اعترفت الإدارة الأميركية بأن عمل دبلوماسييها في العالم تأثر بسبب نشر موقع «ويكيليكس» لوثائق دبلوماسية سرية، ولكنها أبدت عزمها على إعادة بناء الثقة مع حلفائها حول العالم.
وأعلن جيفري فيلتمان، مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى، أمس، أن الخارجية الأميركية بدأت تطبق عددا من الخطوات لكي تضمن أن قنوات الأحاديث الخاصة ستبقى آمنة في المستقبل. وأشار إلى أن الإدارة الأميركية «تبحث في عدد من الخطوات ستأخذها كرد فعل، وسيكون هدفها إيجاد الميزان الصحيح بين حماية المعلومات والمصادر وجعل المعلومات متاحة لمن يريد أن يعلم من صناع القرار».
وقال في مؤتمر صحافي عقده عبر الهاتف مع مجموعة من الصحافيين في البلدان العربية، شاركت فيه «الشرق الأوسط»، للحديث عن أثر وثائق «ويكيليكس» على العلاقات بين واشنطن والعواصم العربية: «لقد تأثر عمل دبلوماسيينا، وإذا نفيت ذلك لن أكون صادقا. لقد حضرت اجتماعات حيث قال المسؤول، لا تدوين للملاحظات. وطلب مسؤولون في اجتماعات ان يغادر مدون الملاحظات الغرفة». ولكنه شدد على ثقته بأنه رغم وجود هذه «العثرة الكبيرة على الطريق، فإن العلاقات التي عملت إدارة أوباما على بنائها بجهد، والسفارات التي عملت لعقود على الأرض لتأسيس وبناء الثقة، ستتمكن من مواجهة هذا التحدي».
وأضاف: «نعلم أنه علينا أن نعيد بناء هذه الثقة التي تعتمد عليها محادثاتنا... ونحن نتحدث مع أصدقائنا وحلفائنا حول العالم، لكي نعبر عن أسفنا، ولكن أيضا لكي نؤكد لهم أننا نتخذ خطوات لكي نعيد الثقة التي بيننا إلى ما كانت عليه قبل تسريب الوثائق، ونتقدم إلى الأمام». وأكد أن هذه المحادثات «صعبة، وليست من نوع المحادثات التي نحب أن نتطرق إليها»، ولكنه أضاف أنها «ضرورية لمحاولة التخفيف من أثر» الضرر الذي تسبب فيه نشر الوثائق.
وحرص المسؤول الأميركي على التشديد على أن القضايا ذات الاهتمام المتبادل «لا تزال موجودة، مثل السلام في الشرق الأوسط ومحاربة الإرهاب.. ومن مصلحتنا المتبادلة العمل على هذه القضايا والتقدم إلى الأمام».
واتهم فيلتمان أطرافا في لبنان ب«التلاعب» بالمعلومات التي نشرها موقع «ويكيليكس»، و«استعمالها داخل لبنان بهدف الترويج لأجندة سياسية معينة». وقال: «هناك في لبنان من يستعملون هذه المعلومات عن قصد لكي يثيروا الانشقاقات الداخلية وينشروا انعدام الثقة بين الأطراف، ولكي يضروا بالعلاقات بين الولايات المتحدة ولبنان».
ونشرت صحيفة «الأخبار» اللبنانية الموالية لحزب الله، وثائق تقول إنها حصلت عليها مسبقا من «ويكيليكس». وأضاف فيلتمان حول ذلك: «أنا قلق كثيرا حول كيف تستعمل هذه المعلومات لإثارة الانشقاقات داخل لبنان، وأنا قلق من المخاطر التي يشكلها ذلك على بعض اللبنانيين الوطنيين الذين يعملون لتحقيق المصلحة الفضلى لبلادهم ويتحدثون معنا أيضا، ويتم اليوم مهاجمتهم لأنهم عملوا معنا لتأسيس علاقات ثنائية قوية».
