قال إن تفويض الرئيس نائبه للتعاطي مع المبادرة الخليجية شأن يخص الرئيس وحده، لا علاقة للمعارضة به، وأنه بهذه الخطوة قد أصبح أشبه ما يكون بإمبراطورية متعاظمة في المنطقة متمردا على كل التوصيات والمقترحات الإقليمية والدولية، وعلى الأشقاء الالتحاق بساحة التغيير بصنعاء احتجاجا على ذلك، مشيرا إلى أن معالم النظام البديل لما تكتمل بعد لإسقاط بقايا النظام. المحلل السياسي الأستاذ عبده سالم في حوار خاص للشموع.
إلى النص:
لنبدأ من جديد الأحداث، أعلن علي عبد الله صالح تفويضه لنائبه في الحوار مع المعارضة والترتيب لانتخابات رئاسية جديدة.. ما دلالة هذه العملية وخاصة فيما يتعلق بالاتفاق على الآليات التنفيذية للمبادرة والفترة المزمنة لها؟ وما موقف المعارضة من ذلك؟
ما حصل هو صدور قرار رئاسي من الرئيس صالح قضى بتفويض عبدربه هادي بالتحاور مع الأطراف الموقعة على المبادرة الخليجية وليس مع المعارضة كما ذهبت في سؤالك لأن الأطراف الموقعة على المبادرة هي المؤتمر وحلفاؤه والمشترك وشركاؤه والممثلون بالأشخاص العشرة الذين وقعوا المبادرة بأسمائهم وأوصافهم بواقع خمسة أشخاص لكل طرف محددة أسماؤهم وتوقيعاتهم في محاضر المبادرة. الأمر الثاني الذي نص عليه القرار هو الاتفاق على الآليات التنفيذية للمبادرة وفق برنامج زمني محدد ومتابعة تنفيذ ذلك بإشراف إقليمي ودولي، وهذه الأمور قد حددتها المبادرة التي تم التوقيع عليها من قبل هذه الأطراف بوضوح ولا يحتاج الأمر سوى الاتفاق على هذه الآليات وتسميتها... وأخيراً قضى القرار بتفويض النائب بالتوقيع على المبادرة الخليجية نيابة عن الرئيس.
ما المقصود بالاتفاق على الآليات التنفيذية؟
المقصود هو الاتفاق على تشكيل حكومة وطنية بقوامها المحدد في المبادرة باعتبار هذه الحكومة هي آلية تنفيذ المبادرة.
والفترة المزمنة؟
هي فترة الثلاثين اليوم للتنفيذ كما هو محدد في المبادرة، وهي الفترة التي تظل فيها شرعية الرئيس قائمة ولذلك استند القرار على المادة رقم (124) من الدستور التي بموجبها تصبح أفعال النائب باسم الرئيس، وخاصة في موضوع تشكيل الحكومة التي هي من الاختصاص السيادي للرئيس، وبالتالي تظل صلاحيات النائب جزءاً من صلاحيات الرئيس لفترة الثلاثين يوماً حتى يتم نقل السلطة رسمياً إلى النائب، ويبدو أن القرار قد هدف إلى تأخير التوقيع على المبادرة حتى نهاية فترة الثلاثين اليوم ليحل توقيع النائب على المبادرة محل الاستقالة التي كان يفترض أن يقدمها الرئيس إلى مجلس النواب عقب الثلاثين اليوم.
وماهو موقف المعارضة؟
هذا قرار رئاسي يقضي بتفويض الرئيس صلاحياته لنائبه، ما دخل المعارضة بهذا الأمر؟... وهذا أمر يخص النائب والرئيس، وكل ما هو مطلوب من النائب هو تنفيذ قرار التفويض بحسب الاختصاص.
