تعتمل على واجهة المشهد السياسي والأمني والاقتصادي في اليمن تداعيات إضافية لما أفرزته تطورات وأحداث من قبيل تصاعد الاضطرابات في المحافظات الجنوبية وتجدد إرهاصات حرب سابعة بين الجيش والمتمردين الحوثيين في أقصى الشمال،
وتفاقم خريطة الأوضاع الاقتصادية المتردية، تزامن ذلك كله مع تصاعد تهديدات تنظيم “القاعدة” واتساع فجوة الخلافات والأزمة القائمة بين طرفي المعادلة السياسية القائمة في البلاد، الأمر الذي أثار ولايزال يثير توجسات وتساؤلات ملحة عما ينتظر اليمن في آخر نفق يفتقد لنقطة ضوء وسط صخب الخلافات وأمواج التحديات والأزمات المتلاحقة .
وحرصاً من “الخليج” على مواكبة تفاعلات مشهد الأزمة المحتدمة في اليمن نظمت ندوة استضافت فيها الأمين العام المساعد للحزب الاشتراكي اليمني جوهرة حمود، ونائب رئيس الدائرة السياسية في حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم عبدالحفيظ النهاري، والأمين العام للحزب الديمقراطي الناصري المنضوي في إطار المجلس الوطني للمعارضة، وهو من أحزاب الموالاة شايف عزي صغير، والمحلل السياسي ونقيب الصحافيين اليمنيين الأسبق عبدالباري طاهر .
حوار مقطوع ويمن يبحث عن مخرج سياسي
هناك أزمة سياسية قائمة اليوم، ألا تعتقدون بإمكانية أن يقدم كل طرف تنازلات للآخر حتى تسير الأمور باتجاه الانفراج؟
جوهرة حمود: القضية الآن لم تعد في التنازلات، بل في الجدية والتعاطي مع الأزمة الموجودة، أنا أشعر أن الحوار بدأ في الفترة الأخيرة يتحرك وهو لا يزال يراوح في نقطة اختيار من هم المتحاورون، وكما من حق السلطة أن تأتي بكل حلفائها، فمن حق المشترك أن يأتي بكل حلفائه، وهذا كله سيصب في مصلحة المجتمع، فاستيعاب الجميع وعدم إقصاء الآخر من الحوار هما النقطة المهمة اليوم .
برأيك أستاذ شايف هل الطرفان جادان في الحوار أم أن هناك مناورات لكسب الوقت؟
شايف صغير: في رأيي يجب أن نناقش سلطة ومعارضة مشاكلنا، ويجب عدم الدخول في عموميات لا نستفيد منها في شيء، نود أن نناقش مفردة واحدة من المفردات ونصل فيها إلى حل، أريد أن أتساءل من استدعى هذه الإشكالية الدينية والمذهبية ويتعاطف معها الآن بعد أن كانت سبباً أساسياً في الحرب وفي عدم إقرار الدستور من قبل، هذه الأشياء نسوها للأسف وكأنه كان مطلوباً منهم أن ينسوا هذه الإشكالية ليعقدوا تحالفاً جديداً على جثث الناس ويأتوا ليطلبوا من الآخر الحل، يجب أن نمتلك الشجاعة ونقول إن الحزب الفلاني كان شريكاً في السلطة بعد الوحدة وأزم الموقف في الشمال إلى درجة أنه قتل الناس في المناطق الوسطى وكانوا هم في قمة الهرم الأمني وننسى هذا الأمر، ثم نأتي بعد الوحدة فنجد المؤتمر الشعبي العام ليس إلا مجروراً إلى كثير من القضايا، وأنا لا أدافع عن حزب المؤتمر لكن هذه حقائق يجب أن نطرحها، للأسف الشديد الحزب الذي كنا ننتظر منه الإصلاح وأن يكون راعياً للحداثة “الحزب الاشتراكي” يذهب ويسلم نفسه طائعاً ليقوده من كان يعاديه حتى العظم .
