[esi views ttl="1"]
arpo27

العرشي: الوحدة اليمنية لم تفشل وعلى المجتمع أن يضطلع بدوره في تعزيزها

قال وزير الدولة لشؤون الوحدة لما كان يعرف بالشطر الشمالي من اليمن سابقاً يحيى العرشي إن الذكرى السنوية لإعادة تحقيق الوحدة اليمنية من أقدس المناسبات الوطنية لدى مختلف شعوب العالم..

ولكن بالنسبة لنا كيمنيين يجب أن نعبر عنها بالفرح والابتهاج، وأن نبتعد عن التعبير عنها بشكل نمطي أو شكلي، بمعنى أن لا يكون ذلك فقط من صنع مؤسسات حكومية أو إرادة معينة، بل يجب أن تكون من صنع الناس الأطفال والنساء والرجال، في البيت والشارع والمتجر وفي المقهى بكل مصداقية، وأن تكون الورود هي المسيطرة على المشهد وتكون الفرحة من داخل القلوب.

وأضاف العرشي، وهو دبلوماسي سابق وعضو مجلس الشورى (حالياً)، في حوار أجرته معه صحيفة "الغد"، بأنه يجب على اليمنيين أن يستحضروا كيف احتفل الألمان بنهاية التشطير، وكيف يعبرون عنه بمحبة وفرح وابتهاج وجمال.

وفي الحوار تطرق العرشي إلى المخاوف التي كانت تنتاب المتحاورين في لجان الوحدة بين الشطرين، وكيف بات ينظر إليها اليوم، وما الذي يجب فعله لبناء دولة ما بعد الوحدة، وغيرها.. إلى الحوار:

حاوره/ أحمد القمري

*باعتبارك كنت وزيراً لشؤون الوحدة في الشطر الشمالي وأحد المفاوضين مع الجانب الآخر من الشطر الجنوبي حتى وقت إعلان الوحدة، كيف تقرأ المشهد السياسي اليمني اليوم؟
- أحمد الله عليه، لأنه يعتمد على الديمقراطية التي جاءت بفعل استعادة وحدة الوطن، ذلك أن التعددية السياسية والصحافة الحرة وانتشار الجمعيات المتنوعة في إطار مؤسسات المجتمع المدني، أعتقد بأن هذه أجمل صورة في وطن استعاد الوحدة الوطنية، ثم أنها تؤسس لمستقبل بإذن الله، بأن يكون هذا الواقع المؤسسي أكثر نضجاً وأكثر تقدماً وأكثر حيوية وأكثر تفعيلاً لدوره في الحياة الديمقراطية وفي الحياة السياسية، وكذلك في الحياة التنموية والاجتماعية، وأتصور بأن هذه مكاسب لا يستهان بها، خاصة إذا ما استطعنا أن نحافظ عليها وأن نطورها، واستطعنا أن نكون صادقين معها حينما ننتخب وحينما نساهم في الأفكار، حينما نساهم كذلك في بلورة تقييم الماضي بكل شفافية، بمعنى أن نبدد جوانب الضعف وأن نقدم جوانب النجاح، وبدون هذا فإن الوقت بالتأكيد سيذهب عنا ولن نتمكن من تحقيق نتائج طيبة في وقت مناسب، ثم إن التطور التنموي لا شك بأنه يعتمد في الأساس على توجيه الإنفاق في أماكنه الصحيحة، بحيث نتمكن من استيعاب تلك المخرجات الهائلة من الجامعات والمعاهد، وكذلك الحال في ما يتعلق بمحو الأمية، وفي ما يتعلق بالتقليل من نسبة الفقر العالية، هكذا تصوري لمستقبل اليمن في إطار ما وصلنا إليه اليوم، وما علينا إلا أن نشمر عن سواعد الجد، وكذلك أن نثق في أن كل مواطن من واجبه أن يسهم في حسن الاختيار، يسهم في واجبه وفي أداء مسؤولياته، ويسهم بكل ما هو في حاجة الوطن، لأننا أسرة يمنية واحدة علينا أن نتكاتف في القوات المسلحة وفي الأمن وفي الجانب المدني وفي مؤسسات الدولة.. في كل ما يتصل بالوطن اليمني، وهكذا نستطيع أن نتطور في ظل هذه الإنجازات والإنجاز المهم المتمثل باستعادة الوحدة اليمنية، ثم علينا كذلك أن نسخر الدور الخارجي تسخيراً فاعلاً ومهماً بالنظر إلى موقعنا الاستراتيجي في هذه الخارطة وهذا المكان الذي يقع على البحر العربي وخليج عدن والمحيط الهندي، وإذا لم نستغل هذا الوضع الجغرافي الاستراتيجي المهم نكون قد خسرنا الوقت وخسرنا هذه النعمة التي يتمتع بها الوطن.. وأنا أتساءل: لماذا لا نتوجه توجهاً سليماً في ما يتصل بالاستثمار الحقيقي للثروة الطبيعية، منها الأسماك والثروات الطبيعية، وهي ثروات خارجة عن النفط وخارجة عن الغاز، وتتمثل في الجبال وفي الوديان، وكذلك المناجم الطبيعية في البلاد اليمنية.

