arpo14

رؤية تنفيذية للنهوض بالاقتصاد اليمني (2)

حتى نستطيع إصلاح التدهور الاقتصادي لا بد أن نقوم بأمرين أساسيينك أولا، تشخيص الأسباب الأساسية التي أدت إلى التدهور الاقتصادي.. ثانياً، الآلية التنفيذية لإيقاف التدهور الاقتصادي.

تشخيص الأسباب الأساسية التي أدت إلى التدهور الاقتصادي :
عندما نتفحص الأسباب الكلية التي أدت إلى التدهور الاقتصادي سنجد أنها تتمحور في أمرين خطيرين كان نتيجتهما الموت البطيء للاقتصاد اليمني وهما:
• تعويم الريال مقابل الدولار والذي تم في منتصف التسعينات بعد الوحدة المباركة.
• الإختلال المستمر في ميزانية الدولة بين ركنيها الأساسيين (الإيرادات والنفقات).

اولا : تعويم الريال مقابل النقد الأجنبي:
إن معنى تعويم الريال مقابل النقد الأجنبي هو قيام الدولة برفع يدها عن تحديد سعر الريال مقابل الدولار وبقية العملات الأجنبية، فيخضع الريال والنقد الأجنبي لقوانين العرض والطلب.

ومما لا يختلف عليه اثنان أننا شعب ودولة مستهلكة وتحتاج إلى واردات وبضائع خارجية أكثر من كوننا شعب ودولة منتجة ومصنعة نقوم بتصدير منتجاتنا إلى الخارج.

ووفق ارتباط المقدمات بالنتائج فإن نتائج أي خطة ماهي إلا إفرازات لمقدماتها و الذي لايوجد لديه رؤية أو خطة إستراتيجية فإنه يقوم بتنفيذ المبادرات والمقدمات التي يصنعها عدوه – وبدون أن يشعر- لأن رؤيته جزئية قصيرة المدى وعدوه رؤيته بعيدة المدى حتى وإن كانت باطلة.

وبالتالي فإن تعويم العملة كان مقدمة ومبادرة من قبل لوبي التأمر ليحقق نتائج خطتهم وهو التدهور الاقتصادي الحاصل اليوم

والنتيجة الطبيعية التي تحدث عند تعويم الريال مقابل الدولار وفق قانون العرض والطلب أن الطلب على الدولار سيكون أكثر بكثير من الريال لأننا بحاجة إلى منتجات الدول الأخرى أكثر مما هم بحاجة إلى منتجاتنا،فيرتفع سعر الدولار مقابل الريال وكلما زاد ارتفاع الدولار مقابل الريال قلّت قيمته الشرائية لدى المواطنين لأن مدخولاتهم من الريال لم تعد بنفس قيمتها عن ذي قبل ولم تغطي احتياجاتهم الضرورية وبذلك تتدهور الأوضاع الاقتصادية للمجتمع بشكل عام.
ولكن أين تكمن خطورة هذا القرار ؟!!

إن تعويم الريال مقابل الدولار لا يتم إلا إذا كان صادرات البلاد أكثر بكثير من وارداته وللتوضيح أكثر نقول:
• صادرات الدولة هي التي تجلب وتغذي خزينة الدولة بالنقد الأجنبي سوءا كانت صادرات حكومية (مشتقات نفطية – غاز – ثروات معدنية) أو صادرات تجارية (أسماك – فواكه – خضروات...الخ) فهذه الصادرات هي التي تجلب لخزينة الدولة رصيد من النقد الأجنبي.

• واردات الدولة التي ترهق وتخفض مستوى النقد الأجنبي في خزينة الدولة لتغطية احتياجات وكماليات البلاد سواء كانت واردات تخص أجهزة حكومية أو واردات تجارية تخص شركات تجارية من (مواد أساسية – مكائن – مواد خام – ملابس–... الخ)

فإذا كانت صادرات الدولة أكثر من وارداتها كونها دوله مصّنعة أو نفطية أو غير ذلك فلا مانع من تعويم العملة المحلية نظرا للزيادة المطردة من النقد الأجنبي إلى خزينتها المركزية.

وإن كانت وارداتها أكثر من صادراتها كاليمن فإن رصيدها من النقد الأجنبي محدود وقرار تعويم عملتها المحلية خط أحمر وقاتل لا ينبغي التهاون فيه،ومن ثم يتم وضع إستراتيجية صرف هذا المخزون من النقد الأجنبي وفق احتياجات البلاد الضرورية.

ورصيد الدولة من النقد الأجنبي الذي يأتي من صادراتها هو المرتكز الأساسي الذي يحدد إستراتيجياتها وميزانياتها ومصروفاتها.