في اعتقادي أن المشترك لا يريد حواراً سياسياً تشارك فيه كافة القوى السياسية والمجتمعية، بل يريد أن يبقوا منفردين في قضايا الحوار مع الحزب الحاكم، عندما يقولون إنهم لا يريدون حواراً، ثم يدخلون في حوارات كانت نتيجته اتفاق فبراير/شباط، ألم يتم التوصل إليه بموجب حوارات مسبقة؟ على ماذا تجري اليوم المفردات التي في الرسائل، ويتم التنقل بين منزل الدكتور عبد الكريم الإرياني ومنزل الدكتور عبدالوهاب محمود وتجلس قيادات المشترك مع رئيس الجمهورية أكثر مما يجلس الآخرون، وتجدهم في “مقايلهم” يقولون غير الذي يقدم للشعب، أن تصبح صاحب وجهين أمر صعب، كيف أصدقك؟ لكن ربما لأن لهم منابر إعلامية قادرة على الوصول للناس بآرائهم والآخر لا يمتلك سلطة صحافية لإيصال رأيه فيصبح رأيه محبوساً في نطاق معين وهم يشيعون ما يريدون .
إذا كان الطرفان يريدان الحوار فليأتيا إلى الحوار من دون شروط، يجب ألا نظل ندور في حلقة مفرغة وأن يكون الحوار محدداً كي لا نتشعب، وعلينا أن نصل إلى اتفاق وأن نخرج من أزمة عدم اللقاء بين معارضة المشترك وبين الحزب الحاكم وأن البلد محبوس بين الطرفين .
الخوف من “طالبان” يمنية
أستاذ عبد الباري طاهر هل برأيك فقد الشارع الثقة بالأحزاب السياسية، خاصة أن الأحزاب لم تستطع التوصل حتى الآن لفتح آفاق للمستقبل؟
عبدالباري طاهر: الأستاذة جوهرة أشارت إلى قضية خطيرة جداً بشكل عابر، وقالت إن الدولة تفقد وزنها ومكانتها في المجتمع وهيبتها، الأحزاب السياسية بذات القدر تفقد هيبتها، لقد أشارت إلى أن الحراك الجنوبي لا تحركه الأحزاب الموجودة في المشترك، حزب الإصلاح في عدن مثلاً مع الحراك وليس مع الإصلاح، الاشتراكيون في الجنوب مع الحراك وليسوا مع الاشتراكي، حرب صعدة نشأت بعيداً عن الدولة وبعيداً عن الأحزاب، بمعنى ان الدولة، إن لم تطبع الحياة السياسية وإن لم تعالج الأوضاع السياسية والاقتصادية والثقافية في البلد؛ فستخلق “طالبان” وأسوأ من “طالبان” .
السؤال هو ما الذي يمنع الدولة من معالجة مشكلات قائمة، أن تضرب بيد من حديد على قاطع الطريق أو الخاطف أو الذي يقوم باغتيال، ما الذي يمنع الدولة من أن تبت في قضية خطيرة ومهمة مثل زواج الصغيرات، هذه الأمور لا تحتاج لصفقات سياسية ولا تحتاج لحوارات، الحزب الحاكم لدية أغلبية كاسحة في البرلمان، فيما نساء جامعة الإيمان يضغطن على البرلمان رفضاً لقانون زواج الصغيرات، هناك قضايا يومية تتفاعل وتكبر وستتجاوز المؤتمر والمشترك والمجلس الوطني للمعارضة وتتجاوز الدولة ويحل العنف محل الجد .
هناك تقصير من قبل الدولة، نحن أمام دولة للأسف الشديد تحول المجتمع إلى حالة رعب عام وتحاول أن تصل بالمجتمع إلى لحظة تضعه أمام خيار واحد وحيد وهو الانتخابات، وحقيقة فإن الانتخابات تتم أو لا تتم فلن تحل المشكلة، لأن المشكلات الآن اكبر من المشترك وأكبر من الدولة .