*هل تعتقد بوجود مخاوف على الوحدة في ظل الظروف الراهنة في اليمن وما تعانيه من أزمات تمس جوهر الوحدة؟
-في الواقع لا يجوز أن يتبادر إلى ذهننا الشك في أن السقف المهم هو سقف استعادة الوحدة اليمنية، ويجب أن نفكر كيف نصلح أوضاعنا، ونسعى إلى ذلك، وأن لا يتبادر إلى ذهننا الخوف على الوحدة كوحدة، نحن نخاف على أن لا نستطيع تجاوز المحن والتجارب التي عشناها، بمعنى أن الوحدة تركت لنا الأساس المتين المتمثل في الديمقراطية التي من خلالها نعزز الوحدة الوطنية، ونعزز المشاركة الوطنية، ونعزز كذلك السعي نحو العدالة الاجتماعية، ومتى ما توفرت هذه فإنه بالتأكيد سيتوفر الاستقرار السياسي والمعيشي واستقرار أبناء الوطن جميعاً سواء كانوا في الريف أو في المدن، أكانوا في عدن أو في حضرموت أو في صنعاء أو في صعدة، كل هذا سيجعلنا في حالة الاستقرار، لكن أن نتوقع خلاف هذا مما يتصل باستعادة الوحدة اليمنية، هنا يكمن الضعف والخلل، ما من شعب أو قطر عربي إلا وهو يفكر كيف يتجاوز مشكلات ومعضلات وجوانب الضعف، لكن لا يمكن أن يصل به التفكير إلى التخلي عن وحدته أو في تماسكه.

*بعد سنوات من الإرهاصات والمفاوضات التي قادت إلى هذا التحول الكبير الذي أنجزه اليمنيون، المتمثل بالوحدة، هل راودتكم شكوك غداة إعلان الجمهورية اليمنية بإمكانية أن يأتي اليوم الذي تكون الوحدة فيه محل نظر ويطالب فيه بفك الارتباط وعودة التشطير؟
-أبداً أبداً.. لم يتبادر لنا هذا نهائياً، وإنما كان يتبادر للذهن بأننا سنواجه تحديات، صحيح، وسنواجه مخاوف صحيح، وسنواجه تآمرات منها ما يكون خارجي ومنها ما يكون داخلياً، لكن أن تتعرض الوحدة كوحدة لأي انهيار أو غياب، هذا لم يحدث أبداً ولا يجوز أن يحدث اليوم ولا غداً، حينما تمت الوحدة كنا نستشعر بأن إرادة الله هي التي كانت تحمينا جميعاً وأن أي خلل يحدث في مسار الفترة الانتقالية وما بعد الفترة الانتقالية ليس من صنع الوحدة، ولكنه من صنع ضعفاء النفوس.