وبهذا يتم توزيع واردات الدولة من النقد الأجنبي إلى ثلاث مصارف استراتيجية:
1- المصرف الأول يوضع لتغطية ميزانية الدولة ووارداتها و احتياجاتها من الأقطار الأخرى.
2- المصرف الثاني يوضع لتغطية واردات واحتياجات المواطنين والقطاع الخاص مثل (مواد أساسية غذائية – مواد غذائية ثانوية – مكائن- مواد خام– مواد أولية للتصنيع – ملابس – معدات – سيارات...الخ) بفتح إعتمادات خارجية.
3- المصرف الثالث يوضع كاحتياطي وطني في خزينة البنك المركزي لتغطية الأزمات أو الزيادات السنوية في ميزانية الدولة أو دعم السلع والمواد الأساسية عند أي ارتفاع عالمي مفاجئ ليتم المحافظة على أسعارها المحلية حتى تعود إلى وضعها الطبيعي.

وبناءاً على ما تم ذكره سنعلم أين تكمن خطورة تعويم الريال مقابل الدولار وذلك على النحو التالي:

1- عندما يتم تعويم الريال مقابل الدولار سيفتح الباب على مصراعيه لأي صنف تجاري في الواردات مهما كان هذا الصنف أو السلعة تافهة ويزيد ذلك من حجم الواردات وهذا سينعكس سلباً بتخفيض وإرهاق احتياطي الدولة من النقد الأجنبي لأنه سيتم صرفه لتغطية الإعتمادات الخارجية التي تمت من قبل البنوك التجارية المحلية لتغطية قيمة هذه السلع والنتيجة الطبيعية لهذا كله الطلب المتزايد من قبل القطاع الخاص على الدولار والنقد الأجنبي أكثر من العملة المحلية فيرتفع سعر الدولار والنقد الأجنبي على العملة المحلية.

2- فتح باب الواردات على مصراعيه من البضائع والسلع مهما كانت تفاهة هذه السلعة (تحرير التجارة العالمي) سيستنزف الاحتياطي الوطني من النقد الأجنبي ويترتب على ذلك أننا لا نستطيع تغطية الزيادات المستمرة السنوية في ميزانية الدولة أو تغطية دعم المشتقات النفطية والمواد الغذائية الأساسية.

3- فتح باب الواردات على مصراعيه سيكون سبب في ضرب الصناعات والمنتجات المحلية لأن المصنوعات الخارجية قد مرت بعوامل التطور والتجارب التراكمية الزمنية والإنتاجية المتزايدة مما خفض في سعر المنتج حتى وصلت إلى مستوى التنافس العالمي كالمنتجات الصينية.

4- من النتائج الطبيعية لتعويم الريال مقابل الدولار أن يقوم البنك المركزي باتخاذ سياسة أذونات الخزانة والهدف من هذه السياسة أن تزيد من الطلب الوهمي على النقد المحلي مقابل النقد الأجنبي (ويعتبر طلب مفتعل غير حقيقي) حتى لا يسقط النقد المحلي سقوطاً مريعاً أمام النقد الأجنبي إلا أن أذونات الخزانة هي سياسة مهدئة لمنع سقوط العملة المحلية مقابل النقد الأجنبي والمسألة مسألة وقت والسقوط سيكون عند قرب نفاذ الاحتياطي من النقد الأجنبي ودليل ذلك ما ورد في تقرير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة للعام 2008م عن تكبد الخزينة العامة للدولة مبلغ (115مليار ريال)وذلك رسوم أذونات الخزانة التي تتحملها الموازنة العامة للدولة.

5- من التأثيرات السلبية لإذونات الخزانة تحوّل البنوك التجارية من الاستثمار في المجالات التنموية والاقتصادية إلى الاكتفاء بالاستثمار في أذونات الخزانة فيتعطل الهدف الاستراتيجي من وجود البنوك التجارية بإحداث تنمية اقتصادية داخل المجتمع.

6- كلما زاد الطلب على النقد الأجنبي ارتفع سعره عن العملة المحلية فيضطر البنك المركزي لإنزال نقد أجنبي ليحافظ على سعره أمام العملة المحلية ولكن المصيبة أن المبالغ التي يتم إنزالها إلى السوق من النقد الأجنبي هي من حساب الرصيد الاحتياطي الوطني وبهذا يصبح الاحتياطي في استنزاف مستمر إما بسبب التوسع المستمر للواردات المتنوعة حتى وإن كانت تافهة أو الزيادات السنوية في ميزانية الدولة.

وقرار تعويم العملة المحلية لأي بلد يحدده ميزان مهم وهو ميزان المدفوعات.

