في قرية بيت الأحمر بمديرية سنحان، وعلى بُعد مرمى حجر من الهضبة (التبة) التي تتحصن فيها قصور الرئيس علي عبدالله صالح وبعض أشقائه، النائب محمد عبداللاه القاضي- أحد أقرباء الرئيس المنشقين عنه مؤخراً- تحدث لصحيفة الناس عن ما يجري في اليمن منذ الجمعة الدامية (18 مارس)
باعتبار أحداثها وتموجاتها المتصاعدة تحمل من الدلائل والمؤشرات ما يكفي للتأكيد على أن خروج صالح من السلطة أصبح مسألة وقت لا أكثر.. وأن سيناريو الرحيل الذي سيختاره صالح هو ما سيحدد مصيره، داخل اليمن أو خارجه، فيما بعد..
نشوان نيوز ينشر نص الحوار:
قال الرئيس في آخر حوار تلفزيوني أنه سيعود إلى مسقط رأسه -هنا في بيت الأحمر- بعد مغادرة السلطة.. فهل ترى في هذا مؤشراً على أن الرئيس يريد أن يكون خروجه من الحكم سلمياً ليستطيع البقاء باليمن بقية حياته؟
- طبعاً بكل تأكيد.. لأنه لن يستطيع أن يعيش في مسقط رأسه أي إنسان إلا إذا كان مسالماً.. أما إذا كان مجرماً وفي رقبته دماء أبرياء فسيكون منبوذاً حتى في مسقط رأسه، سواءً كان علي عبدالله صالح أو غيره.
فالمجتمع اليمني مجتمع واعي ومتمسك بمبادئ الشريعة الإسلامية والأخلاقيات الرفيعة.. والأعراف القبلية التي لا تقبل إنساناً يده ملطخة بالدماء..
* الواقع يشير إلى أن الرئيس يدفع الأمور باتجاه إثارة الفوضى وربما إشعال حرب أهلية؟
- هو الآن يحاول اللعب بورقة فرق تسد.. بزرع الخلافات بين القبائل أو بين المناطق أو بين الفئات المختلفة.. وفي الأخير لا مانع لديه أن يبقى مسيطراً على أمانة العاصمة فقط..
* سحب قوات الجيش والأمن التي ما زالت تحت يده من المحافظات إلى العاصمة في الأيام الأخيرة لهذا الغرض؟
- نعم سحبها لغرض حمايته فقط من أي زحف شعبي عليه..
* يقال بأن الغرض مهاجمة قوات الفرقة الأولى مدرع والقضاء على معارضة علي محسن له؟
- لا أعتقد ذلك بالنظر إلى خبرته الطويلة في القيادة والحكم ومعرفته بالتوازنات في المجتمع اليمني.. وأظن أنه لن يفكر بذلك.. ولكن هناك من يدير البلد الآن غيره.. وهم من يفكرون بذلك، واقصد الأولاد.. أبناؤه وأبناء إخوته.. الذين ورطوا السلطة في أزمات ومشاكل كثيرة.. وقد يورطون الرئيس والبلد فيما هو أكبر..
* اتفاق الرئيس واللواء علي محسن بمنزل نائب الرئيس.. هل كنت تتوقع انقلاب الرئيس على الاتفاق مثلما فعل.. أم العكس؟
- أنا كنت أعلم من أول لحظة أنه سينقلب على الاتفاق، لأن قرار الرئيس لم يعد بيده.. وأصبح مجرد أراجوز (أو كوز مركوز كما يقال في اليمن).. والأولاد يستخدمون رئاسته كيفما يريدون.. ويحكمون البلد كيفما شاءوا..
* بعد أن فشل الاتفاق .. ما هي البدائل المتوقعة له.. سواء لدى الرئيس وأسرته أو ما ستلجأ إليه الأطراف الأخرى؟
- البديل لدى الرئيس هو أن لا يسمح للأولاد بأن يهدّوا كل ما بناه وأن يجعلهم يعترفون بحقائق الواقع الراهن.. فالشعب لم يعد كما كان خاضعاً له ولنظامه..
