تمتد قصة العلاقة بين اللواء علي محسن الأحمر والنظام الحاكم في اليمن إلى البدايات الأولى لصعود الرئيس علي عبد الله صالح إلى السلطة في الشطر الشمالي عام 1978م، حيث ارتبط اسم الرجلين في معظم المحن والتحديات التي واجهت النظام الحاكم ورئيسه شخصيا وترسخت في ذهنية اليمنيين شخصية اللواء علي محسن الاحمر كذراع يمنى للرئيس وقوة باطشة في الدفاع عن نظامه ابتداء من إحباط محاولة الانقلاب الناصري في فترة لم يكن عمر الرئيس في الحكم يتعدى أكثر من مائة يوم وانتهاء بالحروب الست في محافظة صعدة.
ولهذا لم يستوعب الكثيرون الاعلان التاريخي لقائد الفرقة الأولى مدرع انضمامه وتأييده لثورة الشباب ومطالبهم بتنحي الرئيس عن الحكم. وكجزء من هاجس نظرية المؤامرة المسكونة في العقلية اليمنية والعربية بشكل عام، فسر قرار الانضمام للثورة الشبابية والتخلي عن النظام على أنه محاولة لاحتواء الثورة الوليدة أو جزء من خطة مدروسة لنقل السلطة إلى قيادة الجيش.
وتجاهلت هذه التفسيرات بعض الحقائق المهمة التي كشفت عنها الصحافة المحلية في سنوات سابقة وأثناء حروب صعدة تحديدا لأنه حتى قبل ذلك التاريخ، لم تخل التقارير والتحليلات الصحفية من تناول حالات الاقصاء والتصفية الممنهجة التي كان النظام الحاكم قد بدأ في استخدامها عقب حرب صيف94م ضد حلفائه والتي لم يستثن منها حتى أقرب المقربين اليه.
وبالنسبة للقائد علي محسن الاحمر وكما تقول تلك التقارير والتحليلات، فإن محاولات استهدافه، تجاوزت القرارات الخاصة بإنشاء القوات الخاصة والحرس الجمهوري وتولية العميد أحمد علي عبد الله صالح على قيادتها، وكذلك محاولات نقل قيادة الفرقة الاولى مدرع إلى خارج العاصمة صنعاء وأمور أخرى، إلى الاستهداف المباشر بعد تعرضه لأكثر من لدغة قاتلة من قبل النظام.
غير انه نجا من جميع تلك المحاولات ولم يشأ الافصاح عنها بموقفه المفاجئ الا في هذا التوقيت الذي عده بأنه عصر الشعوب. ولذلك، يبدو من شبه مؤكد أن قراره الانضمام لمطالب شباب الثورة والتعهد بحمايتهم لا يحتمل نظريات المؤامرة والتفسيرات الأخرى المصاحبة لها.
لقد واجهت الصحافة مشكلة في طرح تلك التحليلات التي كانت تتناول ما يتعرض له الرجل من مؤامرات تستهدف اضعاف قواته في سياق مشروع التوريث. وفي الغالب، كانت التهم الموجهة للصحافة هي الاثارة والتنجيم السياسي ودق اسفين بين المشير واللواء، لكن تمدد حروب صعدة على مدى سنوات، كشفت عن حادثة قتل معنوي أيضا تعرض لها اللواء الأحمر وذلك بزج قواته في أتون تلك المحرقة التي أرهقت الجميع بتفاصيلها ومفاجآتها.
وأهم ما كشفت عنه مفاجأة الحرب السادسة في صعدة هو قرار التصفية الجسدية عبر الاحداثيات المقدمة للطيران السعودي. وبحسب موقع ويكيليكس الذي نقل عن الأمير خالد بن سلطان مساعد وزير الدفاع والطيران السعودي قوله ان الجانبين اليمني والسعودي شكلا لجنة عسكرية مشتركة للعمليات قبل القصف وأن القيادة العسكرية اليمنية زودت الطيران السعودي بإحداثيات المقر العام لقائد المنطقة الشمالية الغربية اللواء علي محسن الأحمر بغية قصفه على أنه مركز للحوثيين كما يبدو، لكن الطيران السعودي أجهض العملية في اللحظات الأخيرة قبل القصف، بعد اكتشافه الخدعة".