ميزان المدفوعات
هو الحساب الذي يقيّم حركة التبادلات و المعاملات الاقتصادية بين البلد المعني وبقية الأقطار المتعاملة معه سواء على المستوى الحكومي أو على مستوى المواطنين والقطاع الخاص لمدة عام مثل( التصدير و الاستيراد للسلع و الخدمات و الأصول)
كما أنه يقيّم حركة التبادلات و المعاملات الرأسمالية لأكثر من عام كالخدمات و الهبات و المساعدات الأجنبية وجميع كميات الذهب النقدي الداخلة و الخارجة من و إلى بلد ما خلال فترة معينة من الزمن.

ويتكون من:
* مدين= جميع المعاملات التي ينتج عنها مدفوعات من البلد المعني إلى الدول الأخرى.
* دائن = جميع المعاملات التي ينتج عنها دخول مدفوعات أجنبية إليه.
أقسام حساب ميزان المدفوعات
أولا:الحساب الجاري: ويضم الميزان التجاري المنظور والميزان التجاري الغير منظور
* الميزان التجاري المنظور :التجارة المنظورة أي الصادرات و الواردات مثل (النفط- الغاز-مواد غذائية- ثروات معدنية...الخ

* الميزان التجاري غير المنظور (الصادرات و الواردات من الخدمات، الاتصالات، والنقل،والسفريات،والتامين، إيراد الموانئ، التحويلات الجارية سواء تحويلات حكومية- تحويلات القطاع الخاص.......الخ)

فإذا زادت الواردات عن الصادرات يسمى عجز أما العكس يسمى فائض.

ثانيا الحساب الرأسمالي:
وهي المعاملات الرأسمالية طويلة الأجل لأكثر من عام من الاستثمارات المباشرة و القروض طويلة الأجل و إقساط تسديدها و الاستثمارات التي يقوم بها الأجانب في البلد كلها.

ثم يرحل صافي الحساب الجاري لتتم مقارنته بصافي حساب رأس المال حيث يغطي الفائض من النقد الأجنبي العجز الحادث في الأخر وفقا للوضع الفعلي حتى نصل إلى ميزان المدفوعات. و العجز أو الفائض هو النتيجة النهائية أو الرصيد الصافي للمعاملات الجارية و الرأسمالية معاً.
وفيما يلي جدول لميزان المدفوعات الصادر من البنك المركزي في تقريره العدد العاشرللعام2009م يبين المبالغ المهولة التي تستنزفها الواردات قياسا ببقية عناصر ميزان المدفوعات.
https://nashwannews.com/ar/secontna/uploads/old/dir/images/2010/7/6/1/1280428265.jpg

ومن خلال الجدول السابق يتبين لنا قيمة السلع المستوردة التي تستنزف مخزون النقد الأجنبي الاستراتيجي للدولة وللتوضيح أكثر نجد التالي:

* العجز الذي تكبّدته ميزانية الدولة بين وارداتها وصادراتها في عام 2008م
= بعجز قيمته (356.900.000 مليون دولار) أي أننا ننفق أكثر مما نملك.
* إذا قمنا بمقارنة مبالغ الصادرات والواردات لعامي 2008م و2006م يتبين لنا التالي:
_الفارق بين صادرات عامي 2008مو2006م =(1.660.500.000 مليار دولار).
_ الفارق بين واردات عامي 2008و2006م =(3.407.700.000 مليار دولار).
إن هذا الفارق بين واردات 2006م-2008م يدل على وجود مؤامرة لنسف ميزانية الدولة، ذلك أن واردات 2006م قد حوت كل الضروريات والحاجيات والكماليات التي تحتاجها الدولة والمجتمع وفي ظل تدهور اقتصادي وسياسي للبلد كان يفترض أن تظل الواردات للعام 2008م بنفس واردات العام 2006م.

* إن الفارق بين واردات عامي 2008و2006م(3.407.700.000دولار)يساوي مجموع حوالات الأيدي العاملة الذي نريد أن تستوعبهم دول الخليج أو غيرها فيما إذا كان كل واحد منهم سيقوم بتحويل (100دولار شهريا) لأهله وذويه و هذا الفارق يوازي حوالات لعدد(2.839.750 مليون مغترب) خلال عام واحد.

وصدق من قال أنها عملة صعبة لاتأتي إلا بشق الأنفس، وينبغي على القيادات والمسؤلين في أجهزة الدولة أن تحافظ على هذه العملة وعدم التهاون في فتح باب الواردات على مصراعيه خاصة ومعظم الكماليات من هذه الواردات تافهة.
ولابد من التنبيه هنا إلى أن الخلايا الإمامية الحاقدة المخترقة لأجهزة السلطة والتي تتربع على عدد من الحقائب الوزارية تسعى سعيا حثيثا لأنطمام اليمن لمنظمة التجارة العالمي مستفيدة من جهل القيادات الجمهورية في الحكومة للنتائج الخطيرة المترتبة على ذلك و المؤدية إلى نسف ميزان المدفوعات و ضرب أي صناعات محلية حاضرا ومستقبلا،لأن المستفيد من الانضمام لمنظمة التجارة العالمي هي الدول الصناعية التي تبحث عن أسواق جديدة لتصدير منتجاتها والتي مرت بعوامل التطور والتجارب التراكمية الزمنية والإنتاج العالي مما خفض في سعر المنتج حتى وصلت إلى مستوى التنافس العالمي.