شايف عزي: هناك لوبي آخر يدير البلد من خارج الرئاسة، وكما قال الأستاذ عبدالباري طاهر فإن علي عبدالله صالح يأمر مدير أمن في مدينة فلا ينفذ أوامره، ويأمر وزيراً فلا ينفذ، البلد تدار بالعافية، علي عبدالله صالح أصبح محاصراً من ثلاثة لوبيات موجودة في البلاد، فهو محاصر من مشيخات وقبليات تدير البلد من أول ما تخرج من العاصمة صنعاء ومحاصر من لوبي اقتصادي تسنده قوة مشيخية تدير البلد، ومحاصر من قوى إرهابية تحاصره حتى في مكتبه، كلنا شركاء في إضعاف الدولة، إذا أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع .
قبل أسبوع كنت أتصفح إحدى الصحف وكان فيها مقال منشور لأحد الكتاب ويتساءل لماذا لا تفرض الدولة سلطتها على المناطق التي تخرج عليها في الحبيلين، وذات الصحيفة وفي مقال لنفس الكاتب في عدد لاحق يهاجم الدولة ويقول إن الدولة عسكرت البلاد، وأنها أرسلت قوات لقمع الناس ومن هذا القبيل، هناك الكثير من التناقض والتضارب في تناول قضايا البلاد، لدرجة تشعر وكأننا دعاة فوضى وليس دعاة للنظام .
لكن هل الرئيس قادر على حل كافة المشاكل وحده؟
شايف صغير: إذا لم نكن كلنا شركاء فإنه لن يستطيع، لأنه لا علي عبدالله صالح وحده ولا المعارضة وحدها تستطيع حل كل المشاكل، هناك قوى أخرى مؤثرة، أيدي الأجانب والخارج موجودة في كل مكان، والسلطات التي تدير كثيراً من الأمور هي سلطات خارجية، وهي تحشو وتغرس في نفوسنا الكثير من المفاهيم ونحن نتمسك بها ونتنازع حولها، أسلوب الأمس هو أسلوب اليوم، القرصنة وحماية البحار واستعمال أخلاقيات المجتمعات المدنية هي الحجج والذرائع التي تساق اليوم كما سيقت قديما للتدخل في شؤوننا، قضايانا اليوم هي قضايا وطن وليست قضايا أشخاص، وعندما نؤمن بأننا شركاء في هذا الوطن سنتفق .
وأنا حقيقة استغرب من الحزب الاشتراكي الذي أصبح يتعامل وكأنه حزب فئة أو منطقة وحزب الجنوب، وأنا أتساءل: ألا توجد مظالم سوى في الجنوب؟ البلاد كلها من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها مليئة بالمظالم .
حراك الجنوب
هناك حراك متصاعد في الجنوب منذ سنوات، هل المعالجات التي اتخذها الحزب الحاكم قادرة على كبح جماح ما يحدث في المحافظات الجنوبية؟
عبدالحفيظ النهاري: ما يدور في بعض المحافظات الجنوبية بدأ بمطالب حقوقية تتعلق بالمتقاعدين أو المبعدين من القوات المسلحة وتمت الاستجابة لهذه المطالب في وقتها، وتم تشكيل لجان رصدت كافة التظلمات وانتهى هذا الوضع بمطالب سياسية، وهذه المطالب السياسية لم تظهر بسبب عدم الاستجابة للمطالب الحقوقية، بل إن هذه الأطراف انتقلت إلى مستوى آخر، وهو المستوى السياسي من دون مسوغ مقنع، فبعد أن استجيب للمطالب الحقوقية التي كان الكثير منها مطالب شخصية وحتى المطالب غير القانونية استجيب لها من باب سد الذرائع، لكن عندما أخذت الأحداث طابعها السياسي اختلفت المشكلة في المستوى السياسي، حيث أصبح يطرح شعار الانفصال، وفك الارتباط، وعندما يطرح مطلب الانفصال تسقط معه كل المطالب الأخرى وتصبح غير ذات قيمة، وهذا ينسحب علينا كدولة مسؤولة عن حماية الوحدة الوطنية والمجتمع والحفاظ على أراضي الجمهورية اليمنية .
