[esi views ttl="1"]
arpo28

ولاة العهد الجدد يُقدمون أنفسهم كمعارضين من داخل القصور الرئاسية

* أحمد علي صالح أضعف أولياء العهود المفترضين لأنه لايفهم جيدا طبيعة القبائل
* جمال مبارك رفع مكانته الأمنية من خلال مرافقته لعدد من الجنرالات في مناسبات عامة
* يُسيطر أنصار سيف الإسلام القذافي على المفاتيح الاقتصادية والأمنية في ليبيا وبذلك يُرسخون سلطته القادمة..!

ثلاث دول عربية تطرح نفسها بقوة على قائمة توريث الحكم، عبر تحويل النظام الجمهوري إلى ملكي.. اليمن ومصر وليبيا، هي الدول التي تحمل نماذج للتوريث، تمشى على خطى ما شهدته سوريا بعد رحيل حافظ الأسد، وتولي ابنه بشار الرئاسة عام 2000.

يقترب الباحث الأمريكي دانييل بايمان من هذه الظاهرة، ويُقدم رصداً وافياً للأوضاع السياسية، وسيرة أبناء رؤساء الدول الثلاث احمد علي عبدالله صالح وجمال مبارك وسيف الإسلام القذافى، وجهودهم المعلنة والمخفية لوراثة السلطة، بل يُحلل نفيهم لهذا الأمر، وما يشوبه من مفارقات تؤكد حدوث التوريث أكثر مما تستبعده، كما يطرح فرص كل وريث، والصراعات التي يخوضها، والكتل التي يستند إليها، وموقف النخب المثقفة والشعب منه.

"نشوان نيوز" يعيد نشر المقال الأمريكي الذي نشر تحت عنوان "آخر أيام السلاطين"، في مجلة ناشيونال إنترست (المصالح القومية) الصادرة عن مركز نيكسون ويرأس مجلس إدارتها وزير الدفاع الأمريكي الأسبق جيمس شليزنجر ويمثل وزير الخارجية الأسبق هنرى كيسنجر رئيسها الفخري، والتي تعرف بأنها ضمن الوسائل راسمة القرارات في البيت الأبيض والمؤثرة في العالم، لتقدم وجهة نظر غربية لمخططات التوريث في الدول العربية وإمكانيات نجاحها أو فشلها.
ربما يكون اسم المجلة الأمريكية "المصالح القومية" موحيا بالطريقة الأمثل لقراءة المقال.. فصاحبه ينطلق بالأساس من رؤية الظاهرة السياسية العربية وفقا لمدى تأثيرها على المصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط وليس شعوب ومجتمعات الدول العربية المعنية.. ربما يكون في خلفيته الثقافية انحيازا لحقوق الإنسان وحرية التعبير ومبادئ الديمقراطية، لكنه يستهدف رسم صورة وتقديم نصيحة لصانع القرار الأمريكي، فقد عمل من قبل مستشارا للحكومة الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط.
ويستطيع القارئ الفطن أن ينتبه لدوافع الكاتب حين يتحدث عن السياسة الخارجية المحتملة إذا ما تولى من يسميهم "ولاة العهد الجدد" السلطة في الدول الثلاث..

يتناول الباحث بايمان طريقة تقديم أبناء القادة لأنفسهم "كمعارضين من داخل البيوت الرئاسية"، ومدى توافقها مع الخطاب الغربي في مجالات حقوق الإنسان والديمقراطية، لافتا الانتباه إلى التشابه بينهم في أنهم جميعا تلقوا تعليما غربيا، وأنهم أقاموا مؤسسات خيرية تلقى دعما معنويا وماديا أحيانا من الخارج، ويحلل علاقتهم بالقوى السياسية الفاعلة في الداخل، وحجم الرضا الذي يحظون به في الأجهزة الأمنية..
كما يوضح الكاتب كيف تحتاط الأنظمة للتغيير أملا في البقاء من خلال ربط شريحة كبيرة من الطبقة العاملة ورجال الأعمال وقادة القبائل بمصالحها.

ويرجح –الباحث- احتمال نجاح السيناريو في مصر وليبيا عنه في اليمن، ويؤكد على محدودية التأثير الأمريكي، ويقدم نصائحه في هذا الإطار، مسترشدا بالحالة السورية الأولى والوحيدة حتى الآن في العالم العربي لتحول جمهورية إلى "ملكية" بالأمر الواقع.. وإلى نص المقال..

