[esi views ttl="1"]
arpo28

أحداث الحجرية في اليمن.. روايات متباينة وغموض يلف الاحداث

يشعر الناصريون في اليمن بشيء من المرارة وخيبة الأمل بعد محاولة اغتيال القيادي السابق في التنظيم الناصري عبد الرقيب القرشي، ذلك ان محاولاتهم الدؤوبة على مدى سنوات لعودة عضو مجلس قيادة الثورة السابق وقائد قوات المظلات الرائد عبد الله عبد العالم، تبوء بالفشل أكثر من أي وقت مضى، بل وأصبحت شبه مستحيلة.

تعرض القرشي، وهو صهر الرائد عبد العالم ورفيق دربه قبل نحو ثلاثة أسابيع لطلق ناري مجهول أصابه في الجهة اليمنى من الرأس، وأدخله المستشفى في غيبوبة، وذلك بعد أقل من شهر من عودته من منفاه الاجباري في سوريا والذي امتد لاكثر من ثلاثة عقود بسنتين. وجاءت عودته ضمن ترتيبات سياسية، سعى لها التنظيم الناصري بقيادة أمينه العام النائب سلطان العتواني، وكان يأمل من وراء هذه الخطوة ان تكلل باصدار العفو العام والشامل عن قائمة أل33 وعلى رأسهم الرائد عبد العالم والذي يرتبط اسمه بما يعرف بأحداث الحجرية مطلع العام 1978م، حيث يتهم فيها بارتكاب عمليات قتل واعدام لمشائخ في المنطقة في ذلك الوقت بعد خروجه من صنعاء ببعض قوات المظلات إلى منطقته في الحجرية.

وعلى مدى سنوات، ظل الناصريون يطالبون السلطات الرسمية في مناسبات عديدة بالعفو عن الرائد عبد العالم، حيث يرون بأن عودته من منفاه في سوريا إلى البلاد مرهونة بقرار سياسي وليست مرتبطة بالاحداث الجنائية التي غالبا مايتهم بها من قبل أولياء الدم لضحايا تلك الاحداث.

وفي كل مرة كان فيها النظام يصدر قرارات العفو عن المشاركين في الاحداث والحروب الداخلية التي مرت بها اليمن خلال الفترة الماضية، كان الناصريون يثيرون التساؤلات حول الاسباب التي تدفع النظام الحاكم إلى استثناء الرائد عبد العالم من كل قرارات العفو.

لكن مصادر سياسية مقربة من التنظيم الناصري لا تتردد في التأكيد على أن استثنائه من قررات العفو مرتبطة بحساسيات شخصية، وربما أشياء كثيرة يعرفها الرجل عن مرحلة الحمدي خاصة وان الرائد عبد العالم كان من المقربين جدا من الحمدي.

وقبل أسابيع، فوجئ المراقبون بأنباء عودة النقيب السابق في قوات المظلات، عبد الرقيب القرشي، إلى صنعاء، لكنه لم يهنأ بطيب الاقامة في وطنه سوى أقل من شهر، حتى جرت محاولة اغتياله في قلب العاصمة صنعاء وأمام فندق تاج سبأ الذي كان يهم بدخوله برفقة اولاده وشخص آخر.

وبرغم تلقي أسرته تطمينات طبية في البداية عن تحسن حالته الصحية. غير أنها منيت بانتكاسة كبيرة خلال الايام الماضية ودخلت مرحلة حرجة نتيجة تليف في الدماغ. وبحسب تقديرات طبية أكدت بأن حالته الصحية تستدعي نقله إلى الخارج، فربما يجد نفسه مرة أخرى في المنفى إلى آخر نفس.

وعلى العكس، فقد جاءت محاولة الاغتيال لتضيف غموضا إلى كثير من الحيثيات المرتبطة بعودته بعد غياب طويل في المنفى، كما أثارت تساؤلات كثيرة حول الجهة التي تقف وراء هذه العملية وكذلك الرسائل التي أردات ايصالها في هذا التوقيت.

وفيما استبعد متابعون اقدام أولياء دم ضحايا تلك الاحداث المعروفة بأحداث الحجرية على تنفيذ هذه المهمة وسط العاصمة وفي هذا الظرف والتوقيت وبعد الآمان الذي منحه رئيس الجمهورية للقرشي. أعتبر آخرون محاولة الاغتيال رسالة إلى كل المقيمين في المنفى ومفادها أنكم سوف تلقون نفس المصير في حال قررتم العودة إلى أرض الوطن، وذلك من قبل ما قالت أنه طرف أو اطراف تحيط بالنظام احاطة السوار بالمعصم ولا تريد أن يستتب الوضع أو يأتي أخرون على حسابهم.