عندما ترفع جماعة ما مطلب الانفصال فإنها تكون قد أسقطت كل مطالبها الحقوقية إن وجدت من حسابنا مالم يسحب هذا الخطاب، لأنني لا أستطيع أن أمد يدي كدولة إلى طرف لا يعترف بالدولة أصلاً ولا بتراب الجمهورية اليمنية ولا بعلمها الوطني ولا بمنظومتها الدستورية والقانونية؛ فكيف يمكن أن نصغي لهذا الطرف وبخاصة حين ينتقل من مربع المطالبة السياسية بالانفصال إلى مربع ممارسة العنف لفرض الانفصال مثل قطع الطريق والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة وجنود القوات المسلحة وطرد أبناء المحافظات الشمالية وإحراق محلاتهم وتهديدهم و”التقطع” لهم بالطرقات وبث ثقافة الكراهية إلى درجة ان تقطع أذن أحد المجانين في أحد الشوارع بتهمة أن هذا جاسوس للسلطة لأنه من المحافظات الشمالية، فقد أصبح أي احد من أبناء المحافظات الشمالية يطلب الرزق من أصحاب البسطات والمحلات متهم بالتخابر مع الدولة رغم أن التخابر للدولة ليس تهمة، لكن ذلك هو القائم في مفهوم الحركات الانفصالية .
لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل وصل في مرحلة من مراحله إلى التحالف العنيف والإرهابي بين فصائل ما يسمى الحراك ذو النزعات الانفصالية وبين عناصر تنظيم “القاعدة” وأصبحت هناك شراكة في الجرم والعنف والإرهاب وأصبحت توصم بجرمين، جرم العنف الذي يمارس بكل تفاصيله وجرم خيانة وطنية برفعها لأعلام شطرية وممارستها التمييز بين أبناء اليمن الواحد .
وعلى المستوى الثالث في تحالفها مع “القاعدة”، حيث أصبحت المناطق التي تسيطر عليها عصابات الانفصال مناطق آمنة تؤوي عناصر “القاعدة” وتحميها من يد الدولة والوصول إليها، ما اضطر الدولة في بعض المعالجات إلى استخدام الطيران والضربات الاستباقية للوصول إلى هذه الجماعات قبل أن يستفحل خطرها وتصبح خارج السيطرة في تهديدها لأمن واستقرار الوطن .
لكن هناك من يقول إن الدولة دائما متأخرة في معالجة الأزمات، بمعنى آخر لو أن الدولة قامت بتلبية مطالب المتقاعدين العسكريين في وقت مبكر لما حصل ما يحصل من أزمات تتداعى حتى اليوم؟
عبدالحفيظ النهاري: على العكس الدولة عالجت هذه المطالب، وانتقلت من المطالب التي حلت إلى مطالب سياسية ليست لها علاقة بحزمة هذه المطالب، وأنا أعلم وأنت كذلك تعلم أنه رصد لهذه المعالجات ما بين 40 إلى 60 مليار ريال، وأصبحت قيد التنفيذ خلال أشهر في حينه .
القضية الجنوبية في صلب اهتمام الحزب الاشتراكي اليمني بصفته كان حاكماً للجنوب قبل الوحدة، هناك من يقول إن الحزب الاشتراكي أصبح يمارس الوصاية على الجنوب، لماذا؟
جوهرة حمود: هذه نظرة خاطئة للقضية الجنوبية بشكل خاص ولسياسة الحزب الاشتراكي تجاه قضايا الوطن بشكل عام وتروج لها بشكل أساسي السلطة وأجهزة إعلامها وهذا لا يخدم الوطن بأية طريقة .
القضية الجنوبية بدأت كمشكلة حقيقية مباشرة بعد حرب ،94 أي من بعد إقصاء كل أو معظم كوادر الجنوب، ولم يتبق في وظيفته إلا من يحمل بطاقة المؤتمر الشعبي العام، وأنا أقول هذا الكلام لأنني جئت من عدن وكنت مديرة مدرسة، فلم يتسع صدر السلطة حتى للمدرسين ومديري المدارس الذين تم توقيفهم وإبقائهم في البيوت، فما بالك بالوظائف الأهم على مستوى المديريات والمحافظات وعلى مستوى الدولة بشكل كامل .