بما في ذلك الحوار مع المعارضة؟
لم ينص القرار على الحوار مع المعارضة، وإنما مع الأطراف الموقعة على المبادرة باعتبارهم المعنيين بتنفيذ المبادرة عبر آلية حكومة الوحدة الوطنية التي نصت عليها المبادرة، ووفق البرنامج الزمني المحدد في هذه المبادرة... وكل ماهو مطلوب من النائب هو فقط الانضمام إلى هذه الأطراف الموقعة تحت إشراف الأطراف الإقليمية والدولية الراعية لهذه المبادرة وذلك بهدف الاتفاق على تسمية الحكومة الوطنية كآلية تنفيذية للمبادرة والتوقيع على المبادرة في مدة لاتتجاوز الثلاثين يوماً المحددة في المبادرة بشكل واضح باعتبار هذا الأمر قد حسمته المبادرة أصلاً كونه من اختصاص القائمين على هذه المبادرة والأطراف الراعية لها وليس من اختصاص الرئيس.
يعني بحسب قولك أن المعارضة ستوافق على إجراء الحوار مع النائب؟
المعارضة يهمهم بدرجة أساسية التوقيع على المبادرة سواء من قبل الرئيس أو من قبل النائب باسم الرئيس، ولا توجد قضايا تحتاج إلى حوار لأن الأطراف المعنية بالحوار قد وقعت على المبادرة بمجمل قضاياها ولم يبق سوى توقيع الرئيس والاتفاق على آلية التنفيذ والبدء بالتنفيذ عملياً.
لكن المعارضة تشترط تقديم التوقيع على المبادرة وتأخير الحوار إلى ما بعد التوقيع في حين أن القرار ينص على تأخير التوقيع على المبادرة إلى ما بعد الحوار؟
ليس من حق المعارضة اشتراط التقديم، ولا من حق الرئيس اشتراط التأخير، لأن موعد التوقيع على المبادرة محدد في المبادرة، وآلية التنفيذ هي الأخرى محددة بتشكيل حكومة وطنية وموعد تشكيلها محدد، كما أن موعد نقل السلطة محدد بالزمن واليوم، باعتبار هذه الأمور كلها من صلب المبادرة، وبالتالي فهي من اختصاص القائمين على المبادرة والراعين لها من الأشقاء والأصدقاء، وليس هي من اختصاص لا الرئيس ولا النائب ولا المعارضة.
لكن الرئيس حدد في قراره تأخير التوقيع على المبادرة إلى حين إجراء الحوار وكأن هناك تعديلاً لهذه المواعيد في المبادرة؟
أمين عام مجلس التعاون الخليجي أكد بأنه لا تعديل على المبادرة وأنها لازالت قائمة كما هي وحاضرة بنصها وروحها، فإذا كان الرئيس معه حق النقض (الفيتو) لنقض المبادرة فهذا أمر يخصه ويخص القائمين على المبادرة والراعين لها ولا يخص المعارضة في شيء، وإذا كان الرئيس بهذا القدر والوزن الذي يعلو وزن وقدر القائمين على المبادرة والراعين لها على النحو الذي يمكنه من نقض المبادرة فلا داعي أصلاً للمبادرة التي تهدف إلى نقل سلطته طالما ونحن أمام إمبراطور يهيمن على المنطقة الإقليمية برمتها وزناً وقدراً، وما على الأشقاء الإقليميين سوى الانضمام إلى ساحات التغيير في صنعاء ومحافظات اليمن للثورة على هذه الإمبراطورية الجاثمة على هذه المنطقة الإقليمية، أما إذا كانت حالة الرئيس النفسية ووهم العظمة لديه وراء صوغ هذا القرار على هذا النحو المتناقض مع المبادرة فحينها سنكون أمام حالة نفسية هستيرية مدمرة ربما تتجاوزنا جميعاً بخطرها إلى المستوى الإقليمي والدولي ونسأل الله السلامة... وما يجعلني أقول مثل هذا الكلام هو أنني ألحظ بأن حالة الرئيس النفسية ووهم العظمة لديه باتت واضحة في ثنايا هذا القرار حيث بدا وكأنه يريد أن يطبق المبادرة بنفسه على الآخرين وكأنه ليس هو المستهدف بها بل أنه يريد أن يتقمص دور الحكم في هذه القضية وأن يحل نفسه محل أصحاب المبادرة من الدول الست بمجلس التعاون بل هو أكبر من ذلك بكثير، وحتى يشبع غروره وكوامنه النفسية ليس له من حيلة سوى السطو على مبادرة الأشقاء وتحويلها إلى قرار جمهوري يطالب الآخرين بتنفيذه وكأنه ليس المستهدف بهذه المبادرة، وهذه هي مشكلتنا الحقيقية في هذا البلد ومشكلة ثورتنا فالناس في العالم يثورون ويواجهون أنظمة حكم ونحن نواجه حالة من الهستيريا والأزمات النفسية وهذه مصيبتنا.
