يلحظ الزائر لجنوب اليمن حالة غليان شعبي وتذمر من نظام الحكم وأسلوب إدارته للبلاد، فالناس هنا يترحمون على النظام السابق للحزب الاشتراكي رغم كل سوءاته، كما يقولون، لأنه كان يوفر لهم ميزات كثيرة كالأمن والنظام والقانون رغم الفقر الشديد. ويبقى موضوع الأمن والأمان و«القاعدة» والحراك الجنوبي من أهم القضايا المتداولة لدى الجميع.
وفي مدينة لودر بمحافظة أبين التقت «الشرق الأوسط» في سوق السلاح بالشيخ حسين مبارك الماسي، شيخ مشايخ الهبل ونواحيها، حسبما يقدم نفسه، الذي تحدث عن الحراك الجنوبي بالقول إن بعضهم «لهم مطالب حقيقية وبعضهم الآخر خرجوا على الواقع بطريقة الدعوة إلى الانفصال»، ويؤكد أن المطالب الحقيقية هي «العدالة والمساواة»، لكنه ينتقد في الوقت ذاته، وبشدة، مطالب الانفصال وبعض الكلمات التي يرددها الحراكيون كوصفهم للنظام ب «الاستعمار»، وأيضا جملة «ثورة ثورة يا جنوب».
ثم يقول الشيخ الماسي لـ«الشرق الأوسط»: «أنا لست سياسيا ولكن كشيخ قبيلة كبيرة، أعتقد أن هناك أخطاء من قبل بعض المرافق، ولكن لا أعتقد بوجود أي شيء حول الأخ الرئيس علي عبد الله صالح، ولكن القادة الصغار، يمكن الغلط من قبلهم»، ويعتقد هذا الرجل البدوي أن المعالجات هي «في المقام الأول، تبدأ بالحوار، وأعتقد أن الحل يبدأ بالحوار ومعالجة القضايا وأن الوحدة لا كلام بشأنها».
وفي عين المكان نفسه تحدث إلينا ناصر محسن، أحد قادة الحراك الميدانيين في لودر، الذي قال إن الحراك وجد لأن «هناك مشكلات في اليمن، والوحدة أصبحت وحدة ضم وإلحاق، ولا يوجد بها الأمل الذي كان يرجوه أبناء الجنوب، ولهذا وجد الحراك الذي يناضل من أجل حل مشكلته وبحيث يعترف بها كل العالم»، وينفي محسن أي علاقة للحراك بالاغتيالات التي تجري في بعض المناطق الجنوبية، ومنها محافظة أبين، ويقول إن «الحراك لا يمكن أن يقوم بهذه الأفعال الإجرامية، فعمله ونشاطه سلمي وطوعي وسيناضل حتى ينال حقوقه بطرق سلمية بعيدا عن العنف»، ويشير إلى أنهم لا يعرفون من يقوم بالعنف «يقولون (القاعدة) ولكننا لا نعرفها، وهذا كلام شارع».
ويرد على سؤال حول جذر المشكلة في الجنوب بالقول: «ناضلنا من أجل الوحدة لأكثر من عشرين عاما وتحققت، ولكن للأسف الشديد بعد أن تحققت أصبحت وحدة ضم وإلحاق، ولم يكن لأبناء الجنوب فيها أي نصيب، كانت لأبناء الشمال، ولهذا أبناء الجنوب وصلوا إلى طريق مسدود بسبب عدم الاهتمام بهم ومعاملتهم معاملة سيئة، أخرجوا من الأعمال والوظائف وسرحونا من القوات المسلحة وأيضا من الوظائف المدنية وأصبح أبناء الجنوب في الشارع وظلموا من السلطة، نهبت الأراضي وغيرها وحتى البحر ردموه»، ثم يعلق على سؤال آخر حول وجود الجنوبيين في رأس السلطة كنائب الرئيس عبد ربه منصور هادي، بالقول: «عبد ربه منصور هادي لا نقول أي شيء في حقه، ولكنه لم يفعل أي شيء لأبناء الجنوب ولا بيده أي شيء، مسكين والله، نحن نحترمه ولكنه من موقعه الذي هو فيه لم يستطع أن يعمل لأبناء الجنوب أي شيء».
