تعتمل على واجهة المشهد السياسي والأمني والاقتصادي في اليمن تداعيات إضافية لما أفرزته تطورات وأحداث من قبيل تصاعد الاضطرابات في المحافظات الجنوبية وتجدد إرهاصات حرب سابعة بين الجيش والمتمردين الحوثيين في أقصى الشمال،
وتفاقم خريطة الأوضاع الاقتصادية المتردية، تزامن ذلك كله مع تصاعد تهديدات تنظيم “القاعدة” واتساع فجوة الخلافات والأزمة القائمة بين طرفي المعادلة السياسية القائمة في البلاد، الأمر الذي أثار ولايزال يثير توجسات وتساؤلات ملحة عما ينتظر اليمن في آخر نفق يفتقد لنقطة ضوء وسط صخب الخلافات وأمواج التحديات والأزمات المتلاحقة .
وحرصاً من “الخليج” على مواكبة تفاعلات مشهد الأزمة المحتدمة في اليمن نظمت ندوة استضافت فيها الأمين العام المساعد للحزب الاشتراكي اليمني جوهرة حمود، ونائب رئيس الدائرة السياسية في حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم عبدالحفيظ النهاري، والأمين العام للحزب الديمقراطي الناصري المنضوي في إطار المجلس الوطني للمعارضة، وهو من أحزاب الموالاة شايف عزي صغير، والمحلل السياسي ونقيب الصحافيين اليمنيين الأسبق عبدالباري طاهر .
لا بد من حل عاجل لأن الجميع مهدد
لماذا المناطق في الشمال صامتة ولا تتجاوب مع ما يحدث في الجنوب رغم أن الظلم يتوزع على كل اليمن وليس فقط في الجنوب؟
شايف صغير: أتفق معك على أن الظلم في كل اليمن وليس في الجنوب فقط، وربما هناك مناطق أكثر ظلماً ومعاناة من مناطق كثيرة في الجنوب، ربما من يشكو اليوم من الظلم في الجنوب وقائده الحزب الاشتراكي اليمني، وأنا أقولها بغصة من العيب أن يدعي الحزب أنه ممثل للجنوب، يجب أن يكون الحزب الاشتراكي ممثلاً لليمن كله وليس للجنوب فقط .
جوهرة حمود (مقاطعة): أنا لم أقل إن الحزب الاشتراكي ممثل للجنوب، لكنه مسؤول عما يحدث في الجنوب بصفته كان يحكم الجنوب .
شايف صغير: الحزب الاشتراكي حزب أممي، لكنه لا يرى قضية له غير قضية الجنوب، قضية الوطن أكبر من فلان أو علان، ما جاء في سياق حديث الأخت جوهرة وهي كما قالت مديرة مدرسة .
جوهرة حمود (مقاطعة): نعم مديرة مدرسة موقوفة .
شايف صغير (مستطرداً): أن تقول وتجيز الأخت جوهرة إنه عندما زادت الممارسات الفاسدة أصبح الأمر طبيعياً أن يخرج الناس في الجنوب إلى ممارسة سياسية ويعلنوا ما يريدون، كأنها تجيز الخروج لإعلان الانفصال، أنا لست مع هذا الطرح، ثانياً أنا ضد منع الحريات العامة وحرية الصحافة ومع حق التظاهر، لكن يجب ان تكون منظمة وفي حدود معينة، أن يكون هناك انفلاتاً للحرية خارج القانون، فأنا لست مع هذا، يجب أن تكون حريتك في حدود ألا تمس حريات الآخرين .
أتمنى أن يمتلك الشعب اليمني إرادته ويكون شجاعاً، وألا يخرج بمظاهرة شكلية يجر إليها ولكن أن يمتلك إرادته وحريته في صندوق الاقتراع، لدينا نظام انتخابي رغم كل ما يقال عنه إلا أنه يستطيع أن يوفر شكلاً من أشكال الديمقراطية المحدودة، عندما أبيع إرادتي في صندوق الاقتراع والانتخاب بخمسمائة ريال، عندما يوظف المال المسروق والمدنس لتغيير إرادة الناس، وهذا يحدث ليس من قبل السلطة فقط ولكن من قبل قيادات في المشترك، فهذا تدمير لذاتي ولمستقبلي .