وبحسب بيان أحزاب اللقاء المشترك في محافظة تعز التي أدانت العملية، فان الهدف منها هو تصفية القرشي "كعمل من شأنه سد منافذ المصالحة الوطنية التي تحتاج لها البلاد خاصة وقد قدم الرجل من منفاه تحت أمان السلطة التي كان عليها توفير الحماية اللازمة له".

وبالنسبة للامين العام للتنظيم الوحدوي الناصري، فقد استغرب سلطان العتواني، محاولة الاغتيال وسط العاصمة صنعاء وفي وضح النهار. وبعبارات شديدة اللهجة، أدان العملية التي تعرض لها " قيادي سياسي مفترض أنه محمي بسلطات الدولة وعائد من المنفى في وجه رئيس الجمهورية"، وهو كذلك نفس التعبير الذي أكده نجل القرشي، حين صرح قائلا ان والده عاد إلى الوطن "بوجه الرئيس وحمايته ولم نكن نتوقع أن يحدث له" ما حدث.

يأتي ذلك بعد التصريحات الغامرة بالسعادة والتي عبر عنها العتواني عقب عودة القرشي إلى مطار صنعاء، حيث كان في استقباله مع كوكبة كبيرة من قيادات التنظيم الناصري، وشكر العتواني رئيس الجمهورية على "تقديره لظروف المناضل القرشي"، كما تمنى عليه أن يصدر العفو العام والشامل عن قائمة الـ33 وعلى رأسهم الرائد عبد العالم، واغلاق ملفاتهم بشكل نهائي.

( صفقة رخيصة )
ترتيبات واجراءات عودة القرشي، والذي تنفي مصادر مقربة من أسرته مشاركته في احداث الحجرية، لم تسلم هي الاخرى من الغمز والتشكيك باعتبارها، كما جاء في مقال للكاتب اسكندر شاهر "صفقة رخيصة" للاساءة لشخصية عبد العالم نفسه ولتلميع شخصية سفير اليمن لدى دمشق عبد الوهاب طواف خاصة بعد أن تناقلت الوسائل الاعلامية بلاغ صحفي لمصدر مقرب من الاول ينفي فيه ما تردد عن رسالة حملها القرشي منه إلى الرئيس صالح.

وكتب شاهر يقول " لقد تبينت لدي -بحكم إقامتي الطويلة في دمشق- ومنذ تلقيت نبأ العودة الآثمة ومارافقها من تغطية إعلامية مضمون الرسالة التي يريد أن يبعث بها النظام للمناضل عبد الله عبد العالم بعد مضي أكثر من ثلاثة عقود وحجم الحقد الذي لايزال يكنه رأس السلطة لهذا الشخص الذي حاول بطريقته أن يثأر لمشروع الدولة الوطنية الحديثة" التي اعتمدها الرئيس الراحل ابراهيم الحمدي.

وكان المصدر المقرب من عبدالله عبد العالم قد نفي ما تردد عن رسالة حملها القرشي منه إلى الرئيس صالح. وقال المصدر في بلاغ صحفي "هذه الأنباء لا أساس لها من الصحة ، لأنه لم يلتق به قبل عودته إلى البلاد ، ولهذا لم يكلفه بأي حوار مع أي أحد".

وللمرة الاولى تقريبا، يشير المصدر المقرب من الرائد عبد العالم إلى تلك الاحداث المثيرة للجدل بالقول " بالنسبة لموضوع شهداء تعز وإب في سنة 1978 فإن المسؤول عنها هما النظامان الشطريان في تلك الفترة الممثلة بالرئيس أحمد الغشمي وحكومته وجهازه التنفيذي، الأمن الوطني والداخلية والرئيس سالم ربيع علي وحكومته وجهازه التنفيذي المتمثلة بوزارة الداخلية وجهاز أمن الثورة والأحزاب المرتبطة بهما والأشخاص المكلفين من هذه الجهات أو تلك ، وهم معروفون وبعضهم موجودون حتى الآن".

موضحا أن "كل هذه الحقائق يعرفها الشرفاء من الشعب اليمني بأن هؤلاء الأشخاص ذهبوا ضحايا الحرب الطائفية في الشمال والحرب الطبقية في الجنوب".

يشار إلى ان ما جرى من أحداث في العام 1978 ما زالت معظم تفاصيلها الحقيقية غامضة، ولاتزال حركة الرائد عبد العالم بخروجه من صنعاء إلى منطقته في الحجرية مع بعض القوات، ثم حدوث التصفيات لعدد من مشائخ المنطقة في ذلك الوقت، يخضع للعديد من التفسيرات والروايات.