ثانيا:- :الإختلال المستمر في ميزانية الدولة بين ركنيها الأساسيين (الإيرادات والنفقات).
والموازنة كلمة مأخوذة من الميزان والتي نحدد بها الوضع المالي لهذه الدولة أو تلك، فميزان الدولة المتطورة أن تكون إيراداتها أكثر من نفقاتها،وميزان الدولة المستقرة أن تكون نفقاتها مساوية لإيراداتها،وميزان الدولة المتدهورة أن تكون نفقاتها أكثر من إيراداتها

والمستقراء لسير الحكومات اليمنية المتعاقبة يجد أنها لاتسير وفق خطه منهجية متوازنة ومدروسة، نتج عن ذلك أنه كلما تم وضع الميزانيات التقديرية للأعوام المقبلة تكون الميزانيات التقديرية في النفقات أكثر بكثير من الإيرادات فينتج عن ذلك عجز في الموازنة.

و مما يشير إلى وجود تلاعب في إعداد الموازنات العامة للدولة وزيادة في النفقات العبثية -ونسف لميزانية الدولة بأي طريقة كانت- ما أكده بيان الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة للعام 2008م [ أن تسع وحدات حققت وفرا في الاعتمادات المخصصة لها بمبلغ (5.3مليار) وبالرغم من هذا الوفر تم تعزيز تلك الوحدات باعتمادات إضافية بمبلغ (21.2مليار) وقد أظهرت نتائج التنفيذ الفعلي عدم استخدام تلك الاعتمادات ليرتفع الوفر المحقق بنفس القيمة إلى مبلغ (26.5مليار)، كما حققت بعض أبواب موازنة الاستخدامات العامة صافي وفر الاعتمادات المخصصة لها بمبلغ (93.4 مليار)وبالرغم من هذا الوفر تم تعزيز هذه الأبواب باعتمادات إضافية بمبلغ( 29.9مليار)في حين أن ناتج التنفيذ الفعلي أظهرت عدم استخدام تلك الاعتمادات ليرتفع صافي الوفر المحقق بنفس القيمة إلى مبلغ ( 123.3مليار)]جريدة الشموع العدد(514) تاريخ2/1/2010م.

والمفترض عند إعداد الموازنة أن نقدم النفقات الضرورية على النفقات الحاجية والنفقات الحاجية على النفقات الكمالية لتكون إجمالي النفقات مساوية للإيرادات على أسوء الإحتمالات وكما يقال في المثل الشعبي [مد رجلك على قدر فراشك].

فمثلا: تقديم النفقات الضرورية لمشاريع الصحة والتعليم عن النفقات الحاجية كمرحلة أولى ومن ثم تقديم النفقات الحاجية لمشاريع الطرق والجسور عن النفقات الكمالية من شراء السيارات الفارهه والإنفاق على البعثات الدبلوماسية والمؤتمرات غير الضرورية أو الإنفاق العبثي على الأثاث والمكاتب وتوسعة المباني الحكومية.
أضف إلى ذلك أن الاحتياطي الوطني من النقد الأجنبي قد حدث له استنزاف مستمر عند ما تم تعويم الريال مقابل الدولار بين أمرين أساسيين:

1- زيادة مطردة ومستمرة في واردات واحتياجات المواطنين والقطاع الخاص مما يعني خروج النقد الأجنبي من المخزون الاحتياطي الوطني إلى الخارج لتغطية قيمة هذه الواردات.
2- زيادة مستمرة وسنوية في ميزانية الدولة.
وبهذين الأمرين تم استنزاف المخزون الاحتياطي من النقد الأجنبي، و القيادات الجمهورية لم تدرك خطورة تعويم الريال مقابل الدولار لأن الأرقام التي تستنزفها الواردات تتم بشكل يومي وأرقامها غير مخيفة في حين أن أرقام الميزانية تأتي سنوية فتكون كبيرة.

