مناطق الاضطرابات في جنوب اليمن الحلقة (7): مسؤول محلي: لا وجود لـ«الحراك» في عدن.. بل في بعض مديريات
مثلت مدينة عدن كبرى مدن جنوب اليمن، حاليا، وعاصمة الشطر الجنوبي سابقا، مناخا وساحة لنشاط «الأحرار الشماليين» إبان نضالهم ضد نظام حكم الإمامة الذي كان يحكم الشطر الشمالي، على الرغم من أن جنوب البلاد كان، حينها، يرزح تحت الاستعمار البريطاني،
ولعل أبرز من عاشوا ونشطوا في عدن هما الراحلان محمد محمود الزبيري الذي يسمى «أبو الأحرار»، وأحمد محمد النعمان الذي كان يطلق عليه لقب «الأستاذ» وأحد أبرز رواد التنوير في اليمن، والذي شغل لفترة منصب رئيس الوزراء في اليمن الشمالي.
وعاشت مدينة عدن، قبل قيام الوحدة اليمنية (22 مايو/ أيار عام 1990)، مخاضات وصراعات سياسية وعسكرية جديدة، آخرها «حرب الإخوة الأعداء» في صيف عام 1994، غير أن هذه المدينة ومع مطلع عام 2006 بدأت تشهد نشاطا سياسيا من نوع جديد، هو «الحراك الجنوبي» الذي بدأ بحركة لقاء «التصالح والتسامح» في «جمعية ردفان»، الذي كان نقطة الانطلاق نحو لقاءات مماثلة جرت في عدد من المحافظات اليمنية الجنوبية وهدفت إلى «طي صفحة الماضي» بين طرفي النزاع المسلح في أحداث 13 يناير (كانون الثاني) عام 1986، أبناء مناطق الضالع وردفان ويافع ومن معهم من جهة، وأبناء مناطق أبين وشبوة ومن معها، وقد أغلقت تلك الجمعية من قبل السلطات بعد أن اتسع نشاطها، وانتقلت حركة «التصالح والتسامح» إلى مرحلة أو حركة المتقاعدين العسكريين والمدنيين من أبناء الجنوب، وصولا إلى ما بات يعرف اليوم ب«الحراك الجنوبي».
واحتضنت «ساحة الهاشمي»، وهي عبارة عن محطة لسيارات الأجرة التي تنقل الركاب بين عدن والمحافظات الأخرى، وأيضا محطة لحافلات الركاب الصغيرة في عدن (الميكروباص)، أولى المظاهرات والاعتصامات للحراك الجنوبي خلال السنوات القليلة الماضية، قبل أن تعمد السلطات الأمنية إلى تقطيع أوصال المدينة (عدن) بحواجز أمنية لمنع وصول المتظاهرين إلى محطة الهاشمي الواقعة في مديرية الشيخ عثمان، وهناك دارت مواجهات عنيفة بين أنصار ونشطاء الحراك وقوات الأمن، وأدت تلك الإجراءات الأمنية إلى أن ينقل الحراك فعالياته إلى المحافظات المجاورة، التي يتمتع فيها بوجود قوي.
ومؤخرا، احتضنت عدن بطولة الخليج لكرة القدم «خليجي 2»، وهي البطولة التي اعتبرت السلطات اليمنية إقامتها بنجاح تحديا كبيرا وخصصت لتأمينها عشرات الآلاف من رجال الأمن والمخابرات وذلك خشية مسألتين فقط؛ الأولى أن ينظم الحراك الجنوبي مظاهرات وفعاليات تفشل البطولة، والثانية أن يقوم تنظيم القاعدة بشن هجمات إرهابية أثناء البطولة وإفشالها، أيضا، خاصة أن عدن كانت شهدت في يونيو (حزيران) الماضي هجوما مسلحا كبيرا على مبنى جهاز الأمن السياسي في حي التواهي بعدن، إضافة إلى المخاوف التي اعترت دول الجوار من الحالة الأمنية المتدهورة، ويبدو أن القبضة الأمنية نجحت في تأمين البطولة أمنيا، في حين يجمع الجميع على فشل «الحراك» في إقامة فعالياته التي أعلن عنها، على الرغم من أن «الشرق الأوسط» اطلعت على تسجيلات فيديو في بعض الهواتف الجوالة تبين ترديد بعض أنصار الحراك شعاراته المناوئة للحكومة والمطالبة ب«فك الارتباط» بين شطري البلاد، أمام أحد الملعبين اللذين احتضنا البطولة، غير أن مصادر سياسية في عدن أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن السبب الرئيسي لفشل برنامج مظاهرات «الحراك»، هو انقسام فصائله وتباين الآراء بداخلها بين متحمس للتظاهر القوي وبين الداعي إلى التهدئة والترحيب باسم «الحراك» ب«الأشقاء الخليجيين»، ويبدو أن التيار الأخير نجح إلى حد ما، وهذا ما يؤكده لـ«الشرق الأوسط» صالح ناجي حربي، عضو اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني حاليا، النائب البرلماني سابقا، الذي يقول إن «الطرف المتعقل» في الحراك استطاع التغلب على المشكلة وعدم الانجرار وراء «الطرف المتطرف»، على الرغم من أن الجميع كان يريد استغلال البطولة لإيصال رسالة إلى الدول المشاركة فيها بشأن «قضية الجنوب»، لكن «من دون استعداء الدول المجاورة».
