arpo28

التسوية في اليمن تنتظر معجزة الحوار

التحركات التي بدأت السلطات اليمنية مؤخراً باتخاذها لمنع انزلاق الأوضاع في جنوبي البلاد إلى مرحلة أسوأ، وتمثلت في حضور عسكري كبير في المناطق الجنوبية، أكدت أن الوضع السياسي يسير من سيىء إلى أسوأ في ظل تصاعد الاحتجاجات في هذه المناطق وغياب التسوية السياسية المطلوبة، خاصة في ظل تعارض المشاريع التي يتبناها طرفا النزاع، وهما المؤتمر الشعبي العام وكافة حلفائه من جهة والمعارضة المنضوية في إطار تكتل اللقاء المشترك مع كافة شركائها من جهة أخرى.

لا تبدو إمكانية التقارب بين الطرفين ممكنة على الأقل في الفترة القليلة المقبلة نظراً لتقاطع المشاريع السياسية لدى كل طرف، فحزب المؤتمر الشعبي لا يزال يرى في المعارضة العائق الأساس أمام التوصل إلى اتفاق يمرر مشروع التعديلات الدستورية التي تضمنتها رسالة من الرئيس علي عبدالله صالح إلى البرلمان قبل أكثر من شهر، فيما تعتبر المعارضة أن مشروع السلطة محاولة لتجريد الحياة السياسية من حيويتها بقصر الاتفاقات بين الطرفين على قضايا آنية وليست مشروعاً سياسياً ووطنياً متكاملاً يمنح الحياة السياسية قدراً من التوازن، وترى في المواقف السياسية للحزب الحاكم محاولة للانفراد في صناعة القرار من دون شراكة من أحد .

وبقدر تحركات السلطة لمعالجة الأوضاع المختلة في الجنوب بطريقة التهدئة السياسية وتشديد القبضة العسكرية، بخاصة في محافظات لحج والضالع وأبين، تتحرك المعارضة لتوسيع تحالفاتها لتشمل فعاليات أوسع وأعرض، حيث دخل الحوثيون كقوة سياسية جديدة بعدما وقعوا مع لجنة الحوار الوطني التي تضم أحزاباً معارضة عدة اتفاقية للتعاون السياسي بينهما مطلع الأسبوع الجاري .

لكن مراقبين يحذرون من طريقة معالجة السلطة للأوضاع في الجنوب، ويرون أن “مواجهة الحراك السلمي في الجنوب بالعنف والقمع سينتج تداعيات خطيرة”، ويشيرون إلى أن الحراك السلمي في الجنوب حقق نتائج سياسية ووطنية واستطاع أن يفرض واقعا جديدا في المشهد السياسي، وأخذت قضية الجنوب بعدها الحقيقي في إطار الأزمة الوطنية الشاملة التي كانت مهملة، واليوم بدأ العالم يقول إن هناك قضية ومشكلة حقيقية في جنوب اليمن .

تحركات على جبهتين

تحاول صنعاء تكريس جهودها في الفترة الحالية على جبهتين لمعالجة الأوضاع في الجنوب، الأولى جبهة النشاط السياسي والثانية جبهة الحسم العسكري، وفي الجبهة الأولى يقود الرئيس علي عبدالله صالح، الذي بدأ بزيارة إلى محافظة حضرموت بعد زيارة قصيرة دامت لساعات لدولة قطر، توجهاً لمعالجة الشأن السياسي، حيث نجح في إعادة ترميم العلاقات التي تصدعت بعد خلافات صامتة راكمتها مواقف صنعاء من عدم حضور قمة غزة العام الماضي، على الرغم من حماستها لعقدها، وما تلا ذلك من تلميحات بشأن دور قطري سلبي في قضية دعم الحوثيين في صعدة، إلا أن الزيارة نجحت في إعادة العلاقات بين البلدين إلى حيويتها القديمة .

وكانت أولى المعالجات التي بدأ بها الرئيس صالح من حضرموت تتمثل في إصدار توجيهاته للأجهزة الأمنية بإطلاق سراح المعتقلين على ذمة النشاطات السياسية الأخيرة بمحافظة حضرموت، بمن فيهم السجناء الذين وجهت إليهم تهمة الإساءة إلى الوحدة اليمنية، بينهم صحافيون وسياسيون جرت وتجري محاكماتهم، وصدرت بحق بعضهم أحكاماً قضائية عدة .