واتخذ حزب الله بعض ما نشرته الصحيفة من تسريبات، ذريعة جديدة لمهاجمة المحكمة الخاصة بلبنان، وقال نائب رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله، نبيل قاووق: «ما كنا في حاجة إلى فضائح (ويكيليكس) حتى نعلم أن أميركا تسيطر على كل مفاصل القرار في المحكمة (الخاصة بلبنان)». وقال فيلتمان لـ«الشرق الأوسط»، ردا على سؤال حول مصداقية عمل المحكمة ومصيرها بعد اليوم: «المشكلة في لبنان ليست المحكمة، المشكلة هي أن بعض الفرقاء يحاولون استعمال التلويح بالعنف لوقف العدالة». وذكر بما قالته وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون في خطاب لها في مؤتمر المنامة قبيل عدة أيام، بأنه «ليس هناك أي تبرير للتهديد بالعنف فيما يتعلق بعمل المحكمة القانوني».
ووصف فيلتمان التسريبات التي ينشرها «ويكيليكس» بأنها تثير الاشمئزاز، وقال: «هذه القصة كلها تجعلني كدبلوماسي، أشعر بالغثيان، والغضب والاشمئزاز، لأنني أرى معلومات تتم مناقشتها بينما المتكلمون والأصدقاء لديهم كل الحق أن يتوقعوا أن تبقى سرية». وتحدث عن حاجة الدبلوماسيين إلى نوع من السرية لكي يتمكنوا من أداء عملهم. وشبه عملهم بعمل الصحافيين، لجهة الحاجة إلى حماية المصادر والحفاظ على العلاقات، وقال: «أعتقد أن كل عمل في العالم لديه حاجة مماثلة للسرية والثقة، كالأطباء والمحامين والأعمال والبنوك... كلنا لدينا الحاجة لمعرفة أنه يمكننا الاعتماد على الثقة والسرية لمناقشة أمور ذات اهتمامات مشتركة».
وكشف عن «صدمة وغضب» المسؤولين العرب عندما أبلغتهم واشنطن قبل أيام من التسريبات، بأنه سيتم نشر هذه الوثائق. وقال: «ردود الفعل من الجميع تقريبا كانت عبارة عن صدمة من كيف يمكن أن يحصل هذا الأمر، وغضب... ولكن أنا مقتنع بأن الأحاديث التي ما زلنا نقوم بها مع المسؤولين في العالم العربي، ستتمكن من تخطي ذلك. الحاجة لكي نعمل معا ستطغى في النهاية، فاهتماماتنا المتبادلة ما زالت هي نفسها».
وحاول فيلتمان شرح طريقة عمل الدبلوماسيين الأميركيين حول العالم، وقال المسؤول الأميركي، الذي عمل سفيرا لبيروت بين عامي 2004 و2008: «إحدى مهماتنا الأساسية كدبلوماسيين، وأنا أعلم لأنني عملت على الأرض كسفير وفي واشنطن، هي أن نرفع تقارير صريحة على التطورات في البلدان والمجتمعات التي نخدم بها. نحتاج في السفارات أن يكون لدينا مجموعة كبيرة من الاتصالات لكي نتمكن من تأمين معلومات إلى واشنطن حيث يتم تكوين السياسات. وأعتقد أن حلفاءنا وأصدقاءنا يفهمون هذه الحاجة لمحادثات مباشرة وصريحة».
وأضاف «التقارير التي يرسلها الدبلوماسيون، والتي كنت أرسلها أنا عندما كنت سفيرا، هي تقارير صريحة جدا، وما أسميها أنا مادة خام ومبدئية، وغالبا هي غير مكتملة، وتؤمن معلومات تدمج مع معلومات أخرى لكي تعطي صناع السياسة في واشنطن أكبر قدر ممكن من المعلومات لكي يتخذوا القرارات». وشدد على أن التقارير التي ترسل ليست سياسات بحد ذاتها، بل تسهم في رسم السياسات تجاه البلدان في واشنطن.