بدأت عملية تأميم كل شيء بدءاً بإقصاء كوادر الجنوب، مروراً بخصخصة القطاع العام حتى تلك المؤسسات الناجحة وتحويلها للناهبين واللصوص من المستثمرين المزعومين وهي برجوازية طفيلية ظهرت كنتاج لسياسة النهب وتوزيع الجنوب كغنائم، وقد نزلت إلى مزارع ومؤسسات كانت مملوكة للدولة وكنت عضو مجلس محافظة بعدن ورأيت كيف تم توزيع الأفدنة الزراعية وتحويلها إلى منتجعات وسطها قصور لكبار المسؤولين في عدن وصنعاء ومختلف المحافظات، وجميعهم قياديون في الحزب الحاكم أو موالون للسلطة، وهذه حقيقة لا أحد يستطيع إنكارها .
بعد حرب 94 تم توزيع الجنوب كغنيمة حرب، تم ردم سواحل عدن وتجريف الشعب المرجانية لتحويل السواحل إلى قصور وفنادق، وهي جريمة بحق البيئة في عدن وسواحل الجنوب عموماً، تم تحويل مواقع المملاح إلى أسواق للقات وتم سد قنوات صرف الملح بأوساخ المجاري بسبب تحويلها إلى سوق، أنا أتكلم عن وقائع حدثت وهي تدمير الجنوب كبنية اقتصادية وكدولة كانت تملك مؤسسات وبنية تحتية بكل معنى الكلمة، عندما توزع الأرض أمامي في المواقع المهمة والمواقع التجارية والسياحية والسكنية لأناس من خارج المحافظة ويقومون مباشرة بعرضها للبيع؛ فيما إخواني وأقاربي غير قادرين على الحصول على بيت يسكنون ويتزوجون فيه، عندما يأتي شخص يستلم موارد بالملايين من مرافق وأخي ومعارفي موقوفون عن أعمالهم، فكيف تريد الناس أن تقتنع بأن سياسة الدولة عادلة؟
عدم توفير الإمكانيات لحياة كريمة ولائقة أحدثت شرخاً في نفوس الجنوبيين بالتحديد، بدأت بعض أشكال النضال السلمي ومنها ما انطلق في الضالع في عام 99 وعرفت بالمسيرة الصامتة والمبادرات التي قدمها الحزب الاشتراكي باعتباره مسؤولاً بشكل أساس عما يحدث في الجنوب، فلماذا لم تنتبه الدولة لإحقاق الحق وإنصاف المظلومين وتطبيع الحياة المدنية على الأقل وإعادة الموقوفين إلى أعمالهم؟
لو تم توزيع الأراضي بشكل عادل وجرى وقف نهب الممتلكات العامة لما كانت تفاقمت الأوضاع وتحولت أشكال العمل السلمي إلى ما هي عليه الآن، ولما خرجت عن إطارها الحقوقي إلى مطالب سياسية، ولما وصلت إلى ما وصلت إليه من مطالبة بالانفصال .
عندما يقول البعض إن الحزب الاشتراكي يقود فعاليات الحراك ويرفع شعارات الانفصال هو خاطئ، لأن الحزب مستهدف من كثير من قيادات الحراك والمجاهرة بالعداوة تجاه الحزب الاشتراكي واضحة، لأنهم يقولون إن الحزب سلم دولة واتحد بشكل اندماجي فوري، ولم يوفر ضمانات للجنوب بكل أشكال حياته المدنية وبكل المنجزات الاقتصادية والعلمية والصحية والثقافية التي تحققت، بالإضافة إلى التداعيات التي حدثت بعد الوحدة ودخوله في حرب وإعلانه الانفصال تورط فيها الجنوب وكوادر الحزب، كان نتيجة للحرب ونتيجة لإعلان الانفصال، وما حدث فيما بعد من جر الحراك عن مساره الطبيعي والمطالبة بتحرير الجنوب من المظالم إلى مطالب بالانفصال هو بالتأكيد وراءه قوى خارجية أرادت أن تؤثر في هذا الحراك، كما أن القمع الذي قوبل به الحراك أعطى نتائج عكسية .