*هل كان لديكم رؤية متكاملة لما بعد الوحدة، ما هو شكل هذه الدولة الناشئة، ليس سياسياً فحسب، ولكن إدارياً واقتصادياً وتنموياً واجتماعياً؟
- الحقيقة أن الأسس والثوابت التي تمت عليها الوحدة هي كفيلة باستشراف المستقبل، بمعنى أن المظلة الدستورية هي الأساس لتكوين البناء المؤسسي، وأن الخيار الديمقراطي والتعددية السياسية وحرية الصحافة هي الثوابت التي تحدد مسار المستقبل، وبالتالي تطمئن أبناء الوطن أن الدخول في هذا الأمر برحابة الصدر اليمني لاستعادة وحدته هو الكفيل بتحقيق ما نرجوه، وأن يحدث ضعف فهذا من صنع ضعفاء النفوس من صنع من لا يجدّ للوطن.. إن علينا واجبات كثيرة، علينا أن نضحي بالوقت والجهد من أجل أن ننجز، ولا يمكن أن تأتي ملائكة من السماء لكي تنجز ما نرجوه، علينا نحن أن ننجز هذه المسؤوليات، وما حدث من خلل وضعف خلال العقدين الماضيين إنما كان بفعل التراكمات السلبية التي شهدتها الساحة اليمنية واستغلال هذه التراكمات السلبية والضعف في الداخل لأسباب خارجية هي التي تمكنت من توقف اليمن في تلك المحطات السلبية ومن ضمنها حرب 94.

*هل كان لديكم محاذير تودون أن لا تقع فيها دولة الوحدة ولكنها وقعت؟ وما هي؟
- أبداً.. المحاذير هي كيف نستطيع أن نتماسك وكيف نستطيع أن نوصد النوافذ والأبواب التي تمنع التدخل في شؤون اليمن، وكيف نستطيع أن نثبت جهازاً إدارياً كفؤاً قادراً على تنفيذ سياسة تنموية، كيف نستطيع أن نحرص على تفعيل الدستور، وكيف نستطيع أن نفعل القوانين، بحيث تتحقق العدالة الاجتماعية ويتحقق كذلك الاطمئنان والاستقرار للناس، ما هو الكفيل بتحقيق الاطمئنان والاستقرار للناس هو تطبيق القانون والنظام على الجميع وأن يكون الثواب والعقاب ضمن آليات البناء المؤسسي في البلاد.

*في أحاديث صحفية سابقة تحدثتم عن دور الحكمة اليمانية في إعادة الثقة بين قيادة الشطرين قبل الوحدة كأهم خطوة في طريق الوحدة، الآن بعد عقدين من الزمن هل ذهبت الحكمة اليمانية؟
- لا أعتقد أنها ذهبت، بل إن الحكمة اليمانية حينما جاءت على لسان الرسول العظيم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم لم تأتِ من فراغ، هي جاءت لما أدركه في اليمنيين من التبصر والحكمة، وبالتالي فهي جزء من خصوصية المواطن اليمني، ولولا هذه الحكمة لكنا قد تعرضنا لكثير من المشاكل وكثير من الصعوبات، وكما تلاحظ كلما احتقنت أحوال الضعف كلما حصل انفراج في سبيل تجاوزها، ومن ثم الدخول في إصلاحات مناسبة، وأنا أتوقع بأن الاتجاه بالاستعداد للانتخابات القادمة، كفيل بأن يوفر لبلادنا المؤسسات الدستورية المنتخبة التي تستطيع أن تضطلع بمسؤولياتها، وبالتالي تستطيع أن تعطي لهذا البعد ولهذه الحكمة التي جاءت على لسان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن تعطيها مصداقية وأن تعطيها كذلك التفعيل في الممارسة والسلوك أكان على المستوى الحكومي أو الحزبي أو الشعبي.