قرر المجس الوطني آخر العمليات الثورية داعيا إلى التصعيد.. ما قراءتك للعملية من أساسها؟
المعلوم أن الثورة ارتكزت على شعار إسقاط النظام، أي أنها ثورة لإسقاط النظام ولم ترفع بعد شعار إحلال النظام البديل، وأعتقد أن النظام المطلوب إسقاطه قد سقط وغابت كل معالمه وانتهت كل مؤسساته ولم يبقَ منه سوى موروثه العائلي والأذرع الحامية لهذا الموروث، وبالتالي فإن هذه البقايا تستمد مشروعية بقائها ليس من النظام القديم ولكن من غياب النظام البديل، ولو وجدت معالم النظام الجديد لكان النظام السابق قد تهاوى وانهار وغابت كل أشكاله، واندحرت كل بقاياه العائلية.. خطأ ثورة الشباب أنها ركزت على قضية الإسقاط، وغاب عنها مفهوم الإحلال، وعلى هذا الأساس فإن الغالبية الصامتة التي يطالبها المجلس الوطني بالخروج لن تخرج إلا بعد أن ترى معالم النظام الجديد واضحة ومشهوده كما أن الأشقاء الإقليميين والأصدقاء الدوليين لا يمكن أن يمنحوا هذه الثورة الاعتراف المطلوب مالم يروا اتجاهات وملامح النظام الجديد حقيقة مشهودة، وهم يحرصون كل الحرص أن يروا هذه الملامح من خلال المبادرة الخليجية..وعلى هذا الأساس أستطيع القول أن تشكيل المجلس الوطني هو أول ملمح من ملامح اتجاهات العمل الثوري نحو مفهوم إحلال النظام البديل للنظام السابق، ورائع جدا أن يرتبط تشكل هذا المجلس بخطة جديدة من أجل إنجاح عملية الحسم الثوري كمقدمة لتأسيس معالم النظام الجديد الذي يتطلع إليه أبناء الشعب اليمني.
قلت إن النظام الجديد لم تتشكل معالمه حتى الآن.. برأيك ما سبب هذا الغياب؟
كما قلت لك سابقاً، أن الثورة رفعت شعار إسقاط النظام ولم ترفع شعار إحلال النظام البديل، وهذا هو خطأها، وعندما يكون بعض أفق الثورات مخفياً في بعض جوانبها فمن البديهي أن يحدث بعض الانحسار للمد الثوري بسبب هذه الضبابية... ولهذا أقول بأن الثورة فعلاً استكملت إلى حد بعيد مهمة إسقاط النظام القديم الذي استهدفته الثورة بشعار الإسقاط، لكن ملامح النظام البديل لازالت غائبة حتى الآن، ولو تشكلت حتى بعض ملامح النظام الجديد لكانت الثورة قد أنجزت الشيء الكثير؛ بل وأنهت مهمتها بامتياز على اعتبار أن بقايا النظام القديم لن تزول نهائياً وتغيب من المسرح إلا بحضور ملامح النظام البديل وانبلاج فجر النظام الجديد.