وتشير احدى هذه الرويات التي وصمت حركته ب" العشوائية " إلى أن مقتل الرئيس السابق ابراهيم الحمدي بتلك الطريقة الغادرة ثم تصفية على قناف زهرة، قد شلت تفكيره ونالت من شجاعته، كما "أفقدته ثقة الآخرين خاصة عبد العزيز عبد الغني الذي كان يطمئنه كثيرا ولكن لم يفعل شيئا رغم أنه كان عضو مجلس قيادة ورئيسا للوزراء مما أثار خوف عبد العالم أنه مستهدف هو ورجال معسكره ، ولهذا شق طريقه إلى تعز ولم تعترضه أي قوات عسكرية في العاصمة صنعاء بجانب أن الرئيس الغشمي استحسن مغادرته وتوقع أن عبد العالم سيتجه إلى عدن وهذا الأمر يعتبر لصالح الغشمي الذي يسهل له التخلص من عبد العالم ومن عقدة معسكر المظلات الذي كان يضرب حسابه".

وحين وصل بقواته إلى تعز، طبقا للرواية السابقة، كان قائد لواء تعز أنذاك والرئيس الحالي - علي عبد الله صالح - قد استنفر الوحدات والقوات العسكرية من أجل منع قوات عبد العالم من دخول مدينة تعز ودفعه بالتوجه إلى عدن، لكنه صمم على دخول المدينة وشق طريقه إلى منطقة التربة حيث كان الناس هناك لا يعرفون "ماذا يريد وما مطلبه وأيضا رتله العسكري لم يكن مزودا بالذخائر العسكرية والزاد والعتاد الكافي لأن يخوض معركة تستمر أسبوعين، علاوة إلى صعوبة وصول أي إمدادات لوجستية من الجنوب لعدم التنسيق معهم أولا، ولهذا وصل بقواته العسكرية إلى الحجرية بدون تخطيط أو رؤية فتصرفت كتائبه العسكرية بفوضى مع السكان" هناك حتى حدث ما حدث.

وفي كتابه "الف ساعة حرب"، يؤكد الدكتور عبد الولي الشميري بأن خروج عبد العالم الذي وصفه بانه من اشهر قيادات الناصريين العسكرية، من صنعاء إلى منطقته في الحجرية بانها جاءت كنوع من الاحتجاج على قرار مجلس الشعب التاسيسي بتاريخ 2241978م الذي حدد شكل رئاسة الدولة في شخص رئيس الجمهورية فقط ( احمد حسين الغشمي) وهو القائد العام للقوات المسلحة بدلا من مجلس القيادة الجماعية والذي كان الرائد عبد العالم أحد أعضائه.

مشيرا إلى ان عبد العالم في تصرفه ذاك كان يستند إلى وعود من عبد الفتاح اسماعيل وجناحه في عدن بالوقوف معه عسكريا وسياسيا، وانه ظن خاطئا بان ابناء المناطق الغربية والجنوبية سيقفون ورائه تحت شعار الطائفية والمناطقية مثلما توهم البيض في حرب صيف 94م.

لكن الشميري عاد ليؤكد بأن ابناء تلك المناطق سقطوا ضحية طيش من عبد الله عبد العالم ورجاله بسبب ذهابهم اليه للوساطة بينه وبين الرئيس الغشمي كي يعود إلى صنعاء أو على الاقل العمل على عدم اللجوء إلى القوة.

وأيا تكن الروايات المرجحة، فان صمته طوال هذه المدة يعد في نظر البعض دليل ادانة وقلة حجة لتبرئة ساحته من الاتهامات الموجهة اليه من قبل أولياء الدم. في الوقت الذي يرى فيه قياديون ناصريون كالامين العام المساعد في الحزب، محمد مسعد الرداعي، بأن وجود الرائد عبد العالم كجزء من الصراع المحتدم حينها بين الشطرين جعل السلطة تستغل ذلك وتلصق به وقائع القتل الدامية.

واتهم الرداعي أطرافا عديدة في ارتكاب تلك الجرائم، ومنهم عناصر ما كان يعرف ب"الجبهة الوطنية" المدعومة أنذاك من الجنوب.

وعن أسباب ترك عبدالعالم لصنعاء ولجوئه إلى الحجرية، قال الرداعي ان ذلك بعد أن "شعر أنه مستهدف بالقتل من قبل سلطة الغشمي عقب محاولة استهدافه بسيارة أرسلها إليه الغشمي". وتحدث عن محاولات أخرى تم فيها تصفية اللواء الخامس مشاه من قبل السلطة وإفراغ كل الألوية ممن كان يعتقد أنهم محسوبون على الحمدي كالعمالقة واللواء السابع مدرع وغيرها. مؤكدا أن تلك المحاولات جعلت عبدالعالم يلجأ إلى الحجرية بعد أن أحس أن حياته في خطر.

زر الذهاب إلى الأعلى