*كيف تنظر إلى تعاطي الحكومة اليمنية الآن مع قضية الوحدة؟
- هذه التقييمات متروكة لرقابة مجلس النواب ولرقابة المؤسسات الدستورية، وأنا أتصور بأن على المواطن أن يساهم بشكل كبير من خلال دوره في المجالس المحلية ودوره في النقابات والاتحادات، وبالتالي يلعب المجتمع المدني دوراً في تقييم الدور التنفيذي للحكومة، وأن لا يكون مجرد رأي شخصي سواء لي أو لآخر، وأن يكون هذا الدور التقييمي لما هو عليه الحال من ممارسات لمسؤوليات السلطة التنفيذية وحتى السلطة التشريعية وغيرها، وبالتالي لا بد أن يؤدي المجتمع المدني دوره الرقابي من خلال مؤسسات، وأن يفعل دور هذه المؤسسات، وأعني بها الاتحادات الفئوية سواء كانت للأطباء أو للمهندسين أو المحامين أو الشباب أو نقابة المعلمين أو غيرها، هذه كلها تلعب دوراً مهماً، لأنها تقدم رؤاها في ما يتعلق بواقع الحال في العمل التنفيذي والسياسي في البلاد من خلال الوسائل السلمية دون أي وسيلة أخرى.

*صف لنا أجمل لحظات عايشتها أثناء مراحل التحضير للوحدة وأصعب المواقف والأحداث التي لم تكن في الحسبان؟
- بالتأكيد إن أصعب المواقف كانت تتعلق بمواجهة التحديات التي تتصل بأي خطوة من خطوات العمل الوحدوي، وهي نوع آخر هنا أو هناك، ولكن اللحظة التي أستحضر سعادتي فيها هي لحظة تنقل المواطنين بدون ضوابط، وإنما بالبطاقة الشخصية من خلال المعابر، وإلغاء كل النقاط ورمي براميل التشطير وهذه الصورة تظل معلقة دائماً في ذاكرتي، وهي الخطوة التي دفعت بالكثير من الخطوات الوحدوية إلى وضع التقدم.

*هل كان هناك أحداث لم تكن في الحسبان؟
- لا لا.. الذي لم يحدث في الحسبان هو أن نستشعر أي شيء يتصل بثبات وحدة الوطن.

*ماذا تعني لك احتفالات اليمن بأعياد الوحدة اليمنية في ظل الأوضاع القاتمة كما يصفها البعض؟
- لكل الشعوب محطات ومناسبات وطنية، وأعتقد بأن إعادة تحقيق الوحدة من أقدس المناسبات، ويجب أن نعبر عنها بالفرح والابتهاج وأن لا نعبر عنها بشكل نمطي أو شكلي، وعلينا أن نستحضر المشهد كيف احتفل الألمان بنهاية التشطير، كيف يعبرون عنه بمحبة وفرح وابتهاج وجمال، بمعنى أن لا يكون ذلك فقط من صنع مؤسسات حكومية أو إرادة معينة، بل يجب أن تكون من صنع الناس الأطفال والنساء والرجال، وفي قطاع الفنانين وقطاع المبدعين أن يعبروا عن هذا الفرح في البيت والشارع والمتجر وفي المقهى بكل مصداقية، بمعنى أن لا يكون عملاً سطحياً أو حكومياً، ولكنه عمل شعبي وفرح بميلاد الوحدة، بالاستقرار في هذا الوطن، وتكون هنا الورود هي المسيطرة على المشهد وأن الفرحة من داخل القلوب.

*ثمة من يقول بأن الوحدة فشلت في ترسيخ القانون وفي تحقيق التطور الاقتصادي والاندماج الاجتماعي والسياسي والحضاري في المجتمع اليمني، إلى أي مدى تتفق مع هذا الطرح؟
- لا لا.. لم تفشل، لكن نقول بأنها لم تنجح بشكل كامل، فالفشل لا يجوز ننسبه لكل ما تم خلال عشرين عاماً، لكن نقول بأنها أيضاً لم تكن بمستوى النجاح الكامل، يعني محدودية التعاطي مع معطيات النجاح هي تعتمد على آليات متعددة، هذه الآليات لا بد أن تكون أكثر توفيقاً.

*ما هي برأيك سبل الخروج من الأزمة الراهنة في ما يتعلق بالوحدة؟
- أن لا يتبادر إلى الذهن إلا كل ما يعزز الوحدة اليمنية وأن لا نستكثر على أنفسنا بأننا توحدنا.

زر الذهاب إلى الأعلى