التسوية السياسية
هل يقبل الحزب الحاكم تسوية سياسية مع قيادات الاشتراكي الموجودة في الخارج أو ما يسمى معارضة المنفى إذا ما عاد هؤلاء إلى الداخل؟
عبدالحفيظ النهاري: ومنذ متى رفض حزب المؤتمر الشعبي مبدأ الحوار والشراكة والالتقاء على القاعدة الديمقراطية؟ إذا كان هناك ما يسجل من رفض فإن له علاقة بالتأكيد بالمسألة الشرعية والقانونية والدستورية وهذا موضوع آخر لا أحبذ الخوض فيه، المؤتمر الشعبي العام صدره مفتوح للحوار والطاولة تتسع للجميع ولا يستثني أحداً، ويظل هناك ملعب ديمقراطي يستند إلى محددات قانونية ودستورية، ملعب يشترك فيه الجميع، لا أحد يمنع أحداً ان يشترك فيه إلا حجمه الجماهيري ووجوده وقواعده الجماهيرية، هذا بشكل عام في المنطلقات وفيما يحدث من تفاصيل نحن نراهن جميعا على أن تبقي سفينة الديمقراطية سليمة ومصانة وصالحة لأن تقل الجميع، هذا مبدئياً، وثانياً أن نحرص جميعاً على الحفاظ على الدولة الوطنية والمشاركة في إنمائها وليس التكالب عليها، وثالثاً أن نتشارك جميعاً ونتحدث بلغة الديمقراطية لأنه لا يمكن أن نقبل بلغة الديمقراطية ثم نتحدث لغة أخرى .
الخطاب الديمقراطي يراهن على الانتخابات ورضا الناس والإسهام في حل مشكلات الناس ويراهن على تقديم بدائل، وهذه ليست فقط مسؤولية السلطة وإنما أيضاً المعارضة والبدائل العقلانية والمنطقية، وليس كما قالت المعارضة في الانتخابات الرئاسية ستبني ألف مستشفى وألف جامعة، نتحدث عن حلول في سياق اقتصادي واجتماعي وسياسي، حلول لليمن في السياق الواقعي، وشيء طبيعي أن تعرف الأحزاب مجتمعها، ومعرفة هذا المجتمع تقتضي من الجميع المشاركة في وضع البدائل والحلول، خاصة عندما تكون أمام البلد تحديات اقتصادية في شح الموارد وكثرة السكان وشح المياه وقلة فرص العمل وكثير من المشكلات المتعلقة بهذه القضايا التي تنذر بكوارث كبيرة .
أعود وأقول إن الشراكة تقتضي التسليم بالآلية الديمقراطية وألا نبخس الانتخابات قدرها، لأنها واحدة من الآليات المهمة المعبرة عن إرادة الشعوب وفي بلد نام كاليمن، يجب أن نراهن على الثقافة الديمقراطية وان يكون الصندوق رمزاً لهذه التجربة، لأنه ما لم يمض الجميع إلى الصندوق فما البديل؟ الخروج إلى الشارع؟ الخروج إلى الشارع في ظروف غير مدروسة يمكن أن يضع هذا التعبير الديمقراطي في موضع التخريب والهدم وليس في موضع البناء، وبالتالي يظل الصندوق والانتخابات ركناً أساسياً من أركان الديمقراطية .
ولا أتصور أن مشكلة اليمن مهما تعاظمت يمكن ان تحل خارج قواعد الديمقراطية، فغياب ذلك يعني أن يتصارع الناس وأن يتقاتلوا ويتمزق هذا الوطن، أتمنى ألا تقع المعارضة في فخ الخيارات التي يمكن أن تجرنا لا إلى مجاهل وأن نحتكم دائما إلى الصندوق، وهو ليس اختزالاً للعملية الديمقراطية بل هو رمز لها، والتسليم بالصندوق هو تسليم بجملة من الخيارات التي توجه المجتمع إلى السلام والبناء .
