بدأت الاحتجاجات في اليمن كغيرها من الاحتجاجات العربية بمبادرات شبابية ودعوات على مواقع التواصل الاجتماعي، لكنها تمددت مع الوقت، واتسع نطاقها الشعبي والسياسي بدرجات فاجأت النظام اليمني وأربكت خطواته التالية.
ومع الانضمامات المتعددة والمتتالية لصفوف المحتجين بدأت الدائرة تضيق شيئا فشيئا على الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، خصوصا في الدوائر القبلية والسياسية، علما بأنه ما زال يحافظ على دعم عدد من أبرز قيادات الجيش بحكم العلاقات العائلية والاجتماعية التي تربطه بأهم هؤلاء القادة.
قبليا
وبما أن المجتمع اليمني قبلي بالأساس، لا يمكن لأي نظام أن يستمر في الحكم دون دعم قوي وفاعل من عدد كبير من القبائل التي ظلت منذ القدم تحتفظ بأدوار سياسية هامة فضلا عن أدوارها الاجتماعية المعهودة.
وبالإضافة إلى القبائل التي انطلقت بها الاحتجاجات ابتداء، أعلنت قبيلتا حاشد وبكيل اللتان تعدان من كبريات القبائل اليمنية انضمامهما للثوار.
ويعد انضمام القبيلتين مكسبا هاما للاحتجاجات، خاصة أن اتحاد قبيلة حاشد أكثر القبائل اليمنية قوة ويضم تسع قبائل، من بينها قبيلة سنحان التي ينتمي إليها الرئيس صالح، وتقدر بعض المصادر امتلاك القبيلتين لما بين 200 ألف و500 ألف مسلح.
ومن شأن تخندق قبائل لها وزنها الاجتماعي والسياسي مع الاحتجاجات أن يمنحها مددا عسكريا ويوفر لها مزيدا من الحماية والهيبة، بحكم أن القبائل اليمنية وعكسا لنظيراتها العربية قبائل مسلحة تمتلك ما يشبه وحدات عسكرية مقاتلة.
سياسيا
وعلى المستوى السياسي تتزايد الضغوط أكثر على صالح في ظل الانشقاقات والانسحابات المتواصلة من نظامه لصالح المعارضين لاستمرار حكمه.
فقد أعلن 12 برلمانيا استقالتهم احتجاجا على قمع المظاهرات السلمية وقرروا تشكيل فريق باسم كتلة الأحرار برئاسة النائب عبده بشر، وألمح نحو 60 من أعضاء الحزب الحاكم في البرلمان إلى رغبتهم في الانسحاب من كتلة الحزب إذا استمر قتل المحتجين من قبل السلطات الأمنية. يشار إلى أن البرلمان اليمني يتكون من 301 عضو.
وفي حال تم ذلك وتمكنت المعارضة البرلمانية من استمالة نواب آخرين سيكون الرئيس صالح مهددا وبقوة بسحب الثقة منه من البرلمان، وهو سيناريو ليس مستبعدا على كل حال في ظل التداخل الاجتماعي وتزايد الغضب السياسي والشعبي من قمع المتظاهرين.
كما اتسعت دائرة الاستقالات من الحزب الحاكم لتشمل حاشد الأحمر نائب وزير الشباب والرياضة الذي استقال من الحكومة والحزب وانضم للمحتجين، كما استقال سام بن يحيى الأحمر وكيل وزارة الثقافة من منصبه ومن الحزب الحاكم.
وشملت الاستقالات أيضا رجال أعمال بارزين لهم ثقلهم المالي في الساحة اليمنية كما هو حال رجل الأعمال نبيل الخامري الذي دعا صالح للاستماع لطلبات المتظاهرين، كما استقال أيضا رجل الأعمال رئيس اللجنة المالية في البرلمان فتحي عبد الرحيم من الحزب الحاكم.
رأي العلماء
وفي صفوف العلماء يأتي انضمام الشيخ عبد المجيد الزنداني وامتداحه للحركة الاحتجاجية باليمن ووصفها ببراءة اختراع ليزيد من خلط الأوراق على نظام صالح نظرا للمكانة الكبيرة التي يتمتع بها الزنداني داخل اليمن وخارجه.
كما انضم عدد من علماء وقضاة اليمن إلى الثورة، وتقدم مجلس علماء اليمن بمبادرة من سبع نقاط تفضي بتخلي صالح عن السلطة في غضون عام.
عسكريا
ورغم أن صالح الذي بنى نظاما أمنيا وعسكريا عتيدا في العقود الماضية ما زال يمسك بورقة الجيش بقبضة قوية من خلال تولي أبنائه وأقاربه لمناصب هامة في المؤسسة العسكرية.
فيتولى ابنه أحمد قيادة الحرس الجمهوري إضافة إلى فرق القوات الخاصة, التي تسيطر على جميع مداخل العاصمة صنعاء.
ويتولى محسن صالح الأحمر، وهو الأخ غير الشقيق للرئيس قيادة الفرقة الأولى للمدرعة المكونة من عدة ألوية جيدة التسليح، والتي تسيطر على المحور الغربي.
كما يشرف ابن أخي الرئيس على قيادة وحدات الأمن المركزي التي تسيطر على كل المدن اليمنية بما فيها العاصمة صنعاء, فيما يتولى علي صالح الأحمر الأخ غير الشقيق للرئيس قيادة القوات الجوية.
لذلك من شأن انضمام عدد من الضباط والجنود في الأيام الماضية للمحتجين أن يدفع بالمزيد من الانشقاقات في صفوف الجيش، ويجعل المترددين أكثر جرأة على تحديد وجهتهم.
ماذا بقي؟
بقي صالح يعتمد في حكمه للبلاد طيلة العقود السابقة على ثنائية الجيش والقبائل عن طريق المناورات والمراوغات، والتحالفات التي يعقدها مع هذا الطرف أو ذاك، واليوم يبدو واضحا أن الداعم القبلي الذي يعد من أهم المرتكزات التي استند عليها النظام في عقوده الماضية بدأ يتهاوى إثر تفكك التحالف القبلي الذي أحاط نفسه به.
ولم يبق لدى صالح من العوامل التي أطالت بقاءه في السلطة سوى ورقة الجيش الآخذة في الخروج من بين يديه.