انتهت معركة «كسر ظهر القاعدة» في مدينة لودر بمحافظة أبين جنوبي اليمن بإعلان السلطات الأمنية استعادة السيطرة على المدينة وتطهيرها من عناصر التنظيم بعد معركة ضارية خلفت عشرات القتلى والجرحى من الطرفين.
وبشكل متسرع على ما يبدو، جاء إعلان السلطات الأمنية عن تطهير المدينة من عناصر القاعدة، بينما ترددت معلومات عن وجود «صفقة ما» أوقفت الاشتباكات، في الوقت الذي استمر فيه مسلسل استهداف جنود الأمن في مناطق أخرى من محافظة أبين.
وبعد ساعات من ذلك الإعلان، تجددت المواجهات في لودر ذاتها، كما قتل أربعة جنود وأصيب آخرون في هجوم شنه مسلحون على دورية عسكرية في مدينة زنجبار. وأكدت مصادر محلية أن مسلحين يعتقد صلتهم بالقاعدة كانوا على متن دراجتين ناريتين نفذوا الهجوم، وهي الحالات التي تكررت كثيرا خلال الآونة الأخيرة في المحافظات الجنوبية وخاصة في محافظة أبين، ولا يتوقع أن ينتهي هذا المسلسل قريبا.
ومساء السبت الماضي، اتهم مسؤول أمني تنظيم القاعدة بمقتل 12 جنديا وإصابة آخرين أثناء تناولهم الإفطار في نقطة تفتيش بمحافظة أبين، ما رفع عدد قتلى الجنود في المحافظة منذ الإعلان عن انتهاء معركة «كسر ظهر القاعدة» إلى 14 جنديا.
وفي إشارة واضحة إلى أن معركة لودر مع تنظيم القاعدة لم تنته بعد، قال نائب وزير الداخلية اللواء الركن صالح حسين الزوعري إن «الأجهزة الأمنية لقنت العناصر الإرهابية من تنظيم القاعدة درسا قاسيا ووجهت لها ضربات موجعة وأجبرت تلك العناصر الإرهابية التي كانت تحاول التخفي في لودر على الفرار بعد مقتل وإصابة العشرات من بينها»، الأمر الذي عنى انتقال تلك العناصر إلى مخابئ جديدة ومن ثم معاودتها الهجوم في أقرب فرصة سانحة أو في أي مكان آخر.
وحصلت «الأهالي» على معلومات تفيد بأن المعركة توقفت بعد اتفاق هدنة بين المسلحين وأجهزة الأمن قامت بها شخصيات قبلية مؤثرة في أبين وقيادات عسكرية في صنعاء قضت بالسماح للعناصر المسلحة من تنظيم القاعدة بالخروج من المدينة وعدم التعرض لها مقابل وقف الاشتباكات.
وعلى خلفية هذه المواجهة المفتوحة، ترددت معلومات شديدة التناقض حول عدد القتلى والجرحى وجنسياتهم وكذلك انتمائهم، لولا أنها معتادة رسميا، حيث لم تخل اتهامات المصادر الأمنية من توجيه السهام إلى عناصر الحراك الجنوبي واتهامهم بمساعدة مسلحي القاعدة.
وأكدت المصادر الأمنية أن «عناصر انفصالية تخريبية خارجة على النظام والقانون شاركت إلى جانب العناصر الإرهابية من تنظيم القاعدة» في مواجهة لودر. موضحة أن أحد عناصر الحراك الجنوبي ويدعى « ناصر حويدر» قاد مجاميع «مسلحة من العناصر الإرهابية والتخريبية لمساندة العناصر الإرهابية من تنظيم القاعدة».
غير أن هذا الأخير نفى ذلك، وأورد معلومات مناقضة تماما لما ذكرته مصادر الأمن. وقال لمحرر موقع «نيوز يمن» أحدثك من على بعد عدة أمتار من منزل فهد القصع، القيادي في القاعدة، والمتهم بتفجير المدمرة الأمريكية كول، وعلى مسافة 10 أمتار من منزل أنور العولقي. مشيرا إلى أن الاثنين ينعمان بالخير والاستقرار ويستقلان سيارات حكومية ويتحركان بمعرفتها.
وأوضح حويدر، الذي يعد مسؤولا للحراك في محافظة شبوة، أن « السلطة تسهل للقاعدة الانتقال لمناطق الحراك للإساءة للحراك السلمي وتنفيذ مسرحية هزلية». وغير حويدر، الذي أكد أيضا بأنهم في الحراك نقيض للقاعدة ولا يمكن أن يؤمنوا بأهدافها، خرج النائب السابق علي سالم البيض وعدد من قيادات المعارضة الجنوبية بالخارج، بتصريحات تحذر من محاولات السلطة ضرب «الحراك الجنوبي السلمي» بالقاعدة.