ومن خلال لقاءات قصيرة وموجزة مع شرائح اجتماعية مختلفة، تحاول «الشرق الأوسط» تلمس الواقع في جنوب اليمن والاضطراب الذي يعيش فيه، وهذا حديث مع عوض علي، الأمين العام للمجلس المحلي (البلدي) لمديرية لودر:
* ما مدى وجود «القاعدة» في أبين ولورد تحديدا؟
- حل مشكلة «القاعدة» يكمن في متابعة كل من يخرج على النظام والقانون سواء كان من «القاعدة» أو غير «القاعدة» أو حتى من أي اتجاه كان.
* هل من ينفذ العمليات المسلحة «قاعدة» أم حراك؟
- ما أريد أن أقوله لك أن السلطة المحلية تنظر إلى لودر ليس من منظار أو اتجاه واحد، بل بما يخدم أمن لودر ومصلحتها وهذا هو مقياسنا ومعيارنا الأول وأي قول لا يخدم هذا الاتجاه نتحفظ عليه.
* أنا أسأل عن وجود «القاعدة» في لودر؟
- هل يُسأل المشلول عن الصحة؟ هل يشعر بالألم؟
* ما هو الألم وما هي الصحة التي تقصد؟
- المجلس المحلي مشلول من صلاحياته الثانوية، ونحن لا نتمتع بتنفيذ الصلاحيات القانونية الممنوحة لنا، لكن فيما يتعلق بتنظيم القاعدة أو غيره كالحراك أو ما يتعلق بوضع الدولة في لودر، فنحن مع عملية متكاملة تخدم أمن لودر.
* ما مدى خطورة «القاعدة» لديكم؟
- أولا الأمين العام للمجلس المحلي (البلدي) ليس عضوا في اللجنة الأمنية حتى يكون لديه اطلاع كامل على الأمور الأمنية في المديرية، إنما كمواطن وممثل للسلطة المحلية، يرى ما يراه العامة في هذا الجانب.
* هل أفهم من كلامك أن دورك مهمش؟
- أقول لك إن القانون نفسه لم يعط صلاحية أو ينص على أن يكون أمين عام المجلس المحلي عضوا في اللجنة الأمنية.
* طيب كيف تنظر أنت إلى مسألة معالجة وجود «القاعدة» في لودر وأبين بشكل عام؟
- قضية لودر بحاجة لوقفة في جميع الاتجاهات، والذي يهمنا هو الأمن، فكيف نحققه؟ يمكن ذلك من خلال معرفة كل الأطراف وإذا كانت لدينا الصلاحيات القانونية، لكن أمن المديرية واستقرارها وما هو مع هذا الاتجاه سنمشي معه شريطة أن لا يخرج عن المبادئ والثوابت لدى اليمنيين.
* كيف تنظر إلى الحراك؟
- بصراحة في لودر وصل إلى مستوى كبير من الوجود والنشاط، واستطاع أن يكون له تأثير في لودر لأن السلطة المحلية منزوعة الصلاحيات.
وتعد مدينة جعار، عاصمة مديرية خنفر بمحافظة أبين، من أكثر المدن بالمحافظة وجنوب اليمن عموما، التي تشهد انتشارا لمسلحين جهاديين و«قاعدة»، حسبما يطرح شعبيا بالنسبة للجهاديين ورسميا بالنسبة لموضوع «القاعدة»، وزارت «الشرق الأوسط» جعار وهي ثاني مدن المحافظة، وهناك التقت بالشيخ أنور الحاج سالم، إمام وخطيب الجامع الكبير في المدينة وأجرت معه هذا الحوار:
*ما الذي يجري في جعار؟
- جعار تعرف منذ القدم بأنها منطقة هادئة يتعايش فيها الجميع سواء من حضرموت، ومن أبين، ومن لحج، ومن شبوة وأيضا إخواننا من الشمال الذين عاشوا لدينا من قبل الوحدة، لم تكن لدينا أي مشكلات ولا يوجد أي صراع وأي إنسان عاش في جعار يعرف أنها مدينة آمنة وتتقبل الجميع، أنا والدي صبيحي، أتى في وقت من الأوقات، في الخمسينات وعشنا هنا وأنا ولدت في جعار لكن أصلي صبيحي من لحج، حتى هذه الأفكار لم تكن موجودة حتى قبل عام 1990.. أنا تربيت داخل المسجد، كان والدي إماما للمسجد منذ سنة 1979، تربيت في المسجد ولا توجد لدينا هذه الأفكار.
