arpo28

اغتيال الشبواني.. أين تكمن الحقيقة؟

قبل نحو شهر من الآن أنشأ مجموعة من شباب مأرب موقعاً على "الفيس بوك" باسم "أصدقاء الشهيد جابر الشبواني"، لكن ما عدا ذلك لا يزال الغموض سيد الموقف.

حتى الأسبوع الماضي يكون قد انقضى أحد عشر أسبوعاً على مقتل أمين عام محلي مأرب نائب المحافظ الشيخ جابر بن علي الشبواني في قصف جوي نفذته طائرة يعتقد أنها أميركية، بينما كان في مهمة رسمية للحوار مع عناصر من تنظيم "القاعدة"، وقالت السلطات اليمنية إن الطائرة أخطأت هدفها وقتلت الشبواني، واثنين مرافقيه وأصابت ثلاثة آخرين بجروح.

ورغم نجاح السلطات اليمنية في احتواء تداعيات مقتل الشبواني على مستوى قبائل مأرب، غير أن العديد من أبناء القبائل يعتبرون القضية لم تمت بمواراة جثمان صاحبها، وأن مطالبهم بالكشف عن القتلة وتفاصيل القضية لا تزال قائمة.

هذا الموقف أفصح عنه في تصريح لصحيفة "الغد" اليمنية الأسبوعية الشيخ يحيى بن أحمد المسْمي، أحد وجهاء مأرب وعضو لجنة التحكيم القبلية التي أقرها الرئيس علي عبدالله صالح، إلى جانب عدد من المسؤولين الحكوميين بعد حادثة مقتل الشبواني، ومهمتها النظر في مطالب قبائل آل شبوان وإقناعها بقبول التحكيم، وإشراكها في التحقيق حول ملابسات الحادث.

ويشير المسمي، الذي أشاد بمناقب الشبواني، وحرصه الدائم على الحوار وحل المشاكل بين قبائل المحافظة ودياً وبالطرق السلمية، أشار إلى أن مشائخ القبائل المشاركين في لجنة التحقيق ينتظرون الردّ من رئيس الجمهورية بشأن تفاصيل الحادثة وملابساتها والمتورطين فيها، بعد أن مضى عليها أكثر من شهرين، مضيفاً بأن أعضاء اللجنة من مشائخ القبائل يتابعون جدياً هذه القضية، وأن الرئيس أيضاً مهتم بها، لكنه (أي الرئيس) يرى بأن "الوقت الآن غير مناسب للكشف عن تفاصيل الحادثة"، حسب تعبير الشيخ المسمي، الذي أعرب عن أمله بأن يكون الرد على مطالب قبائل مأرب قريباً.

وقال المسمي إن الشبواني كان في مهمة رسمية عندما قتل أواخر مايو الماضي، بعد أن تفاهم مع الرئيس صالح على إجراء حوار مع عناصر "القاعدة" في وادي عبيدة، لإقناعهم بالتخلي عن العنف، وهو الأمر الذي وافق عليه الرئيس، كما قال.

وحين قتلت الطائرة الشبواني، لم يكن الأخير في حوار مباشر مع أي من عناصر "القاعدة" وإنما كان على ما يبدو في لقاء تمهيدي مع شقيق أحد المتهمين بالانتماء للقاعدة، وهو محمد بن سعيد بن جميل، شقيق علي بن سعيد بن جميل المتهم بالانتماء لتنظيم القاعدة، وهو ما أدى إلى إصابته أثناء القصف إصابة طفيفة.

وخلال الأسابيع الماضية، شاعت العديد من الروايات حول تفاصيل الحادثة، لكن جميعها تظل مجرد تخمينات تفتقد إلى الدليل، في حين يجزم الشيخ يحيى المسمي أن مقتل الشبواني كان بطائرة أميركية، اعتاد السكان المحليون على سماع هديرها فوق سماء مناطقهم، نافياً أن تكون الطائرة التي قتلت الشبواني يمنية أو أقلعت من قاعدة يمنية، حسبما أشارت مصادر صحفية سابقاً.

ورجّح المسمي الرواية التي تتحدث عن مقتل الشبواني من خلال شريحة إلكترونية استخدمت لتسهيل مهمة الطائرة في عملية القصف، وأنه من المحتمل أن تكون الشريحة ألصقت بسيارة الشبواني، لكنه لا يعرف أي معلومات حول هوية الشخص الذي قام بحمل هذه الشريحة، وما إذا كان من مرافقي الشبواني، كما يتهم البعض، أو أنه شخص آخر لم يكن موجوداً أثناء تنفيذ العملية، كما لا يعرف إن كان الهدف بالقتل هو جابر الشبواني نفسه، أو أشخاصاً آخرين من عناصر القاعدة.

وكشف المسمي عن معلومات، قال إنها بحاجة إلى دليل، تشير إلى احتمال أن يكون تنظيم "القاعدة" قد نجح في اختراق جهاز الأمن القومي والمخابرات الأميركية، والحصول على الشريحة التي قادت إلى مقتل الشبواني، وهو الأمر الذي يعزز رواية السلطة بأن "القاعدة" استدرج الشبواني إلى هذا الفخ.