ورأى مراقبون في هذه التوجيهات خطوة أولى لمعالجة أشمل لبقية قضايا المعتقلين في بقية مناطق البلاد، وبالذات في الضالع ولحج وأبين، حيث لا تزال هذه القضية واحدة من قضايا الخلافات بين الحزب الحاكم والمعارضة.

وعلى الرغم من أن الرئيس علي عبدالله صالح يرى أن ما يحدث في الجنوب “أمر اعتيادي”، وأن بعض وسائل الإعلام يؤججه ويضخمه، إلا أنه يدرك أن الأوضاع سيصعب السيطرة عليها إذا ما سارت نحو الأسوأ في المستقبل، وهو ما يحذر منه العديد من المراقبين، سواء في السلطة أو المعارضة .

خشية صالح من إمكانية نجاح دعوة الانفصال التي يدعو إليها بعض الأطراف السياسية ليست لها وجود في قاموسه، وهو يرى أن “من يدعون للانفصال ويحاولون العودة بالوطن إلى ما قبل 22 مايو/أيار هم مجموعة من الأشخاص سبق وأن حاولوا وخسروا حرب صيف ،1994 وليس لهم مكان بين أبناء الشعب اليمني وفي مقدمتهم أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية ؛ فالجميع مع الوحدة، وتلك الأصوات النشاز ليست سوى فقاقيع تظهر من وقت إلى آخر” .

ويعارض صالح فكرة الفيدرالية التي يدعو إليها بعض الأحزاب السياسية، من أبرزها حزب رابطة أبناء اليمن (رأي)، والشخصيات المعارضة بعضها في الداخل والآخر في الخارج، ويرى أن الدعوة إلى الفيدرالية تعتبر تراجعاً للخلف، ويقول صالح: “كان من المفترض أن يبحث مفهوم الفيدرالية قبل إعادة تحقيق الوحدة الاندماجية، بحيث نبدأ بالوحدة الفيدرالية وصولا إلى الوحدة الاندماجية، أما الآن وبعد أن مضى على هذا المنجز الوطني والقومي المشرف عقدين من الزمان فإن مثل هذه الأطروحات تعتبر ارتدادا عن الوحدة الاندماجية التي تعد الأسبق، فالوحدة وجدت لتبقى مهما كانت الزوابع أو التحديات” .

وبهذا الموقف يقطع الرئيس صالح الطريق على من يحاولون دفع خيار الفيدرالية للأخذ به لمعالجة الأزمات التي تواجه البلاد اليوم، بخاصة في الجنوب، إذ إن تبني خيار الفيدرالية من شأنه، برأي هؤلاء، أن يخلق واقعاً جديداً يجعل وحدة اليمن في مأمن من التفكك ويحل بالتالي الأزمات التي تعجز السلطة المركزية في صنعاء عن معالجتها، خاصة مع استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد .

وفي الجبهة الثانية تحاول صنعاء تخفيف الضغط الذي يمارسه الحراك الجنوبي في المناطق الملتهبة، بخاصة في كل من الضالع، لحج وأبين، وذلك عن طريق احتواء المسيرات التي صارت وجبة يومية لأنصار الحراك مع ما تمثله هذه المسيرات من سلبيات تظهر الدولة في موقف غير القادر على فرض الأمن، إذ إن العشرات يسقطون بين قتيل وجريح في المصادمات التي تحدث بين قوات الأمن وأنصار الحراك الجنوبي .

وفي هذا الاتجاه عززت صنعاء من تواجدها العسكري في مناطق الجنوب خشية خروج الأوضاع عن السيطرة، وهو ما سيحول الجنوب، إذا ما استمرت الأوضاع كما هي إلى صعدة أخرى، وهو ما يخشاه النظام، حيث سيصبح من الصعوبة إعادة السيطرة على الأوضاع في هذه المناطق .

وعلى الرغم من أن هذه الجبهة حققت بعض النجاح، خاصة في أبين، إلا أنها لم تحقق النجاح المطلوب في كل من لحج والضالع، حيث لا تزال الأوضاع محتقنة في المحافظتين، ولا يزال أنصار الحراك الجنوبي يخرجون كل يوم إلى الشوارع في تظاهرات واحتجاجات متواصلة، ما يدفع بالطرفين إلى صدامات عنيفة تسفر عن سقوط قتلى وجرحى، بل والأسوأ من ذلك كله تراكم مشاعر الكراهية بين أبناء المناطق الجنوبية وإخوتهم من أبناء المناطق الشمالية الذين يتواجدون في الجنوب منذ عشرات السنين .