* أنت تتحدث كناصح للرئيس.. وأنا أريد توقعاتك للبدائل التي سلتجأ إليها مختلف الأطراف بعد فشل الإتفاق؟
- سأصل إلى ما تريده.. وأقول أولاً أنه يجب على الرئيس التمسك بالخروج الآمن من السلطة والخروج المشرف بالبدء بتسليم السلطة بشكل تدريجي وسلمي.. وهذا هو المخرج الوحيد، أما محاولة الزج بالبلد إلى حروب أو فوضى فسوف يكون هو وأسرته الخاسر الأول بكل تأكيد..
* بعد تراجعه عن الإتفاق ومشاهدته الحشود التي جمعوها له في ما أسمي بجمعة التسامح.. عاد للتصعيد في خطابه ضد الثورة.. فهل يمكن القول أنه استطاع أن يستعيد بعض قوته وهو الآن يراهن على استعادة المزيد منها لتحديد صورة الرحيل التي يريدها هو؟
- لا ليس الأمر بهذه الصورة.. فهو يدرك تماماً أنه كان بمجرد أن يتخذ قراراً أو يدعو إلى مهرجان أو مسيرة يتجمع له من محافظة واحدة الملايين.. لكن الآن الذين يحضرون مهرجاناته لا يزيدون عن مائة وخمسين ألفاً من عدة محافظات.. ويتم تجميعهم بالفلوس وبإغراءات أخرى.. وهو يعلم هذا جيداً.. ولكن الذين يؤججون الوضع من حوله هم من يشعرونه أنه ما زال مسيطراً على الوضع من دار الرئاسة..
* أنت كثيراً ما تركز على من حول الرئيس وتحديداً الأولاد.. فهل أصبحت إرادة هؤلاء هي المسيطرة على كل شيء في قيادة البلد؟
- نعم، ولكن إرادة الشعب التي هي من إرادة الله، هي التي ستمضي في البلد وتحدد مستقبله مهما تعجرف الأولاد أو تشدقوا أو حاولوا استغلال سلطات الرئيس ففي الأخير ستكون سلطة الشعب هي الأقوى..
* في الأيام الأخيرة بدأ الرئيس أيضاً يعمل على استعادة توازن الحزب الحاكم بعد أن استقالت الكثير من قياداته وقواعده.. وبدأ حتى يهاجم المستقيلين بوصفهم الفاسدين الذين تطهر منهم المؤتمر.. فما تعليقك وأنت أحد أبرز المستقيلين؟
- هو مجرد كلام متخبط ودائماً ما نسمع مثل ذلك الكلام.. فأي إنسان يعارض الرئيس أو يعترض على بعض قراراته يقال عليه أو يتم لمزه بمثل هذا الكلام.. وفي اعتقادي أنه توجد حكمة الهية في هذا لكي يخسر الرئيس المزيد والمزيد من الذين كانوا موالين له..
ويزداد عدد المعارضين له بإستمرار..
* بالتزامن مع إطلاق الرئيس لتلك الإتهامات.. شنت بعض الصحف الصادرة من مطابخه الإعلامية حملات تشهير على المستقيلين- وأنت أحدهم- فكيف ترد عليها؟
- إنها صحف صفراء معروفة وما تنشره من أكاذيب وافتراءات مفضوحة لا تستحق الرد عليها..
- لماذا لا تقومون بفتح ملفات الرئيس ونظامه التي لم تفتح حتى الآن وتردون عليه؟
- ملفات الرئيس معروفة من أولها إلى آخرها.. وأوضاع البلاد في السنوات القليلة الماضية كشفتها للجميع ولم نعد بحاجة لفتح ملفات سرية للتأكيد عليها أو اثباتها..
* الرئيس أيضاً اتخذ قراراً بإسم قيادة المؤتمر بإلغاء الإمتيازات التي كان ينالها المستقيلون قبل استقالتهم.. فما هي هذه الإمتيازات؟
- لا أعتقد أنه توجد أي امتيازات، وحتى لو كانت موجودة فلم تعد لها قيمة مقارنة بشرف الوقوف مع الشعب ومناصرة الثورة وشبابها الطاهر النقي..