لو سألتك عن مبرر هذا الغياب على هذا النحو..؟
الحقيقة أن الثورة اختلطت فيها التوصيفات.. هل هي حالة ثورية شعبية خالصة بمعزل عن الفعل السياسي؟ أم هي ثورة نخبة سياسية واجتماعية نهضت بها الأحزاب؟ والأصل في هذا المقام أن الأحزاب لا تثور وإنما تناضل من أجل التغيير من خلال الحوار السياسي وعبر صندوق الانتخابات.. والذي يبدو أن هذه الثورة في حقيقتها هي ثورة شعبية استلهمت في بعض جوانبها البعد السياسي الحزبي بحكم فاعلية المعادلة السياسية الحزبية في بلد يرتكز في حكمه نظرياً على النظام السياسي التعددي... وعلى هذا الأساس يبدو أنه لم يحدث نوع من التناغم بين الخط السياسي والخط الثوري الشعبي، وهذا ما أبطأ من عملية إنجاز الثورة لمهامها.
يتخوف البعض ويتشاءم من وجود بعض الشخصيات التي يصفونها بالتقليدية أو القبلية ضمن قيادة الثورة ولها حضورها المباشر في الفعل السياسي والشعبي على حد سواء.. ماذا ترى؟
بصرف النظر عن توصيفك لهذه الشخصيات، لكن المؤكد بأن مرحلة إسقاط النظام لا تتطلب أي مواصفات معينة للأشخاص القائمين بعملية الإسقاط، وبالتالي فإن أي حركة ثورية تريد أن تسقط نظاماً سياسياً يفترض عليها أن تقوم من حيث المبدأ بحشد كل القوى الشعبية والمجتمعية بمختلف شرائحها وأنماطها وذلك بهدف إسقاط النظام، على العكس من مرحلة البناء التي تحتاج إلى شخصيات نوعية مختلفة عن شخصيات مرحلة الإسقاط لأن مرحلة إسقاط النظام تتطلب أن يشترك فيها الشعب كله صالحهم وطالحهم حتى تأخذ هذه الثورة مواصفات ومشروعية الثورة الشعبية وإلا كانت ثورة نخبة، وحتى تأخذ الثورة مشروعيتها الشعبية الكاملة ينبغي على القائمين عليها أن يحشدوا كل الشعب لإسقاط النظام بما في ذلك أشخاص النظام القديم نفسه ومجمل أدواته ومراكز اسناده سواء كانت من القوى التقليدية أو من قوى الحداثة.
لكن المنطق السياسي يقتضي إشراك من حضر اليوم لإسقاط الثورة في التشارك السياسي لاحقا لاسيما وقد أعلن المشترك: شركاء اليوم شركاء المستقبل..؟
شيء طبيعي أن يحضر الجميع بما في ذلك أشخاص وأدوات النظام القديم ولكن بشروط الثورة وفلسفتها ومنهجيتها الثورية وليس بشروط ومنهجية العهد المنحل سواء ببعده السياسي أو الاجتماعي، وأعتقد أن الجهة المخولة بتحديد الضار والنافع من الأشخاص المحسوبين على هذين البعدين هي حكومة الثورة المؤيدة شعبياً وانتخابياً باعتبارها الحكومة المسئولة عن محاسبة كل الناس سواء ممن ينتمون إلى مرحلة العهد القديم أو العهد الجديد بما في ذلك الثوار أنفسهم ممن احتسبتهم الثورة على مرحلة التطهير الثوري أو ممن يظنهم الآخرون من الطاهرين... الكل وبدون استثناء مستهدفون من قبل حكومة الثورة في حالة عدم التزامهم بخط الثورة ومنهجيتها التغييرية لأن الثورة قامت على أساس العدالة وبناء الدولة المدنية، دولة النظام والقانون، وعموما اعتقد أن الانشغال حاليا بمثل هذه التوصيفات لهذا الشخص أوذاك هو نوع من الجدل غير المحمود ومثل هذا التوصيف لا يقال إلا في مرحلة البناء الثوري لا مرحلة الإسقاط وعلى ضوء منهجية ثورية تقييمية واضحة.