ويرى محللون سياسيون أن استخدام القوة العسكرية ليس هو الحل للأزمة القائمة في البلاد، ويقولون إن ذلك قد يزيد من حجم الاحتقان القائم أصلاً في البلاد، وإن الحل يكمن في أن يستمع كل للآخر وعدم التمترس حول المواقف التي يتبناها كل طرف، والعودة إلى طاولة الحوار لمعالجة كافة الأزمات التي تواجهها البلاد .

تساؤلات قلقة

التساؤل المطروح اليوم هو: هل سدت أبواب الحلول السياسية للوضع في الجنوب بعد توقف الحرب مع الحوثيين، وكيف يمكن إعادة طرفي الأزمة إلى مربع الحوار السياسي عوضاً عن ذهابهما إلى مواجهة في الشارع؟

يجتهد مراقبون في البحث عن إجابة عن هذه التساؤلات، ويرون أن الحل الذي يقوم على الحوار الوطني هو الطريق الوحيد أمام اليمنيين للوصول إلى تفاهمات من شأنها أن تعالج جذور الأزمة المركبة التي يعاني منها السياسيون اليوم، ويقولون إن المبادرات السياسية المختلفة التي تأتي من الخارج لن تفيد السياسيين الذين يتعاركون في الداخل، ويشيرون إلى أن الحل يكمن في الداخل أصلاً، وأن التوافق الداخلي هو أهم من المراهنة على مواقف الخارج .

وجاء ذلك رداً على المبادرة التي قدمها المعهد الديمقراطي الأمريكي إلى الطرفين تقضي بأن يجتمع فرقاء الحياة السياسية في مؤتمر تحتضنه العاصمة اللبنانية بيروت، على أن تناقش فيها قضايا الخلاف، ويشترك فيها مختلف الأطراف السياسية بما فيها قادة الخارج، إلا أن هذه المبادرة تم إجهاضها بمواقف طرفي الصراع في الداخل، أي المؤتمر الشعبي وحلفاؤه والمعارضة المنضوية في إطار تكتل اللقاء المشترك وحلفاؤها .

وفي هذا الصدد يقول الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني الدكتور ياسين سعيد نعمان إنه كان هناك مقترح من المعهد الديمقراطي الأمريكي لتقريب وجهات النظر بين المؤتمر الشعبي العام وأحزاب المعارضة المنضوية في إطار اللقاء المشترك لعقد لقاء في العاصمة اللبنانية بيروت، ثم عاد وعدله إلى لقاء في صنعاء يحضره المدير الإقليمي للمعهد لمناقشة الآلية التي سيتم بموجبها التحضير لمؤتمر حوار وطني تشارك فيه كل القوى السياسية من دون استثناء من ناحية وتهيئة المناخات السياسية من ناحية أخرى، لكن بعد يومين من تقديم المقترح عاد المعهد وأبلغنا أن حزب المؤتمر رفض الفكرة ولم يحدث جديد بهذا الشأن من يومها .

لكن فشل المبادرة الأمريكية حرك الاتصالات من جديد بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة، حيث تبادل الطرفان الرسائل بشأن استئناف الحوار المنقطع بينهما منذ عدة أشهر، وهذه الاتصالات أعادت الأمل في إحياء ما كان قد انقطع بين الجانبين طوال الفترة السابقة، حيث أبدى الطرفان، على الأقل في الرسائل المتبادلة، استعداداً للحوار والتوقيع على محضر اتفاق الثالث والعشرين من شهر فبراير/ شباط من العام الماضي، وهو الاتفاق الذي توصل إليه الطرفان بتأجيل الانتخابات التشريعية لمدة عامين .

تركزت رسائل الطرفين (الحزب الحاكم والمعارضة) على قضايا عدة محل خلاف، أبرزها التباين في تفسير من كان السبب وراء عدم تواصل الحوار بين الطرفين وتطبيق محتويات اتفاق فبراير/ شباط العام الماضي، وبقدر ما حمل كل طرف الطرف الثاني المسؤولية في تعثر الحوار وتعطيل الاتفاقات، فإنهما أبديا استعداداً لتشكيل لجنة مشتركة تضم أعداداً متساوية من الطرفين لتهيئة الأجواء واستئناف الحوار .

