يرى محللون ان قناة الجزيرة القطرية التي اغلقت القاهرة مكاتبها الاحد، باتت اكثر من اي وقت مضى لاعبا اساسيا في تحريك الشارع الذي اسقط الرئيس التونسي ويهز النظام في مصر، ولكن وسط جدل حول اجندتها السياسية المفترضة.
وعبر شاشة الجزيرة ضم الداعية الاسلامي الابرز يوسف القرضاوي، وهو احد "نجوم" القناة التي اشتهر في العالم العربي بفضلها، صوته بعد ظهر السبت إلى الاصوات المطالبة برحيل الرئيس المصري حسني مبارك فيما بثت الفضائية على مدار الساعة صور الجماهير الغاضبة والساحات الممتلئة بالرغم من حظر التجول.
وقال القرضاوي المصري الاصل والمقيم في قطر "ارحل يا مبارك، ارحم هذا الشعب، وارحل حتى لا يزداد خراب مصر".
وقررت القاهرة اليوم الاحد اغلاق مكاتب الجزيرة وسحب اعتمادات صحافييها كما تم قطع بث القناة على قمر نايل سات المصري.
واعتبرت القناة ان منعها من العمل في مصر يهدف إلى "اسكات اصوات الشعب المصري" ووعدت باستمرار تغطيتها "الشاملة والمعمقة" للاحداث.
وقال الاكاديمي والمحلل السياسي الاماراتي عبد الخالق عبد الله لوكالة فرانس برس ان "النظرة العربية تتهم الجزيرة بتحريض الشارع وهذا الاتهام بمحله، لكن هذا وسام للجزيرة".
واعتبر عبد الله انه "لا شك ان الجزيرة خلال الازمة التونسية وخلال المظاهرات في مصر كانت لاعبا مهما" و"لولا الجزيرة لما تحرك الشارع بهذه القوة" فاسقط النظام التونسي ويهز اليوم النظام في مصر، وسط تظاهرات احتجاجية في عموم العالم العربي.
وبحسب عبدالله، فان الانتفاضات الشعبية كانت ستحدث من دون الجزيرة لكن القناة جعلت هذه الانتفاضات "حدثا ملهما للجماهير العربية".
وفي نفس الوقت باتت الجزيرة ايضا واكثر من اي وقت مضى، تقلق انظمة عربية وقد تتسبب بازمات جديدة بينها وبين قطر على غرار سلسلة ما حصل في الماضي مع السعودية والمغرب والاردن وتونس والعراق وغيرها.
ورأى عبد الله ان "بعض الانظمة والزعماء وجدوا ان ما تقوم به خطير. فقد ساهمت في تحريك الشارع الذي استهانوا به على ما يبدو".
وفي هذا الاطار، طلب الرئيس اليمني علي عبد الله صالح الذي تشهد بلاده ايضا تظاهرات مطالبة بسقوطه، من امير قطر الخميس التدخل لدى الجزيرة "للتهدئة الاعلامية والابتعاد في ممارستها للمهنة الاعلامية عن اساليب الاثارة والتاجيج والتحريض".
واعتبر ان "تلك الممارسات" من قبل الجزيرة تخدم اسرائيل وتنظيم القاعدة.
من جانبه، قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس السبت ان وثائق المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية التي كشفت عنها القناة هذا الشهر واوحت بان السلطة الفلسطينية قدمت تنازلات كبيرة، "اكاذيب حاولوا ان يروجوها لانهم اعتقدوا ان ما حصل في تونس يمكن ان يحصل هنا وربما أسهل".
لكن المحلل السياسي اللبناني المقيم في لندن عبدالوهاب بدرخان قال لوكالة فرانس برس ان تغطية الجزيرة لاحداث مصر اختلفت في ايامها الاولى عن تغطية الانتفاضة التونسية التي نقلتها باهتمام بالغ منذ ساعاتها الاولى.
وقال "في تونس الجزيرة سبقت الشارع، وفي القاهرة لحقت به".
وبحسب بدرخان، فانه في الايام الاولى من الاحداث "اعطت الجزيرة اشارات بانه ليس لديها استعداد لمعالجة الموضوع المصري بنفس طريقة الموضوع التونسي".
وكانت القناة تتابع في المقابل تعطي الاولوية في تغطيتها للوثائق السرية حول المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية.
لكن تطور الاحداث والمنافسة خصوصا مع قناة العربية التي كانت موجودة على الارض، فرض نفسه على القناة بحسب بدرخان و"بات من الضروري التعامل مع الموضوع المصري واعطاءه اولوية قصوى"، وترجم ذلك في الايام الاخيرة من الاحداث.
لكن جدلا يدور منذ سنوات حول اتهام الجزيرة بالانحياز إلى حركات المعارضة والقرب من الاسلاميين، فضلا عن تساؤلات حول مدى تناغم الاجندات بين القناة وقطر.
وقال عبد الخالق عبد الله ان الجواب يكمن في شعار الجزيرة نفسه الذي تبثه القناة يوميا، والذي يظهر اسم القناة على شكل نقطة تنزل في البحر الراكد "فيتحرك وتنطلق منه الامواج".
وبحسب المحلل، فان الجزيرة التي تاسست في 1996 "لم تخف منذ اللحظة الاولى انها تريد ان تكون حصى تحرك ركود الشارع العربي".
ويؤيد ذلك عبدالوهاب بدرخان الذي قال ان "الجزيرة من الاساس تريد ان تفتح المجال لكل المعارضات".
لكن بحسب بدرخان، فان القناة لمست ان المشاهد لا يكتفي بالخبر بل يريد التحليل والرأي. وهنا انفتحت "الاجندات السياسية على التغطية، سواء كانت تمثل قطر نفسها أو لا تمثلها".
وعن اتهام الجزيرة بالميل إلى الاسلام السياسي في تغطيتها، قال بدرخان ان القناة نشأت في خضم صعود التيار الاسلامي وواكبت صعود هذا التيار.
وذكر انه "بعد حرب العراق في 2003 وتطورات الوضع في فلسطين، اصبح هناك راديكالية اكثر بالنسبة لتجذر التيار الاسلامي واصبح التيار يسيطر على مستوى استقطاب الاعلاميين" في القناة.
لكن بالنسبة لعبد الخالق عبد الله، فان قطر والجزيرة "وجهان لعملة واحدة" و"القطريون سعداء بالجزيرة والجزيرة اضافت إلى قطر ما لم تحلم به على الاطلاق".
واشار عبد الله إلى ان الدوحة هي الآن "عاصمة سياسية" لدول الخليج العربية عبر دورها الدبلوماسي في لبنان والسودان وفلسطين وغيرها ولدى القطريين "طموح حقيقي بالزعامة السياسية" و"الجزيرة ليست الا اداة لتحقيق الطموحات القطرية".