واعتبر البيض بأن الحملة العسكرية في لودر تستهدف الحراك الجنوبي متذرعة بمطاردة عناصر القاعدة. ومن جانبها، عبرت منظمات الحزب الاشتراكي في المحافظات الجنوبية عن إدانتها واستنكارها لما وصفتها الحرب والأعمال العدوانية الإجرامية التي أدت إلى إزهاق الأرواح البريئة وتهديم العشرات من منازل المواطنين وتشريد المئات من أبناء مديرية لودر.
واتهمت السلطة بالتذرع بالقاعدة، قائلة «أنها الكذبة التي لم تعد تنطلي على أحد داخل البلاد وخارجها»، معبرة عن رفضها المطلق لمحاولات السلطة الرامية إلى «إلصاق تهمة الإرهاب بالمجتمع الجنوبي بكافة مكوناته وتصويره على غير حقيقته والزعم بوجود تعاون وصلات بين الحراك السلمي من جهة والجماعات والعناصر التي تقف وراء هذه العمليات الإجرامية الخارجة عن القانون والمهددة لسكينة واستقرار المجتمع».
وبعد التأكيدات الرسمية بمقتل عدد من عناصر القاعدة الأجانب في مواجهة لودر، ومن بينهم قيادي سعودي بارز، حسبما ذكر، عادت المصادر الأمنية الرسمية لتنفي هذه المعلومات. موضحة بأن القتلى جميعهم من اليمنيين وليس بينهم أي مواطن أجنبي مثلما كان يعتقد في بداية الأمر.
وكان قائد أمن محافظة أبين العميد عبد الرزاق المروني قد كشف في تصريحات صحفية عن مقتل قيادي سعودي بارز خلال المواجهات المسلحة في لودر. مؤكدا أن القاعدي السعودي سقط ضمن سبعة هاجموا قوى الجيش في أبين، بينهم يمني يدعى أحمد الدراديش. وتحدث عن حصار محكم لعناصر القاعدة المتحصنين في المدينة والذين قدر عددهم بما لا يقل عن ستين فردا، ومن بينهم أكثر من خمسة سعوديين، حسب قوله.
كما أعلن مسؤول أمني آخر مقتل قيادي محلي في تنظيم القاعدة يدعى «عادل صالح حردبة» خلال تلك المواجهة. وذكر المسؤول الذي لم يكشف عن اسمه بأن عناصر من جنسيات أجنبية معظمهم سعوديون وباكستانيون يقاتلون في لودر.
وإضافة إلى استمرار مسلسل استهداف الجنود وكبار الضباط في المحافظات الجنوبية، أعادت المواجهة المسلحة في لودر، اليمن إلى بؤرة الاهتمام الدولي، حيث سلطت الأضواء الإعلامية عليه بكثافة، وأثيرت تساؤلات عن أسباب هذا الظهور القوي لعناصر القاعدة في محافظة أبين بالذات.
وفيما يؤكد بعض المهتمين بدراسة القاعدة، بواقعية المواجهة المسلحة على اعتبار أن محافظة أبين مشهورة باحتضان الجماعات الجهادية واليها ينتمي معظم قيادات القاعدة، ومن بينهم القائد الحالي ناصر الوحيشي.
واجه آخرون ما اعتبروه مزاعم السلطات الرسمية بالتشكيك، معتبرين الحديث عن تحقيق انتصارات في هذا المجال جزء من الأوهام والضلالات التي تلجأ إليها السلطة لأهداف مختلفة في مقدمتها استدرار الدعم الإقليمي والدولي وإثارة مخاوفهما من ورقة القاعدة الرابحة محليا وإقليميا ودوليا.
وسبق أن أعلنت السلطات الرسمية، خلال الآونة الأخيرة، عن تحقيق العديد من الانتصارات على تنظيم القاعدة، سواء على ذمة المواجهات الأخيرة أو في بعض العمليات الفردية للقبض على من تسميهم بقيادات القاعدة واستسلام آخرين.
غير أنه، وباستثناء عضو القاعدة المعروف «حزام مجلي»، والذي أعلنت مصادر رسمية قبل أكثر من اسبوعين استسلامه للأجهزة الأمنية، يرى مراقبون أن المصادر الرسمية لم تقدم أي جديد يذكر فيما يخص الإعلان المتكرر عن استسلام أعضاء قياديين في القاعدة والقبض على آخرين في حملات المداهمة المعلن عنها مؤخرا.
ويعد مجلي أحد القيادات الذين ترددت أسمائهم بكثرة في وسائل الإعلام كأحد المتهمين في حادث تفجير ناقلة النفط الفرنسية عام 2002، وقد صدر بحقه حكم بالإعدام في عام 2004 بعدما أدين بقتل ضابط بالجيش، كما أتهم أيضا بمهاجمة طائرة هليكوبتر تابعة لشركة «هنت» الأمريكية، وهو من بين المعتقلين الـ23 الذين هربوا من سجن الأمن السياسي عام 2006، كما أنه تمكن من النجاة من غارة على مخبأ لتنظيم القاعدة في منطقة أرحب نهاية عام 2009.