وتشترط المعارضة أن يبدأ الحزب الحاكم باتخاذ إجراءات تطمينية في الساحة كالإفراج عن المعتقلين والتوقف عن عسكرة الحياة المدنية ورفع القبضة الحديدية على الجنوب حتى يمكن أن يدخل الجانبان في حوار جاد بعيداً عن أجواء التوتر القائمة، أما الحزب الحاكم فإنه يطالب المعارضة بترشيد خطابها السياسي، بالإضافة إلى إعلان موقف مؤيد للإجراءات التي تتخذها الدولة للسيطرة على الأوضاع في البلاد، بخاصة الأوضاع في المناطق الجنوبية والشرقية من البلاد، لأن ذلك سيقود البلاد إلى أعمال فوضى وعنف .

وترى مصادر مقربة من صناعة القرار في البلاد أن المرونة التي يبديها الحزب الحاكم اليوم في مد خيوطه مع المعارضة تهدف إلى تجنب الصدام مع المعارضة، خاصة مع رغبة المؤتمر في إجراء تعديلات دستورية خلال الأسابيع القليلة القادمة، وهي التعديلات التي اتفق عليها مع المعارضة في وقت سابق وتم تأجيلها بعد نشوب الأزمة الأخيرة بين الجانبين .

وتلعب التعديلات الدستورية المرتقبة دوراً مهماً في علاقة الطرفين خلال الفترة المقبلة، فالمؤتمر لا يريد أن يقر التعديلات من دون أن تكون المعارضة حاضرة في هذه الخطوة، كما أن مضيه في هذه الإجراءات سيؤكد أنه هو من خرق اتفاق فبراير/شباط لا المعارضة، كما تبدو المعارضة في موقف يتطلب منها أن تبدي مرونة حيال خطوة الحزب الحاكم المرحب بعودة الحوار، لكن على أي أساس يمكن أن يتحاور الطرفان، فالمعارضة لا تزال تعتقد أن الحزب الحاكم غير جاد في الحوار للوصول إلى اتفاق وطني شامل، وأن ما يعلنه لا يعدو عن كونه مناورة تقتضيها المرحلة، وأنه لو كان جاداً لأسرع في تنفيذ اتفاق فبراير/ شباط العام الماضي عوضاً عن إبقائه حبيس الجدران .

وترى المعارضة أن الاتفاق الوطني الشامل يجب أن يضم أطرافاً سياسية ومكونات اجتماعية عديدة، من أبرزها حركة الحوثي التي وقعت اتفاقاً للتعاون السياسي مع اللجنة التحضيرية التي تضم أحزاباً من المعارضة، بالإضافة إلى قوى الحراك الجنوبي، التي تحولت إلى قوة سياسية مؤثرة في الجنوب، وإن لم يكن لها قيادة موحدة بعد .

لكن مثل هذه المطالب يرى فيها الحزب الحاكم شروطاً تعجيزية، فالمؤتمر يعتقد أن من شأن إشراك الحوثيين، وهم الذين خاضوا مع الدولة ست حروب، وإشراك قوى الحراك الجنوبي، وهم الداعون للانفصال، أن يخل بالخط العام للدولة التي ترفض خروج أية جماعة عن عصا طاعة الدولة، وبالتالي فإن الحزب الحاكم يضع سقفاً للحوار يجب على المعارضة ألا تتعداه، ويتمثل هذا السقف في الحوار تحت ثوابت الوحدة والجمهورية والديمقراطية، وما عدا ذلك يعتبر أمراً قابلاً للنقاش .

ووسط هذه التجاذبات يبقى الشارع اليمني أسيراً لتجاذبات قواه السياسية، ويبقى العديد من الأزمات يتفاعل، خاصة في الجنوب بعد أن هدأت جبهة الحرب في صعدة، يترافق ذلك مع أزمة اقتصادية طاحنة تجد الحكومة اليمنية صعوبة في معالجتها، خاصة بعد هبوط العملة الوطنية “الريال” أمام العملات الأجنبية واستشراء الفساد الذي يعيق عملية إصلاحيات حقيقية على أرض الواقع .

وعلى إيقاع الأزمات يسير اليمن متلمساً طريقاً يقوده إلى بر الأمان، ويرى مراقبون أن الحل الوحيد للأزمة التي يعاني منها اليمن تكمن في عودة جميع أطراف السياسية إلى طاولة الحوار وتبني موقف سياسي موحد يخرج البلاد إلى بر الأمان .

زر الذهاب إلى الأعلى