الانتخابات والجنوب
وهل تعتقد أن الهروب من الحل الداخلي قد يدفع بالخارج إلى التدخل؟
عبدالحفيظ النهاري: أي بلد يعجز أبناؤه سلطة ومعارضة أو مستقلون عن إيجاد حل مشكلاته بالتأكيد سيكون ملاذا للتدخل الأجنبي وسيكون بيئة مناسبة لتدخل أي أحد، ونحن في الحزب الحاكم أحرص ما نكون استشعاراً لمسؤوليتنا الوطنية لأن تحل مشكلات اليمن في الإطار الوطني وما نعاني منه من عنف وخروج عن القواعد الديمقراطية ما هو بأياد أجنبية، لكنها وجدت بيئة مناسبة لتكوين مثل هذه البؤر، ونحن جميعا مسؤولون سلطة ومعارضة عن تكون مثل هذا البؤر التي يمكن ان تخلق للأجنبي الذرائع للتدخل في الشؤون اليمنية .
عبدالباري طاهر: أتفق مع منطق الأستاذ عبدالحفيظ وهو أنه لا بديل عن صندوق الانتخابات، لكن المشكلة أننا أمام صندوق تتفجر في ظله حرب تشمل محافظة كاملة أو تمتد إلى ثلاث محافظات، لابد أن نسأل أنفسنا لماذا يتعرض صندوق الانتخاب هذا إلى خطورة؟ انتخابات تجري في محافظات الجنوب كاملا شاملا في ظل صندوق الانتخاب، دعونا نتحدث بصراحة، هل مجلس النواب قوي؟ لا، إنه أضعف من أي قسم شرطة، وظيفة أي مجلس نواب هي مسألة الرقابة والتشريع، لكن مجلس النواب اليوم لا يستطيع مساءلة الحكومة مساءلة حقيقية ولا أن يقيل وزيراً أو يمنع الفساد، تحدث ست مرات في صعدة ولا يقدر أن يلعب فيها أي دور فيها .
لا بد من آليات تسمح للناس بالتشارك بمعنى حقيقي بحيث يكون صندوق الانتخابات هو الضمانة والكفالة ومحل تبار سلمي وديمقراطي للناس جميعا . الذي يدفع بالعنف، وأنا لست مع مسألة العنف أبداً سواء في صعدة أو غيرها، هو أن باب الحل السلمي الديمقراطي يضيق تدريجياً، هناك قمع للمجتمع المدني ومصادرة للحريات العامة وهناك محاكمات مستمرة للصحافيين فيما لا يحاكم تجار السلاح والمخدرات وقطاع الطرق والخاطفون واللاعبون بقوت الناس، هذا الذي يغلق باب الديمقراطية ويفتح المجال للعنف .
أستاذة جوهرة برأيك ماذا يتطلب لمعالجة الوضع القائم اليوم في الجنوب؟
جوهرة حمود: يتطلب بشكل أساس تحقيق مبدأ المشاركة في السلطة والثروة، ويعود من تم إقصاؤهم من أعمالهم على أساس الكفاءات واستحقاقاتهم المالية والإدارية ومحاسبة ناهبي المال العام وإعادة توزيع الأرض بشكل عادل ومتساو على أبناء الجنوب، من دون حلول ومعالجات اقتصادية حقيقية تضمن للناس حصولهم على احتياجاتهم واستلام مستحقاتهم وتحقيق مبدأ العدالة والمساواة لن يستقر الوضع في الجنوب، وأنا قلت إن الوضع خرج عن السيطرة، خرج عما كان متوقعا من الفعاليات الاحتجاجية وأصبح أكثر حدة وتطرفاً ولا يمكن لأية جهة أن تعلن أنها فعلا مسيطرة على الحراك أو أنها تقود الحراك .
الوقائع على الأرض اليوم لا يمكن التنبؤ بنتائجها، ما يحصل في الجنوب نتاج للأزمات الموجودة على مستوى الوطن كله، اقتصادية وثقافية واجتماعية ونتاج أيضاً لفشل الدولة في إدارة شؤون أفرادها سواء في الشمال أو الجنوب، لكنها ظهرت في الجنوب لأن الناس فيها تعودوا على نظام اقتصادي واجتماعي وثقافي وصحي ورعاية في مختلف المجالات، الدولة اليوم فشلت في إدارة شؤون الحياة وفشلت في توفير احتياجات الناس الضرورية على الرغم من أنها كانت تمتلك الثروة النفطية وغيرها، أما اليوم البلاد مهددة بنضوب كل أشكال الثروات .