“الاشتراكي” ليس وصياً على الحراك
ألا يخشى الحزب الاشتراكي من أن يسحب الحراك البساط من تحت أقدامه ويتحول إلى قوة لا يمكن السيطرة عليها؟
جوهرة حمود: الحزب الاشتراكي ليس وصيا على الحراك، صحيح أن الكثير من قيادات الحزب الميدانية منخرطة في الحراك، لكنها لم تعلن أبداً وصاية الحزب على الحراك، الحزب الاشتراكي لم يشترط مطالب محددة كمواجهة الدولة أو استخدام العنف، هذه لم تكن أبداً في سياسة الحزب في عمله مع الحراك، بالعكس كان يطالب باستمرار بترشيد خطاب الحراك وعدم استخدام العنف وكشف من يندسون في أوساطه ويحاولون جره إلى دوامة العنف ومواجهة السلطة .
لم يحاول الحزب أن يكون طرفاً في تغليب النزاعات الاحتجاجية بتحويلها إلى نزاعات انفصالية أو مواجهة مع الدولة، كثير من هذه الأطراف التي اندست في الحراك استهدفت الحزب الاشتراكي وتطالب كل الفعاليات الاحتجاجية بأن تعلن تخليها عن عضويتها في الحزب الاشتراكي، الأكثر حرصاً على ترشيد خطاب الحراك وعدم الانجرار إلى العنف لأن هذا لن يخدم قضيتهم ولن يكون هناك أي أفق سياسي لهذه المطالب .
حراك الشمال
لماذا خرج الناس في الجنوب إلى الشارع، هل رغبة في الانفصال أم لتحسين وضع؟
عبدالباري طاهر: دائماً يقال إن الوقاية خير من العلاج، يجب ألا ننتظر الداء ثم نبدأ المعالجة، الذي حصل في هذه المنطقة أن هناك ممارسة للظلم في الجنوب وتحديداً في عدن التي كانت قبلة اليمنيين جميعاً، فقد تأسس حزب الأحرار في عدن والحركة النقابية العمالية كان منشؤها عدن وتأسست الصحافة في عدن وكانت عدن الأساس للجمهورية وللثورة وللتحديث وللإدارة . وتجيير الإرهاب والإرهابيين للجنوب عمل قد ينفع في العمل السياسي اليومي، لكنه على المدى البعيد خطير، الإرهاب ينتشر بالتعليم الطائفي والخطاب المتعصب بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي تقابل الرئيس في جامع الصالح وتقدم له طلب فرض وصاية على التشريعات والتعليم وعلى عمل الناس .
أن نتحدث عن الإرهاب وكأن وكره الجنوب أمر خطير، الجنوب قطع شوطاً في التحديث والتمدن، الكثير يعلمون أن معظم المواطنين في لحج قدموا من زبيد والمناطق التي بدأت في التمدن والتحديث هي هذه المناطق، فلا بد ان نتنبه إلى أمور كثيرة، صحيح الخارج يتدخل والعمالة قد تكون موجودة والتطرف والإرهاب قد يدفع بالآخرين لأعمال سيئة، لكن يستحيل أن تدفع بالناس جميعا إلى الاحتجاج، هؤلاء الناس في هذه المناطق من اليمن كانوا أكثر حماسا للوحدة، والثوار انطلقوا من جبال ردفان ومختلف المناطق ليدافعوا عن الجمهورية والثورة في جبال شمال الشمال والذين حموا الثورة في ملحمة السبعين يوما هم من هذه المناطق .
لابد أن نسأل أنفسنا بصراحة: ما الذي يدفع بالناس ليتخذوا مثل هذه المواقف والاحتجاجات، يستحيل على حزب أو حتى دولة أن تجعل الناس يحتجون، الذي يجعل الناس يحتجون هو الضيم، فمثلاً نافذ يستولي على مساحة ارض بمساحة مملكة البحرين ولا تريد الناس ان يحتجوا، ما يمنع الناس في مناطق مثل إب أو تعز والحديدة أن يحتجوا هو ضعفهم .