وبالتالي كيف يمكن أن نقوم بتغطية الزيادة السنوية المستمرة لميزانية الدولة خاصة وأن مبالغها وأرقامها تخيف أصحاب القرار السياسي؟

الجواب يأتي من القيادات الإمامية الشيطانية برفع الدعم عن المشتقات النفطية والمواد الغذائية الأساسية ووضعه لدعم ميزانية الدولة
وإذا لم يتخذ مثل هذا القرار فإن الدولة لا تستطيع تغطية مرتبات الموظفين !!!!!
وكان بالإمكان أن تقوم القيادة السياسية برفض أطروحات رفع الدعم عن المشتقات النفطية بناء على المعطيات التالية :
1. استقرار الوضع الاقتصادي لأي بلد يؤدي إلى استقرار الوضع السياسي، فإذا كان النظام السياسي غير مستقر ومهدد بالانهيار فمن الخطاء اتخاذ أي قرارات تزيد من التدهور الاقتصادي كونها ستؤدي إلى الغليان الشعبي وتدمير النظام السياسي برمته.

2. من الغريب أن نجد الدول الكبرى تسعى لتأمين مصادر الطاقة لمجتمعاتها واستقرار أسعارها بل إنها تقوم بتحريك أساطيرها البرية والبحرية والجوية سعيا وراء مصادر الطاقة وهي مانسمية بالمشتقات النفطية لأن توفرها واستقرارها سيؤدي إلى استقرار مجتمعاتها والتلاعب بها سيؤدي إلى غليان وثورة شعبية في مجتمعاتها وبالتالي سقوط أنظمتها السياسية.

3. أن المشتقات النفطية هي من الضروريات التي يقوم عليها كل قطاعات المجتمع،ورفع الدعم عن هذه الضروريات هي مؤمرة من قبل لوبي التآمر لإسقاط النظام السياسي برمته،ودليل ذلك الإنفاق المهول في الموازنة العامة للدولة في مجالات غير ضرورية ومعضمها كماليا.

4. إن قطاع الموظفين ماهو إلا جزء من قطاعات المجتمع ورفع الدعم المتكرر عن المشتقات النفطية ستؤثر تأثيرا بالغا على كل قطاعات المجتمع ومنهم قطاع الموظفين،ومن خلال الجرعات السعرية السابقة تبين أن المبالغ التي تم توفيرها من رفع الدعم عن المشتقات النفطيه تم هدرها وبشكل مضاعف في زيادات متفرقة على أبواب الميزانية أبتداءا من زيادة في مرتبات وأجور العاملين إلى توسعة شبكة الضمان الاجتماعي.....الخ.
كما أن الزيادات التي حصل عليها الموظفين لم تغطي حتى 10% من ارتفاع الاسعار التي سببها رفع الدعم والتي تضرر منها كل قطاعات المجتمع ولو لم يرفع الدعم لاستفادت كل قطاعات المجتمع باستقرار الاسعار في كافة المجالات.

5. بدلا من رفع الدعم عن المشتقات النفطية التي ستؤثر على كل قطاعات المجتمع ليتم دعم ميزانية الدولة يمكن ترشيد الإنفاق في الباب الثاني والثالث والرابع بالعمل بميزانية 2006م لنفس الأبواب كون الفارق بينها وبين ميزانية 2010م تتجاوز (450مليار ريال) كما أن الفارق الزمني هي أربع سنوات فقط و سيبقى الباب الأول [مرتبات وأجور العاملين بميزانية 2010م ] هذا على سبيل المثال،وترشيد الإنفاق في هذه الأبواب خير من رفع الدعم عن ضروريات المجتمع التي ستؤدي إلى الإطاحة بالنظام السياسي برمته.

6. بنظرة كلية إلى الميزانية العامة للدولة الباب الأول (أجور وتعويضات العاملين ) فإن الفارق بين ميزانية العام 2006م والعام 2009م لنفس باب مرتبات وأجور العاملين =386.8مليار ريال- 567.8 مليار ريال = 180.9مليار ريال
-وبما أن دعم المشتقات النفطية =336.6مليار ريال للعام 2009م فإن الزيادة في مرتبات وأجور العاملين بين عامي 2006م-2009م (180.9مليار ريال ) وهذا يعني أن الباب الأول لوحده فضلا عن بقية الأبواب قد زاد عن النصف من قيمة دعم المشتقات النفطية.
ثانياً : الآلية التنفيذية لإصلاح التدهور الإقتصادي.
بعدما تم تشخيص جذور الأزمة الإقتصادية يمكن وضع الحلول التنفيذية لهذه الأزمة في اتجاهين متوازيين:-
أولا تعزيز موارد النقد الأجنبي بجانب المشتقات النفطية.
ثانيا ترشيد نفقات النقد الأجنبي بإعادة التوازن إلى ميزان المدفوعات.
أولا تعزيز موارد النقد الأجنبي بجانب المشتقات النفطية.