نحن في الألفية الثالثة ونعيش بلا كهرباء بما فيها العاصمة، فيما ندعو العالم الخارجي للاستثمار، ما يحدث في الجنوب هو نتاج لهذه الأزمات، لكن كيف يمكن احتواء هذه الأزمات التي تعصف بالجنوب والبلاد عموماً، وأنا أعتبر السلطة ومن يحالفها تبحث عن غريم تلقي عليه الأخطاء . لا السلطة ولا المعارضة يفترض أن تبحثا عن “شماعات” للأخطاء الموجودة، المفروض أن تبحثا عن حلول تنقذ هذا الوطن، والمفروض أن نحتكم للحوار الذي لا يستثنى منه أحد .
إذا لم يتم إجراء إصلاحات حقيقية على الأرض تنقذ الناس وتحسن معيشتهم فيجب ألا نراهن على الصندوق، وأية مشاركة في انتخابات في ظل هذه الأوضاع والظروف سيكون مردودها عكسياً وسلبياً .
شايف صغير: لدي ملاحظتان أعقب من خلالهما على ما طرحته الأستاذة جوهرة، فأنا أريد ان اسألها أولا من الذي يدير الجنوب اليوم أو قبل عشر سنوات، أليسوا من أبناء الجنوب أم انه لابد أن يكونوا من الحزب الفلاني أو العلاني حتى يكونوا جنوبيين؟
جوهرة حمود (مقاطعة): الحاكمون فاسدون من الجنوب، لكني لم احدد الفاسدين من أي حزب .
عبدالباري طاهر (معلقاً): الفساد والفضيلة لا وطن لهما .
شايف صغير (مستطرداً): لكنهم في النهاية جنوبيون، وثانياً أريد أن أسأل الجميع لأصل إلى نقطة حصلت في يوم من الأيام وربما تلومونني وتقولون إنني ملكي أكثر من الملك، لكن هذه هي رؤيتي وأعتز بها وأدافع عنها، في ساعة صفاء ذهني جاءت عند الرئيس علي عبدالله صالح في سبتمبر/أيلول 2007 طرح مبادرة من عشر نقاط كان من ضمنها مناقشة النظام الانتخابي والسياسي، كل ما طرح من جزئيات في اتفاق فبراير/شباط طرح حتى (الكوتة) 15في المائة والحكم المحلي كامل الصلاحيات والشرطة المحلية، وبدأنا نتحاور حول هذه المبادرة، لكن للأسف الشديد لم يأت (المشترك) وظللنا في الحوار، ولو اطلعتم على محضر واحد من محاضر تلك الاجتماعات لوجدتم انه قيل في هذه الحوارات ما لم يقل (المشترك) في أوج معارضته .
للأسف الشديد الأخوة يرون السطحيات ولا يرون الجوانب الإيجابية، نحن حلفاء للحزب الحاكم، لكن ما يحصل عليه المشترك من المؤتمر أكثر مما نحصل عليه نحن، بعض صحفهم تحصل على إعلانات ودعم يضمن استمرارها ممن يعتبرون محسوبين على المؤتمر الشعبي، فيما لا نجد ذات المعاملة لصحفنا، كنت أتمنى أن نحصل على حوارات قبل التأزيم في ،2007 وفي الأخير توصلوا إلى اتفاق فبراير الذي يتضمن أربع نقاط فقط من العشر النقاط التي سبق وبادر إلى طرحها الرئيس وحزب المؤتمر الحاكم، واليوم يرفضون إقامة حوارات فما المقصود، نحن لم نحصل كحلفاء للمؤتمر على شيء، بل ربما أضر بنا تحالفنا مع الحزب الحاكم أكثر مما نفعنا .