في شوارع طرابلس تطل صور زعيم الثورة الليبية معمر القذافى.. على اللوحات الإعلانية الضخمة وسلاسل المفاتيح الصغيرة تجد "القائد"- كما يحلو لليبيين تسمية زعيمهم- في كل مكان، ويكاد يكون من المستحيل أن يتصور الليبيون حياتهم دونه:

القذافى استولى على السلطة منذ أكثر من أربعين عاما، وهو الآن أقدم حاكم "غير ملكي" في العالم، في شبابه دافع عن القضايا الثورية، وطبق ما اعتبره نموذجا إسلاميا من الاشتراكية ممتزجة بالقومية العربية،
وصك القذافى تعبير "الجماهيرية" أي "دولة الجماهير" لوصف النظام الليبي، لكن ليبيا- رغم هذا المزيج من المساواة والإخاء- أصبحت في الواقع العملي ملكية وراثية في ظل بروز نجل القذافى سيف الإسلام كوريث للعرش.

ورغم أن ليبيا تعد دائما استثناء في سياساتها، لكنها في هذا التحول الملكي ليست وحدها: فتحول ما يُسمى الأنظمة الجمهورية إلى الملكية الاتجاه القادم للأسف في العالم العربي، نحو ما يسميه البعض الجملوكية.
والواقع أن معظم العالم العربي مازال بعيدا عن الانتقال الديمقراطي للسلطة، ومن مفارقات القدر أن القادة العسكريين في الخمسينيات هم الذين أطاحوا بالملوك- بدءا من مصر التي مثلت نموذجا للآخرين- ثم اليمن وليبيا..

تمرد الثوار على العائلات المالكة المنعزلة عن إرادات الشعوب، لكن الأنظمة العربية أنتجت مجموعة من القادة يُفضلون الاستقرار عن الديناميكية الثورية.

سوريا معقل القومية العربية هي أول جمهورية عربية تتحول في الواقع إلى ملكية؛ عندما تولى بشار الأسد الحكم عام 2000 خلفا لوالده حافظ الأسد الذي حكم ما يقرب من ثلاثين عاما، ومن المنتظر أن تستمر تلك الظاهرة..

في مصر يُعتبر حسنى مبارك صاحب أطول فترة حكم منذ القرن التاسع عشر، وهو في الثانية والثمانين من عمره، وقد سعى لوضع ابنه جمال بجوار عرشه، وبينما كانت فرصة جمال في تولي السلطة محدودة للغاية قبل عشر سنوات، أصبحت الآن أكبر كثيرا..

وكذلك الحال مع علي عبد الله صالح الذي تولى حكم اليمن عام 1978م، ورغم غموض السياسة اليمنية إلا أن ابنه أحمد ينافس على السلطة، (ولو لم يحدث غزو العراق في 1990 لأمكن وضعها في هذه القائمة، فقد كان صدام حسين يعد أبناءه لتولى السلطة أيضا)، وإذا غاب مبارك (82 عاما)، والقذافى (68 عاما)، وعلي صالح (65 عاما) أو أصبحوا غير قادرين على مهام مناصبهم في السنوات المقبلة ستكون الملكية الوراثية هي النمط المهيمن على أنظمة الحكم في العالم العربي عمليا.

القادة الجدد يحلون محل مجموعة من الحكام المستبدين هم في أحسن الأحوال متصلبون (مثل مبارك)، وضعاف يتسمون بالغلظة في كثير من الأحيان (مثل على صالح)، وغريبو الأطوار أحيانا أخرى (مثل القذافى)، هذه الأنظمة جميعا ديكتاتورية وقد عانت لعقود من ركود نموها الاقتصادي، وسيطر الفساد على حكوماتها..

مصر التي كانت من قبل قيادة ثقافية وسياسية للعالم العربي، تشهد الآن مزيدا من التهميش في مقابل الدول العربية ذات الثروة النفطية والأكثر ديناميكية وانفتاحا على العالم، أما ليبيا، فرغم إيراداتها النفطية إلا أن لديها شعوراً قويا بالإحباط يُشبه شعور دول الكتلة السوفيتية السابقة، مع خليط من البنى التحتية المتداعية والإجراءات الأمنية المرهقة، وفى اليمن تزداد الفوضى بينما تنفذ باطراد كبير احتياطياتها النفطية المحدودة.