يمكن أن نقوم بتعزيز موارد النقد الأجنبي بالتركيز على الموارد الإستراتيجية لجلب النقد الأجنبي (السياحة- الثروة السمكية-الثروة المعدنية-الثروة الزراعية)عبر توجه الدولة بكافة إمكاناتها المادية وطاقاتها البشرية للاستثمارات السياحية والسمكية والمعدنية والزراعية وتهيئة البنية التحتية لذلك و توجيه القطاع الخاص نحو هذه الثروات بكافة الإمكانات المادية والإعلامية والتعليمية والخدمية ودمج طاقات المجتمع في جميع المستويات الاستثمارية المتولدة من هذه الثروات كون هذه الثروات تمثل مصدر دخل قومي يوازي الثروة النفطية إن لم يكن أكثر،علما أن هناك دول وارداتها من النقد الأجنبي تأتي من تصدير الورود والزهور إلى كافة أنحاء العالم.
* دعم المحافظات المتميزة بالثروة المعدنية بالاستثمارات المحلية والخارجية لاستخراجها ومنع التصدير الخام لها وإنما إنشاء الصناعات التحويلية لها داخل اليمن مثل (مادة التّلك ولدى اليمن جبال من التلك) والصناعات التحويلية لمادة التلك ماهو مواد أساسية لمصانع الطلاء ولصناعة اللحام ولصناعة بودرة الأطفال.

* إعداد وتهيئة الجهات الحكومية الزراعية ومؤسسات القطاع الخاص لاستيعاب المنتجات الزراعية ورفع مستوى الجودة في التصدير والتغليف والتبريد واستيعاب منتجات المواطنين وتصديرها للخارج لأن ذلك سيغذي منسوب النقد الأجنبي.

والآلية التنفيذية المقترحة لهذه الحلول الإستراتيجية هي عبر إنشاء شركات مساهمة وطنية كبرى في المجالات التالية:

[شركة مساهمة في مجال الثروة السمكية –شركة مساهمة في مجال الثروة الزراعية والحيوانية –شركة مساهمة في مجال الثروة السياحية]وهي عبارة عن شركات مساهمة من القطاع العام والخاص ويفتح باب الاكتتاب لعامة الناس وتتكون مصادر التمويل لهذه الشركات من التالي :

-تمثل هذه الشركات الأوعية المناسبة لاستقبال هبات المانحين من الدول الشقيقة والصديقة كونها ستحقق الأهداف المرجوة لهذه المنح بحدوث حراك اقتصادي كبير داخل المجتمع ونموا سريعا للاقتصاد الوطني وتخفيف نسبة الفقر،وبالتالي ستشارك الدول المانحة والقطاع العام بنسبة 40-50%من رأس مال هذه الشركات.
-تلزم البنوك التجارية بالمشاركة بنسبة محددة على سبيل المثال 20% من رأس مال كل بنك من البنوك التجارية،علما أن كثير من الدول الواعية تلزم عند إنشاء أي بنك تجاري في بلدانها تخصيص نسب معينة من رؤوس أموالها لاستثماره في مجالات محددة ضمن برامج التنمية الإستراتيجية التي تتبناها هذه الدول.

-سيتشكل مجلس الإدارة لهذه الشركات من مندوبي البنوك التجارية ومندوبي القطاع العام والدول المانحة.
-يمكن بعد ذلك فتح باب الإكتتاب لعامة الناس.

مميزات إنشاء هذه الشركات :-
-رفع مستوى الصادرات إلى الخارج بجودة عالية من سلع الثروة الزراعية والثروة السمكية والثروة المعدنية كون ذلك سيغذي منسوب النقد الاجنبي إلى خزينة الدولة كما أن العمل في مجال الثروة السياحية سيعزز أيضا منسوب النقد الأجنبي باستقبال أكبر عدد ممكن من الأفواج السياحية إضافة إلى تنشيط السياحة الداخلية.

-تحريك عجلة الاقتصاد والتنمية بين أكبر شريحة ممكنة من فئات وقطاعات المجتمع – المهندسين والزراع والصناع والعمال....الخ-عبر تفاعلهم مع البرامج الاستثمارية المتنوعة في كل مجال من المجالات الأربعة التي ستتبناها هذه الشركات وسيقوم المواطنون أفراد وجماعات ببرمجة أهدافهم وخططهم واستثماراتهم توازيا وتناغما مع الخطة الإستراتيجية الوطنية..
- سيتم وضع الخطة الاستراتيجية للحكومة بما يتوازى ويخدم الأهداف الاستراتيجية من إنشاء هذه الشركات.

-مساهمة البنوك التجارية في هذه الشركات ومشاركتها في إدارتها دافع لها للحرص على سير هذه الشركات في المسار الصحيح وتجنب الوقوع في الأخطاء قدر الإمكان،بالإضافة إلى أن مساهمتها مع القطاع العام والمانحين سيعزز الثقة لباقي أفراد وفئات المجتمع للمساهمة والتفاعل مع هذه الشركات.

