كانت محافظة مارب تتهيأ للاحتفال بالذكرى العشرين لاعادة تحقيق الوحدة اليمنية وبحضور مسؤولين كبار في الدولة. لكن تهديدات تنظيم القاعدة باستهداف المسؤولين وتعكير اجواء الاحتفال،
دفع السلطات الرسمية إلى ايفاد نائب المحافظة وأمين عام مجلسها المحلي جابر الشبواني في مهمة بدت سرية وغامضة حتى اللحظة باستثناء ان الرجل وخمسة من رفاقه ذهبوا ضحية للأخطاء الامنية القاتلة والغامضة في علاقات التعاون الامني والاستخباراتي بين صنعاء وواشنطن.
وبخلاف هذه الرواية التي أكدها مصدر محلي في المحافظة. يقول أحد اقرباء الشبواني لصحيفة "الناس" ان "الشيخ جابر الشبواني كان معزوما عند ناصر بن عوشان في منطقة تدعى الحدباء وانه لم يعرف عنه انه كان في مهمة رسمية للتفاوض مع بعض عناصر القاعدة".
مضيفا " بعد العشاء اتصل به شخص سبق له التواصل معه أكثر من مرة بخصوص مشكلة تتعلق بالكهرباء، وان الاثنين اتفقا على اللقاء في منتصف الطريق". وفي منطقة السائلة القريبة من الحدباء، حلق الطيران في الجو أثناء لقاء الطرفين وما هي الا لحظات حتى كان القصف الجوي والذي اسفر عن مقتل الشيخ جابر الشبواني واثنين من رفاقه في الحال، بالاضافة إلى اصابة اثنين من بينهما عمه، اصابة بالغة.
واشار المصدر إلى ان ذلك الشخص هو "محمد بن سعيد جميل" والذي رددت بعض وسائل الاعلام نبأ مقتله باعتباره احد المطلوبين أمنيا. لكن المصدر السابق، نفى صحة هذه المعلومة، مؤكدا ان المذكور اصيب اصابة خفيفة، وانه ليس من المطوبين أمنيا. كما استبعد كليا فرضية استخدامه كأداة للجريمة والغدر بالشبواني. واصفا الرجل بأنه من بسطاء الناس وانه كان على تواصل مستمر مع الشبواني حول مشكلته، وانه ليست لديه أي خلفية أمنية تتردد في وسائل الاعلام كأخيه علي بن سعيد جميل.
ورغم انتهاء المهلة التي حددتها قبيلة عبيدة للحكومة للكشف عن ملابسات العملية وتقديم الجناة للمحاكمة يوم الجمعة الماضية. لكن مساعي التحكيم القبلي والتواصل بين رئيس الجمهورية واقرباء الشبواني، أثمرت عن بوادر للتهدئة والقبول بالحلول ولو مؤقتا.
عملية الاثنين الماضي في محافظة مارب، اعادت التذكير بعمليات مماثلة جرت في وقت سابق في محافظتي أبين وشبوة وفي محافظة مارب ذاتها اواخر عام 2002م ، عندما اغتالت طائرة "برايدايتور" أمريكية من دون طيار زعيم القاعدة في اليمن أبو علي الحارثي وخمسة من رفاقه، وهي الحادثة التي تسببت بحرج كبير للحكومة اليمنية بعد ان تولت المصادر الأمريكية الكشف عن ملابساتها، فثارت انتقادات وتساؤلات حول مصير سيادة الدول في الحرب التي تقودها واشنطن ضد ما يسمى بالارهاب، وكذلك حول مسألة القتل لمجرد الاشتباه وخارج الاطر القانونية والقضائية.
ومع ان عملية مارب الاخيرة تشبه إلى حد كبير تلك العملية التي جرت أواخر العام 2002م، الا ان ثمة اختلافات كثيرة منها ان الشبواني كان رجل دولة وشيخا قبليا بارزا في محافظة تتهم رسميا بأنها تحولت إلى مركز ايواء لبعض عناصر تنظيم القاعدة، وباستهدافه عن طريق الخطأ، كما تردد رسميا أيضا، تكون الحكومة قد فتحت النار على ذاتها ووقعت في أخطاء مزدوجة.
ف إلى جانب خسارة أحد الرجال الذين مثلوا الدولة في عمليات التفاوض مع بعض المطلوبين أمنيا من عناصر القاعدة، فان العملية عززت رؤية القاعدة بشأن العلاقة المفترضة مع افراد القبائل في اطار سعي التنظيم للبحث عن الملاذات الآمنة.
وسبق لعناصر تنظيم القاعدة البارزين التعبير عن هذه الرؤية في اكثر من خطاب وبيان، حيث دعا زعيم التنظيم ناصر الوحيشي قبائل اليمن إلى القيام بما قامت به قبائل باكستان وافغانستان في دعم القاعدة، في الوقت الذي وجه العضو الاخر البارز قاسم الريمي نقدا لاذعا لشيوخ القبائل الذين يدعمون النظام، في خطوة وصفت بأنها محاولة من قبل التنظيم للاستفادة من عدم الثقة المترسخة لدى القبائل بالدولة.
ومن الواضح ان العملية الاخيرة حققت رغبات القاعدة، كما يبدو ان السياسة الأمريكية تكرر نفس الاخطاء التي جنتها على حكومتي افغانستان وباكستان باستهداف طائراتها الضحايا الابرياء عن طريق الخطأ أو عبر عمليات القتل لمجرد الاشتباه وخارج نطاق القانون.