الأمر الآخر الذي ينبغي الإشارة إليه هو أن الثورة بطبيعتها لا تقتصر على فعل ثوري واحد أو على حالة ثورية واحدة، لأن تجارب التاريخ تؤكد لنا بأن الثورة عادة ما يعقبها عدة ثورات سواء كانت ثورات تصحيحية أو ثورات لإصلاح المسار، أو ثورات إحيائية، وخاصة إذا تعرضت الثورة في بداياتها لأي شكل من أشكال الوأد الحقيقي، أو إضعاف لمنسوبها الاجتماعي أو انتهاك لمشروعيتها الشعبية من قبل النخبة.
إشارة خطيرة هنا.. هل ترى شيئا ما يلوح في الأفق من ذلك؟
أقول أولا إنه كلما غاصت كل مكونات الشعب في العمل الثوري ذاته وبشكل موحد تصبح الثورة في هذا الحال موجا شعبياً جارفاً يجرف كل شيء أمامه، ولهذا لا يمكن لأحد أو شخص سواء كان ينتمي إلى الطبقة التقليدية أو النخبة الحداثية أن يمتطي صهوة جواد الثورة ناهيك عن أن يعيقها، أما إذا تحولت الثورة إلى عمل سياسي مصغر وتكون إيقاعاتها الثورية موجهة بتوجيهات النخبة السياسية والحزبية فإن الثورة تصبح في هذا الحال مستوعبة وموجهة، وبالتالي سيكثر الموجهون، وسيتزاحمون على التحكم بمسارات هذه الثورة وإضعاف عمقها الشعبي الذي يمنحها المشروعية الشعبية الكاملة، وهذه أولى معالم هذا الوأد.
ألا ترى أن رؤوس إسقاط النظام في ثورتنا متعددة على غير انسجام فيما بينها وهذه مقدمة لنتيجة حتمية تفضي إلى حضورهم التقليدي بعد الثورة وكل على طريقته لتسلم الحق مقابل أداء الواجب..؟
أي ثورة شعبية هي في الأصل ليست ثورة رؤوس، وإنما ثورة جذور، وإذا اقتصرت الثورة على الرؤوس فإنها تكون ثورة نخبة وليست ثورة شعب، وبالتالي لا شك أنها ستتعرض إلى وأد، وعلى هذا الأساس فإن أي ثورة لا يمكنها أن تمتلك صفة الثورة الشعبية إلا إذا تحركت جذورها، أما الرؤوس فهي قائمة من زمان ضمن المعادلة السياسية ولم تعمل شيئاً، وظلت على حالتها حتى أتت الجذور المحركة لهذه الرؤوس، ولهذا علينا أن نتيح الفرصة لحركة الجذر لتأخذ مداها الشعبي المستحق، وحينها تتأسس العملية الصحيحة للمرحلة القادمة بالمعيار الثوري..