-ستقوم كل شركة في مجالها بوضع قائمة من المشاريع والسلع الإستراتيجية التي ستقوم بتبنيها أوشرائها من المواطنين ومواصفات الجودة المطلوب توفرها في كل مشروع وسلعة،وبذلك يتم توجيه أكبر قدر ممكن من شرائح المجتمع للعمل في هذه المجالات.

-إن كل سلعة تمر بعدة مراحل حتى يستطيع المواطنين توفيرها لهذه الشركات وكل مرحلة تحمل من المعوقات ما لا تستطيع بعض فئات المجتمع من حلها ابتداء من إعداد الدراسات أو توفير الآلات والمعدات أو مكائن التغليف أو وسائل النقل أو ثلاجات تبريد أو مواد حافظة...الخ
وهنا يأتي دور هذه الشركات التي ستقوم بحل هذه المعوقات وتوفيرها للمواطنين بأقساط مريحة يتم تسديدها من خلال التعاملات المالية الدورية بين المواطنين وهذه الشركات.

-ستقوم هذه الشركات بفتح مكاتب لها للترويج والتسويق والمبيعات على المستوى المحلي في كل محافظة وعلى المستوى الإقليمي والدولي تستطيع من خلالها تسويق وبيع هذه السلع والمنتجات بأسعار منافسة وجودة عالية وبذلك يتعزز الاقتصاد المحلي وتزداد إيرادات النقد الأجنبي إلى خزينة الدولة.

-ستخفف البنوك التجارية عن هذه الشركات أعباء متابعة المواطنين والقطاع الخاص وإجراءات التعامل معهم كتسديد مديونياتهم أو استلام مستحقاهم...الخ، وهي بمثابة الوسيط بين شرائح المجتمع وهذه الشركات كون البنية المؤسسية والإدارية لهذه البنوك مهيأة لهذه المهام والأعمال، وبههذا تدور عجلة الاقتصاد بين كافة الوحدات الاقتصاديه للمجتمع على مستوى القطاع العام والخاص.

-سيتولد من كل مجال من المجالات الأربعة عدة مجالات استثمارية فرعية
فمثلا مجال الثروة السمكية الذي يحمل تحته عدة مجالات استثمارية فرعية مثل مجال الاستثمار في أسماك الزينة-مجال الاستثمار في الأسماك المعلبة –مجال الاستثمار في الأسماك المجمدة-مجال الاستثمار في أدوات الصيد –مجال الاستثمار في صناعة قوارب الصيد...الخ،وباتساع المجالات الاستثمارية الفرعية في كل مجال تتسع دائرة استيعاب أكبر قدر ممكن من شرائح المجتمع في هذا الحراك الاقتصادي وهناك مقترحات تفصيلية لكل مجال من المجالات الاربعه لكن لايتسع المقام لذكرها.
ثانيا ترشيد نفقات النقد الأجنبي بإعادة التوازن إلى ميزان المدفوعات.
بنظرة كلية نجد أن المتطلبات المعيشية للإنسان تسير وتدور وفق ثلاثة دوائر(الضروريات-الحاجيات-الكماليات)

ودائرة الضروريات هي الأضيق والأهم ودائرة الكماليات وهي الأوسع وأقل أهمية-فالضروريات تمثل العناصر التي تقوم عليها حياة الإنسان ابتداء من حاجة الأكل والشرب و حاجة الجنس وهي الحاجيات الغريزية التي أبقت على الجنس البشري من الانقراض ثم تتطور دائرة الضروريات بتطور المجتمع إلى دائرة الحاجيات والتي تتميز حياة الإنسان فيها بأنها مستقرة وآمنة ثم تتطور دائرة الحاجيات بمستوى تطور المجتمع وحضارته إلى دائرة الكماليات والتي لا تؤثر وجودها أوعدمها على استقرار وحياة الإنسان، وما ينطبق على الفرد في هذه المستويات ينطبق على المجتمع.

وحتى نقوم بإصلاح التدهور الاقتصادي الذي أصاب المجتمع ينبغي أن نقسم واردات واحتياجات الدولة أو واردات واحتياجات المجتمع وفق هذه الدوائر الثلاث(الضروريات-الحاجيات-الكماليات) وبعدة مراحل وفق خيارين أساسيين:

• إلغاء تعويم الريال مقابل الدولار وأن يكون ذلك بيد الدولة والبنك المركزي اليمني، وهو خيار بعيد سيتسبب في رفع العملة المحلية بشكل كبير كون الصناعات المحلية لاتغطي احتياجات المجتمع بنفس مستوى الواردات الخارجية.
• رفع الرسوم الجمركية عن الواردات من الكماليات بناء على قاعدة(الضروريات أولا-ثم الحاجيات- ثم الكماليات).