وتضيف وثيقة الموقع الأمريكي الشهير أن هذه المعلومات الخاطئة جعلت السعوديين أكثر حرصا في تعاملهم مع توصيات الاستهداف التي ترفع إليهم من قبل الجانب اليمني. غير أن هذه الوثيقة وغيرها لم تشر إلى هذه المعلومة فحسب، بل توضح أيضا بأن الحروب مع الحوثيين كانت مفتعلة من قبل السلطة كما جرجرة القوات السعودية إلى الدخول فيها.
وحيث أن النظام اليمني يوصف بحليف السعودية ويتلقى منها مساعدات مالية كبيرة. الا أنه أبدى خلال السنوات الأخيرة تبرما واضحا تجاه السلطات السعودية على خلفية الدعم المالي الذي كان يتوقعه منها. وامتد هذا الغضب إلى الاطراف المحلية التي تقيم علاقات حسنة مع السعودية.
ولاحظ مراقبون كيف كانت تقضي خطة التخلص من اللواء علي محسن الأحمر بنيران صديقة في الحرب السادسة بصعدة وهو الذي عرف بعلاقاته الجيدة مع السعودية الامر الذي يثير التساؤل حول ما اذا كان موقفه الأخير يأتي ضمن ترتيبات واستعدادات كافية وكذلك ضوء أخضر سعودي؟
والراجح أن قرار كهذا محسوب بدقة بدليل التصريحات والتأكيدات الصادرة عنه في الاسبوع الماضي. ورغم ما عرف عن السعودية تاريخيا من دعم للنظام الحاكم في اليمن، لكن المتغيرات الجديدة تفرض نفسها على الواقع وفي اتخاذ مواقف مختلفة.
ومن بين هذه التغيرات، تصاعد حركة الاحتجاجات الشعبية المطالبة برحيل النظام وانضمام رجال القبائل البارزين والذين يتلقون الدعم من السعودية إلى الاحتجاجات. ويبدو الآن أن كل الاوراق التي تلاعب بها النظام مع الداخل والخارج باتت مكشوفة فضلا عن كونها مثلت فرصة مناسبة لآخرين لتصفية الحساب معه والتخلص من ازعاجه.
يقول المحلل السعودي المقرب من صناع القرار جمال خاشقجي ان "المملكة العربية السعودية لن تكافح من أجل صالح، فلدينا تجارب سيئة جدا معه، وبقاء الرجل لا يعنى أى فروق".
والمؤكد أن إعلان اللواء علي محسن الاحمر دعمه وتأييده للثورة قد شكل دفعة قوية لحركة الاحتجاجات الشعبية المطالبة برحيل الرئيس وهو ما يعني رسميا أن الأمر قد حسم منذ الاثنين الماضي لصالح التغيير الذي ننتظر فقط تفاصيله والطريقة التي سوف يأتي عليها.
وبحسب مصادر متعددة، فقد شهدت الايام القليلة الماضية لقاءات ومحادثات لرسم تفاصيل اتفاق لتحقيق انتقال سلمي للسلطة.
وأكدت المصادر يوم السبت الماضي بأن الرئيس تراجع عن مواقف سابقة بالتنحي عن السلطة وهدد المعتصمين بساحة التغيير وقوات الفرقة الاولى مدرع بالقصف بالصواريخ. ونقل مصدر عسكري في مكتب اللواء علي محسن الاحمر بأن الأخير تلقى اتصالا هاتفيا من الرئيس هدده فيه بالقصف اذا لم يسلم نفسه والقوات التابعة له. وجاء التهديد بعدما أكدت معلومات متضاربة حول لقاءات جمعت الأثنين في منزل النائب عبد ربه منصور هادي. وفي احد هذه اللقاءات اشترط الرئيس لتنحيه عن السلطة استقالة اللواء علي محسن وهو ما وافق عليه الأخير وطلب الذهاب إلى التلفزيون للاعلان عن ذلك مباشرة، غير ان الرئيس تراجع عن هذه الخطوة.