أما بشأن محاصرة فعاليات الحراك في عدن بصورة عامة ودائمة بعيدا عن فترة البطولة، فيقول حربي إن السلطات تمكنت من الحد من فعاليات الحراك بواسطة «القبضة الأمنية الحديدية»، لأنه «من السهل السيطرة على الأنشطة السلمية التي يرتبط نجاحها بوجود أجواء مناسبة لإجرائها، أما الأعمال الإرهابية، فيمكن أن تحدث حتى في ظل القبضة الأمنية لأنها أعمال خفية».
وحول التطورات السياسية والأمنية في عدن وجنوب البلاد عموما، حاورت «الشرق الأوسط» عبد الكريم شايف، نائب محافظ عدن رئيس فرع حزب المؤتمر الشعبي الحاكم بالمحافظة.. فإلى نص الحوار:
* كيف تقرأ المشهد بالنسبة للحراك الجنوبي و«القاعدة» في جنوب اليمن؟
- أولا موضوع «القاعدة»، أمر تختص به اللجنة الأمنية والدكتور رشاد العليمي (نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع والأمن)، وهو موضوع ليس محليا، ويمكنك طرح هذا السؤال على وزير الداخلية اللواء مطهر رشاد المصري، فأنا وظيفتي محلية في إطار الخدمات المحلية وليست مختصة في شؤون «القاعدة»، هذا الموضوع يجب أن يطرح على وزارة الداخلية، ولا أستطيع الإجابة عن هذا الموضوع لأنه ليس ذا طابع محلي.
* لم أطلب معلومات بشأن «القاعدة»، ولكني أريد أن اعرف رؤيتكم بشأن الإرهاب و«القاعدة» خاصة، وأن جنوب اليمن بات واجهة لنشاط «القاعدة»؟
- أولا عدن أنت زرتها، وربما من خلال وجودك شاهدت الوضع في المدينة من جميع النواحي، والحراك ليس موجودا في عدن، الحراك يأتي من محافظات نائية.. من الريف، ويحاول أن يقول للناس إنه موجود، لكن أبناء عدن جميعهم ليسوا مع الحراك، وأنت ستلاحظ ذلك من خلال تجوالك الميداني ولقاءاتك مع الناس، ليس هناك أي نشاط للحراك، وعدن قبل وبعد «خليجي 20» قدمت نفسها على أنها مدينة من أفضل المدن اليمنية سياحيا وثقافيا ورياضيا، وهذه هي عدن.
* عندما أسألك عن الحراك أقصد: هل تعتقدون أنه مؤثر ميدانيا أم مسألة إعلامية فقط؟
- الحراك، كما قلت لك، ليس له أي نشاط، وهذه مسألة معروفة ولا تحتاج إلى أي دحض، والقصة وما فيها ومع حرية الصحافة المفتوحة، يمكن أن يتم تناول بعض الأخبار المتعلقة بالحراك بكثير من الأهمية، جماعة الحراك موجودة في بعض المناطق الريفية مثل الضالع والحبيلين ومناطق أخرى.
لكن هنا في عدن ليس هناك أي نشاط إطلاقا، وعدن مدينة حضرية تقبل بالنشاط القانوني، وأي جماعة تريد أن يكون لديها حزب أو أي نشاط، فعليها أن تقدم نفسها بالطريقة القانونية وتطرح ما تريد، وهذا ما سوف تقبل به عدن، لكن الحراك اتسم بالفوضى وبسلوكيات مخالفة للقانون وهذا ما لا تقبله عدن وأبناؤها.