وفق الخطوة التالية:.
* إحصاء جميع واردات واحتياجات الدولة أو واردات واحتياجات المجتمع التي تدخل إلى اليمن وفق ضرورياته أولا ثم حاجياته ثم كمالياته سواء الواردات الحكومية أو التجارية وتحديد الأصناف التي تستنزف أكبر المبالغ من النقد الأجنبي.
* الاستغناء عن الأصناف الكماليه من واردات الدولة.
* يتم تصنيف السلع الضرورية والحاجبة والتي تستهلك مبالغ كبيرة من النقد الأجنبي إلى صنفين:
- صنف لا يمكن أن يتم توفيره محليا لأنه لا توجد الفرص المتاحة لذلك.
- صنف يمكن توفيره محليا كون الفرص متاحة لذلك إلا أنها لم تستغل فيتم وضع خطة متكاملة لتشجيع ودعم الصناعات المحلية وتحويل جميع محافظات الجمهورية إلى محافظات صناعية على النحو التالي:

- إحصاء جميع واردات واحتياجات الدولة والمجتمع والكمّيات التي تحتاجها البلد شهرياً أو سنوياً فمثلاً كم حاجة اليمن من المواد الغذائية سنوياً من القمح والدقيق والسكر وبقية الأصناف ثم المواد الغذائية الثانوية وكم الحاجة من المواد الخام والمعدات وغير ذلك، ويمكن معرفة ذلك بمراجعة الواردات التي في السنوات السابقة عبر وزارة التموين والتجارة وعبر الإعتمادات البنكية وعن طريق وزارة الداخلية التي تشرف على المنافذ البرية والبحرية والجوية.

- إحصاء جميع الصناعات المحلية سواء كان ضروريا أو حاجيا أو كماليا.
- تشجيع الشركات اليمنية المستوردة للسلع الخارجية بأن تقوم باستقدام الشركات المصنعة لها وفتح مصانع لها في اليمن بأيادي عاملة يمنية فنزيد بذلك من مستوى الإنتاج المحلي وبالتالي فإن الواجب الذي ستقوم به الدولة هو تشجيعهم وتوفير البنية التحتية لهذه المصانع وسيكون ذلك في جميع المنتجات.
- المحافظات التي لديها شحه في الموارد الطبيعية يتم تخصيصها كمحافظات صناعية ودعمها وتشجيع أبنائها فمثلا تخصيص محافظة الضالع لصناعة الجلديات بكافة أشكالها وأنواعها،ومحافظة لحج لصناعة أدوات التجميل والإكسسوارات والعطور،ومحافظة تعز لصناعة الملابس بكافة أشكالها،ومحافظة صنعاء لصناعة الحديد،ومحافظة مأرب لصناعة الزجاج....الخ.
- بالنسبة للمعدات الثقيلة والمركبات والسيارات فيتم تشجيع ودعم الصناعات التجميعية لها.
- الرسوم الجمركية على جميع المواد الخام للصناعات المحلية ومستلزماتها الضرورية من معدات ومكائن تكون مجانا.
- بناء على ذلك كله يتم وضع سياسة جمركية ورفع الرسوم الجمركية على الكماليات المستوردة وكذا الصناعات الخارجية المنافسة للصناعة المحلية.

من الآثار الإيجابية لهذا القرار:
1. استيعاب هائل لطاقات الشباب وتفريغها نحو أعمال إبداعية ورفع مستوى معيشتهم بدلا من أن يكونون هدفا سهلا لتنظيم القاعدة أو التنظيم الشيعي الفارسي.

2. ستذوب المناطقية بين أبناء المحافظات خصوصا واليمن عموما وتتقوى أواصر المحبة والإخاء وتتعزز الوحدة الوطنية كون التخصص الذي ستتميز به محافظة معينه في استثمار معين سيمثل عامل جمع ووحدة وقبلة لأهل هذا التخصص من كل محافظات الجمهورية إلى المحافظة المتخصصة في مجال معين.

3. لونظرنا لأسباب الكثافة السكانية في بعض المحافظات دون غيرها مثل صنعاء أو عدن أو تعز سنجد أن السبب الرئيسي هو البحث عن مصادر لكسب القوت الضروري ومن هنا فإن تخصيص كل محافظة في نشاط اقتصادي معين سيعيد ذلك من الانتشار السكاني وتتوزع الكثافة السكانية وتعزز الوحدة الوطنية.
4. الأهم من هذا كله سيزيد منسوب النقد الأجنبي لقلة الواردات الخارجية التي تستنزف مخزون الدولة من النقد الأجنبي ووجود بدائل لها من الصناعات المحلية.

الحلقة الأولى:

رؤية تنفيذية للنهوض بالاقتصاد اليمني (1)

زر الذهاب إلى الأعلى