تصاعدت المظاهرات والاعتصامات المطالبة بإسقاط النظام في اليمن إلى أعلى مستوى لها منذ نحو شهر من بدايتها، لدرجة شملت جميع المحافظات اليمنية، وأصبحت في نظر العديدين تشكل تهديدا حقيقيا له وقد تطيح به في حال استمرت على هذه الوتيرة من الحماسة والتصاعد المستمر.
وقال مراقبون ل'القدس العربي'، 'يبدو ظاهريا أن النظام اليمني لا زال متماسكا وأقوى من أن تهزه التظاهرات اليومية والاعتصامات الدائمة في العديد من المدن اليمنية، التي تطالب بإسقاطه، لكنه في حقيقة الحال أصبح يتآكل من الداخل، بتساقط أعضاء بارزين من الحزب الحاكم الذين يقدمون استقالاتهم منه احتجاجا على عمليات القمع التي تقوم بها السلطة ضد المتظاهرين السلميين'.
وأوضحوا أن العديد من كبار المسؤولين الحكوميين والقياديين في حزب المؤتمر الحاكم أيقنوا أن المتظاهرين الذين نزلوا للشارع 'خرجوا ولن يعودوا حتى إسقاط النظام'، وبالتالي قرر العديد منهم الاستقالة من الحزب الحاكم ومن وظائفهم الحكومية العليا، حتى يتبرأوا من الأخطاء الكبيرة التي يرتكبها النظام وأعوانه ضد المتظاهرين.
وأكدوا أن بعض الأعضاء البارزين في الحزب الحاكم فضّلوا خلال الأيام الماضية التضحية بمناصبهم الحكومية وبمواقعهم الحزبية، حتى يكشفوا عدم رضاهم عما يجري ويعلنوا البراءة من الأخطاء التي يقترفها حزبهم الحاكم، وفي مقدمة هؤلاء 21 من أعضاء مجلس النواب، استقالوا حتى الآن من عضوية الحزب الحاكم، ووزير الأوقاف والإرشاد القاضي حمود الهتار، الذي قدم استقالته من الحكومة ومن الحزب الحاكم أيضا، بالإضافة لمحافظ الحديدة السابق أحمد الجبلي، والعديد من نواب الوزراء ووكلاء الوزارات ومسؤولي المجالس المحلية الذين قاموا بنفس هذه الخطوة الجريئة.
وتعتبر هذه الخطوات جريئة جدا من قبل المسؤولين اليمنيين في نظر العديد من المراقبين، حيث وصل الحال إلى هذه الدرجة التي يتآكل فيها النظام اليمني من الداخل بشكل تدريجي، ووصلت الجرأة مستوى أصبح فيه المسؤولون في مقدمة الذين تجرأوا على قول كلمة (لا) للرئيس اليمني علي عبد الله صالح، في حين كانوا في السابق لا يجرؤون سوى النطق بكلمة (نعم) يا مولاي.
التآكل الداخلي للنظام اليمني وصل حد سقوط 4 محافظات من سيطرة النظام وهي محافظات صعدة، الجوف، عمران ومأرب، ولو بشكل نسبي، حيث قررت القبائل القوية وحلفاؤها في هذه المحافظات التخلي عن الحزب الحاكم والانضمام للمتظاهرين المطالبين بإسقاط النظام ول(ثورة الشباب) كما يطلقون عليها.
الأخطاء القاتلة التي ترتكبها السلطة اليمنية يوميا ضد المتظاهرين تزيد إضعاف موقفها وتهز أركان عرشها، وتعطي مؤشرا قويا على أنها حتى لو نجحت في إخماد ما تسميه (الفتنة) فإنها لن تسلم من عمليات الملاحقة القانونية المحلية والدولية جراء عمليات القتل العمد والإصابات العشوائية التي بلغت خلال الشهر الأول من المواجهات 47 قتيلا وأكثر من 1000 مصاب من المتظاهرين.
بالأمس فقط ارتكب النظام مجزرة غير مسبوقة ضد المتظاهرين من أبناء مدينة الحديدة المسالمة، حيث ذهب ضحية أعمال البلطجة التي قام بها مسلحون موالون للحزب الحاكم أكثر من 250 جريحا، 200 منهم أصيبوا باختناقات جراء قنابل الغاز المسيلة للدموع وغاز الأعصاب، و10 بالرصاص الحي و30 بالحجارة والهراوات، و20 بالخناجر، 30 من المصابين في حالة خطيرة.
وكان قد سبق هذه العملية عمليات مشابهة في العاصمة صنعاء التي تعرض المتظاهرون فيها لثلاث عمليات مداهمة من قبل أتباع النظام بالقنابل المسيلة للدموع وغاز الأعصاب والخناجر والأحجار والهراوات، وسقط فيها 4 قتلى ومئات الجرحى، بالإضافة إلى عملية مماثلة في مدينة تعز التي أودت بحياة اثنين من المتظاهرين وعشرات الجرحى، فيما حظيت المظاهرات في محافظة عدن بنصيب الأسد من عدد القتلى مع قوات الأمن هناك، حيث ذكرت المصادر أن عدد القتلى بالرصاص الحي في محافظة عدن لوحدها بلغ 31 قتيلا، والعشرات من الجرحى.
ويرى محللون سياسيون أن كل هذه الأخطاء التي يرتكبها أتباع النظام ضد المتظاهرين، وكل هذه التضحيات التي يقدمها المتظاهرون في مواجهة النظام، تعطي (ثورة الشباب) زخما قويا يصعّد من حدتها ويعطيها مؤهلات عديدة للاستمرار والصمود، رغم كل الإعاقات والأعمال الرسمية التي تحاول إخماد شعلتها.
ويعتقدون أن 'كل قطرة دم تراق من المتظاهرين، تتسبب في الدفع بموقع النظام خطوات للوراء، وتحدث شرخا وجرحا غائرا في عرش النظام'، في إشارة إلى عمليات التآكل والاستقالات الجماعية من الحزب الحاكم التي قدمها أعضاؤه خلال الأسابيع الماضية.
دائرة المظاهرات والاعتصامات المطالبة بإسقاط النظام في اليمن اتسعت وامتدت لتشمل أغلب المدن الرئيسية، فيما حاجز الخوف من الحاكم انهار تماما، ليشجع الكثيرين على الانضمام إلى صفوف المتظاهرين فعلا أو قولا، واتسعت معه دائرة موجات الغضب ضد النظام والالتحاق ب(ثورة الشباب) التي تتصاعد كل يوم، التي أصابت الحياة اليومية بشلل كبير جراء تنفيذ العديد من النقابات المهنية للإضراب عن العمل وفي مقدمتها نقابتا الأطباء والمعلمين.
ويعتقد سياسيون يمنيون أن قضية سقوط النظام في اليمن مسألة وقت، فقد بدأ العديد من كبار المسؤولين الحكوميين بتجهيز أنفسهم للرحيل من البلاد عبر البدء في بيع أملاكهم وعقاراتهم وتحويل أموالهم للخارج وتحويل ممتلكاتهم إلى أسماء أبنائهم أو أقاربهم، هروبا من الملاحقة القانونية، بالإضافة إلى قيام بعضهم بترتيب أوضاعهم في بلدان خارجية، عبر الحصول على جوازات دول أخرى أو حصول أسرهم على تأشيرات دول غربية لمدة طويلة.