ويأمل المراقبون الغربيون أن تشهد تلك الدول تحولا إيجابيا جديدا، حتى ولو كان من داخل "العائلات المالكة" يمكنه تحسين الأحوال السيئة، يُغذي هذا التفاؤل أن هؤلاء القادة المحتملين ينتمون للغرب أكثر مما ينتمون لآبائهم، يتحدثون الإنجليزية وحاصلون على شهادات من الجامعات الغربية، ويعرفون جيدا خصوصيات وعموميات الأنظمة المالية الحديثة، على أقل تقدير هؤلاء الورثة الجدد يتكلمون لغة حديثة، وغالبا ما ينخدع الغربيون بأنهم لا يملكون عقليات تآمرية مثل من سيحلون محلهم..

الورثة الجدد يقدمون خطابا رنانا عن ضرورة الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، على الرغم من أن أياً منهم لم يصعد من داخل القوات المسلحة وخلفياتهم العسكرية ضعيفة، وهم في الحقيقة مجرد شخصيات مصنوعة إعلاميا يقدمون أنفسهم ببراعة لجيل من الشباب الذي استفاد من الرأسمالية الفاسدة لأنظمتهم.

جمال مبارك

تعلم جمال مبارك في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وعمل لفترة مديرا استثماريا في بنك أوف أمريكا في لندن، في خطابه المعلن أكد جمال على أهمية النمو الاقتصادي والانفتاح وتشجيع إجراءات حرية التجارة مثل تخفيض قيمة الجنيه المصري، وفى حواراته مع صحف غربية يُشيد جمال بمارجريت تاتشر لأنها أحدثت تحولا اقتصاديا في المملكة المتحدة، وهو أيضا أسس جمعية جيل المستقبل لتعزيز الأدوار الاقتصادية والسياسية لجيل جديد من شباب المصريين، وأدار شركة أسهم خاصة، وفى 2000 أصبح قياديا في الحزب الوطني الحاكم، أداة النظام لإدارة البلاد والسيطرة على البرلمان، وأصبح جمال في واقع الأمر رئيس الحزب، وبعد ثلاثة أعوام تبنى تشريعات لتحسين حقوق الإنسان وإلغاء محاكم أمن الدولة، وهو عموما يقدم نفسه كإصلاحي، يركز باستمرار على احتياجات وآمال الجيل الجديد، وقد حاول مؤخرا رفع مكانته الأمنية من خلال مرافقة عدد من الجنرالات في مناسبات عامة.

سيف الإسلام القذافي

وضع جمال مبارك يُشبه إلى حد كبير وضع سيف الإسلام الابن الأكبر للقذافى من زوجته الثانية، فمنذ أن انتهى الزواج الأول للأخ القائد بالطلاق ارتقى سيف الإسلام إلى أعلى هرم الأسرة، وهو أيضا تعلم تعليما غربيا حتى حصل على درجة الدكتوراه من كلية لندن للاقتصاد، ومن خلال مؤسسة القذافى التي يُديرها سعى إلى حل نزاعات دولية وأطلق خطابا عن حقوق الإنسان.

وبشكل ما- كما يقول صديقي العربي الأستاذ بجامعة إكستر- "يقوم سيف الإسلام بوظيفة المعارضة الموالية"، ويمكنك أن تنتقد سيف على صفحته على الفيس بوك، وخطابه السياسي مليء بالتعبيرات الرنانة التي تستهدف مخاطبة الجمهور الغربي فهو يدعو إلى خفض الضرائب إلى 15 في المائة، ويدعم مشاريع لمواجهة التغير المناخي، وأطروحته لنيل الدكتوراه تستخدم مصطلحات رائعة مثل "المجتمع المدني" و"الحكم العالمي" و"الديمقراطية"، وانتقد علنا إنكار الهولوكوست وقال إن "ليبيا ليس لديها مشاكل في التعامل مع إسرائيل" والأهم أنه دفع ليبيا للتخلي عن برنامجها النووي، وعندما سأله صحفي غربي عن مدى الحرية التي يجب أن يتمتع بها الليبيون، قال سيف "أتحدث عن مستوى الحرية في هولندا مثلا.