هل هناك خشية على الوحدة اليمنية في ظل هذه الأوضاع المقلقة؟
جوهرة حمود: لا أحد يستطيع أن يتنبأ بما يحصل حالياً ومخاطر ما يحدث، وكثير من الشائعات تتحدث عنها بعض الأوساط أن هناك أحداثاً سيتم الإعلان عنها في مايو/أيار الجاري، وأن هناك دعماً خارجياً، إذا تم البدء بحوار جاد لا يستثنى منه احد فإنه سيكون أمراً جيداً، لكن الممارسات على الأرض تختلف، أذكر بأنه عندما ذهب أعضاء اللجنة التحضيرية للحوار الوطني إلى عدن للتحاور مع قيادات الحراك تم ضرب مبنى صحيفة “الأيام” .
وأنا أعتبر أن هناك أيادي خفية في السلطة لا تريد لهذا الوطن أن يستقر وتستخدم مواقعها في الأجهزة الأمنية والعسكرية لإبقاء الأزمات مستمرة، وأنا أرجو من العقلاء في السلطة أن يحتكموا إلى صوت العقل وألا ينجروا لبعض التصرفات الطائشة أو الاستماع إلى بعض الأطراف الذي له مصلحة في استمرار الأوضاع مشتعلة في الوطن .
الوحدة مهددة
يعني لا مستقبل لا للانفصال ولا لفك الارتباط؟
جوهرة حمود: لا يوجد أفق سياسي لا لفك الارتباط ولا للانفصال، لكن استمرار الوضع على ما هو عليه يعني مزيداً من الأزمات .
أستاذ عبدالباري هل تخشى على الوحدة أو بمعنى أدق أن يهدد دولة الوحدة مشروع الانفصال أو فك الارتباط؟
عبدالباري طاهر: الدولة اليمنية اليوم مهددة والوحدة مهددة، بل الوطن كله مهدد، المشكلة التي بيدك أن تعالجها اليوم غداً لن تكون بيدك، الاحتجاجات في الجنوب بدأت مطلبية، لكن رسالتها اليوم هي الانفصال، البلد مهدد بحرب سابعة في صعدة، هناك أزمة شاملة تلف البلد، وليست هناك معالجة، العملة تتدهور والأمن والسلام مهددان، والتفلت الأمني والعدوان السافر على الحريات العامة والديمقراطية قائمان، وهناك خروج للتيار السلفي الذي يفرض الآن رقابة على القوانين والتشريعات يراد من خلالها العودة باليمن إلى ما قبل الجمهورية وليس إلى ما قبل الوحدة فقط .
هناك مخاطر تتهدد الكيان والمجتمع اليمني برمته وليست هناك من معالجات، وما لم تكن هناك معالجات حقيقية لأوضاع الناس السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية فإن الصعوبات ستزداد، ولا يحل هذه المسألة إلا الاحتكام للعقل والمنطق والحوار . المحظور الذي نراه ماثلاً اليوم ان الأزمة ستمدد إلى ما قبل الانتخابات بأسبوع ثم ستفرض انتخابات بالقوة، لكنها ستكون انتخابات أكثر سوءاً، وإذا ما تابعنا مسار الانتخابات فإننا سنرى عداً تنازلياً للديمقراطية، فانتخابات 93 أفضل من انتخابات 97 والانتخابات التي جاءت بعدها كانت أسوأ منها .
والانتخابات المقبلة إذا ما تمت بهذه الصورة ولم تعالج المشكلات التي تواجه البلاد ولم يحتكم الناس إلى الحوار، وتكون هناك مشاركة فستكون انتخابات أكثر شكلانية من سابقتها وستكون كارثة تعم البلاد والعباد .
عبدالحفيظ النهاري: أتصور أن المؤتمر الشعبي ومعه الحكومة والدولة تقوم بمسؤوليتها الوطنية لكي لا نصل إلى التوجسات والمخاوف التي تضمنها السؤال وهي تفعل كل ما أوتيت من قدرات باتجاه أهداف نبيلة في مقدمتها الحفاظ على الوحدة والجمهورية والديمقراطية واستكمال بناء الدولة اليمنية الحديثة بكل التعقيدات المحيطة، هذه إرادات تترجمها برامج الرئيس الانتخابي وبرنامج الحكومة وبرنامج المؤتمر الشعبي العام ونسعى من اجل إنجاز هذه الأجندة وتحقيق هذه الأهداف، لكن التعقيدات القائمة في البلد تستدعي ألا يتحمل المسؤولية الحزب الحاكم وحده فيما يتفرج الآخرون، هذه التعقيدات تتطلب تضافر الجهود والشراكة الحقيقية من أجل النهوض بهذا الوطن من الكبوات التي يمكن أن تنتظرنا جميعا، والسلطة لا تمنع أحدا من ان يساعدها، بل على العكس السلطة بحاجة إلى اصطفاف كل المجتمع حول أجندة وطنية باتجاه تحاشي ما يمكن ان يحدث .