وذكرت مصادر أمنية أن خمسة من عناصر تنظيم القاعدة قتلوا في الاشتباكات الأخيرة بمحافظة أبين. موضحة أن قوات الأمن نجحت في التعرف «من بين الإرهابيين الخمسة الذين لقوا مصرعهم على الإرهابي أدهم الشيباني». مؤكدة ان عضو تنظيم القاعدة والمعتقل السابق في سجن غوانتانامو علي حسين التيس سلم نفسه هو الآخر إلى السلطات الأمنية، وأعلن استعداده للتعاون معها.
وأوضحت المصادر بأن «اعترافات تفصيلية مهمة لبعض عناصر وقيادات القاعدة الذين تم ضبطهم مؤخرا ساهمت في اعتقال وضبط العديد من العناصر الجديدة وإحباط مخططات وعمليات إرهابية كان يتم التخطيط لتنفيذها ضد منشآت اقتصادية وأمنية حيوية».
وفيما جرى الإعلان عن استسلام الكثيرين ممن وصفتهم المصادر الرسمية بقيادات القاعدة، كجمعة صافيان في محافظة الجوف وحمزة الضياني والزايدي في مأرب. أكد مصدر قبلي وقريب عائليا من عضو القاعدة في محافظة الجوف جمعة صافيان أنه التقى بالرئيس علي عبد الله صالح وتم الإفراج عنه بعد ساعات من اللقاء الذي جمعهما. ونقلت صحيفة «الدار الكويتية» عن مصدر قبلي قوله أن الرئيس صرف مليون ريال يمني كمكافأة شخصية لصافيان على موقفه وقناعاته الجديدة.
ونفى المصدر في حديثه أن يكون أمير القاعدة في محافظة الجوف، كما وصف، قد خضع لملاحقات أمنية أو أي تضييق عليه خلال الفترة الماضية. ومضى المصدر بالقول «لم يسلم صافيان نفسه إلا بشرط أن يلتقي برئيس الجمهورية شخصيا ليطرح عليه عددا من القضايا الخاصة به، ودون التعرض له أو خضوعه للسجن أو التحقيق، وجرت الموافقة على هذه الشروط عبر وسطاء من محافظة الجوف».
كما نفى «حمزة الضياني»، والذي أعلنت السلطات الأمنية قبل أسابيع استسلامه لها، أي صلة له بالقاعدة قديما أو حديثا، مؤكدا أنه غادر إلى أفغانستان طفلا بدافع حب الاطلاع وتأثرا بأجواء الإثارة وحب المغامرات التي عرفت بها حارته «مسيك» بالعاصمة صنعاء.
وحين سئل عن الأسباب التي جعلت من اسمه يقفز إلى واجهة الأحداث طيلة السنوات الثلاث الأخيرة مع كل عملية إرهابية، رد قائلا « لا أدري، هذا السؤال أريد أن أطرحه أنا على الدولة، أما أنا فليس لي أي علاقة بهذه الأشياء».
ومع تردد اسم اليمن في وسائل الإعلام العربية والدولية كموطن وملاذ آمن لعناصر القاعدة، خاصة منذ الإعلان عن بدء المواجهة المفتوحة مع التنظيم بداية العام الحالي، والتسريبات الأمريكية المليئة بالشكوك والتي تنصح القوات الأمريكية بالتدخل أكثر في اليمن، تلجأ المصادر الرسمية في صنعاء للنفي المتكرر، ولا تنسى التأكيد على أن وسائل الإعلام تضخم القاعدة في اليمن، الأمر الذي يثير التساؤلات فعلا عن حجم القاعدة في اليمن، وعن المسؤول عن تضخيمها بدرجة رئيسية؟.
وسبق للمركز الأمني التابع لوزارة الداخلية أن درء التهمة الغربية بطريقته الخاصة، عندما أكد مؤخرا على أن عملية ملاحقة عناصر تنظيم القاعدة تجري بصورة يومية وفي أكثر من محافظة. معتبرا أن «الإجراءات التي اتخذتها الأجهزة الأمنية ضد الإرهاب كانت متميزة وفاعلة، وهي تفوق الإجراءات المتخذة في أي دولة من دول الجوار».
لكن المؤشرات لا تبدو كذلك، إذ تتحول المواجهات مع تنظيم القاعدة في البلاد، ليس إلى مواجهة مفتوحة على شتى الاحتمالات فحسب، بل إلى مواجهة مفتوحة بلانهاية أو لا يراد لها أن تنتهي.