وتطرق المسمي إلى الأحداث العنيفة التي هزّت محافظة مأرب عقب مقتل جابر الشبواني، بما في ذلك أعمال العنف الانتقامية التي قام بها رجال القبائل، احتجاجاً على مقتله، وبعدها عملية اغتيال أركان حرب اللواء 315 العقيد محمد صالح الشائف، وما تلاها من عمليات عسكرية شارك فيها الطيران الحربي ضد قبائل آل حتيك إحدى قبائل عبيدة التي تتهم بإيواء عناصر من "القاعدة" في مأرب، واُتهم أحد أفرادها بالمسؤولية عن اغتيال الشائف.

ونشرت مصادر صحفية أنه خلال اللقاء الذي جمع والد الشبواني برئيس الجمهورية عرض الأخير فيلماً موثقاً حول العملية، يحتمل أن يكون أقنع عائلة الشبواني ببراءة الحكومة اليمنية من دمه، وحول تفاصيل هذا الفيلم، قال المسمي إنه حسب المعلومات التي تردهم وهي غير واضحة تؤكد الرواية التي تتحدث عن نجاح أحد عناصر القاعدة في اختراق الاستخبارات اليمنية والأميركية.

الأميركان، من جانبهم التزموا الصمت هذه المرة، رغم الحاجة إلى تفاصيل الحادثة، فيما رفض دبلوماسي أمريكي مناقشة تفاصيل الهجوم، واكتفى بالرد على سؤال صحفي مباشر عن مشاركة الولايات المتحدة في العملية قائلاً: "إذا أردت تفاصيل محددة عن العملية يتعين عليك الاتصال بالحكومة اليمنية".

لكن مع ذلك، لم ينفِ الدبلوماسي الأميركي ضلوع بلاده في الحادث، مؤكداً، طبقاً لرويترز، بأن "واشنطن تساند قتال صنعاء ضد تنظيم القاعدة بتدريب القوات اليمنية ونقل المعلومات وتوفير المعدات"، إدراكاً منها بأن "تنظيم القاعدة في اليمن يشكل خطرا على البلدين"، حد تعبيره، مضيفاً "لذلك فإننا نعمل معا".

وعلى الرغم من النجاح الذي حققته السلطة في احتواء الأزمة التي أعقبت مقتل الشبواني إلا أن ثمة مخاوف من أن تؤدي الحادثة، ولو على المدى البعيد والمتوسط، إلى قلب الموازين في هذه المحافظة المليئة بالتعقيدات، رأساً على عقب، وقد تفقد السلطة أي نفوذ لها في مأرب.

ويؤكد تقرير حقوقي لفريق منظمة "هود" في مأرب، حصلت "الغد" على نسخته، بأن اغتيال جابر الشبواني يمثل خسارة كبيرة، لا سيما وأنه من أكثر الشخصيات الاجتماعية ارتباطاً بالسلطة، مشيراً إلى أن مقتله أدى إلى زعزعة ثقة القبائل في الدولة، بما ينذر بتهديد وإنهاء تحالفاتها مع السلطة، الأمر الذي يعني "نهاية سيطرة السلطة على مأرب، والتي تعد في حد ذاتها شكلية ومحدودة ووجدت من خلال التحالفات القائمة على المصالح لا من خلال النظام والقانون، ومن خلال تغذية الثارات وشراء الولاءات، لا من خلال البناء المؤسسي والبنية التحتية ومشاريع التنمية الشاملة"..

وإذا كان الشبواني قضى نحبه بهكذا طريقة، وقبله ضحايا المعجلة وأرحب وشبوة، ومن قبلهم جميعاً أبو علي الحارثي، فإن القاسم المشترك الأبرز في كل حوادث القصف تحت ذريعة الحرب على "القاعدة" في اليمن هو حضور الطرف الأميركي، والذي لا يبدو أنه سيكون بريئاً على أية حال من التبعات القانونية والأخلاقية لهذه الأحداث، وإن بدرجات متفاوتة، على اعتبار أن الحديث عن تحقيق نصر عسكري في الحرب على "القاعدة" في اليمن، لا يعفي من المسؤولية القانونية عن هؤلاء الضحايا، بمن فيهم أولئك الذين يقتلون بحجة أنهم مطلوبون أمنياً، وهو الأمر الذي يعتبره الناشطون في حقوق الإنسان ليس فقط تخليا عن سيادة اليمن في بسط نفوذها على إقليمها، "بل أنه مشاركة في جريمة ضد الإنسانية".

وقد جاء في بيان لمنظمة "هود" الحقوقية، بأن المفهوم الذي تعتمده السلطات اليمنية لتبرير القتل لمن يُدّعى أنه "مطلوب أمنياً" يعتبر مفهوماً خاطئاً، باعتبار أن "دساتير بلدان العالم، ومنها دستور الجمهورية اليمنية وكافة المواثيق الدولية، تحصر قضية الإعدام بالسلطة القضائية وحدها، وبناء على محاكمات عادلة تحترم فيها قواعد العدالة، أو أن يكون الشخص قد صدر بحقه أمر قبض من القضاء وقاوم القوة المكلفة بالقبض عليه واستخدمت القوات المكلفة بتنفيذ أمر القبض القوة اللازمة للتغلب على مقاومته وبغرض القبض عليه وجلبه إلى القضاء لا بقصد قتله وتصفيته جسديا، وقالت المنظمة إنه " قطعاً لا ينفذ أمر قبض على أحد في مختلف بلدان العالم بقصفه بالصواريخ المحمولة جوا".

زر الذهاب إلى الأعلى