عرف اليمن بأنه من أكثر دول العالم ثراء بآثار حضاراته القديمة لكنها أضحت تواجه خطر الضياع مع ازدياد عمليات التهريب للآثار إلى خارج هذا البلد الذي يتباهى بكونه متحفا مفتوحا لانتشار شواهد موروثه الحضاري التي تعود إلى القرن الثامن قبل الميلاد في مختلف مناطقه.
وهذا البلد الذي كان يعرف باسم "اليمن السعيد" غني بالمواقع الأثرية الشاهدة على تاريخ عريق يدل على أنه موطن للعديد من أقدم الحضارات في العالم التي توالت فيه كحضارة سبأ ومعين وحمير، وأوسان، ومنه خرجت أهم الحضارات واستوطنت في العراق والشام ومصر وشمال افريقيا في هجرات إنسانية قديمة.
وكان تعدد الممالك وتوالي الحضارات اليمنية القديمة سببا في جعل آثارها تمتد على طول وعرض البلاد حتى أضحى هذا البلد أشبه بالمتحف المفتوح. لكن تلك الآثار أصبحت في الاونة الاخيرة عرضة للسرقة والتهريب إلى خارج البلاد نظرا لضعف القوانين التي تضمن حماية ذلك الموروث الحضاري وتنزل عقوبات مشددة على من يتورط في تهريبه. فقانون حماية الآثار اليمنية الساري حاليا يفرض عقوبة الحبس لمدة لا تزيد على خمسة أعوام أو بغرامة لا تقل عن 50 ألف ريال (نحو 220 دولارا) أو بالعقوبتين معا في حق كل من هرب أو اشترك في تهريب أثر إلى خارج البلاد، وهي عقوبة مخففة في نظر المختصين الذين يطالبون بإعادة النظر في تلك العقوبات. عبدالعزيز الجنداري، مدير المتحف الوطني بصنعاء يرى أنه "ينبغي على الحكومة أن تعدل قانون حماية الآثار بالشكل الذي يضمن حمايتها من السرقة والتهريب".
ويؤكد الجنداري أن لصوص الآثار يجدون وسيلة تهريب الآثار مطمعا سهلا بسبب بساطة العقوبات التي يقول إنها "تكاد تكون شبه غائبة". ويقول الجنداري: "يجب أولا إعادة النظر في قانون الآثار بالشكل الذي يكفل حماية تاريخنا وآثارنا ، ووضع البنود والمواد التي تحمي هذه الآثار من النهب والسلب، لان العقوبات الموجودة غير كافية ولا تفي بالغرض المنشود".
وخلال الاعوام الأخيرة، ضبطت السلطات الامنية العديد من القطع الاثرية تتنوع بين نقوش وتماثيل في المنافذ الحدودية والبرية وكذا في مطار صنعاء كانت في طريقها إلى خارج البلاد. وتشير احصائيات الهيئة العامة للأثار والمتاحف إلى انه تم ضبط قرابة ستة آلاف قطعة أثرية مختلفة خلال الاعوام 2002 وحتى 2006. وأيضا قرابة 850 قطعة اثرية تم ضبطها في مطار صنعاء الدولي في عامي 2008 و2009. ويقول جميل الأشول، مندوب مكتب الآثار بمطار صنعاء "قمنا بمصادرة اكثر من 850 قطعة اثرية خلال عامي 2008 و 2009 وتتنوع هذه القطع ما بين نقوش وتماثيل خزفية وعملات ذهبية ومخطوطات كانت في طريقها إلى الخارج عبر المطار".
وتتواجد معظم المواقع الاثرية القديمة في مناطق لا تتوفر فيها الحماية الأمنية مما يجعل هذه المواقع عرضة للنهب والسرقة ، خصوصا في مأرب موطن حضارة سبأ والجوف موطن حضارة معين. فلا يمر شهر دون الاعلان عن ضبط الشرطة لمهربين حاولوا سرقة أو تهريب الآثار في اليمن. وقال هشام سعيد مسؤول أمن الآثار في مطار صنعاء لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) إن معظم القطع الاثرية التي يتم ضبطها في المطار هي في الأغلب آثار برونزية وتحف صغيرة ورؤوس تماثيل خزفية وأنها تأتي من مواقع في مأرب والجوف. وأضاف: "اثناء التحقيقات، نكتشف أنها سرقت من مواقع اثرية لا يوجد فيها حماية أمنية".
وترجع الهيئة العامة للآثار والمتاحف أحد أسباب سرقة الآثار في اليمن إلى غياب الحماية الامنية للمواقع الأثرية وتقترح إنشاء شرطة خاصة بالآثار . ويقول وكيل الهيئة العامة للآثار والمتاحف، محسن عبدالرحمن جارالله، إنه "لابد من انشاء شرطة خاصة بحماية الآثار بحيث يتم نشرها على المواقع الاثرية. معظم المواقع الأثرية في اليمن غير محمية إلا القليل منها مثل منطقة براقش (بمأرب) التي تعرضت في السابق إلى محاولة سرقة والآن فيها حامية عسكرية وبالتالي اصبحت محمية" .
السائحة الاسكتلندية كاثرين تورنور تعتقد أن تهريب الآثار ظاهرة واضحة في اليمن كما هي في دول أخرى كالعراق واثيوبيا وأن ما يدل على ذلك هو وجود القطع الاثرية اليمنية في الكثير من متاحف أوروبا. وقالت تورنو ل (د.ب.أ): "كثير من الآثار اليمنية والعراقية والاثيوبية تعرضت للسرقة وهربت إلى أوروبا ، وبامكانك رؤيتها في معظم المتاحف الاوروبية".
ويرى وكيل هيئة الآثار جارالله أن الحل الامثل لحماية الآثار اليمنية من النهب والتهريب يكمن أيضا في إيجاد استراتيجية ورؤية مشتركة تشترك فيها كل الجهات الحكومية المعنية. ويقول: "الحل هو تشكيل مجلس أعلى للآثار ، هذا المجلس يتألف من ممثلين عن وزارات السياحة والدفاع والداخلية والمالية. وبالتالي عندما تطرح مشكلة للآثار تكون جميع الاطراف موجودة لحلها. وهذا سيضمن حماية الآثار من النهب والتهريب".