اليمن بمدنه وقراه بلد يغرق في الظلام ويعيش سكانه عزلة شبه كاملة عن العالم الخارجي على الرغم من تصريحات الرئيس بالإنابة اللواء عبد ربه منصور هادي أن مهامه الأساسية خلال هذه الفترة هي توفير الخدمات الأساسية كإعادة الكهرباء وتوزيع المشتقات النفطية.
لكن شيء من هذا لم يتم، فانقطاع الكهرباء، كما يقول سام أبو إصبع في حديث مع دويتشه فيله، "يصل إلى 21 ساعة في اليوم والليلة". ويجزم أن الانطفاءات المتكررة، التي تلحق عودة التيار كل خمس أو عشر دقائق، إنما القصد منها هو "استفزاز مشاعر الناس".
أما الكاتب والصحفي جمال جبران فله رأي أخر، وهو "أن الكهرباء قد تحولت إلى وسيلة للعقاب الجماعي للناس". محمد عثمان، وهو أستاذ جامعي، يعلق بالقول إن الفترة التي يعود فيها التيار "لا تكفي حتى لقراءة صفحتين من كتاب"، ويرى في ذلك انتقاماً موجه ضد الناس بسبب مواقفهم المنحازة لمطالب التغيير السياسي. ويتهكم علوي السقاف ساخراً بالقول " منذ بدأ مسلسل الإطفاء للكهرباء أقرأ كل ليلة كتاب أو كتابين على ضوء الشموع"، التي اختفت من الأسواق وارتفع سعرها بشكل غير متوقع.
مرضى يموتون يسبب انقطاع الكهرباء
ولا تتوقف أضرار انقطاع التيار الكهربائي عند هذا الحد، وإنما تجاوزنه إلى الفتك بأرواح المرضى، فقد أعلنت المصادر الطبية في مستشفى العلفي بالحديدة غرب اليمن عن وفاة 15 مريضاً من مرضى الفشل الكلوي لعدم التمكن من الغسيل الدوري لهم بسبب انقطاع الكهرباء وتوقف أجهزة غسيل الكلى. كما أعلنت المصادر الطبية في مستشفى معبر بمحافظة ذمار وسط اليمن عن وفاة 6 آخرين لتوقف أجهزة التنفس الصناعي عن العمل بسبب انقطاع الكهرباء أيضاً.
ويؤكد محمد خالد، أحد العاملين في المستشفى الجمهوري بصنعاء، أن الكهرباء تنقطع عن المستشفى عدة ساعات في اليوم رغم أن المستشفى يملك مولداً كهربائياً يعمل بصورة تلقائية بمجرد انقطاع التيار العمومي، وذلك منذ نفاذ كميات الوقود التي كان يحتفظ بها المستشفى لحالات الانقطاع الطارئ للكهرباء.
صحف توقفت عن الصدور
من جانب آخر توقفت الكثير من الصحف عن الصدور أيضاً بسبب انقطاع الكهرباء واختفاء المشتقات النفطية من الأسواق، والقليل منها فقط عاود الصدور بعد أربعة أو خمسة أعداد من التوقف لتوفر مصدر مستقل للطاقة، فيما لا تزال معظم الصحف متوقفة. وفي حديث لدويتشه فيله قال أمين شرف، سكرتير تحرير صحيفة صوت الشورى الحزبية: "إن توقف الصحيفة عن الصدور منذ شهر من الآن كان بسبب الانقطاع المتواصل للتيار الكهربائي، الأمر الذي نجم عنه تعذر إخراج وطباعة الصحيفة".
ويشكو الكثير من اليمنيين من عدم قدرتهم على التواصل مع العالم الخارجي سواء لمتابعة الأحداث والأخبار عبر شاشات التلفزيون أو عن طريق التلفون والإنترنت. وفي هذا الإطار يقول مختار محمد أحمد: "منذ أسبوعين لم أتمكن من فتح بريدي الالكتروني للتواصل مع أصدقائي ومعارفي". أما سمير عبد الحميد فيعبر عن ندمه لأنه سدد فاتورة الإنترنت ظناً منه أن مشكلة الكهرباء قد تم حلها. "لم أدرك أن عودة التيار لمدة 24 ساعة الأسبوع الماضي كان سببه وجود السيد فيلثمان مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية يومها في صنعاء نظراً للفترة القصيرة التي يعود فيها التيار".