أما الوحدة كخيار ونهج وإرادة شعبية فلا أتصور أن الشعب اليمني يمكن أن يسمح للأحداث مهما كانت سيئة بأن تسرق منه مثل هذه المنجزات، وعندما أقول الشعب اليمني فأنا لا أقصد السلطة أو القيادة فقط، ولكن ضمير الشعب اليمني كله، ففي اللحظة الحرجة واللحظات العادية يقف وراء حماية هذه المنجزات الكبرى الجمهورية والوحدة والديمقراطية والسلام الاجتماعي، ومن تجارب التاريخ اليمني أن اشتداد الأزمات غالبا يحمل معه الحل ويشد الصفوف ويجعل المجتمع أكثر تكاتفاً كلما شعر باقتراب الخطر .
القلق
ألا تقلقكم كثرة اللاعبين في الجنوب، لم تعد الحديقة الجنوبية فقط للمؤتمر الشعبي العام، فهناك أكثر من لاعب؟
عبدالحفيظ النهاري: من الطبيعي أن يشكل عدم استقرار أي جزء من الوطن قلقاً للسلطة، وعلينا أن نستشعر القلق أكثر من غيرنا، لكن في ذات الوقت نكون أحرص الجميع على ألا يتعرض أي جزء من تراب البلد للمخاطر وألا يكون عرضة للفوضى، من مسؤوليات الدولة أن تعيد النظام إلى كل أجزاء الدولة وأن تحارب مظاهر الفوضى أياً كانت، وندعو الجميع إلى مساعدة الدولة على إعادة كل أجزاء الوطن في جهاته الأربع إلى نظامها واستقرارها لكي تعود إلى سكة التنمية والبناء بدلا من إهدار الطاقات والإمكانات في تعزيز الفوضى وإشعال الفتن، يجب ان نستنهض كل الوسائل الموضوعية والذاتية الممكنة من اجل أن تكون كل الأطراف شريكة في الحل لا شريكة في الأزمة والفوضى .
شايف صغير: على الوحدة لا أخاف، فهي ثابتة، لكن الخوف من استمرار أزمات المجتمع وزيادة معاناة الناس، إذا كان يجب أن نتحاور وأطراف الحوار الرئيسية لم تأت إلى الحوار، فما هو الحل؟ هل يجب ألا ندخل الانتخابات، أو أن ننتقي أناساً من الشارع كي يمسكوا السلطة؟ هل نلغي حقوق الناس في التغيير؟ كانت الحوارات من أجل إجراء الانتخابات التي كان يرتب لها في 2009 تطول ويتأزم الموقف، ثم جاء الأمر من الخارج مضمونه لا تدخلوا انتخابات ويجب أن تتحاوروا .
إذاً صدرت الأوامر الخارجية وتم تأجيل الانتخابات لكن ليس بإرادة أطراف يمنية، واليوم بدأت تتوارد إشارات تقول نحن نريد ان نشرف على الانتخابات، فإذاً بداية الخطر قادمة ومضمونه لا تدخلوا انتخابات، ومعنى ذلك أن نصل إلى فراغ دستوري وتأزيم والوصول إلى مشكلة حقيقية .
نحن نسير إلى اتجاهات ربما يظن البعض أنها ستفضي إلى شكل من أشكال الحصول على مكسب ما، وأنا أقول لك إنه يوم الوصول إلى هذه المرحلة مع عدم وجود حلول في الأفق سنصل إلى مشكلة اكبر مما نحن عليه، لن ننفصل بل ستخرج فوضى من نوع آخر .