في الداخل دفع سيف باتجاه الإصلاح الاقتصادي ودعم جهود مكافحة إدمان المخدرات، وفى واحدة من أكثر حملاته جرأة حاول إضعاف سلطة اللجان الثورية الليبية، وهى سلطة بيروقراطية قوية مهمتها تأمين ثورة القذافى وتقف عقبة في طريق أي إصلاحات بشأن السوق الحرة والتقارب مع الغرب، وترفض أي انتقادات ضمنية لسياسات القائد السابقة، وقد تورطت هذه اللجان في عدد من أفظع انتهاكات حقوق الإنسان في ليبيا في التسعينيات عندما أدت التهديدات التي يتعرض لها النظام إلى أعمال قمع دموية، وساهم سيف الإسلام أيضا في برنامج لإعادة تأهيل "الإرهابيين"، وعمل مبعوثا للنظام..

كما انه لعب دورا رئيسيا في الإفراج عن الرهائن الغربيين في الفلبين، وحل مشاكل ليبيا مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بخصوص تفجير طائرة بان أميركان فوق لوكيربى عام 1988 الذي أودى بحياة 217 شخصا.

وبينما أكسبته هذه الجهود تأييدا وقبولا في الخارج، ساعد دوره في استعادة أحد المتهمين بارتكاب العملية من سجنه في اسكتلندا على تعزيز مصداقيته في الداخل، ويُسيطر أنصار سيف الإسلام على المفاتيح الاقتصادية والأمنية في ليبيا ويرسخون سلطته.

احمد علي عبدالله صالح

أحمد على عبدالله صالح في اليمن يبدو أضعف أولياء العهود المحتملين، فقد فشل في إعطاء انطباع إيجابي عنه كعضو في مجلس النواب عام 1997 وهو يرأس الحرس الجمهوري والقوات الخاصة، لكنه لا يحظى بتأييد كبير في الجيش لأنه لا يظهر الاحترام الواجب لكبار الضباط، وربما كان حتميا أن يرأس أيضا منظمة غير حكومية- هي مؤسسة الصالح الاجتماعية الخيرية للتنمية المسئولة عن بناء جامع الصالح الكبير، ودعم الاوليمبياد اليمنى الخاص وأنشطة خيرية أخرى مثل تقديم الخدمات الطبية لليمنيين- وقد لعب أحمد دوره في المنظمة من أجل الإعلام، ويرى منتقدوه أنها مجرد محاولة لشق طريقه إلى المساعدات الإنسانية الأجنبية القادمة إلى اليمن.

لم يتضح بعد ما إذا كانت النخب اليمنية ستقبل أحمد بن عبدالله صالح خلفا لوالده، وكما يشير باراك بارفى وهو أحد الخبراء في الشؤون اليمنية: يفتقر أحمد للقوة المناسبة وليس ذكيا بما فيه الكفاية، ورغم أنه يمد يديه في الشؤون السياسية والعسكرية والتجارية فإنه أثبت أنه غير قادر على إدارة المهام الموكلة إليه، وعلاوة على ذلك لا يتمتع ببُعد نظر والده، ولا يفهم جيدا طبيعة القبائل اليمنية، وضرورة التلاعب بعناصر المجتمع المختلفة ضد بعضها البعض من أجل البقاء وسط بيئة سياسية مضطربة.

وحتى الآن ورغم كل ذلك دشن أحمد نفسه في بنية السلطة في اليمن وهو يحظى بدعم قبيلة والده حاشد.
ضعف أحمد يُثير القلق لأن أي خليفة في اليمن سيواجه تحديات كبيرة، وبعض هذه المخاطر يهدد أمن الولايات المتحدة مباشرة، في الشمال، والجنوب يهدد المتمردون سلطة الحكومة، وتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية متمركز في اليمن، ويستغل ضعف سيطرة الحكومة المركزية على أنحاء البلاد، ويهاجم باستمرار أهدافاً حكومية وينفذ أفراده مؤامرات خارج حدود البلاد، وقد حاول أحمد الاستفادة من ضعف أداء القادة العسكريين الذين يؤيدون غريمه في السلطة بهدف توسيع دوره ونفوذه، لكن هذه الألاعيب ستعوق جهود إصلاح الجيش اليمنى لمكافحة القاعدة وإخماد التمرد في البلاد.