وأشارت المصادر أيضا إلى أن الرئيس وافق خلال اللقاءات على نقل السلطة لمجلس انتقالي من خمسة أعضاء خلال مدة ستين يوما. وتردد اسم النائب عبد ربه منصور هادي ورئيس الهيئة العليا للتجمع اليمني للاصلاح وكذلك رئيس مجلس الشورى كأعضاء في المجلس الانتقالي.
وطبقا لمصادر موقع "نيوزيمن" فقد سبق لقاء آخر بين الرئيس صالح واللواء الاحمر بحضور السفير الأمريكي في منزل نائب الرئيس مشادة عنيفة خلال اتصال هاتفي قال خلالها صالح لأخيه غير الشقيق "لن نتقاتل، نرتب انتقال سلمي للسلطة، وأرحل أنا وأنت"، فوافق اللواء علي محسن لكنه اشترط أن "يرحل الأولاد أولا"، في اشارة لقادة الجيش من أولاد الرئيس وأولاد أخيه الشقيق محمد عبدالله صالح.
وعلقت المصادر على هذا اللقاء الذي انتهى بالفشل بأن الرجلين حضرا بحراستهما الخاصة وتصافحا في بداية اللقاء.
وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال يوم الخميس أن الاثنين قريبان من اتفاق يتركان بموجبه منصبيهما للسماح بتشكيل حكومة انتقالية مدنية. ونقلت وكالة رويترز عن مصدر مقرب من اللواء الاحمر انه بحث مع الرئيس اتفاقا لحل الازمة سيتنحى بموجبه الاثنان من منصبيهما ويغادران البلاد بصحبة أبنائهما وأقاربهما.
لكن السكرتير الاعلامي للرئيس نفى بحث اتفاق من هذا القبيل. وتراجع الدكتور أبو بكر القربي عن تصريحاته لرويترز والتي عبر فيها عن أمله في التوصل لاتفاق بخصوص انتقال السلطة يوم السبت الماضي. وقال أن الإطار الزمني لهذا الانتقال من الرئيس علي عبد الله صالح أمر يمكن التفاوض عليه. مضيفا أنه يأمل أن يحدث ذلك يوم السبت. لكن مصادر رسمية نقلت في وقت لاحق عن القربي نفيه لهذه التصريحات.
وأعلن تلفزيون العربية بأن الرئيس علي عبد الله صالح قال إنه "مستعد لترك السلطة بصورة مشرفة حتى خلال ساعات". لكنه نفى في مقابلة مع القناة أن اتفاقا على نقل السلطة متوقع يوم السبت الماضي. موضحا أن المعارضة رفعت مطالبها بعدما قدم مبادرة لنقل السلطة.
وكانت رويترز قد نقلت تصريحات حصرية للواء علي محسن الأحمر أكد فيها عدم رغبته في تولي السلطة أو أي مناصب سياسية. وقال "أنا واحد من أبناء هذا الشعب خدمته لمدة 55 عاما ولم يعد لدي رغبة في اي سلطة أو منصب".
مضيفا "أنا في السبعين من العمر ولم يبق لي من طموح سوى أن أقضي ما تبقى من عمري في سكينة واطمئنان وبعيدا عن مشاكل السياسة ومتطلبات الوظيفة".
وجدد تعهده بحماية المحتجين، مشيرا إلى أنه لو كان يريد السلطة لتولاها في ذلك العام الذي صعد فيه الرئيس إلى السلطة. وفيما أشار إلى التعنت الذي يبديه النظام أمام مطالب المتظاهرين وعدم مصداقيته في التعامل مع الأزمة.
أضاف القول أن "سيناريوهات استلام الجيش للسلطة في الوطن العربي عفا عليها الزمن ولم يعد هناك امكانية لان تسلب الجيوش ثورات الشعب". وقال "الشعوب اليوم هي التي تقرر من يحكمها في ظل دولة مدنية حديثة".