المكاسب السريعة تختفي بسرعة أكثر. من مصلحة السعودية ودول المجلس أن يستقر اليمن، وأن يتطور اقتصاديا وسياسيا، لأنه يمثل عمقا إستراتيجيا كبيرا لها. تصور لو أن اليمن وصل إلى وضع يجعل منه قادرا على استيعاب جزء من العمالة السعودية، وبالتالي تبادل العمالة معها. هذا في مصلحة الجميع. الوضع اليمني كما هو الآن ليس في مصلحة أحد. لكن الخطوة الأولى لتجاوز ذلك يجب أن تبدأ من داخل اليمن. لا أحد يستطيع أن يقوم بعملك بالنيابة عنك.

- هناك أشياء لا تحتاج إلى تأهيل أو متطلبات كتحسين وضع العمالة اليمنية في الخليج التي لطالما شكت التعسف والقسوة وأنت تعرف خطورة العمالة الوافدة المتزايدة على دول الخليج؟
* ليس هناك ما يمنع من الاستعانة بالعمالة اليمنية، بل يجب تفضيلها على غيرها. تأهيل هذه العمالة فنيا قد يكون من أقل المهمات صعوبة. هناك ما هو أكثر صعوبة من ذلك. هناك التأهيل التعليمي والثقافي والسياسي، وهذه مهمة مشتركة بين الجانبين. وأعني بالتأهيل من هذه الزاوية أن تكون هناك لغة مشتركة، ورؤية مشتركة للأمور ولبعضنا الآخر. يجب أن نتخلص من مسببات الشك، ومن عادة الاتهامات المتبادلة. وقبل ذلك يجب أن يحسم اليمن أمره سياسيا، وأن يحقق الاستقرار السياسي، وأن يعمل على تطوير خطاب أكثر مسؤولية في تعامله مع جيرانه. لا يمكنك الجمع بين القول بأننا عرب وجيران، وفي الوقت نفسه تستخدم ضد هؤلاء العرب والجيران خطاب توزيع الاتهامات عند كل منعطف، وأمام كل مشكلة تواجهك. في مقابل المصالح المشتركة هناك مسئولية مشتركة أيضا.

- يقال إن اليمن متفوق سياسيا على جيرانه في الخليج، هناك انتخابات رئاسية ونيابية ومحلية، بينما الدول الخليجية متفوقة اقتصاديا.. هل يسهم ذلك في توسيع الفجوة بين الجانبين؟
* كلمة "متفوق" في سؤالك مضللة جدا، وتعبر بشكل لافت عن طبيعة الخطاب السياسي السائد في العالم العربي. إذا كان "اليمن متفوق سياسيا"، فلماذا إذن يمثل نموذج الدولة المريضة في المنطقة؟ لماذا يعاني من عدم استقرار سياسي مزمن؟ كيف يكون اليمن متفوقا، وفي الوقت نفسه دولته مهددة باحتمال دخولها نادي الدول الفاشلة؟ سؤالك يتأسس على وهم أن هناك ديمقراطية في اليمن. أعد النظر: هل هذا صحيح أو دقيق؟ اللبنانيون أيضا لديهم الوهم نفسه. أن ما تسميه "ديمقراطية" في اليمن ليس كذلك، وإنما هوامش من حرية التعبير، ومساحات لحرية العمل السياسي، لكنها في الواقع هوامش لم تفضِ إلى شيء ملموس، أو مكتسبات في مجالات بناء مؤسسات الدولة، أو التعليم، أو الاقتصاد والدخل، أو الفكر والثقافة.

ما هي هذه الديمقراطية وهذه الحرية التي لا تفضي إلى شيء، إلا إلى مزيد من الفقر والفساد وتدهور التعليم والفكر، ومع كل ذلك تدهور مؤسسات الدولة. انظر إلى لبنان. رغم كل الاختلافات، الوضع السياسي هناك مشابه في العمق لما هو عليه في اليمن. مثل اليمن لا توجد في لبنان أكثر من الهوامش نفسها. يجب أن نتذكر بأن "هامش حرية التعبير" مختلف تماما عن "الحق السياسي في حرية التعبير" المصون دستوريا. كما أن الدولة في اليمن تعاني من منافسة القبيلة لها، الدولة في لبنان ضعيفة أمام الطوائف بشكل مزر، إلى درجة يمكن القول معها بأن هذه الدولة تكاد أن تكون مغيبة تماما.

لا تحلم هذه الدولة أن تنافس أحد الأحزاب، وهو حزب الله (يمثل طائفة واحدة) الذي يملك جيشا قادرا على فرض سلطته عليها. المعادلة في لبنان صارت مقلوبة: الدولة مجبرة على تفصيل سلطتها على مقاس الأحزاب، وبما لا يتعارض مع مطالب وطموحات هذه الأحزاب وتحالفاتها الخارجية، وليس العكس. المفترض، حسب المعادلة الطبيعية، أن تقوم الأحزاب والقوى السياسية، وأن تتشكل تحت سقف سلطات الدولة وأنظمتها، وبما لا يتعارض مع مصلحة هذه الدولة باعتبارها المؤسسة الوحيدة في المجتمع التي يحق لها احتكار سلطات التشريع والتنفيذ والقضاء، ولها وحدها مشروعية امتلاك أدوات العنف، والتلويح باستخدام هذه الأدوات، ضمن حدود القانون طبعا. في اليمن قوة القبيلة هي التي فرضت الهوامش المذكورة، وهي التي تفرض على الدولة احترام حدود هذه الهوامش. المأزق أن القبيلة لا تستطيع أن تفرض أكثر من ذلك، والدولة لا تستطيع أن تفرض أقل من ذلك. لا يسمح المجال بتفصيل الأسباب، لكنها جميعها تتعلق بطبيعة القبيلة كمؤسسة اجتماعية سياسية من ناحية، وبطبيعة الدولة اليمنية في هذه المرحلة، وبالتالي بطبيعة العلاقة بينهما. السؤال: هل ما يوجد في اليمن دولة فعلا؟ أم نظام سياسي أقل من الدولة، وأكبر من الحكومة؟ كل ذلك لا يعني أن الوضع السياسي في دول الخليج العربي أفضل، إلا لناحية الاستقرار السياسي، وقوة الدولة أمام القبيلة، وهذا شيء يمكن التأسيس عليه والانطلاق منه نحو إصلاح سياسي شامل وحقيقي. ثم إن دول الخليج (أنا لا أحب هذه التسمية بالمناسبة) ليست قوية اقتصاديا. قوتها مالية، وتعطي الانطباع بقوة اقتصادية، وهذا مضلل أيضا.