*ما هي هذه الأفكار؟
- تعرفون أن النظام الاشتراكي كان متشددا في الكثير من الأشياء، حتى الكتب كانت إذا دخلت، لا تدخل إلا بعد تفتيش وتذهب أولا إلى أمن الدولة (المخابرات) وبعد ذلك تعطى إليك، ولم تكن توجد لدينا الأفكار التي تدعو إلى الإرهاب وما ينشر اليوم عن جعار، اليوم أصبح اسم جعار اسما مفرغا، أنت من جعار؟ كأنها إمارة إسلامية أو قندهار لا أحد يدخلها.
لقد عشنا وتربينا داخل الجوامع والمساجد رغم أنه كانت تمارس علينا أو بحقنا الرقابة الشديدة، أنت تراقب داخل المسجد، ما هي الدروس التي تدرسها، هم في جهاز الأمن والاستخبارات، يعرفون يوميا ماذا درست، لكنهم لا يؤذونك أنت في حالك، طالما لا تتدخل في النظام. لكن بعد عام 1990 مباشرة بدأ الناس يعون وهم يحبون الدين بالفطرة وبدأت تشترى الكتب تقرأ وظهرت بعض التيارات مثل التيار السلفي، لكنهم شباب من إخواننا درسوا ويريدون دينا، والدولة قد تكون لها أغراض معينة حيث جندت بعض الأشخاص وهم معروفون وموجودون حتى اليوم في جعار، وقام هؤلاء ببعض التصرفات التي أدت إلى حدوث إطلاق نار وقصف جوي في حطاط، لكن المسؤولين عن تجميع هؤلاء الشباب لم يدخلوا السجن إطلاقا، وسجن أشخاص مساكين ولا دخل لهم ومغرر بهم، وأولئك الأشخاص ما زالوا موجودين ويستولون على مبان خاصة بالدولة ويقومون ببيعها وأحد هؤلاء باع مؤخرا مبنى التربية والتعليم وهذه الأيام يبسط يده على سجن البحرين وهو عقيد أيضا، في المخابرات، وهذا الشخص يدعي أنه زعيم تنظيم «عدن - أبين الإسلامي» وهو جالس في بيته.
* لماذا يقع القتل والاغتيالات؟
حقيقة نحن في جعار لا نعرف لماذا يتم ارتكاب أعمال القتل بحق الجنود والمواطنين وتدمير المنازل وحرق السيارات؟ ومشكلة الدولة أنها كانت تربي بعض الأشخاص لكنها مع المدى يبدو أنها فقدت السيطرة عليهم وهم أنفسهم أصبحوا فاقدين للسيطرة على الأشخاص الذين جندوهم بأنفسهم، وهذه الجماعات الموجودة في جعار ليست بالمستوى الذي يتم تصويره، بإمكان طاقم عسكري أن يجلبهم إذا وجد ضبطا وربطا، لكن الطاقم العسكري «يحتكر حق التخزينة، حق القات والماء والغذاء»، ولقد قلنا لهؤلاء الشباب إن الدولة يمكن أن تستخدمكم ثم تصبحون مثل «الكروت المحروقة»، وقد صدرت أحكام غيابية بحق البعض من هؤلاء الشباب وأنا أعتقد في قرارة نفسي أن الدولة يمكن أن تقول لهؤلاء إنه إذا أردتم أن نسقط هذه الأحكام فعليكم تصفية بعض نشطاء الحراك.
