قالت صحيفة "الجارديان" البريطانية: إن الثورة السلمية الشعبية التي اندلعت في اليمن ستهزم نظام علي عبدالله صالح، رغم العنف الذي يمارسه لجر الثورة بعيدا عن سلميتها، وانزلاق البلاد في حرب أهلية طاحنة يكون هو فقط الفائز فيها.
وأضافت الصحيفة اليوم الجمعة:" قبل أكثر من أربعين عاماً وصل أول إنسان إلى سطح القمر لكننا في اليمن مازال البعض يحلم في الوصول إلى بيته بسيارة بدلاً من الحمار، وفي عصر تكنولوجيا الاتصال لا يزال يمنيون كثر يحلمون بأن يقرأوا رسالة ورقية أرسلها لهم عزيز ما".
وتابعت "تكونت الثورة اليمنية في أذهان الشباب قبل أن تندلع على الأرض، مؤشرات اقتصادية سيئة للغاية ومعدات نمو متناقصة وحالة أمنية متدهورة كانت تحكي واقع الفقر الشديد والجهل والمرض الذي يعيشه معظم اليمنيون والذي حاربته ثورات اليمن السابقة، وبفساد لا يصدق كان صالح يبيع ثروات اليمن بثمن زهيد ليثري نفسه وأسرته ونخبة من مقربيه.
وبرغم مساوئ الديمقراطية الديكتاتورية التي كان يمارسها صالح مكرها كإحدى التزامات الوحدة اليمنية وسببا لطلب الدعم الدولي ورغم أنه كان يعيد فيها إنتاج فساده إلا أن اليمنيين والمعارضة قرروا الاستفادة منها، فمع مال وإعلام مكرس لخدمة النظام كانت الانتخابات سبيلا لإقناع اليمنيين بإمكانية تغيير النظام، وفعلا تكونت هذه القناعة لدى اليمنيين وصار طموحا.
تحول هذا الطموح إلى أزمة قابلة للانفجار حين بدا صالح ديكتاتوريا ملكيا يسعى للوصول بحكمه إلى أكثر من أربعين سنة عبر تمديد فترات حكمه بالتزوير، ثم توريث اليمن كجزء من مقتنياته لابنه، ولم يستطع الشباب اليمني بحسب الصحيفة أن يكبت رغبته في أن يكون جزءا حقيقيا غير مغيب بفعل نظام صالح من العالم، ولم يعد يتقبل أن يكون مجرد مساحة مفروضة على جغرافيا العالم ، ولهذا قرر الخروج، خرج شباب اليمن يحملون أحلامهم إلى ساحات الحرية والتغيير في مختلف محافظات اليمن قائلين لصالح: كفى لن تسلبنا مستقبلنا.
وأوضحت الصحيفة أنه حين خرج الشباب اليمني إلى الشارع كانوا عزلا لا يحملون سلاحا في بلد يملك شعبه أكثر من ستين مليون قطعة سلاح، لقد كان ذلك إيذانا بعصر جديد لدولة مدنية حديثة في اليمن، واشتعلت الثورة التونسية واشتعلت معها حماستنا لإسقاط النظام في اليمن فقد كانت تونس أفضل اقتصاديا من اليمن ونزل طلاب جامعة صنعاء في 15 يناير يرفعون شعار إسقاط النظام لأول مرة، ومع خروج الشباب المصري لإسقاط نظام مبارك أدركنا أن فرصتنا ستكون أكبر إذا سقط مبارك.
وبعد سقوط مبارك بساعة مساء 11فبراير2011م خرج آلاف الشباب اليمنيين في تعز للاحتفال ليس بسقوط مبارك فقط بل بإعلان بدء الثورة اليمنية فقد تحول شعار حيوا الثورة المصرية فجأة إلى الشعب يريد إسقاط النظام، ومن ليلتها بدأت اعتصامات تعز وتأخر اعتصام صنعاء بسبب قمع النظام للشباب فيها وبعد جمعة البداية في تعز بدا الشعب اليمني فيها ملتئما متحدا لإسقاط النظام استطاع الشباب في صنعاء تثبيت اعتصاماتهم أمام جامعة صنعاء في 18 فبراير.