وبطبيعة الحال ليس هناك شيء مؤكد تماما، فالمصريون يتحدثون منذ فترة طويلة عن اللواء عمر سليمان مدير المخابرات العسكرية، كرئيس بديل، وتضج مصر الآن بالحديث عن محمد البرادعى، المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة والحائز على جائزة نوبل كمنافس على الرئاسة، والذي بلغ عدد أنصاره على ال"فيس بوك" عشرة أضعاف أنصار جمال مبارك، وفى ليبيا يتم التركيز في الغالب على المعتصم القذافى أخو سيف الإسلام، وفى اليمن يتمتع اللواء على محسن الأحمر القائد العسكري البارز بنفوذ كبير ويعارض خلافة أحمد لوالده، ويدور الحديث أيضا عن شخصيات أخرى في عائلة على عبدالله صالح كورثة محتملين.

وكثيرا ما يستبعد القادة وكبار المسئولين السياسيين وحتى المرشحون للخلافة أنفسهم فكرة توريث الحكم، ففي فترة إعداد بشار الأسد لتولى السلطة في سوريا بعد مرض والده قال الرئيس مبارك بوضوح إن ذلك لا يمكن أن يحدث في مصر"، مشيرا إلى "أن مصر ليست ملكية"، والرئيس اليمنى أيضا ينفى تحضير ابنه لخلافته، وسيف الإسلام سخر أيضا من انتقال السلطة وراثيا، وقال إن منصب والده "ليس مزرعة لكي يرثها".

وبتفصيل كوميدي أيضا أشار سيف إلى أن "ابن مايك تايسون ليس ملاكما عظيما وابن بيتهوفن لم يكن عبقرية موسيقية"، (وهى جملة ربما تكون موحية بمدى الجدية التي يجب أن نعطيها لمثل هذا الخطاب، إذا وضعنا في الاعتبار أن بيتهوفن لم ينجب أي أطفال) "يمكنك أن ترث منزلا أو سيارة من والدك، لكنك لا ترث القيادة".

إنكار يوحي بالعكس

إنكار وراثة الحكم يُوحى بالعكس تماما، فكل الدلائل تشير إلى أن هؤلاء الورثة يستعدون بالفعل لتولى السلطة، فعلى مدى العقد الماضي أسس جمال مبارك وضعه السياسي وروّج لاسمه جماهيريا من خلال تغطيات الصحف الحكومية لأحاديثه حول السياسة الاقتصادية والخارجية على فترات منتظمة، وقد ضمت التشكيلة الوزارية في 2004 العديد من المقربين من جمال في مناصب اقتصادية مهمة، والأهم من ذلك أن والده استبعد قادة عسكريين وسياسيين أصحاب سيرة مهنية محترمة قد تجعلهم منافسين أقوياء لابنه.

أما سيف الإسلام فأطلق قناة تليفزيونية لتدعم وتروج صورته العامة في ليبيا وفى الخارج من خلال عمله في مؤسسة القذافى وجهوده لتحسين الصورة السائدة في الخارج عن ليبيا كدولة راعية للإرهاب، وساعد على تعيين شخصيات يشاركونه رؤيته للتحديث في الحكومة.

ورغم أن أحمد صالح هو أضعف المرشحين الثلاثة، لكنه نجح في اختراق الجيش اليمنى ومجتمع رجال الأعمال والأوساط الحكومية، بينما يحتل أفراد أسرته مناصب مهمة في أجهزة الأمن، بما يعنى- نظريا على الأقل- أن وضعه يزداد قوة عاما بعد عام.

وخلاصة القول إن الورثة سيتولون السلطة مهما كان سخط النخب السياسية أو المواطنين العاديين في اليمن ومصر وليبيا، ومع ذلك لا يستطيع أي من الورثة الجدد -بغض النظر عن أنسابهم والمنابر التي يتحركون منها- تجاوز الأساليب القديمة بسهولة، وسيتعيّن عليهم أن يتغلبوا على المشاكل الناجمة عن رسوخ مصالح الجيش والنخبة والولاءات القبلية والمحسوبية والفساد، فنجاح الإصلاح السياسي يقتضى ما هو أكثر من مجرد وجه جديد للسلطة، بل يتطلب مراجعة جادة للسياسات الاجتماعية والاقتصادية التي كانت سائدة في السنوات الأربعين الماضية.

* أستاذ بكلية الشؤون الخارجية بجورج تاون وباحث في مركز سابان بمعهد بروكينجز لسياسات الشرق الأوسط

زر الذهاب إلى الأعلى