- كيف تقرأ ما يجري في اليمن: حرب مع الحوثيين، حراك انفصالي في الجنوب، نشاط تنظيم القاعدة.. هل هناك مؤشرات صوملة؟
* تكالب الأزمات التي ذكرتها يعني أن التجربة السياسية التي بدأت مع الثورة في الشمال والجنوب قبل الوحدة هي تجربة فاشلة. إذا كان نظام الإمامة متخلف، وهو كذلك، فإن النظام السياسي الذي جاء بعده هو نظام فاشل. لم يتمكن هذا النظام من تحقيق شيء من التجانس والانسجام بين الشعار الأيديولوجي والسلوك السياسي، وبين الحلم والواقع. غرق في التفاصيل والفساد، وفي الطموحات الشخصية والولاءات الضيقة. بقيت التركيبة السياسية والاجتماعية في اليمن من دون تغيير حقيقي بعد "الثورة".

في ضوء ذلك، هل أن ما حدث كان ثورة حقا؟ مع ذلك أن اليمن حاليا على حافة الصوملة، كما يقال. لكن من دون إصلاح سياسي حقيقي وشامل، ومن دون التخلي عن ما يسميه الرئيس ب"لعبة الكروت"، ومن دون الإيمان الحقيقي بضرورة التداول السلمي للسلطة، سوف يقترب اليمن كثيرا من حافة "الصوملة". من نافلة القول أنه لا أحد من جيران اليمن يتمنى ذلك، لأنه تطور مفزع وخطير. الحكمة يمانية، كما يقال. ماذا حصل لهذه الحكمة؟

- ما الذي يجب على السعودية ودول الخليج بشكل عام فعله إزاء اليمن كي يتجنب مخاطر الانهيار الشامل؟
* لا ينبغي التشاؤم في هذه المرحلة. المطلوب تشخيص الواقع في اليمن كما هو، وامتلاك الشجاعة على مواجهته، ومواجهة متطلباته. إذا كان المطلوب من دول الخليج مساعدات اقتصادية وحسب، فإن هذا حصل من قبل، لكنه لم يساعد على مدى أربعة عقود من حل مشكلة اليمن. مما يعني أن جوهر هذه المشكلة ليس اقتصاديا. ربما يظن الأخوة في اليمن تحت ضغط الأزمة الاقتصادية بأنهم في حاجة إلى مساعدات اقتصادية قبل أي شيء آخر.

لكن يجب أن نتذكر أن كل المساعدات الخليجية والدولية منذ نهاية الحرب الأهلية عام 1969م لم تحل المشكلة. كما ذكرت لك من قبل، مشكلة اليمن الجوهرية (مثلها في ذلك مثل بقية الدول العربية الأخرى) هي مشكلة سياسية. وهذه لا يمكن معالجتها إلا داخل اليمن، ومن قبل اليمنيين أنفسهم. ربما يساعد الآخرون في تسهيل ذلك، لكن هؤلاء الآخرين، وهم دول الخليج العربي، أو الدول العربية الأخرى، هي نفسها تحتاج إلى إصلاح سياسي أيضا. يمكن أن يحصل نوع من التفاهم بين الجميع هنا على ضرورة تبني هدف الإصلاح السياسي، وإدراك مردوده الإيجابي على الجميع. لكن هذا لا يبدو أنه في الأفق حتى الآن. وبالتالي فالأفضل بالنسبة لليمن أن لا ينتظر الآخرين. يجب أن يباشر مهمة الإصلاح السياسي، لأنه لا مخرج له من أزماته إلا على هذا الأساس.

- عادة ما يتردد أن اليمن تمثل عمقا استراتيجيا لدول الخليج.. من أي النواحي يمكن لدول الخليج الاستفادة من هذا العمق؟
* نعم اليمن هو العمق الإستراتيجي لدول "الخليج"، وخاصة السعودية وعمان. والعكس أيضا صحيح. لكن الاستفادة من ذلك لن تتحقق من قبل الجانبين بزيادة المساعدات الاقتصادية لليمن. مساعدات اقتصادية من دون إصلاحات سياسية (على الجانبين) لا يعني إلا شيئا واحدا، استفادة مالية وسياسية من هذه المساعدات من قبل أطراف بعينها دون غيرها، مع بقاء الوضع على ما هو عليه من دون تغيير. هذه ما تقوله تجربة أكثر من نصف قرن من العلاقة بين الجانبين. الاستفادة من واقع العمق الإستراتيجي لن تتحقق إلا في إطار سياسي مناسب لهذه الاستفادة. الإطار السياسي الحالي في اليمن، وفي منطقة الجزيرة العربية والخليج العربي ككل لا يساعد كثيرا في تحقيق الاستفادة المنشودة.

زر الذهاب إلى الأعلى