على ذكر الرؤوس والقبيلة.. ألا تخاف من أن يتكرر الآن مشهد ما بعد ثورة 62م حين سطا المشايخ والرموز التقليدية على الثورة وخطفوها لصالحهم حتى أفرغوها من مضمونها؟
الواقع يختلف. ثورة سبتمبر 62م كانت ثورة نخبة من أجل الشعب، أما اليوم فالثورة ثورة الشعب نفسه، وأعتقد أنه إذا تحولت الثورة اليوم إلى ثورة نخبة فإنها ستكون محتكرة وسيكثر عليها الأوصياء، ولهذا فإن مهمة المجلس الوطني ينبغي ألا تكون مهمة وصاية على هذه الثورة.. المعلوم في هذا الوضع أن القبيلة في ثورة 26سبتمبر لم تحضر بمكوناتها وجذورها الاجتماعية وإنما حضرت برؤوسها فقط، أما اليوم فعلى العكس من ذلك فإن القبيلة حضرت في هذه الثورة بجميع مكوناتها حيث حضر شيخ القبيلة، وإلى جانبه حضر الكثير من أفرادها وهم متواجدون اليوم في الساحات، وإذا قدر لا سمح الله أن حصل نوع من الاحتكار للثورة من قبل رؤؤس القبيلة فإن أول من يتصدى لهذا السطو هم أبناء القبيلة نفسها، وعلى هذا الأساس فإني اعتقد أن الثورة الحالية لن تقتصر مهمتها على إسقاط النظام بل ستمتد إلى إسقاط كل ما هو غير مرغوب فيه من أنظمة سواء في الأحزاب أو المكونات الاجتماعية أو المؤسسة العسكرية وستصبح هذه الثورة ثورة جذور في كل مكان وبالتالي سنشهد بعد الثورة أحزابا غير الأحزاب، ومكونات اجتماعية غير المكونات الاجتماعية القائمة اليوم... كل المكونات ستشهد بيروستيريكا جديدة على كل الأصعدة وسيستمر الفعل الثوري متواصلا على أكثر من صعيد بعد الانتهاء من عملية إسقاط النظام القديم لأن هذه العملية ليست سوى الحلقة الأولى من حلقات الفعل الثوري الذي يستهدف منظومة النظام العائلي في السلطة الحاكمة وسيمتد هذا الاستهداف لكافة أشكال المنظومة العائلية في الأحزاب والقبائل ومنظمات المجتمع المدني وفي كل مكان.
برأيك ما هي أولوية المجلس خلال أيامه الأولى حتى يؤتي ثماره؟
أولويات المجلس من وجهة نظري هو البدء في التحرك أولا على المستوى الإقليمي والدولي لإكساب الثورة الاعتراف المطلوب، وينبغي أن تعطى هذه المهمة للمجلس دون غيره، باعتبار هذا الأمر كان سبباً في الفراغ الذي كان موجودا في الثورة والذي ينبغي على المجلس الوطني سده على النحو الذي يعطي الانطباع لدى الأشقاء الإقليميين والشركاء الدوليين أن لدى هذه الثورة قيادة وطنية قادرة أن تعبر عنها، فإذا استطاع المجلس أن يقوم بمهمته على هذا النحو وانتزع المشروعية الإقليمية والدولية للثورة يكون بذلك قد أطلق الإشارة الأولى لشكل وطبيعة معالم النظام الجديد، وحينها نستطيع القول بأن هذا المجلس قد نجح فعلاً في مهمته واستكمل حلقة كانت مفقودة من حلقات الثورة، وبهذا الإجراء يمكن أن يكتمل البناء المؤسسي للنظام الثوري الجديد، وحينها سيحدث تناغم بين المجلس الوطني كرأس قائد، وبين الثوار كقاعدة أساسية وجذر شعبي متحرك وفاعل..
ما يتعلق بالمبادرة الخليجية سمعنا عن تفعيل جديد لها وتحرك مرتقب.. ترى هل لها من جدوى الآن؟
المفترض النظر للمبادرة الخليجية باعتبارها نتاج لجهد الثوار الهادف إلى إكساب الثورة مشروعيتها الإقليمية والدولية، وبمعنى أوضح أن الثوار في حقيقة أمرهم قد سعوا من خلال فعلهم الثوري إلى إكساب الثورة المشروعية الإقليمية والدولية المستحقة، فكان من نتاج هذا الجهد أن حضرت هذه المشروعية بصيغة المبادرة الخليجية كمعبر حقيقي لهذه المشروعية بصرف النظر عن سلبيات هذه المبادرة أو إيجابياتها إذ لم يكن للثوار من خيار آخر غير هذا الخيار الذي يمكن من خلاله إكساب ثورتهم المشروعية الإقليمية والدولية المستحقة..