* كيف تتعاملون أنتم في السلطة المحلية، وأنتم مسؤول في أكبر محافظة جنوبية، مع مطالب «فك الارتباط» وكيف تنظرون إليها؟
- كما قلت لك، بالنسبة لي في عدن، لا توجد لدي قضايا من مثل هذا النوع.. الحراك موجود في الأرياف وليس موجودا في عدن، ولا تطرح هنا أي من قضاياه، لأنه غير موجود أصلا، هو يوجد فقط في مناطق نائية في بعض المديريات الريفية، وهو محدود، وأعتقد أنه لو وجدت بعض المطالب فسيتم التعامل معها، وبالفعل كانت بعض العناصر قبل مسمى «الحراك» تطالب بحقوق عسكرية تتعلق بالتقاعد والخدمة والمرتبات، وتمت تسوية أوضاعهم وإعادتهم إلى أعمالهم ورفع مرتباتهم ومنحهم الرتب العسكرية، وأنا أعتقد أن أي طرح حقوقي مشروع، لكن بشرط أن لا يتحول أي مطلب حقوقي إلى سياسي.
* من خلال جولة ميدانية قمت بها، وجدت أن الحراك يسيطر على بعض المناطق بصورة كاملة، فهل أسلوب التعامل الأمني هو المجدي مع الحراك، أم إن هناك أساليب أخرى مجدية أيضا؟
- ليست هناك سيطرة كاملة، إذا كانت هناك سيطرة، فهذا يعني أنهم سيحكمون المناطق، وهذا غير موجود، أنا أتابع، وأنت زرت شبوة ولحج وغيرهما، وليست هناك سيطرة، والسيطرة الكاملة تعني أن هناك من تحت يديه مساحة كاملة ويستطيع التحكم فيها، لكن أقول لك إنه في بعض المناطق كان نفس الدولة طويلا وعقلانيتها جعلتها لا تحاول الانجرار مع جماعات فوضوية، وأيضا بهدف تجنيب أبناء تلك المناطق المخاطر انطلاقا من الشعور بالمسؤولية وأن هؤلاء جزء من اليمن والجانب (الإجراء) الأمني يأتي في آخر المطاف.
* هل تعتقد أن المواجهات المسلحة التي تجري بين قوات الأمن والجيش ومسلحين يعتقد أنهم «حراكيون» في بعض المناطق الجنوبية، ترتبط بما يسمونه «الكفاح المسلح» الذي تسعى إليه بعض فصائل الحراك؟
- أنا اعتقد أن هناك تضخيما إعلاميا لهذا الموضوع، أنت بهذا السؤال تحاول أن تقول إن هناك كفاحا مسلحا، المسألة ببساطة أن السلاح الآلي (الكلاشنيكوف) متوفر، وربما هناك اثنان أو ثلاثة أو خمسة أشخاص يقومون بأعمال قطع الطرق في الليل، وهذه أعمال نشاز وفوضوية ولا تستحق صفة أكبر من حجمها. ليس هناك كفاح مسلح، وعندما تأتي الدولة (قوات الأمن والجيش) يهرب هؤلاء جميعا.
* هل تتوقع أو تعتقد أن الحراك يمكن أن ينشط في عدن في يوم من الأيام؟
- يا أخي أنا قلت لك لا يوجد حراك في عدن، وأنت «تشتي» (تريد) أن تقول لي إن هناك حراكا. أنا أختلف معك في هذه النقطة.
* ساحة الهاشمي كانت ساحة مميزة لنشاط الحراك؟
- أولئك كانوا مجموعة يأتون من الأرياف، وأنا أفوضك كصحافي أن تذهب إلى الساحة، وإذا وجدت أناسا من عدن، فأنت الحكم والنظرة الأخيرة لك.
* قبيل فعاليات تقام للحراك في عدن وغيرها من المحافظات الجنوبية، تصدر بيانات عن اللجنة الأمنية تحذر من إقامتها لأنها غير قانونية.. ما تعليقك؟
- لا أعرف بشأن ما يتعلق بالمحافظات الأخرى، لكن لم تصدر أي بيانات من اللجنة الأمنية بمحافظات عدن.
* غدا: ما الجهة الحكومية المضادة للحراك الجنوبي؟