محطات الوقود – مسرح للزحام والعراك
وهناك حالات من زحام ومشاهد عراك ونزاع عادة ما نشهدها عند محطات بيع الوقود في العاصمة اليمنية صنعاء، حيث الآلاف من الناس والسيارات يقفون في طوابير طويلة للحصول على لترات قليلة من البنزين أو الديزل لتحريك سيارة متوقفة أو تشغيل مولد كهربائي لتوفير الإضاءة لمنزل أو متجر أو تشغيل محل اتصالات أو مقهى إنترنت.
وخلال هذا الأسبوع تراجعت مظاهر الزحام عند بعض محطات بيع الوقود في العاصمة وبالمقابل حل الغاز المنزلي بديلاً عن الديزل كوقود لتشغيل المولدات الكهربائية التي تنتشر بصورة كبيرة أمام المحلات التجارية وداخل أسوار المنازل، فيما انتعشت السوق السوداء. إذ بلغ سعر اللتر الواحد من البنزين حوالي 400 ريال يمني، في مقابل 70- 75 ريالاً للتر الواحد وهي أسعاره الرسمية قبل وأثناء الأزمة الحالية.
اتهامات متبادلة وخدمات غائبة
عن الأسباب التي تقف وراء هذه المعاناة التي طال أمدها دأبت وسائل الإعلام الرسمية على توجيه الاتهام إلى القطاعات القبلية تارة وإلى أحزاب اللقاء المشترك تارة أخرى، ما دفع بأحزاب اللقاء المشترك مؤخراً إلى تحذير ما أسمته "بقايا النظام الأسري من الاستمرار في المعاقبة الجماعية للشعب اليمني عبر اصطناع الأزمات الاقتصادية وقطع الطرقات وحصار المدن وإخفاء المشتقات النفطية ومضاعفة فترات انقطاع التيار الكهربائي والتسبب بالحرمان حتى من مياه الشرب ووفاة المرضى بالعديد من مستشفيات الحديدة ومعبر وتهديد حياة عشرات آخرين"، كما جاء في بيان صحفي.
وزارة الداخلية ردت من جانبها بنشر قائمة بأسماء 43 شخصية قالت أنها مسؤولة عن قطع الطرقات العامة وخاصة طريق مأرب وحجز القاطرات المحملة بالمشتقات النفطية، والاعتداء على أبراج الكهرباء، غير أن فرع أحزاب اللقاء المشترك في محافظة مأرب نفى أن يكون لأي شخص من المشمولين بقائمة وزارة الداخلية أي علاقة بأحزاب اللقاء المشترك المعارض.
وبات اليمنيون ينظرون إلى الأمر بشكل لا يخلو من نظرية المؤامرة وأنهم على قناعة تامة بأن الحكومة هي المسؤولة عن معاناته جراء انقطاع الكهرباء واختفاء المشتقات النفطية من السوق. المواطن سام أبو إصبع يقول حول انقطاع الكهرباء "إن ذلك يأتي في إطار سياسة ممنهجة وبتوجيهات عليا". هذا الاعتقاد يؤكده مصدر مطلع في شركة النفط اليمنية، قال لدويتشه فيله شريطة عدم الكشف عن هويته: "إن عدة قاطرات محملة بالمشتقات النفطية يحتجزها الحرس الجمهوري الذي يقوده نجل الرئيس صالح العميد أحمد علي، في نقطة الصباحة" على المدخل الغربي لمدينة صنعاء، التي تعاني أزمة خانقة وتغرق في ظلام دامس منذ شهرين تقريباً.
مراجعة: عماد غانم