ألا ترى أن الثوار أنفسهم هم من يصنعون شرعيتهم ويفرضونها بأنفسهم لا أن يطلبوها ويستجدوها من غيرهم؟
هذا مفهوم وارد، ولكنني أعتقد بحكم الواقع المعاش أن وضع اليمن سواء كدولة أو كثورة أو كشعب لم يصل بعد إلى المرحلة المتفوقة في المنطقة التي تمنحه القدرة على إجبار الآخرين على الانسياق والرضوخ لمطالبه الوطنية، وبالتالي لم يسبق لنا أن شهدنا أن ميزان القوى الاستراتيجي لهذه الدولة المعبرة عن سيادتنا أن أصبحت في أي يوم من الأيام أداة إجبار لأحد، ومثل هذا الوضع ينطبق على وضع الثورة باعتبار هذه الثورة في نهاية الأمر جزءاً من هذا الواقع المختل، ولهذا فإن إحساس اليمنيين بأن الدعم الإقليمي والدولي يظل يمثل حاجة لهم ولدعم موقفهم، وهو الإحساس الذي يجعلهم يحرصون على حصول مثل هذا الدعم.
أفهم من كلامك أنه كما كانت الدولة تستجدي المعونات هاهي الثورة أيضا تستجدي الاعترافات.. ما هذه المعادلة الطريفة؟
الواقع أن أي ثورة من الثورات تحتاج إلى الاعتراف الإقليمي والدولي وإلا كانت هذه الثورة نشازا ثورياً في عمقها الإقليمي وفضائها الدولي، وبالتالي تصبح هذه الثورة ثورة ناشزة، ولهذا ينبغي على الثورة أن تضمن السلم الإقليمي والسلم الدولي وأن تكون شريكة مع الأسرة الإقليمية والدولية في ضمان مثل هذا السلم والأمن وإلا كانت نشازا ثورياً وبالتالي سيتم مواجهتها.
ألا ترى أن الثورة في حقيقتها لا تستجدي ولا تطلب بقدر ما تفرض وتصنع اعترافات كأمر واقع؟
حضور المبادرة الخليجية هو نتاج لإجبار ثوري من قبل اليمنيين، ولولا هذا الإجبار ما حضرت هذه المبادرة الخليجية، لأنه قبل هذه الثورة ما كان بمقدور دول الخليج في يوم من الأيام أن تتقدم بمبادرة لنقل سلطة الرئيس صالح باعتباره رئيس لدولة تتمتع بمشروعية سيادية مستقلة لولا الفعل الثوري الذي دفع بدول الخليج إلى تجاوز هذا الوضع السائد ومن ثم التقدم بهذه المبادرة التي تنص صراحة على نقل سلطة الرئيس صالح خلافاً للمألوف.
لكن هذه المبادرة في النهاية وصلت إلى طريق مسدود؟!!
إذا صح مثل هذا الكلام، وتبين فعلاً بأن المبادرة الخليجية قد وصلت إلى طريق مسدود فإن هذا يعني أن المنظومة الحاكمة في الدول الست لمجلس التعاون الخليجي قد وصلت إلى اختناق حقيقي لكامل منظومتها الإقليمية وهي مشكلة كبرى لهذه المنظومة الإقليمية الحاكمة في هذه المنطقة وليست مشكلة لثورة الشباب اليمني بل إن هذه الثورة تصبح هي التي أوصلت هذه القوة الإقليمية إلى مرحلة الاختناق الحقيقي وأعجزتها عن القيام بأي دور إقليمي، وعلى هذا الأساس نستطيع القول إلى حد الآن بأننا لا ننظر إلى المبادرة الخليجية بصفتها استشارة قانونية صادرة من مركز قانوني، بل إننا نعتبرها مبادرة إقليمية صادرة عن منظومة دول ضاغطة لها دورها الإقليمي والدولي في المنطقة، وأنها إذا قالت تفعل، فإذا عجزت هذه الدول عن دعم قولها بفعلها في هذه المبادرة فإن هذا لا يعني بالمنظور العادي سوى أن النظام الإقليمي بمنظومته السياسية والإقليمية وشرعيته الدولية في المنطقة قد عجز عن حل المشكلة اليمنية وهذا مؤشر على انهيار هذه المنظومة الإقليمية، وهي أول ضربة تسديدية تسجل للثورة في وجه هذا النظام الإقليمي، ومثل هذا الفعل الثوري هو فعل غير عادي ولن ينظر إليه دولياً إلا على هذا الأساس.