وأشارت الصحيفة إلى أنه بدأ باستخدام المهارات التي يجيدها وهي الكذب والخداع والمراوغة فوافق على التنحي، وفي نفس هذا الأسبوع أنفق أموالا ليجمع من استطاع في ساحة السبعين في صنعاء 25 مارس ويعلن أنه لن يترك الحكم مهما كلف ذلك من دماء.
وبدا صالح سيئا ومتشبثا بالسلطة بما يكفي لإدخال بلده في حرب وهو لايزال يسيطر على الحرس الجمهوري الذي يقوده ابنه والأمن المركزي الذي يقوده ابن أخيه والقوات الجوية التي يقودها أخوه، لكن المعروف عنه أنه جبان لايستطيع أن يخوض حربا اذا لم تكن محسومة لصالحه ولهذا ظل الوضع يراوح مكانه.
وقرر شباب الثورة أن يصعدوا عبر تعطيل الدوائر الحكومية الهامة لإسقاطه وبدأنا بمسيرات كنا نود من خلالها توجيه رسائل تفيد بقدرتنا على الوصول إلى دار الرئاسة لكننا نريد حقن دماء اليمنيين والحفاظ على سلمية الثورة، لم يفهم صالح الرسالة وفي كل مسيرة سلمية كان يقتل المزيد، وإذا كان قدرنا أن نفقد شهداء كل يوم فلماذا لا يكون فعلا على أبواب دار الرئاسة.
شعر صالح بقرب سقوطه فأخذ يرسل إشارات إلى الخارج أنه سيفجر حربا سيكون لها أثرها الكارثي ليس فقط على اليمن بل المنطقة والعالم وهنا جاءت المبادرة الخليجية وبدعم أمريكي وطبعا هذه هي آخر أوراق صالح .. المجتمع الدولي.
رغم احتواء المبادرة على بند التنحي الا أنه لم يكن فوريا وهنا كانت أول أسباب رفض شباب الثورة لها فصالح مخادع نكث اتفاقا سابقا بعد يومين فكيف بشهر، انه وقت كاف له لاستعادة أنفاسه وضرب الشباب والمعارضة ومن ثم التنصل.
أما السبب الثاني فقد أعطت المبادرة لصالح وأركان حكمه ضمانات لعدم المحاكمة وهذه خيانة لدماء الشهداء وللشعب اليمني الذي يحلم باسترداد ثرواته المنهوبة لدعم متطلبات مرحلة مابعد إسقاط النظام.
ثالثا، اقتضت المبادرة بنقل السلطة إلى النائب حتى قيام انتخابات رئاسية وهنا تخوفنا من تكوين نظام آخر فاسد بأوجه مختلفة وتكون التضحيات التي قدمها الشباب ذهبت سدى، فمطالبنا كانت ولاتزال نظاما قائما على التوازن بين القوى الوطنية يستلم فيه السلطة يضمن الحريات السياسية وحرية الإعلام واحترام حقوق الإنسان والاعتماد على قضاء عادل مستقل ونزيه.
رابعا اشترطت المبادرة رفع الاحتجاجات وهو أمر يعارض خططنا ببقاء الاعتصامات حتى تحقق أهداف الثورة فضلا على أن هذا الشرط يشعر بسوء نية صالح، فإذا كان قرر التنحي فلماذا يهمه رفع الاعتصامات؟، هكذا شعر الشباب أن المبادرة مثلت مخرجا للنظام وإطالة في عمره وكانت ستؤدي إلى خلاف بين الشباب والمعارضة التي وافقت على المبادرة بضغط من المجتمع الدولي وحقنا لدماء اليمنيين بحسب وجهة نظرهم.
واختتمت الصحيفة تقرر رأيها بالقول: إن شباب الثورة اليوم يدركون جيدا أن دولتهم المدنية القادمة ستكون جزءا من المجتمع الدولي وسيكون بلا شك لموقف المجتمع الدولي الداعم لثورتهم اليوم أثر دافع لهم لتقديم شريك دولي مرضي للعالم، كما أن تخاذل المجتمع الدولي اليوم تجاه قضيتهم العادلة سيؤثر سلبا على قناعاتهم المستقبلية تجاه هذا المجتمع الدولي.