الرئيس عندما يكون مغلوباً على أمره ولا تنفذ توجيهاته يتكلم مثل صاحب تهامة “أمرهم إلى الله”، هناك خلل موجود في الدولة نفسها، الكون كله قائم على مبدأ “الثواب والعقاب”، وأنت عندما لا تعاقب المجرم وتترك المسيء يختل النظام كله، فكونك لا تعاقب فاسدين ولا تعتقل قاطعي الطريق، بل وتتفاوض معهم وتمنحهم وظيفة عامة وسلاحاً ومالاً ثم تضيق الخناق على المحتجين المدنيين الذين يكتبون في الصحافة أمر لا يستقيم .
اليوم يصدر في اليمن تشريع جديد اسمه قانون الإعلام السمعي والبصري والالكتروني، وهو قانون يعود باليمن إلى أيام المتوكلية ويمنعه من التواصل مع العالم، قوة اليمن أنه احتل مكان الصدارة في الخبر العالمي عند قيام الوحدة، اليوم يحتل الصدارة ولكن بالخبر السيئ، هناك خلل ما لا بد من معالجته، فالذي يدفع الناس في الجنوب للاحتجاج هو هذا الخلل القائم في البلد، فلماذا لا تتخذ الدولة إجراءات تتعلق بكبار المسؤولين والفاسدين وتحمي خبز الناس؟
احتجاجات الجنوب مدنية يكفلها الدستور، وعلاجها بالاستجابة لمطالب الناس وليس بتوزيع مناصب وكيل وزارة للمحافظة أو تقديم رشى، الناس الذين خرجوا من الوظيفة العامة والجيش والأمن عولجت أوضاعهم مثلما تعامل “بريمر” مع أوضاع الجيش في العراق، والذي انتقده يومها الرئيس علي عبدالله صالح، لكنه ماذا عمل في الجنوب؟ سرح الجيش والأمن وألغيت الوظيفة العامة ووضع الناس على الكفاف، هذه مسألة، المسألة الثانية هي غياب المشاركة، الناس ليسوا مشاركين في الحكم، وأنا أتفق مع الزميل شايف أن التقاسم مذموم ومرفوض، وكان جزءاً من الخلل في دولة الوحدة، لكن يجب أن تعالج مشاركة الناس، فالدولة اليمنية منذ عهد شمر يرعش وحتى اليوم يستحيل أن تحكمها قبيلة واحدة أو حزب واحد أو شخص واحد؛ فلا بد بالفعل ان يتشارك الناس لأن المؤتمر الشعبي العام يستحيل أن يحكم وحده، والزميل عبد الحفيظ قال إن حزبه سيدخل الانتخابات وحده، وهذه لن تكون انتخابات، ما يحصل في اليمن ليست انتخابات، بل تمثيلية هزلية، فيغيب الناس جميعاً ثم ينتخب حزب المؤتمر الشعبي العام في صعدة ستمائة ألف امرأة وصعدة لو أحصي عدد رجالها ونسائها وحميرها وكلابها لن تصل إلى هذا العدد .
هناك أوضاع سيئة جداً، وكلنا نشكو منها بمن فينا رئيس الجمهورية، هناك فساد كبير جدا ومدمر، ولا بد أن يعالج ما يحدث من مظاهر الاحتجاج في الجنوب، شخصياً أتمنى أن يمتد هذا الاحتجاج إلى اليمن كله، لكن أن يمتد بشكل سلمي وديمقراطي ولا يختلط بشعارات انفصالية، هذا الاحتجاج هو الذي سيبني الدولة اليمنية القادمة وليس الحرب في صعدة وليس الخطف والقوة وليس الجبروت العسكري أو القبلي، لا بد لتجربة الاحتجاجات في الجنوب أن تمتد إلى كافة مناطق اليمن وبالأخص مناطق إب وتعز والحديدة وصنعاء .
أنا ضد العنف وضد الشعارات الانفصالية وضد الإساءة إلى سمعة البلاد ومكانتها، أما الاحتجاج المدني فيجب أن يتطور وينتقل إلى اليمن كله .