* هل هناك وجود حقيقي لتنظيم القاعدة في جعار؟
- ليس هناك أي وجود حقيقي لتنظيم القاعدة، هناك أشخاص يدعون أنهم زعماء لتنظيمات وهؤلاء موجودون وليسوا مختفين ولا يتطلب البحث عنهم وهذا لا يحتاج إلى حملات عسكرية ترعب الناس وتدمر خلالها البيوت وفي النهاية لا يتم إلقاء القبض على أي أحد، لقد أحرقوا 12 بيتا في منطقة المشروع وهم يبحثون عن شخص واحد، وهذه الأفعال قد تدفع بعض الناس إلى التحالف مع الشيطان ضد الدولة.
* هل تعتقد أن نشاط هذه الجماعات سياسي أم عقائدي؟
- أعتقد أنها كانت في البداية سياسية أصلا واستخدم هؤلاء الأشخاص سياسيا لضرب الحزب الاشتراكي مطلع تسعينات القرن الماضي ومنهم من نفذ عمليات اغتيال وظل النظام اليمني يلعب بهذه الورقة، لكن السحر انقلب على الساحر وباتوا اليوم لا يلتزمون بأوامره لأنه لم يفِ بوعوده لهم.
* يفهم من كلامك أن الحكومة باتت غير قادرة على السيطرة على هذه الجماعات؟
- لا أعتقد أنها قادرة فقد خرج الوضع عن السيطرة.
* من يقف وراء عملية الاغتيالات التي تستهدف ضباط الأمن السياسي (المخابرات)؟
- نحن لا نتهم سوى الدولة سواء كانت هي من تقف وراءها بصورة مباشرة أو أن هناك جهات أخرى، لأنها هي من يجب عليها أن تفرض الأمن والنظام في البلد، ونحن كمواطنين يجب أن تحمينا الدولة فإذا كانت غير قادرة على حماية مواطنيها فعليها أن ترحل. في رمضان الماضي قتل 12 جنديا أثناء إفطارهم ومن قاموا بقتلهم كانوا يهللون ويكبرون، فإذا كانت الدولة لا تحمي جنودها، فهل يمكن أن تحمي المواطنين؟
* ما هو الحل من وجهة نظرك؟
- لقد باتت لدينا قناعة أن الحل الوحيد هو أن نستعيد دولتنا، لدينا هنا مسؤولون إذا قام أحد المواطنين بإبلاغهم بأي جريمة يقومون بسجنه ولا يفرج عنه إلا بـ10 آلاف ريال وهي رسالة بأن لا يتكلم أي شخص إذا شاهد أي شيء، الناس يقتلون في الأسواق ولا يوجد أي رد فعل حكومي، لكن لو خرجت مظاهرة للحراك تخرج لها الأطقم والمصفحات والدبابات ويتم قمعها، وإذا كانت هذه القوة كلها لديكم، لماذا لم تأتوا لحمايتنا؟ يا أخي، المراقص في عدن تحمى ولا أحد يستطيع أن يقترب منها، ونحن في جعار تسفك دماؤنا جهارا نهارا، حتى عندما طالبنا بإخراج حملة على الكلاب الضالة والمشردة طلب منا المأمور (مدير المديرية) مبلغ 120 ألف ريال للقيام بها، وأيام الحكم الاشتراكي كانت البلدية من تلقاء نفسها تسمم لحوما وترميها للكلاب وعندما تموت تأخذها إلى خارج المدينة وتحرقها، وباختصار هذا النظام لا يمكن أن يقوم بأي إصلاحات لأنه بذر مليارات الريالات في بناء ملعب الوحدة (في أبين) لبطولة «خليجي 20» ولو كان صرفها لما فيه فائدة للناس، لكان استطاع التهدئة، ولو قليلا، من الغليان الذي يسود الشارع في الجنوب.
* غدا: هل الشيخ طارق الفضلي تحت الإقامة الجبرية؟