وبحسب الهيئة الوطنية للدفاع عن الحقوق والحريات "هود" فان طائرة أمريكية هي التي نفذت الغارة الجوية في محافظة مارب. موضحة في بيان صادر عنها ان " قتل المواطنين اليمنيين بالطائرات الأمريكية خارج أحكام القضاء وتحت مسمى أن القتيل مطلوب أمنيا تعتبر تخليا عن سيادة اليمن في بسط نفوذها على إقليمها ومشاركة في جريمة ضد الإنسانية".
مشيرة إلى أنها كانت قد نبهت وأبانت وأوضحت عواقب الانصياع للمطالب الأمنية الأمريكية. كما اشارت إلى الحوادث السابقة المماثلة. مؤكدة أن هذا الاستلاب والاستسلام للإرادة الأمريكية توج بقتل الشبواني ومعه خمسة من أسرته ومرافقيه.
كما وصف رئيس منظمة "سجين" المحامي عبد الرحمن برمان عملية استهداف الأشخاص عبثا بأرواح المدنيين وانتهاكا صارخا لأمن اليمن وسيادته لإرضاء الولايات المتحدة. موضحا أن ما جرى في وادي عبيدة بمأرب وقبلها في منطقة المعجلة والمحفد يعد قتلا عمدا خارج إطار القانون.
وأكد أن إصدار الأوامر للطيران بالقتل الفوري لمجرد الاشتباه يتعارض مع نصوص الشريعة الإسلامية والمواثيق العربية والدولية.
وبالمثل، استنكر الناطق الرسمي لأحزاب اللقاء المشترك محمد النعيمي العملية، مطالبا بإجراء تحقيق محايد. وقال إن عمليات القتل العشوائية مرفوضة تماما، ويفترض أن تحافظ الدولة على أرواح مواطنيها وليس العكس.
واثار مجلس النواب هذه القضية في جلسته يوم السبت الماضي، كما أقر استدعاء الحكومة لمعرفة من يقف وراء ما يسمى بالضربات الاستباقية التي يذهب ضحيتها الأبرياء من المواطنين اليمنيين. وطالب النائب صخر الوجيه المجلس بعدم التنصل عن مسئولياته والوقوف بجدية أمام هذه القضية.
موضحا ان العمليات بدأت بالحارثي في مارب ثم حادثة المعجلة والمحفد في شبوة واخيرا الشبواني. وتسائل عن الاداة المنفذة لمثل هذه العمليات.
وابدى النائب عبد الرزاق الهجري استغرابه بالقول كيف ترسل الحكومة شخص للتفاوض مع خارجين عن القانون وبعد ذلك ترسل طائرة لتقتله. واضاف " لسنا في تكساس أو في محمية من محميات أوباما، نحن دولة مستقلة ولنا سيادتنا فإما أن يحترموا سيادتنا وإلا فعلى دولتنا إعلان التخلي عنها".
وتزامنا مع عملية مارب الاخيرة ، كشفت المصادر الصحفية الأمريكية ان الجنرال ديفيد بتريوس القائد العام للقيادة المركزية الأمريكية امر بتوسيع نطاق العمليات العسكرية السرية التي تستهدف تفكيك الجماعات المسلحة ومواجهة مصادر التهديد في منطقة الشرق الاوسط.
وذكر مسؤولون أمريكيون ان الجيش الأمريكي وأجهزة الاستخبارات الأمريكية كثفت جمع المعلومات باستخدام طائرات استطلاع وأقمار صناعية واعتراض الاشارات لتتبع أهداف القاعدة داخل وخارج قواعدهم في اليمن.
وقال مسؤول مخابرات أمريكي "هناك قدر هائل من التركيز على تلك الدولة". وعند سؤال المسؤولين الأمريكيين عن الهجوم الاخير في محافظة مارب، قالوا ان واشنطن تستمر في لعب دور داعم بمساعدة القوات اليمنية في تعقب الاهداف وتحديدها بدقة. وبينما قال مسؤول عسكري أمريكي "ما زلنا ندعم اليمنيين في تصديهم لهذا التهديد داخل حدودهم". لكن مسؤولا اخر اعترف قائلا " هناك خطا دقيقا بشكل متزايد يفصل بين لعب دور داعم وأخذ زمام المبادرة.
غير ان مصادر يمنية حكومية نفت اشتراك طائرات أمريكية في ضرب مواقع تابعة للقاعدة في اليمن. واعتبرت المصادر ما تردد عن إيفاد البنتاجون وحدات من القوات الخاصة الأمريكية إلى اليمن للمشاركة في الحرب ضد القاعدة بأنها لا تزيد عن كونها تسريبات غير دقيقة لا تستهدف سوى الإثارة.
وقالت المصادر لجريدة "الخليج الاماراتية" إن هناك تعاونا قائما بين اليمن والولايات المتحدة، لكنه محصور في نطاق التعاون الاستخباراتي والتقني، حيث تقدم واشنطن مساعدات للسلطات اليمنية في هذا المجال تستهدف رفع كفاءة وقدرات وحدات مكافحة الإرهاب اليمنية في مواجهة خطر الإرهاب وتنظيم القاعدة. وأكدت أن كافة الضربات الجوية التي استهدفت القاعدة مؤخرا نفذت من قبل طائرات حربية تابعة لسلاح الجو اليمني.
وكانت محافظة مأرب قد شهدت توترات أمنية مختلفة عقب العملية، فقد تعرض انبوب النفط للتفجير مرتين، كما تعرضت الطاقة الكهربائية في المحافظة للتخريب. وذكرت مصادر رسمية ان بعض عناصر تنظيم القاعدة اشتركت مع مجاميع قبلية في تطويق القصر الجمهوري لساعات.
وفيما وجه الرئيس علي عبد الله صالح بتشكيل لجنة للتحقيق في ملابسات العملية، لكنه استبق نتائج التحقيقات بتحكيم قبلي أثبت جدواه في تهدئة الخواطر وتجنب غضب القبيلة.