* بالنظر إلى فقدان معظم مؤسسات الدولة شرعيتها المستمدة من الشعب والدستور.. فقد اصبحنا نعيش في ظل اللا دولة تقريباً.. فكيف ترى خطورة وضع كهذا وما يمكن أن يؤول إليه على المدى القريب؟
- مؤكد، أننا اصبحنا في مرحلة اللا دولة ومن أول يوم خرج فيه الشعب إلى الشارع وهو صاحب السلطة الحقيقية.. فالشعب هو من يقر الدستور وهو من يعطي الشرعية لمن يحكمه.. فعندما يخرج للشارع ولو جزء من الشعب للمطالبة برحيل النظام الحاكم فإن الحاكم يفقد شرعيته.
* تقول أن الحاكم قد فقد شرعيته.. إذاً ماذا تبقى للرئيس من غطاء للاستمرار في السلطة؟
- لم يتبق له أي غطاء شرعي.. واستمراره بالحكم يعتمد على شراء الذمم والولاءات، وعلى التضليل الإعلامي، وعلى وجود الأولاد على رأس بعض المؤسسات العسكرية والمدنية..
* وهل تستطيع تلك الوسائل التي يعتمد عليها الرئيس أن تطيل فترة حكمه لعدة شهور قادمة؟
- لا أعتقد ذلك.. واتوقع أن يكون رحيله قريباً جداً..
* وماذا عن اللعب بالورقة الأمنية وخلط الأوراق كما حدث في أبين وصعدة والجوف ومأرب مؤخراً.. هل يستطيع الرئيس الإستفادة منها كما كان بالماضي؟
- لن يستفيد منها.. وأصبحت ورقة محروقة.. ومواصلة اللعب بهذه الورقة أو بأوراق الحوثيين في صعدة أو التهديد بانفصال الجنوب أو ورقة الإرهاب والقاعدة.. إلخ سوف يعجل بإسقاط النظام لأن الشعب صار لديه وعي وإدراك بألاعيب النظام بتلك الأوراق وغيرها.. وبعد نجاح الثورة سنرى كيف ستتلاشى مخاوف الداخل والخارج مما يحاول الرئيس التهديد به الآن.. فالقاعدة لن يقبل الشعب وجودها باليمن.. والحوثيون سيتركون السلاح ويندمجون بالمجتمع.. والحديث عن الإنفصال سينتهي بنشر العدالة الإجتماعية والمساواة في جميع أنحاء البلد..
* لكن اللعب بالورقة الأمنية ما زال يؤثر على الموقف الدولي؟
- لا.. الموقف الدولي دائماً يقف مع إرادة الشعوب حتى وإن تأخر قليلاً.. وما حدث في مصر أكبر دليل فقد حاولت بعض القوى الدولية مساندة حسني مبارك -بشكل أو بآخر- ولكن عندما كانت إرادة الشعب المصري قوية اضطروا في الأخير التخلي عن مبارك رغم قناعتهم أنه كان أفضل حليف لهم.. ولن يأتي أفضل منه بعده، بالنسبة لهم.. والغرب لا يستطيع أن يناقض نفسه بشكل فج في مسائل الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان..
* الثورة المصرية كان زخمها القوي يتصاعد بسرعة لا يبدو مكرراً في المشهد اليمني اليوم ونحن نقترب من نهاية الشهر الثاني للثورة اليمنية؟
- لكل بلد ظروفه.. والنتيجة في الأخير واحدة.. والثورة اليمنية ستنجح كالثورة المصرية مهما تأخرت في تحقيق هدفها الرئيسي برحيل نظام علي عبدالله صالح..