الموقف الدولي هنا غائب أو شبه غائب إلى حد ما هل أوكل القضية برمتها إلى الوكلاء الحصريين في المنطقة؟
أريد أن أقول أنه لا يوجد موقف دولي خاص تجاه اليمن وبالتالي لا توجد سياسة أمريكية أو أوروبية خاصة تجاه اليمن بمفرده، ولهذا عادة ما نجد الأمريكيين والأوروبيين يقولون في تصريحاتهم إن: سياستنا في المنطقة كذا وكذا، وإن موقفنا في المنطقة كذا وكذا، واليمن تدخل ضمن هذه المنطقة، فأحيانا يدرجونها ضمن منطقة الخليج العربي وخاصة إذا كان الموقف يتعلق بشأن من شئون الديمقراطية باعتبار أن اليمن هي الوحيدة في المنطقة لها حضور في الشأن الديقراطي ولو كان شكلياً، وأحيانا يدرجونها ضمن منطقة القرن الأفريقي إذا ما تعلق الأمر بشئون الإرهاب والانفلات الأمني، ولهذا عندما حصلت الثورة فمن البديهي أن تسلم الولايات المتحدة الأمريكية والمجتمع الأوربي اليمن للسعودية، باعتبار السعودية محور الارتكاز في هذه المنطقة.
سمعنا عن اندحار القاعدة وفلولها من محافظة أبين بعد طول عراك لأشهر وبطريقة غامضة، وقد احتفل بالانتصار السلطة والمعارضة وكل منهما يدعي حسمه للقضية.. كيف تنظر إلى العملية منذ بدايتها؟
الجديد الذي أحب أن أشير إليه في هذا الأمر أنه وبعد أن تمكن اللواء 119 بقيادة فيصل رجب واللواء 201 بقيادة الصبيحي من الوصول إلى زنجبار والتحامهم باللواء 25ميكا بقيادة القائد المناضل محمد الصوملي وفك الحصار عن هذا اللواء المغوار، وصلتني رسالة من أحد الأصدقاء الأمريكيين يقول فيها بالنص: (( لقد بدأت قوات اللواء 119 بقيادة الجنرال رجب التابع لفرقة الدروع التي يقودها الجنرال علي محسن القائد العام لقوات الدروع والمؤيد لثورة التغيير بالتموضع العسكري في القطاعات المهمة في زنجبار تمهيداً لإخضاع المنطقة للتمشيط الأمني وذلك بتقسيم المنطقة إلى قطاعات ودوائر وفق مقترحات عسكرية وأمنية بحتة ذات صلة بالوضع الاجتماعي والديموغرافي وعلى ضوء مخططات وخرائط جوية محكمة تم التقاطها للمنطقة)).. وأضاف في رسالته: ((..فعلاً لقد كانت هذه الحرب نوعية ومتقدمة بكل المقاييس وقد كتب لها النجاح بعد إن تهاوت مواقع الإرهابيين تحت الضربات الجوية الناجحة للطيران الأمريكي، وتمكنت قوات الدروع وكذا اللواء 201 من الوصول إلى زنجبار ليعانقوا زملاءهم في اللواء 25ميكا وهم محاطون بحماس الزنجباريين وحرارة مشاعرهم عند خروجهم لاستقبالهم كقوات تحرير، وهو الحماس الذي ترافق مع خشوع مسلمي زنجبار أثناء صلاة الظهر ذلك الخشوع الممتزج بمشاعرهم الفياضة وصلواتهم ودعائهم، وهو ما أعطى هذه الحرب المشروعية ومنحها الدفء المستحق إنها عزاء متجدد من المواطنين الزنجباريين للمواطنين الأمريكيين بذكرى 11سبتمبر الأسود)).