* كان الحديث عن وضع الإقتصاد اليمني قبل هذه الثورة بأنه خطير ويوشك على الإنهيار.. وفي مواجهة الثورة فتح الرئيس الخزينة العامة لمؤيديه بصورة لم تحدث من قبل.. فهل تتوقع كارثة إقتصادية في وقت قريب جداً؟
- أكيد.. وسيحدث انهيار كامل للدولة بعد أن تعجز عن صرف مرتبات الموظفين المدنيين والعسكريين، وعندما لا توجد أموال للميزانية العامة والإنفاق على تسيير شؤون الوزارات والمؤسسات الحكومية فسوف يحدث الإنهيار المتوقع بلا شك.. وسينعكس سلباً على الرئيس..
* ولكن الإنهيار المفاجئ للدولة قد يؤثر سلباً على الثورة.. ويؤدي لنشوب صراعات وحرب أهلية؟
- لا لن يؤثر سلباً على الثورة.. دائماً أي ثورة يسبقها انهيار في مختلف الجوانب السياسية والإجتماعية والإقتصادية.. ولكن عندما تنجح الثورة تستعيد الدولة كيانها وتستعيد الحياة الأفضل للشعب.. وتعيد بناء الدولة من جديد..
* وما هي قراءتك لانضمام اللواء علي محسن الأحمر ومعه عشرات قيادات الجيش والأمن إلى شباب الثورة؟
- أي إنسان وطني، ومهما تأخر في الانضمام للثورة، أو مهما جامل أو كانت له ميول شخصية في بعض المواقف وما زالت لديه بذور الخير والوطنية فسوف يتخذ نفس القرار.. لأنه قرار مصيري.. إما أن تكون مع الشعب أو ضده.. واعتقد أن أي إنسان لديه ضمير فلا يمكن أن يقف ضد الشعب.
* ولكن البعض بدأ يشعر بشيء من الخوف على الثورة بعد انضمام علي محسن بأن يكون بديلاً لعلي عبدالله صالح؟
- هي ثورة شباب ولا خوف عليها من أحد، واللواء علي محسن قد أكد مراراً وتكراراً بأنه لا يسعى إلى سلطة أو أن يكون بديلاً لعلي صالح.
* حديثنا عن اللواء علي محسن سيعيدنا إلى السؤال الأول عن انقضاض أقرب الأقربين للرئيس من حوله وأعني أبناء مسقط رأسه؟
- (مقاطعاً) كل القيادات العسكرية المنضمة للثورة هم من قرية الرئيس، وهذا ما يؤكد أن الشعب اليمني كله شعب واحد، ولا فرق بين مواطن من قرية الرئيس أو من قبيلته وبين مواطن من منطقة أخرى..
* أقصد أن الإنشقاقات عنه وصلت إلى أسرته وأقرب الناس إليه وكان آخر المنشقين زوج ابنته.. أليس في هذا ما يكفي ليقتنع الرئيس بالرحيل العاجل؟
- يفترض ذلك.. ولكن يبدو أن التخلي عن الكرسي صعب وليس بالسهولة التي نتوقعها..
* وهل يعني هذا أنه يمكن أن يضحي بأقرب المقربين له في سبيل البقاء على الكرسي؟
- ممكن.. وممكن جداً..
* كلمتك الأخيرة في هذا الحوار؟
- أقولها للذين ما زالوا متمسكين بالسلطة بأن عليهم سرعة المبادرة لتلبية مطالب أبناء الشعب التي ستصبح حقيقة في الأخير ولا يمكن الهروب منها مهما حاولوا ومهما فعلوا ومهما ناوروا فلن يصح إلاّ الصحيح مهما طال الزمن أو قصر.. إرادة الشعوب لن تقهر وإرادة الشعب اليمني ستكون هي الحاسمة عما قريب بإذن الله.. وأطلب منهم أن يتقوا الله في هذا الشعب ويكفي ما قد حصل وما قد فعلوا بأبناء اليمن طوال 33 سنة.. وعليهم أن يخرجوا بكرامة قبل أن تزداد الجرائم وتزداد الأخطاء وبالتالي يصبح الخروج سيئاً أو مؤلماً.